ريزان شيخموس
يصعب الاتفاق على تعريف واحد للصحافة، ففي الوقت الذي يعتبرها البعض “إنتاجاً صناعياً وخلقاً فكرياً في آن واحد، يعتبرها الآخرون “مهنة مكرّسة للصالح العام، ولفضح الألاعيب والشرور وعدم الكفاءة في الشؤون العامة، مهنة لا تؤثر الحزبية في ممارستها، بل تكون عادلة ومنصفة لأصحاب الآراء المعارضة” (أدولف أوخس ) .
الإعلام والصحافة الحرّة سمة من سمات النظام الديمقراطي واحترام الرأي والرأي الآخر، لذا سميت الصحافة بالسلطة الرابعة تقديراً لدورها في خدمة المجتمع، وهو سلاح ذو حدين قد تبني وفي الوقت نفسه قد تهدم بسهولة إذا ما أسيء استخدامها.
فحين ننظر إلى تعريف الصحافة، سنجد أنها جمع للآراء والأخبار والمعلومات ونشرها في إحدى وسائل الإعلام كالجريدة والمجلة أو موقع الإنترنت أو الفضائية وغيرها، بنوع من حرية التعبير عن الرأي.
الصحافة جزء من الإعلام، إذاً الإعلام اشمل من الصحافة، ولهذه المهنة وظائف، هي جزء من الإعلام المبني على العلم والمعرفة الصادقة، فالإعلام بصورة عامة تعتبر السلطة الرابعة، ومن الممكن جداً أن يساء استخدام الإعلام كسلطة، ولئن كانت وظيفة الإعلام هي مراقبة السلطات الأخرى ومحاسبتها (فالسؤال المطروح هو: من يراقب الإعلام)؟
تتلخص مهمة الإعلام في النظام الديموقراطي بتقديم المعلومات الصحيحة للمواطنين، ويعد الحصول على المعلومات الصحيحة أمرا أساسيا في ديمومة أي نظام ديموقراطي، وذلك للسببين التاليين: أولهما، يساعد حصول المواطنين على معلومات صحيحة على اتخاذهم قرارات واعية ومسؤولة بشأن مستقبل بلدهم والطريقة التي يريدون أن يُحكموا بها، بدلاً من اتخاذ قرارات خاطئة أو مستندة على معلومات مغلوطة تضر في آخر المطاف بمصلحة البلد وبهم كمواطنين.
ثانيهما، يؤدي الإعلام من خلال تقديمه معلومات صحيحة وظيفة رقابية مهمة تعرف بخدمة الصالح العام لكشف أية ممارسات خاطئة أو غير قانونية أو فاسدة تمارسها مؤسسات الحكومة أو المجتمع المدني أو أي مؤسسة أخرى في المجتمع، وتؤثر سلباً على الصالح العام من خلال لفت الإعلام الانتباه لهذه الممارسات بغية تصحيحها، وتقديم المسؤولين إلى القانون لاتخاذ الحكم المناسب بحقهم.
إذاً أن إحدى فوائد هذا الوظيفة هي الرقابة على مختلف المؤسسات، شريطة ألاّ تتحول إلى بوق للجهة الحزبية، أو السلطة الناطقة باسمها، كل ذلك يتطلب حاملاً مهما ليمارس الصحفي وظيفته ودوره، أعني الإطار القانوني الذي يحميه إذا ما تحدّث عن مكامن الخلل بجرأة، وهو ما نفتقده في وسطنا بالرغم من وجود مواد في الدستور تكفل هذه الحرية لكن كل ذلك لم يخرج من الإطار النظري والى هذه اللحظة يعتقل الكثيرون بسبب آرائهم .
ومن أهم شروط إنجاح مهمة الإعلام الحرّ هو خلق ثقافة ديمقراطية في المجتمع حتى يقبل كل طرف بالآخر رغم انتماءاتهم الحزبية أو السياسية أو الفكرية المختلفة، وهنا يكمن دور وسائل الإعلام في إظهار حقيقة التنوع المعرفي واختلاف الآراء وثقافة الابتعاد عن الإقصاء والإرهاب الفكري والسياسي ووحدة الاختلاف والحاجة المعرفية للكل في خدمة قضيتنا القومية والوطنية والاجتماعية.
العوامل الأخرى المؤثرة في بناء مؤسسات إعلامية حرّة و ناضجة ومتميزة هي الكوادر والعاملين في هذه المهنة حيث ينبغي أن يلتزموا بالقيم المعرفية وأخلاقيات المهنة في تغطية الأخبار والأحداث ونقل المعلومات والمعرفة التامة بخبايا مهنة الإعلام التي تفترض الوعي المهني في التمييز بين الخبر وخلفية الخبر ويكسب بعدها بالتالي ثقة المتلقي الذي يهدف بالنتيجة لخدمته شرط أن ينقل المادة المعلنة بموضوعية تامة ولن أقول بحيادية لأنه لا يوجد حياد في الإعلام الجماهيري بل توجد الموضوعية .
لذلك أن مهمة الإعلام الحرّ والنزيه والمؤثّر هو السعي وراء الحقيقة وتقديمها إلى الناس حتى وإنْ كانت تلك الحقيقة جارحة أو مؤلمة، أو لا تتفق مع قناعات شرائح معينة من الجمهور المتلقي.
إن أسقطنا هذه الوقائع على الواقع الصحفي الكردي السوري على وجه الخصوص سيجد القارئ نفسه أمام مشهد إعلامي كردي مغيّب تماماً، فهو حزبي بمعظمه أشبه تماما بإعلام أية سلطة شمولية مع اختلاف شيء بسيط هو أن إعلام السلطات تكتب بحرية تدافع عن مصالحها، أما إعلام الأحزاب الكردية فهو الآخر يكتب على سجيته ولكن في سرية كونه ضحية لقانون المطبوعات المهترئ.
الإعلام الكردي أشبه بالمنشورات هذا إن أمكن إطلاق مصطلح الإعلام عليه بمقاربته للأحداث والمجريات، كيف يمكن أن نصنف موقع الإعلام الكردي من كل ما حدث ويحدث؟ وما هو الدور الذي يلعبه في تحسين معيشة الإنسان الكردي؟ وإلى أي مدى استطاع أن يواصل رسالته في دفع القضية الكردية نحو آفاق التطور وبخاصة بعد انتفاضة آذار عام 2004؟ وما هو الجمهور الذي يخاطبه ؟ وهل هذا الإعلام يشبع حاجات المواطن الكردي من المعلومات الثقافية والسياسية والفكرية التي يحتاجها ؟ وكيف تصنف الصحافة الكردية اليوم بما تقدمه من ثقافة ؟وإذا تحدثنا عن أزمة الإعلام الكردي في سورية، فلا بد أن نسأل: هل تكمن الأزمة في المثقف أم في السلطة، أم في عدم وجود الكوادر المتخصصة، أم أن الأزمة تكمن في الجمهور الكردي المتلقي لهذه المادة؟ وأين إعلامنا من مواكبة موضوعات العصر؟ أم صحيح ما يقال أنه إعلام يقتصر مهمته فقط على الأرشفة والتوثيق، إضافة إلى مسألة هامش الحرية للكاتب والخطوط الحمراء التي تقف أمام إبداعاته ؟ وإلى متى سيبقى المواطن الكردي أسير ثقافة منشورات الأحزاب ؟وحتى في مجال الإنترنت الذي تستخدمه القلة القليلة تعاني من نمطية وتكرار في وجوه عديدة، وإن كانت الوسيلة الأكثر سرعة في نقل المعلومة لكنها بحاجة إلى دعم أكثر بكثير مما نتصوره، ففي السنوات القليلة الفائتة كان القارئ ينتظر جريدته الصباحية بنهم، ولكن التكنولوجيا غزت حتى هذه العملية، الأحداث تتسارع، والإنترنت لا ينتظر الصباح، ولابد لنا أخذ ثقافة السرعة بعين السرعة، وترانا نتساءل هل قام إعلامنا الإلكتروني بمهمته؟ من هي الجهة المسؤولة التي تقع عليها أعباء تراجع إعلامنا وعدم فاعليته؟ أسئلة هامة بحاجة إلى أجوبة مكثفة وجهود موحّدة ليخرج هذا الإعلام من أزمته ليصبح لسان حال المواطن الكردي وليكن بالفعل المنبر الحرّ لهمومه ومشاكله
إن الإعلام الكردي في سورية لم يأخذ دوراً إيجابيا وحاسماً كما يجب أن يكون، وهذا ما جعله بعيداً عن التفاعل الفعلي مع مشكلات وهموم المواطن الكردي وواقعه المزري وبيئته المقيدة، ولعل غياب هامش الحرية ومسألة الرقيب التي تحكم الكلّ على السّواء كانت من جملة العوامل المعيقة، إضافة إلى أن معظم ما يكتب في منشوراتنا أو في بعض المجلات الكردية لا يتجاوز حدود نشره باب بيوتنا، و غياب عامل الجرأة في طرح الموضوعات التي تمس الواقع الكردي عبر مادة إعلامية موضوعية ومؤثرة، مع العلم أن هذه المادة الإعلامية موجهة فقط للشارع الكردي، أي لا تصل إلى الطرف الآخر في الوقت الذي نحن فيه بأمس الحاجة إلى ضرورة تنشيط الحوار الكردي مع كل الأطراف الأخرى كردية وعربية عبر طروحات و مواضيع قد تغيّر واقعنا العملي نحو آفاق الأفضل، ومن أهم أسباب تراجع إعلامنا هي غياب الكوادر المتخصصة، ناهيك عن أن من هم في دائرة صنع القرار يتحملون تبعاتها.
كلنا نعلم أن بناء أية مؤسسة إعلامية يتطلب توفر مناخات معينة لها، وحوامل معرفية وثقافية، وأطر تتجاوز حدود الحزبية الضيقة.
لذلك نحن أمام مشروع ضخم لبناء مؤسسة إعلامية حرة قوية تهتم بالشؤون الوطنية السورية العامة والكردية الخاصة لبناء ونشر ثقافة الديمقراطية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، حيث نعيش في عصر المعلوماتية والتقنيات المتسمة بالأهمية العالية في كافة مجالات الحياة، ولابد من تجاوز العقليات الحزبية الضيقة في التعامل مع كل المواضيع التي تخص شعبنا وقضيتنا القومية والإنسانية؛ والبحث عن الطاقات الشابة والمالكة لمواهب عظيمة لاكتشافها، وتفجير تلك الطاقات لديها لتخدم قضيتنا بشكلها الموضوعي والعلمي البنّاء، وهنا لا نريد الدخول في سلبيات ومآسي الصحافة الحزبية التي ساهمت بشكل كبير في خلق الثقافة الحزبية والتقوقع وتقسيم المجتمع الكردي على أساس الحزبية و الأيديولوجيا والإقصاء والإرهاب السياسي والفكري.
تأسيس مشروع إعلامي قادر على التأثير والتفاعل، وصولا إلى بناء خطاب ثقافي وسياسي يعبّر عن الشخصية القومية الكردية في سورية، شخصية مكتملة الجوانب والمالكة لقابلية التثقف دون أن تخشى الذوبان، لأنها تمتلك القدرة على طرح ذاتها القومية والوطنية والدفاع عنها، وتجسيدها واقعيا بشكل خلاق وحضاري .
لذلك وبالضرورة الابتعاد عن الإعلام الحزبي الضيق الذي أساء إلى القضية الكردية في الكثير من الأحيان، وتكون أية مؤسسة إعلامية خارجة عن سيطرة الأحزاب السياسية وإشرافها لكي تكون فعلاً حراً بأدائها، وتراقب بشكل جدي الأداء السياسي لهذه الأحزاب وتكشف كل السلبيات التي ترافق أعمالها وليكن واضحاً للجميع نحن أمام شعبٍ يمتلك كل مقومات الحياة، وبحاجة إلى الوضوح والشفافية في كل الأمور الخاصة بقضيتنا الكردية وتضغط بكل السبل لتوفير عوامل الوحدة في الخطاب السياسي الكردي وإفساح المجال للكوادر الإعلامية بالقيام بمهامهم على أكمل وجه بخصوص القضية الكردية من فضح لسياسات النظام اتجاه شعبنا وترجمة المواقف السياسية للقوى الكردية .
لهذا حتى نستطيع بناء هذه المؤسسة لابد من توفير الشروط الأساسية لديمومتها وهي :
1 – الاعتماد على الكوادر المتخصصة في مجال الإعلام .
2 – عدم التدخل في شؤون هذه المؤسسة من قبل الجهات الحزبية لتستثمرها لأغراضها الحزبية الضيقة .
3 – توفير كل مستلزمات المؤسسة الإعلامية من النواحي المادية والمعنوية والسياسية والفكرية .
4 – تبني هذه المؤسسة من قبل القوى السياسية الكردية وحمايتها والدفاع عنها .
ومن أهم المهام الأساسية لهذه المؤسسة الإعلامية هي:
1- الالتزام بالقضية الكردية كأهم مادة إعلامية قابلة للطرح والمناقشة من كافة النواحي السياسية والفكرية وآليات إيجاد حلول جدية لحلها من خلال نشر كل الآراء ورغم اختلافها .
2 – الاهتمام بمعاناة الإنسان الكردي ومشاكله وطرحه على كافة المستويات .
3 – دعم جهود المثقفين ذوي الآراء الحيادية وفتح قنوات للحوار معهم، وتبني كل مشروع إعلامي جديد والالتزام بثورة المعلوماتية المتسارعة .
4- الابتعاد عن الحزبية الضيقة في التعامل مع كل القضايا واعتبار كل الآراء المطروح قابلة للنقاش على مبدأ التنوع والاختلاف في الرأي.
5- الابتعاد عن أسلوب الخطاب الأدبي السائد وأسلوب التهجم ومحاولة قمع الآخر وكأن القضية الكردية قضية حزبية وليست قضية قومية تهم كل الأطراف.
6- توحيد الجهود والآراء والأفكار والتعاون بين معظم الإصدارات والابتعاد عن المنافسة غير الشريفة
7- الاهتمام بالكوادر المتخصصة ودعمهم مادياً ومعنوياً وفسح المجال أمام إبداعاتهم والاهتمام بمسألة التكنولوجيا والتقنيات الحديثة كوسيلة تطوير في الإعلام .
8- توحيد الجهود لإنشاء دور نشر تتلقى نتاجات الموهوبين وتكون وسيلة مساعدة في الارتقاء بالصحافة والإعلام الكردي .
9- فتح صندوق مشترك لجمع التبرعات في كل مكان كوسيلة تمويل إضافية .
10- التزام الحياد في عرض القضايا الإشكالية ضمن الحركة الكردية .
11- الالتزام بالموضوعية والمصداقية في نشر الأخبار والمعلومات التي تخص الكرد وقضيتهم .
12- مسألة اللغة الكردية ومحاولة إفراد صفحات خاصة كخطوة مستقبلية لتعميم ونشر معظم الإصدارات الموجهة للكرد وباللغة الكردية ومحاولة نشر التعليم بين أفراده وطبقاته عامة ً.
13- إلغاء مقص الرقابة على كل المواضيع والآراء المختلفة مهما كانت هذه الآراء .
14- نشر ثقافة المدنية والديموقراطية ووحدة الاختلاف واعتبار كل الآراء المطروحة قابلة للنقاش وقد تكون صحيحة مهما كانت مختلفة .
15- أهمية الجانب الاقتصادي كسلاح فعال في تمويل الإعلام الكردي والنهوض به ليخرج من نطاق المنشورات إلى آفاق الإعلام الحديث والمتطور .
16- اعتبار المواد التي تتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان من أوليات المواد القابلة للنشر.
17- الابتعاد عن حالة الطغيان الحزبي والذاتي عن القومي والوطني.
18- طرح القضية الكردية في سورية على أساس علمي وحضاري، واعتبار أننا أصحاب قضية عادلة بمفهومها السياسي المتحضر والابتعاد عن سياسة الاستجداء ويجب العمل على أساس أن “الحق يؤخذ ولا يعطى” وفقط بقوة الفكر والإعلام والاقتصاد والسياسة نستطيع فعل الكثير.
19- إفساح المجال لكل الناس للتعبير عن آرائهم بحرية تامة لأنهم جزء أساسي من المجتمع الذي نعيشه، ورفض سياسة التخوين لمجرد الاختلاف في الرأي.
20- الدعوة إلى الجميع بمناقشة آليات جادة للبحث عن أزمة الحركة الكردية عبر نشر كل الآراء الممكن طرحها في الساحة للتوصل إلى صيغ توافقية تخدم الجميع.
21- الدعوة إلى الجميع بمناقشة آليات التواصل مع المحيط العربي والإقليمي والدولي.
* المقال منشور في جريد المستقبل التي يصدرها تيار المستقبل الكردي