منذ أن فجر حزب يكيتي عبوته الناسفة في الشارع الكردي ـ دوار الهلالية في قامشلو تحديدا ـ ريثما يعلن الناطق الرسمي لقيادة عمليات يكيتي بما أسفرت إليه نتائج الانفجار وإلى حينه لكل حادث حديث.
نتيجة استيقظ البعض من رقاد أهل الكهف فاغتاظوا شططاً من دوي الانفجار ونغص عليهم الراحة وهجرهم النوم في مضاجعهم فتتالت التعليقات وردود الأفعال المختلفة والحادة وبدأ النقاش المحموم في الأوساط الشعبية والسياسية وحتى المراتب الدنيا من القواعد الحزبية المتنوعة فكرا وانتماءا وكيانا حول ماهية الحقيقة التي حصلت من دون أن يعرف أحدهم حقيقة ما جرى مثل الأطرش بالزفة ولم تخرج النفوس من دائرة تأثير الخبر الذي أعلن عنه الناطق الرسمي للحزب في تصريح صحفي بأن الحزب مع أنصاره قد اعتكف بالبقاء والتحصين في مواقعه ولن يخرج إلى التظاهرة التي أعلنت عنها في وقت سابق من هذا الشهر في قامشلو بسبب وعود جاءت بشكل عاجل من لدن الحكومة المحلية (على ذمة الراوي)
وإليكم الآن وقائع سلوك لنموذج كردي من خلال عما ما دارت في إحدى المناقشات في إحدى القرى النائية من أرض الوطن في بيت أحد الأصدقاء فقد كنا أحباباً نحتسي القهوة والعدد لا بأس به وفجأة تتالت علي الحزب المذكور ومن دون مقدمات التهم والتشهير من كل حدب وصوب عندما فتح أحدهم باب الحديث عن القنبلة السياسية لحزب يكيتي وزاد عليهم الكلام الثقيل اثنان من رفاق الحزب السابقين (أي من المحاربين القدامى) ليس بسبب بعينه أو تخص القضية المطروحة في البداية وقاموا بتذكير مواقف سابقة للحزب من بعض القضايا الهامة الوحدوية واتهامه بالهروب منها و كذلك اتهام عدد من قياداته بالمساهمة في التشطير والتقسيم في جسم التنظيم أعوام التسعينات وتسريب الأعضاء من التنظيم نتيجة لتصرفات ورغبات شخصية ولسبب غياب مؤازرين للحزب من الحضور وعدم وجود أي عنصر منتسب أو حتى نصير في المجلس تبرع اثنان من الحاضرين من دون أن يندبهم أحد بأنفسهم لصالح الحزب وتكلموا نيابة عنه لعلهم يقوموا بالواجب تجاه من هو غائب (يعني كرم أخلاق) ولكن السبب الرئيسي الذي حدا بهؤلاء هو حرارة النقاش وجو العناد السائد الذي يرتاح فيه الكردي ويبدع في كل شيء وكأنه فيلسوف ما عدا السياسة ويتمنى حينها أن يطول الليل 50 ساعة لتفريغ ما بداخله ولكن الجميع فشلوا في الوصول إلى مبتغاهم وكلما حاول بعض من المتناقشين الخروج من هذه الدائرة ليجد نفسه بعد حين من دون أن يدري ومن جديد في المربع الأول وسط دائرة المعمعة الضروسة من دون إرادته بسبب احتدام النقاش وحوار الطرشان وحرارة الحديث بالأسلوب الكردي التقليدي المتعارف عليه والمشهود له بتدويخ الأدمغة وإثارة الأعصاب حيث كان يدور الحديث دورانا بزاوية 360 درجة وإذا به يرجع إلى نقطة البداية دون أن يهتم الجميع عما وصل إليه النقاش من نتائج ولم يكن يعرف أحياناً أصل والنقطة الذي بدا منه وماهية المسألة التي تدور حولها كل هذه المشاجرة والزعق بسب تشعب المواضيع المطروحة وتشابك خيوط النقاش ومحاور البحث المتناثرة والاقتراب الشخصي للمسألة وخلط عباس بدباس و الشعبان برمضان فالكل يدلي بدلوه سكارى وما هم بسكارى وأنما كان الم الغل وفظاظة الكلام والسلوك الفج والدماغ الناشف مثل حجر الرحى لشديد وفكنا نتخيل أنفسنا وكأننا في عرس قروي تتقاطع فيه دردار الطبل مع صوت المزمار والجميع في حيص بيص وهرج ومرج يشفي أحدهم غليله من هذا وذاك ومثله الآخر ولم تتركز النقاش والتداول إذا جاز القول على نقطة بعينها تفيد القضية بل شمل كل تاريخ السياسة الكردية وبسرعة البرق ومن دون أي سند ووثيقة أو منطق ولم يسلم أحدنا من انصباب جام غضب البعض على الآخر وكأننا أعداء حقيقيون وأخيرا تركزً النقاش عن ماهية عناصر القوة لدى حزب يكيتي ومكمن الخطورة والضغط الذي شكله على الساحة حتى قبل ما قبل به الحكومة بغض النظر عن مرتبة الجهة التي أوعزت على قبول التحاور والحوار وأيا كانت درجة امتلاكها القرار.
واسترسل البعض في خياله بعيدا ومن دون سند وقال البعض بأنها بدعة مثل كل البدع السابقة لا تستحق التوقف عندها.
بعد أن أفرغ أغلب المتحاورين نصف ما في جعبتهم من حديث بالحد والانتقاص والتشهير والتهجم على البعض كما يهاجم الذئب الخراف لا الوصول إلى نتيجة يمكن أن توحي بان الكرد قد أصبحوا على درجة كافية من الوعي باستطاعتهم مناقشة قضاياهم بروح المسئولية وأسلوب ديمقراطي حضاري فيما بينهم.
لن ندخل في تفاصيل دقيقة للنقاش بل هو وصف عما دار في تلك الليلة الليلاء من هجمات وهجمات مضادة كادت أن تستخدم الأطراف سلاح الجو والمدرعات والسلاح الأبيض والأسود والأحمر وبالإضافة إلى خوض حرب كلامية شرسة قلما شهده القرن الحالي وتجاوز حدة الاشتباك الكلامي اشتباك النسوة فيما بينهن أحياناً فتناثرت الكلمات النابية والنعوت كحبات البرد ترتطم بأهدافها دون حساب والتهم ذات الوزن الثقيل تضرب الأخماس بالأسداس وتهز الحيطان هزاً من الصريخ والعويل وربما كانت قوة الهزات على مقياس ريختر وصل إلى / 3 / درجات ويا ليتنا لم نحضر الأمسية حيث الأفواه طرحت زبداً والعيون جاحظة والأجساد تصبب العرق والأصوات مبحوحة كأنها أصابت بالجدري مثل الدجاج وغيمة دخان السائر كادت أن تلامس أرض الغرفة على وشك أن تمطر والمعركة حامية الوطيس تزداد شراسة وعنفاً من كل جانب كلما تقدم الليل والكلمات تسمم الأبدان وفسدت كل الود من دون قضية وقد فض الاشتباك وفك الارتباط حينما تدخل أمام الجامع بآذان الفجر وقول الصلاة خير من النوم وانتهت الجولة الأولى من دون خسائر بشرية.
وسيبدأ الجولة الثانية عقب انفجار آخر وظاهرة مماثلة يقوم بها أحد الأحزاب الأخرى وفي مكان وزمان ما من أرض هذا الوطن.
بعد الرجوع إلى البيت بيومين أو ثلاثة عاد دماغنا إلى حالته الطبيعية وتوازنه من شدة الصراخ والضجيج والجعجة التي تعرض له من تلوث فكري ومن رؤى لا نفع منها فقلنا في أنفسنا بعدها بئس ما نحن فيه من تخلف وطبع حاد وسلوك فظ وأدركنا أن الوقت ما زال مبكرا على تحررنا فقبل التحرر من الذات المكروه والضالة والمغتربة عن حقيقته لا يمكن الحديث عن عتق وتحرر من الآخرين فبدلا أن يكون أي حراك سياسي أو مناورة أو مبادرة حتى لو كان مفتعلا بمثابة حافز وأمر معنوي ليكون محركا ايجابيا بدل هذا السكون القاتل وإضفاء جو من النقاش الهادئ والمعقول والمنطقي على مجالسنا ممن يدعون الثقافة ويعملون في السياسة ومن لهم إلمام بمسائل كردية والتعامل مع هكذا أمور بمنطق الحكيم للخروج بنتائج جيدة لكي ينجلي الجو الداكن أصلا ليحل محلها قليل من الحركة والحيوية وسماع الرأي الآخر بالتروي وسعة الصدر ولكن مع الأسف ما زلنا كما كنا مثل السلف نحتاج إلى نصف قرن آخر أو أكثر حتى نروض ونستقيم ونلتحق بركب الآخرين وفي ختام هذا الحديث يطلب من حزب يكيتي التعويض المادي والمعنوي ممن ندبوا أنفسهم طواعية للدفاع عنه عما أصابهم من عطل وضرر من صمم في الآذان وخدش في المشاعر وكسر في النفوس وحرق للأعصاب وقذف مقصود وزعل بين الفرقاء.
x.kalo59@hotmail.de