في سياق الجدل حول اللقاء المرتقب بين يكيتي والنظام: يجب أن نرى القسم الممتلئ من الكأس ونشيح النظر عن القسم الفارغ منه بع

بقلم: أكرم مصطفى

أصبحت ظاهرة جلد الذات عادة مزمنة لدينا نحن الكرد السوريين, وخاصة لدى بعض كتاب المواقع الالكترونية عندما يتحدثون عن واقع حركتنا السياسية في سوريا, فهؤلاء اعتادوا وضع النظارات السوداء عند النظر الى واقع الحركة الكردية والمشهد السياسي الكردي, ليتراءى لهم دائماً الجوانب السلبية فيه دون الجوانب الايجابية, فيمضون إلى إطلاق كل ما هو سلبي ومثير للإحباط عند توصيف هذا الواقع, دون أن تدرك أن هذا الواقع بات متدحرجا متغيرا.
 أن أكثر الأقلام إغراقا في السوداوية واليأس هي التي تقيم في الخارج السوري, لأن الأقلام التي تكتب من الداخل على قلتها تستطيع أن ترى الواقع والمشهد السياسي الكردي بملامحه الحقيقية دون انزياح أو تطرف وتستطيع أن ترى دائما الايجابي قبل السلبي.

فتطلبنا هذه الأقلام التي تعيش في الخارج نحن الذين نعيش في الداخل تحت سيف الاستبداد والقمع والبطش المتعدد الأوجه أن نكون مناضلين سوبر ولنجعل من الحدث الكردي في ثورة دائمة ومستمرة لنوفر لهم كل يوم وكل لحظة مادة دعائية يقتاتون عليها في الخارج, وكأنه كان بإمكاننا أن نفعل المزيد ولم نفعل, فمثل هذه الرؤية القاتمة والمحبطة لم تعد منتجة في خدمة تصحيح الخلل في الواقع الكردي بقدرما أصبحت منتجة في نشر المزيد من اليأس والإحباط, واحمد الله على (نعمة) الحرمان الذي نعيش فيه في ظل كابوس الاستبداد الذي لم يوفر لابناءئنا حتى هذه اللحظة خدمة الانترنيت ولا يتسنى لهم التفاعل مع تلك الأقلام التي توزع اليأس والإحباط ..؟؟!!.

صحيح أن الواقع الكردي الراهن فيه الكثير من الصعوبات والكثير من الأزمات بعضها من صنع أيدينا واغلبها من صنع النظام, لكن الصحيح أيضاً أنه رغم هذا الواقع الصعب كانت هناك بطولات حقيقية صنعتها بعض الأحزاب الكردية على مدى العقدين الماضيين, ينبغي التركيز عليها والمطالبة بالاستمرار فيها بدل التركيز على الهزائم والخيبات, فمنذ بداية التسعينات كانت هناك مقاومة كردية سلمية حزبية وشعبية منظمة للسياسات العنصرية نستطيع أن نوصفها بالبطولية, دفع المئات من المناضلين الأبطال ثمنها من حريتهم ولقمة عيشهم والتعذيب والملاحقة والسجون, وهذه المقاومة هي التي فرضت على النظام قواعد جديدة للعبة السياسية منها مثلاً قاعدة تعاطي النظام مع المظاهرات الكردية بأقل مستوى من العنف رغم حالة الطوارئ ورغم قائمة الممنوعات التي نعيشها ورغم ضخامة أساطيل الأجهزة الأمنية في سوريا, لم يستطع غيرنا من الحركة الديمقراطية السورية الوصول إليها حتى هذه اللحظة, أقول ذلك لأنني كنت شاهدا على هذه المقاومة والحراك وعذاباتها منذ بداية التسعينات, عندما دفع حزب يكيتي بمئات من مناضليه إلى مواجهة مباشرة مع النظام من خلال توزيع البيان الملصق بمناسبة ذكرى الإحصاء, والتي استمرت على مدى ثلاث سنوات اعتقل خلالها في تلك المرحلة أكثر من (500) شخص على خلفيتها, قضى العشرات منهم سنوات طويلة من أعمارهم في سجون النظام, وتوقفت تلك النشاطات مع تعرض الحزب للانقسام لأن البعض أراد وقف هذه المسيرة والاستسلام لمنطق اليأس ولراحة البال, ومنذ عام 2002 لم ينقطع سيل المناضلين من حزب يكيتي عن السجون وقد كان له السبق في إعلان وتنظيم أول مظاهرة أمام البرلمان السوري في تاريخ نظام البعث عام2002 بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان وفي ظل سريان حالة الطوارئ والأحكام العرفية وكل عنجهية النظام وغطرسته, واستمر الحزب بمفرده وبمشاركة غيره في مسلسل التظاهرات, وكان دائما على رأس هذه المظاهرات قيادات الصف الأول من الحزب, كانت ذروتها انتفاضة آذار2004 التي كان ليكيتي الدور الرئيسي في تفجيرها, واللذين شهدوا أحداث هذه الانتفاضة يعرفون جيداً أن الشرارة الأولى لهذه الانتفاضة أطلقها هذا الحزب, الذي دعا في الحادي عشر من آذار إلى تظاهرة تشيعيه في قامشلي يوم الثاني عشر من آذار أي اليوم التالي لأحداث الملعب عبأ لها الحزب كل مناصريه ورفاقه ورفع فيها الحزب لافتات سوداء تطالب بمعاقبة المجرمين الذي ارتكبوا جرائم القتل في الملعب في يوم ( 11) آذار وحل القضية الكردية, وكان لإطلاق الرصاص على المتظاهرين المشيعين سبباً في دفع الحزب على تحريك منظماته في كل المناطق بدءاً من عامودا وحتى سري كانيه وكوباني وحدث ما حدث, وقد اعتقل العشرات من منتسبيه بما فيها القيادات وبقيت هذه الحقائق طي الكتمان إلى هذا اليوم, ولكن النظام وحده كان يدرك هذه الحقيقة وقد اتهم الحزب في أكثر من مناسبة بالتدبير لهذه الانتفاضة, واستمر الحزب في التظاهرات بعد ذلك فكانت حصيلتها وحتى اليوم المئات من المعتقلين, ولكن كانت نصيب نضالات هذا الحزب من التقييم الايجابي قليلة جداً, لأننا كنا نفضل دائما أن نجنح لتلك الرؤية السوداوية لواقع الحركة الكردية, ولأن معظمنا تعود أن يمارس السياسة والتحليل السياسي من خنادق حزبوية أنانية قاتلة أحيانا, وأحيانا أخرى منزلقين إلى الجهالة بتبني تلك التوصيفات السطحية الساذجة التي تخلط الحابل بالنابل, التي تحاول أن توهم بأن كل الأسماء المتداولة في عالم الأحزاب الكردية السورية هي أحزاب فعلية, وتملك ما يؤثر بها على الواقع الكردي, أو التصدي بها للسياسات النظام, رغم أن هذه الأحزاب, للأسف, بمعظمها مجرد أرقام حزبية مهمشة لا تملك غير أسمائها, يرفض أصحابها التخلي عنها لأسباب مرضية لاعلاقة لها بالسياسة والنضال القومي, ويستفيد منها النظام في لعبة التضليل على الجمهور الكردي لضمان ترددها في اللحاق بالأحزاب الفعلية..
 ولذلك وحتى اليوم لازالت تتعامل هذه الأقلام مع هذا الحزب كغيره من الأحزاب وكأي رقم من الأرقام وتبدو قليلة  تلك الأقلام التي تناولت مسيرة هذا الحزب ورصيده النضالي الكبير بموضوعية وتجرد بعيد عن الضغائن والأحقاد والأنانيات الخاصة وصولاً إلى قراره الأخير بالخروج إلى التظاهر منفرداً بعد أن خيبته الأحزاب الكردية الأخرى لأسباب لازالت غير واضحة, ومن ثم إعلانه تأجيل المظاهرة بسبب وعد السلطة بعقد لقاء معه حول سبل حل القضية,وتناولتها بعض هذه الأقلام وللأسف بمحاولات التشكيك والطعن في مصداقية يكيتي في إطار موقف مسبق وفقط لأن الانجاز عائد ليكيتي بينما كان من واجبها الوقوف تقييم هذا الحدث التاريخي الكبير والبحث عن مدلولاته السياسية.
 وعلى أية حال وليطمئن هؤلاء(( وعذراً من حزب يكيتي لأنه ربما أكشف سراً من إسراره الذي أسره إلي يوماً ثقة بي وقد سبق لهذا السر أن نشر في بعض جزئياته على بعض المواقع الالكترونية)) فهي ليست المرة الأولى الذي يدخل فيه الحزب مفاوضات مباشرة مع النظام وعلى مستوى رفيع جداً حول حل القضية الكردية, ولكنها كانت تأخذ طابع السرية, كانت آخرها في رمضان 2007 والتي كادت أن تفضي إلى اتفاق على بعض الخطوات (في مجال الحقوق الثقافية, إزالة بعض المشاريع العنصرية, الاعتراف بالحزب والحركة الكردية رسمياً وبعض الإجراءات الاقتصادية), إلا أن تعنت النظام للاستجابة لمطلب التعديل الدستوري والإقرار بوجود القومية الكردية دستورياً حال دون هذا الاتفاق.
ولذلك فإن الإعلان عن لقاء على المستوى الرسمي بين قيادة الحزب والسلطة ليس مفاجئاً للذين يمتلكون بعض الحقائق عن دور الحزب وأهميته السياسية على الساحة الكردية, وبالتالي لا يجوز مقارنة دور هذا الحزب بدور الأحزاب الكردية الأخرى أو وضعه في الميزان نفسه الذي يوضع فيه الأحزاب الكردية الأخرى, وهذه والله ليست شماتة بهذه الأحزاب, وإنما لأن هذا الحزب يمتلك رصيداً نضالياً كبيرا لا يمتلكه غيره ولا يجوز أن نكون له جاحدين, ومن هنا ليست هناك أية غرابة في أن تطلب السلطة هذا الحزب وحده للحوار دون غيره لأنها تدرك وحدها أهمية هذا الحزب وشجاعة قيادته ومدى قدرته على تحريك الشارع الكردي, وذلك انطلاقاً من فهم النظام لخطورة المرحلة وأهمية القضية الكردية على الصعيدين الدولي والإقليمي, وهذه الحقيقة هي غائبة فقط عن بعض كتاب المقالات الانترنيت, الذين أدمنوا الردح والقدح بالأحزاب الكردية جملة دون تمييز بقصد أو بغير قصد.
 أتمنى من هؤلاء الإخوة الذين أخرجوا رؤوسهم من الواقع الكردي أن لا يخرجوا حقائق هذا الواقع من رؤوسهم, لأن ما أعلن عنه بيان حزب  يكيتي في 11/10/2009 يبقى حدثاً تاريخياً وعلى قدر كبير من الأهمية لا يجوز الاستخفاف من شأنه, ويجب دعم هذا الحزب معنوياً وإعلامياً لأنه سيبقى بحاجة لجرعات دعم ومساندة من كتابه ومثقفيه ليتصدى لهذا الدور الكبير والدفاع عن الشعب الكردي وعن حقوقه, لأنني أعلم بأن هناك من الأحزاب الكردية من سيعمل في الاتجاه المعاكس في محاولة لإفشال هذا الحزب لمجرد دوافع أنانية مريضة وحسد مكروه لا علاقة لها بمصالح الشعب الكردي….

فهل من مجيب ..؟؟؟؟

    22-9-2009  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…