الحركة الكردية وثقافة التماشي مع الفكر الشمولي *

فرحان مرعي
ثقافة بالروح بالدم نفديك ( ……..) , ليس غريباً عند الشرقيين عموماً ظاهرة تمجيد الفرد الزعيم المنقذ , أو القائد المعجزة الذي يأتي في اللحظة الحرجة لينقذ شعبه من الظلم والمعاناة بعد طول القهر والانتظار , فتعلق الجماعة           ( الجماهير ) بالفرد الخارق , نصف بشري , نصف إلهي ثقافة شرقية بامتياز , فالشعب والأمة يختزلان في القائد والقائد ضمير الأمة ووجدانها ومستقبلها وإن مات ماتت الأمة ….

لذلك ينتظر الشرقييون دائماً الإنجازات الكاملة على يد المسيح المخلص أو المهدي المنتظر ..
 إن لكل الشعوب والمجتمعات قوادها وزعمائها التاريخيين , أبطال الحروب والاستقلال والملاحم ومن حق هذه الشعوب احترام وتقدير هؤلاء على ما قدموه من تضحيات وإنجازات في سبيل وطنهم وتعليق صورهم على جدران بيوتهم وقص حكاياتهم وبطولاتهم وتراثهم لأولادهم وأحفادهم والاحتفاظ بذكرياتهم ….إلا أنه يجب أن ندرك إن الحياة تتغير والماضي يصبح تاريخاً وتراثاً والأبطال يصبحون أسلافاً وأجداداً ولكل عصر رجاله , والشعب هو مصنع الأبطال والزعماء والبارزين الذي لا ينضب , كما علينا أن ندرك إن الوطن والإنسانية هم الأغلى ولهم ترفع الرايات والشعارات والأهازيج والأغاني ….

ومع ذلك – نحن الكورد – في سوريا نموذجاً .
ما زلنا نعيش في الماضي على الطريقة السلفية كإحدى خصائص الفكر الشمولي , نتمسك بثقافته كقيم وعادات ثابتة , نقدس الأفراد وكأن مصير مرتبط بهم – سواء كانوا زعماء سياسيين أو مثقفين أو رجال دين ..

وللمفارقة قد يكون هؤلاء ليسوا من هذا الجزء من كردستاننا – فالملاحظ أو المتتبع على الساحة الشعبية والسياسية بدرجة ما يجد وكأن المجتمع الكوردي منقسم على ذاته بين زعماء وقادة في علاقة عاطفية جماهيرية ساذجة ( أنا هنا لا أناقش شخصيات معينة ) بقدر ما أتناول بالبحث ظاهرة التقديس ( تقديس الفرد بين الناس ) كظاهرة ثقافية مرضية من تفاهات الحزب الواحد والفكر الواحد , لأن مثل هذه الثقافة تصنع شخصيات خاضعة متملقة ويخلق مجتمعاً مشوهاً متملقاً انتهازياً , إننا عندما نستهزأ و لا نقبل أو لا نستسيغ ثقافة بالروح بالدم نفديك ( … ) عند الشعوب الواحدية علينا أن نحرر أنفسنا من هذه الثقافة الساذجة ونكرس بدلاً منها ثقافة حب الوطن , وطن الأرض , وطن الإنسان , وطن المواطنة , لا وطن الزعيم أو الجماعة أو الطائفة , لأنه مهما علت قامة الفرد أو القائد وكبرت تضحياته لن يكون بقامة الوطن طولاً و لا مقدساً كقدسية الأرض ولا نقياً كنقاء روح الشعب .

– ثقافة الإقصاء : وهي من ثقافة الحزب الواحد ,والفكر الخالد ومن ثقافة خير أمة أخرجت للناس الذي يرفض الآخر , ويرفض التعدد و الاختلاف والمشاركة ..

فمثلاً فحزب البعث يقود الدولة والمجتمع وفقاً للدستور ونظرية الإقصاء , مقصياً كافة التيارات السياسية الأخرى وكأن الدولة والمجتمع قطيعاً من الغنم يساق وفق مشيئة الراعي الأول ,فالإقصاء في الواقع يبدأ من البيت إلى أعلى المراتب والهيئات في المجتمع , فالأب يقصي الأولاد , والكبار يقصون الصغار , والرجال يقصون النساء , الأغلبية تقصي الأقلية , الحزبي يقصي المستقل و يهمشه , الدولة تقصي الشعب , المسلم يقصي المسيحي , السني يقصي الشيعي وبالعكس , القديم يقصي الجديد , ( قانون عسكري في سوريا يقول : الأقدم منك يوم يزحفك دوم ) القائد في معظم الأحزاب الكردية يقصي قواعده عن حرية الرأي والتعبير ويحدد دوره في الخضوع للنظام الداخلي والهيئات العليا والمؤتمر والبعض الآخر يعتبر نفسه الأب الروحي وحزبه حزب الأم وعلى الآخرين الارتماء في أحضان أمهم الأولى وتقديم آيات الخضوع والطاعة لها والحزب الأقدم يرفض الحوار مع الجديد فكل جديد بدعة والبدعة ضلال وفي النتيجة : الجميع يقصي الجميع .

–  ثقافة الخطوط الحمراء : وهي نظرية في انعدام الحرية وتناقضها تماماً , ومنها  تكونت ثقافة الخوف فما دام هناك خط أحمر يعني هناك خوف من تجاوزه والبوليس السري وشرطي الضمير والفكر … ويبدو من هذه الثقافة  ( التفاهة ) إن حياتنا كلها مرسومة على أساسات من الخطوط الحمر,  فالكل يطرح خطوط حمراء, النظام , المجتمع , رجال الدين الحركات السياسية , حتى الشوارع والحارات لها خطوطها الحمراء لا يجوز نتجاوزها , هناك بعض الحارات في دمشق تحرم على العامة الدخول إليها دون مساءلة ( أحدهم ) إلى أين ؟ لأنها حارات النبلاء  , وكل مطلب كردي يتجاوز حق المواطنة هو خط أحمر وتجاوزه وخيمة العواقب أقلها  السجن , ومقدس النظام ( الكرسي ,السلطة ) لا يجوز لأحد رغبة امتلاكها أو التحكم بها , والسكرتير العام في معظم الأحزاب الكردية  له منطقة الجزاء الخاصة به و لا يجوز لأحد العب فيها , كما أن شخصه فوق النقد ….

ولكل خرق ثمنه , السجن من قبل السلطة والإقصاء من قبل الحزب وتشويه الصورة والسمعة , والمجتمع قوانينه صارمة وعصملية لا تتغير مع تغير الزمن تبقى ثابتة ( هذا ما وجدنا عليه آبائنا وأجدادنا ) والرجل الدين خط أحمر بذاته لأن شخصيته ممتزجة مع شخصية الإله فكل اقتراب منه بالسوء يعرض صاحبه إلى قطع اليد أو إلى نار جهنم ….

فهو ظل الله على الأرض … هكذا نحن , الكل يتماهى مع ثقافة الشمولية من تحية الصباح إلى طريقة النوم , نسخ واحدة , عقول معلبة ( بالروح بالدم نفديك يا ظالم )

 ———–
* نقلا عن جريدة المستقبل (pêşeroj) العدد (7) الصادرة عن تيار المستقبل الكردي     

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…