محسن جوامير ـ كاتب كوردستاني
تناهى إلى الأسماع خبر مفاده أن البرلمان الكوردستاني قرر إعتبار الكرمانجية الجنوبية ـ أي السورانية ـ اللهجة المشتركة في جنوب كوردستان، وبالتالي إعتمادها لغة المخاطبات الرسمية والتعليم في المدارس والمعاهد والجامعات في أنحاء البلاد، وذلك كخطوة أولى لبناء صرح كوردستان الموحد بحيث تنتهي حالة الإنقسام اللهجوي.
لابد من ذكر أن اللهجة الكرمانجية الجنوبية أصبحت منذ أكثر من قرن من قبيل اللهجة المشتركة في جنوب وشرق كوردستان، وتوج ذلك رسميا بعد إتفاقية آذار 1970 حيث أصبحت الدراسة في كل جنوب كوردستان باللغة الكوردية وباللهجة المذكورة، وكذلك جميع الأنشطة الثقافية والأدبية، إضافة إلى انها دُرست في كثير من المناطق العراقية، حتى في البصرة.
وللعلم فان لهجة الزعيم الراحل مصطفى البارزاني الأصلية كانت الكرمانجية الشمالية ـ أي البادينية ـ ، ولكن جل خطبه وخطاباته كانت بالكرمانجية الجنوبية ـ أي السورانية ـ ، ونفس التوجه ينطبق على ولده كاك مسعود وحفيده نيجيرفان.
نستشف مما ذكر أن جل قادة الكورد أجمعوا ضمنيا وعمليا على جعل الكرمانجية الجنوبية لغة الكتاب والخطاب، أي جعلها بمثابة لهجة قريش بين أخواتها، مع الإحتفاظ والإستئناس ببقية اللهجات والقراءات السبع الأخرى كما يقال.
إن صح الخبر، فهو من المُبَشرات، لانه مهما كانت الأعذار والمسوِّغات فان الدراسة والكتابة بعدة لهجات تعتبر إشارة خطر حمراء ونذيرا لتعرض الأمة الواحدة إلى إنشقاقات وتشرذمات لهجوية، بحيث يصل الأمر ـ شئنا أم أبينا ـ أو تفلسفنا ـ إلى نشوء الشعوب والقبائل في رحم شعب واحد، شيئا فشيئا، عاجلا أم آجلا، كحال شعوب اللغات التي تنبع أصلا من أرومة واحدة.
وهذا ليس قولي وإنما هو قول علم وعلماء الألسن واللغات واللهجات..
لذا يستوجب النظر إلى الأمور والمشاكل بواقعية.
مهما قيل بأن الأمر ممكن حله مع مرور الوقت وبالتزامن مع إستعمال اللهجات‘ فان هذا لا يعدو أن يكون خداعا للنفس وركضا وراء الأمنيات التي تخالف حركة ومنطق التاريخ في تطور اللهجات، إن لم تضبط حفظا من التجزئة والإنقسام..
وتسليم مثل هذه القضايا للقدر والرهان على المستقبل والتسويف في المعالجة كما نلاحظ ونقرأ في بعض الأحيان، ليس إلا محض خيال ومجرد معاكسة للسنن التي تشكل على ضوءها اللهجات واللغات حتما..
أي إن العكس سيكون هو سيد الموقف في مثل هذا الحال، وهو أن كل لهجة ـ على الرغم من إنتماءها إلى أصل واحد مع باقي اللهجات ـ تتحول إلى لغة مستقلة مادامت اُعتمدت في التدريس مثلا، بالرغم من وجود التشابه والتقارب الكبيرين في القواعد أو المفردات فيما بينها وبين اللهجات الاُخرى، والحالة الأسكندنافية أسطع مثال على ذلك، حيث إنك قلما تجد سويديا لا يفهم الدانماركية أو النرويجية، وكذلك العكس، هذا في حال كون كل لغة فيها مستقلة وأصحابها أمم مستقلة.
سبق وأن ذكرت في رسالة ـ بالكوردية ـ موجهة لرئيس الدولة كاك مسعود البارزاني، خطورة إعتماد عدة لهجات في الدراسة، وبالتفصيل.
ولم يكن مهماً عندي أية لهجة تكون هي الرئيسة، وإنما الأهم هو أن تقتصر على واحدة، وبغض النظر عن قلة او كثرة المتكلمين بها، وبهذا نضمن وحدتنا القومية إلى يوم القيامة، وإلا فلا أشك بأننا ـ وبعد خمسين سنة من الدراسة بمجموعة لهجات ـ نصبح اقواما يقال أنهم كانوا كوردا.
وقد كتبت لسيادته ايضا أن لو كانت الدكتاتورية خطيئة في كل شئ، فانها حسنة في فرض لهجة معينة لتوحيد اللغة والأدب، والحسنة بعشر أمثالها.!
لم أقرأ لحد الآن بأن ثمة في العالم أمة متقدمة وواحدة تقرأ أبناءها بلهجتين، لهذا لابد من إستيعاب الخطر والعمل على احتواء هذه الأزمة وإجتماع الكل على لهجة واحدة موحدة، وجعلها لغة فهم وتفاهم مشترك وبالسرعة الممكنة..
وهذا لا يعني تفضيل لهجة على أخرى، بقدر ما هو حرص على بقاء الكورد ـ بدون أي تخوف ـ كأمة واحدة، إن أردنا لها.
ولا يُقصد من هذا تهميش بقية لهجاتنا الأخرى والتقليل من أهميتها وشأنها، فاللهجات باقيات صالحات إلى يوم تشخص فيه الأبصار، ويمكن الإستفادة من كل لهجة في إغناء وإثراء اللغة الرسمية دائما وابدا، إضافة إلى كون اللهجات وما كتب بها أو ما يُتغنى بها يعتبر تراثا داعما ورافدا مضافا إلى ذخائر اللغة الفصحى.
وكذلك لا يعني هذا عدم مراعاة حالات إستثنائية وظرفية خاصة في بعض الأقاليم لحين توفر الشروط الموضوعية، مع إلتزام التمحور حول اللغة المشتركة السائدة رسميا والطواف حولها وإيجاد الآليات اللازمة وتأهيل الكوادر الكفوءة لتعميمها في كل بقعة من الوطن.
ثم لا يخفى على احد بان اللغة الكوردية هي اللغة الرسمية الثانية في الدولة الفيدرالية وسوف تدخل حيز التطبيق وتصل حتى إلى الأهوار والصحاري، وستكون موضع إهتمام شعوب المنطقة كذلك..
لذا من الضرورة بمكان أن تستقر الرأي على إعتماد وإختيار لغة الفصحى من بين لهجاتنا، حتى يتسنى لجميع الأطياف أن يتفاهم مع جميع الكورد، وكذلك تزداد الحماسة على تعلمها.
إن تنفيذ هكذا مقررات لن يكون سهلا بطبيعة الحال، ولاشك إنه بحاجة إلى وقت وجهد وآليات، وأعداء الكورد لم يعطوا الفرصة لهم ليشتغلوا قبل عقود وفي إطار دولتهم ـ كباقي الشعوب والأمم التي قد تزداد لهجاتها عن الكوردية ـ على هذا الأمر والتفكير بجد في قضايا جد مهمة كقضية توحيد اللغة.
ولكن لا يُبْنى كل شئ ولا يتحقق كل إنجاز خلال جيل واحد، وإنما هو عملية مستمرة.
ولعل من حسن حظ الكورد إن الآخذين بزمام أمور كوردستان اليوم، بجانب كونهم ساسة فانهم مثقفون وواعون وقراء للتأريخ والجغرافية والسياسة.
وفي الختام، يكون من المستحسن والممتع أن يعلم القارئ الحبيب لهذا المقال بأن جدتي ـ لأمي ـ كانت تتكلم اللهجة الكرمانجية الشمالية ـ البادينية ـ ، وإن جدي ـ لأبي ـ كان يتكلم اللهجة الكرمانجية الجنوبية ـ السورانية ـ ..
وعسى أن يتكلم ويسطر أبناءنا واحفادنا من بني كوران واحمدي خاني وجزيري ومولوي وسيدي هورامي والدكتور عبدالله الهرشمي والملا أفندي والعلامة إبراهيم الدوغرمجي و زبير بلال وجكرخون والشهيد نافع عقراوي وهه زار وهيمن والخزنوي وحبيب محمد كريم الفيلي والمردوخي وعربي شمو، باللغة الكوردية الموحدة وفي أقرب فرصة باذن الله.
!
وللعلم فان لهجة الزعيم الراحل مصطفى البارزاني الأصلية كانت الكرمانجية الشمالية ـ أي البادينية ـ ، ولكن جل خطبه وخطاباته كانت بالكرمانجية الجنوبية ـ أي السورانية ـ ، ونفس التوجه ينطبق على ولده كاك مسعود وحفيده نيجيرفان.
نستشف مما ذكر أن جل قادة الكورد أجمعوا ضمنيا وعمليا على جعل الكرمانجية الجنوبية لغة الكتاب والخطاب، أي جعلها بمثابة لهجة قريش بين أخواتها، مع الإحتفاظ والإستئناس ببقية اللهجات والقراءات السبع الأخرى كما يقال.
إن صح الخبر، فهو من المُبَشرات، لانه مهما كانت الأعذار والمسوِّغات فان الدراسة والكتابة بعدة لهجات تعتبر إشارة خطر حمراء ونذيرا لتعرض الأمة الواحدة إلى إنشقاقات وتشرذمات لهجوية، بحيث يصل الأمر ـ شئنا أم أبينا ـ أو تفلسفنا ـ إلى نشوء الشعوب والقبائل في رحم شعب واحد، شيئا فشيئا، عاجلا أم آجلا، كحال شعوب اللغات التي تنبع أصلا من أرومة واحدة.
وهذا ليس قولي وإنما هو قول علم وعلماء الألسن واللغات واللهجات..
لذا يستوجب النظر إلى الأمور والمشاكل بواقعية.
مهما قيل بأن الأمر ممكن حله مع مرور الوقت وبالتزامن مع إستعمال اللهجات‘ فان هذا لا يعدو أن يكون خداعا للنفس وركضا وراء الأمنيات التي تخالف حركة ومنطق التاريخ في تطور اللهجات، إن لم تضبط حفظا من التجزئة والإنقسام..
وتسليم مثل هذه القضايا للقدر والرهان على المستقبل والتسويف في المعالجة كما نلاحظ ونقرأ في بعض الأحيان، ليس إلا محض خيال ومجرد معاكسة للسنن التي تشكل على ضوءها اللهجات واللغات حتما..
أي إن العكس سيكون هو سيد الموقف في مثل هذا الحال، وهو أن كل لهجة ـ على الرغم من إنتماءها إلى أصل واحد مع باقي اللهجات ـ تتحول إلى لغة مستقلة مادامت اُعتمدت في التدريس مثلا، بالرغم من وجود التشابه والتقارب الكبيرين في القواعد أو المفردات فيما بينها وبين اللهجات الاُخرى، والحالة الأسكندنافية أسطع مثال على ذلك، حيث إنك قلما تجد سويديا لا يفهم الدانماركية أو النرويجية، وكذلك العكس، هذا في حال كون كل لغة فيها مستقلة وأصحابها أمم مستقلة.
سبق وأن ذكرت في رسالة ـ بالكوردية ـ موجهة لرئيس الدولة كاك مسعود البارزاني، خطورة إعتماد عدة لهجات في الدراسة، وبالتفصيل.
ولم يكن مهماً عندي أية لهجة تكون هي الرئيسة، وإنما الأهم هو أن تقتصر على واحدة، وبغض النظر عن قلة او كثرة المتكلمين بها، وبهذا نضمن وحدتنا القومية إلى يوم القيامة، وإلا فلا أشك بأننا ـ وبعد خمسين سنة من الدراسة بمجموعة لهجات ـ نصبح اقواما يقال أنهم كانوا كوردا.
وقد كتبت لسيادته ايضا أن لو كانت الدكتاتورية خطيئة في كل شئ، فانها حسنة في فرض لهجة معينة لتوحيد اللغة والأدب، والحسنة بعشر أمثالها.!
لم أقرأ لحد الآن بأن ثمة في العالم أمة متقدمة وواحدة تقرأ أبناءها بلهجتين، لهذا لابد من إستيعاب الخطر والعمل على احتواء هذه الأزمة وإجتماع الكل على لهجة واحدة موحدة، وجعلها لغة فهم وتفاهم مشترك وبالسرعة الممكنة..
وهذا لا يعني تفضيل لهجة على أخرى، بقدر ما هو حرص على بقاء الكورد ـ بدون أي تخوف ـ كأمة واحدة، إن أردنا لها.
ولا يُقصد من هذا تهميش بقية لهجاتنا الأخرى والتقليل من أهميتها وشأنها، فاللهجات باقيات صالحات إلى يوم تشخص فيه الأبصار، ويمكن الإستفادة من كل لهجة في إغناء وإثراء اللغة الرسمية دائما وابدا، إضافة إلى كون اللهجات وما كتب بها أو ما يُتغنى بها يعتبر تراثا داعما ورافدا مضافا إلى ذخائر اللغة الفصحى.
وكذلك لا يعني هذا عدم مراعاة حالات إستثنائية وظرفية خاصة في بعض الأقاليم لحين توفر الشروط الموضوعية، مع إلتزام التمحور حول اللغة المشتركة السائدة رسميا والطواف حولها وإيجاد الآليات اللازمة وتأهيل الكوادر الكفوءة لتعميمها في كل بقعة من الوطن.
ثم لا يخفى على احد بان اللغة الكوردية هي اللغة الرسمية الثانية في الدولة الفيدرالية وسوف تدخل حيز التطبيق وتصل حتى إلى الأهوار والصحاري، وستكون موضع إهتمام شعوب المنطقة كذلك..
لذا من الضرورة بمكان أن تستقر الرأي على إعتماد وإختيار لغة الفصحى من بين لهجاتنا، حتى يتسنى لجميع الأطياف أن يتفاهم مع جميع الكورد، وكذلك تزداد الحماسة على تعلمها.
إن تنفيذ هكذا مقررات لن يكون سهلا بطبيعة الحال، ولاشك إنه بحاجة إلى وقت وجهد وآليات، وأعداء الكورد لم يعطوا الفرصة لهم ليشتغلوا قبل عقود وفي إطار دولتهم ـ كباقي الشعوب والأمم التي قد تزداد لهجاتها عن الكوردية ـ على هذا الأمر والتفكير بجد في قضايا جد مهمة كقضية توحيد اللغة.
ولكن لا يُبْنى كل شئ ولا يتحقق كل إنجاز خلال جيل واحد، وإنما هو عملية مستمرة.
ولعل من حسن حظ الكورد إن الآخذين بزمام أمور كوردستان اليوم، بجانب كونهم ساسة فانهم مثقفون وواعون وقراء للتأريخ والجغرافية والسياسة.
وفي الختام، يكون من المستحسن والممتع أن يعلم القارئ الحبيب لهذا المقال بأن جدتي ـ لأمي ـ كانت تتكلم اللهجة الكرمانجية الشمالية ـ البادينية ـ ، وإن جدي ـ لأبي ـ كان يتكلم اللهجة الكرمانجية الجنوبية ـ السورانية ـ ..
وعسى أن يتكلم ويسطر أبناءنا واحفادنا من بني كوران واحمدي خاني وجزيري ومولوي وسيدي هورامي والدكتور عبدالله الهرشمي والملا أفندي والعلامة إبراهيم الدوغرمجي و زبير بلال وجكرخون والشهيد نافع عقراوي وهه زار وهيمن والخزنوي وحبيب محمد كريم الفيلي والمردوخي وعربي شمو، باللغة الكوردية الموحدة وفي أقرب فرصة باذن الله.
!