الحركة الكردية في سوريا .. بين آفاق تطور القضية وواقع الصدمة !!

عبد الرحمن آلوجي

يدرك بجلاء وعمق كل متابع للقضية الكردية ومهتم بشأنها , مدى التطور المتسارع والمتحرك في آفاق القضية الكردية وأبعادها , ومقتضيات عمل سياسي بات يطرق الأبواب من أشد الناكرين لها , ومن أكثر الأوساط المتجاهلة لوجود الكرد , من القادة والمفكرين الترك الطورانيين, الذين راهنوا زمنا طويلا على احتواء أمة..

استعصت على الاحتواء والتذويب , لعمق جذورها في التاريخ , وعظمة تحديها للفناء , ممن يراهنون على حل القضية , وفق قاعدة متحركة وجديدة , تبدي اهتماما ملحوظا بما يعانيه الساسة والمفكرون الجادون من عقم الحل العسكري , والآخر الرافض والمتقوقع والحالم بضرورة اعتماد الأسلوب الهمجي في القمع والتصفية والملاحقة والمعتقلات
 مما بات من مخلفات فكر طوباوي مهترئ ومتداع , لم يعد يصلح لطوح الدخول إلى المجتمع الدولي وتجمعاته ومنابره في ظل سجل أسود متعنت وبائس, في وقت بات المجتمع الدولي ومحطاته العلمية على أبواب طرق عوالم فضائية جديدة والبحث عن حضارات قد تكون قد قطعت أشواطا متقدمة وفق دراسات علمية موثقة… وفي الوقت الذي باتت كل ممارسة فاشية واستبدادية تحت المجهر العالمي الذي يرصد – من خلال هيئاته وجمعياته ومنظماته ورجال الصحافة والقانون بلا حدود – كل صغيرة وكبيرة في خرق حقوق الإنسان , أفرادا وجماعات ومنظمات , في حين نجد في الجانب المنجز , والمتبلور في طابع الحل الفيدرالي للمسألة الكردية في الجنوب ” كردستان العراق “, أمرا لا بد من حسمه, رغم حسرات وتأوهات الغارقين في الفاشية والعنصرية, من المتداعين إلى تعطيل منجزات الدستور وضرب مواده , ووقف العمل بالمادة / 140/ وأحكامها , ووقف الاستفتاء والتطبيع والمماطلة فيهما, والسعي – ومن خلال مؤامرات أمنية وسياسية خطيرة للنيل من العملية السياسية برمتها والتآمر على كل منجز ومكسب وتطور, في حنين جارف إلى الماضي , وتباك على ماض دموي لنظام مركزي عنصري غابر, تذكر بواقع جائر محفوف بأبشع وأشنع الفتن والمكاره ..

ملفوف بالدخان والرماد والدم والدموع , من بقايا فكر وتوجه ذوي المقابر الجماعية والاستئصال المؤنفل, والإبادة العارمة والوحشية, لتنتصر إرادة السلام والأمن والمدنية والديمقراطية في النهاية , وينعم المجتمع الكردستاني خاصة والعراقي عامة بثمرات النضال الصارم والدؤوب , وما أريق من تضحيات جسام .

في ظل هذه الأوضاع ومن خلال هذه التطورات وتداعياته, وآفاق القضية الديمقراطية والوطنية وملامح المد الإقليمي والعالمي , والاتجاه الواضح إلى عالم ينبغي أن تنتفي منه صور القتل والفتك والإرهاب

وتبهر أنوار وقيم المدنية وتلوح ملامح التحضر والانفتاح على حقوق الإنسان وقضايا الشعوب , وتبرز معالم شرق جديد , وتأخذ القضية الكردية بعدها تدريجيا , في هذا الوقت المتسارع والدقيق نجد أنفسنا في الحركة الكردية في سوريا أمام واقع الصدمة , هذا الواقع المرير الذي يتحدد في معطيات لم تعد خافية على أي مراقب أو محلل سياسي , في ضوء ما نشهده من تراجع في الأداء, وضعف في المعالجة , وفقر في التفعيل , وبؤس في التعاطي مع استراتيجية العمل الوحدوي ” في الاندماجية والتأطير ” , وإخفاق مريع من صناع الكارثة التقسيمية المتشظية..

من الارتقاء فوق الذاتية المتورمة , والنموذج الانتقامي البائس, تحت ذرائع وحجج , وادعاءات فارغة من كل محتوى ..

إلا من الجدية والفاعلية والتعليل الموضوعي والصادق, والخالي من لغة البحث عن الهوية البرامجية الضائعة , والمبادرة إلى عمل سياسي ناشط وجاد بعيد عن حزبية متهافتة وضيقة , وتوجسات وهموم شخصية تفتقر إلى كثير من الثقة والمصداقية ونبل الهدف , مما يفرغ الأطر القائمة والمتداعية من محتواها وواقعية عملها وجدية ما قامت من أجله أولا, ويمنعها من تلمس المشاريع والبرامج المطروحة “من مرجعية , ومجلس سياسي, ومؤتمر وطني , ورؤية مناطقية ..” يمنعها من تلمسها بقوة وفاعلية وجدية ثانيا , كما يعيق أي تواصل وتداول شاملين وجامعين لكل الأطراف داخل وخارج الأطر ثالثا , مما يوقع في إرباك وبلبلة مريعين , لا يكادان يرقيان إلى إجابة مقنعة لجماهير الكرد والنخبة والمثقفين ..

المتعطشين إلى عمل سياسي مثمر , واضح البصمات, من شأنه أن يرقى إلى مستوى المرحلة وتطوراتها ومعطياتها , وما يراد لها وما تريده وتسعى بهمة إليه !! وما تلزمه مقتضيات وآفاق القضية وتطوراتها , كل ذلك والحركة تخوض – في جلساتها ولقاءاتها وجدلها وتواقيعها – معاناة مستديمة , ودوامات منهكة…  بعد طول مداولات ومناقشات ومماحكات عريضة , لم تأت إلا بمزيد من التمزق والانحسار والتفتت والتراجع , لغياب الشعور الرفيع بالمسؤولية التاريخية , والرؤية الإرادية المبادرة والمتفانية والموضوعية , والخارجة على مألوف الذاتية الانتقامية المتضخمة, والرؤية الحزبية القاصرة , مما يوقع في الكثير من المتاهة والضياع, ومواجهة واقع الصدمة المؤلمة , مع تنامي حس الإعراض الجماهيري , والسخط المترامي يوما بعد يوم , والانفضاض عن الحركة , وضرب طوق حولها دون إرادة مسبقة , أو خطط مدروسة , إلا بما تجنيه هي على نفسها , تمزقا وصراعا وترهلا ..

, ليطرح الحساب التاريخي , وتطرح المسؤولية الوطنية والقومية نفسها بقوة وحسم ودقة , فهل من مراجعة حاسمة ؟؟! , وهل من محاسبة أمام الضمير ؟؟! وهل من عودة إلى الجادة ونبل الموقف, وسمو الرؤية ؟؟! .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…