تعرض مفهوم المواطنية كأحد أشكال الهوية الاجتماعية السياسية للكثير من النقاش والنقد خاصة في دولة تعددية مثل بلدنا سوريا
وقد عرج الكاتب على البعد التاريخي لإشكالية المفهوم , “والحصص المتساوية لمواطني الدولة” كما ذهب إليه المشرع الإغريقي “ليكورغوس” قبل ثمانية وعشرين قرنا, ثم ما طبق من تشريع في الإمبرطورية الرومانية – امتدادا للمفهوم الإغريقي الذي ” أجاز صفة المواطنة بمجرد حيازة عقار في المدينة – الدولة , حتى من الأجنبي المستوطن ..” .
والولاء للهوية الوطنية يبقى قوق أي اعتبار من شأنه أن يجر إلى عصبية قومية أو دينية أو مذهبية , تصل بالمواطن في انتمائه المحدد إلى حد المغالاة والتشدد والتطرف, بما يفقد المواطنة حرارتها وقوة تأثيرها , حيث استطاع المواطن السويسري أن يحقق البعد العميق في مواطنيته “خلال الحربين العالميتين في القرن العشرين والتي دارت رحاها بين ألمانيا وفرنسا بشكل خاص , وتعرض البلدان نتيجتها للدمار الشامل وملايين الضحايا ..
علما أن الألمان والفرنسيين يشكلون القوميتين الرئيسيتن , حيث بقي هذا البلد – العريق في وطنيته – على الحياد , ولم تنقسم , ولم تحترب القوميتان ..”
وقد رصد الكاتب وضع الفرد في الدولة الملكية والأخرى المستبدة برفع الصفة المتقلة عنه وجعله تابعا أو ملحقا تذوب شخصيته في إطار الولاء والطاعة والإذعان , في حين يجد المفضل والمصان في الدولة القومية والمؤدلجة ليرى نفسه المحور , مقابل الآخر المفضول والمحارب والمعزول قوميا ومذهبيا وعقائديا , مما يصيب المواطنة في هذه الأحوال جميعا بضير كبير , يفقد المواطنية قيمتها و ” ..
يفكك المجتمع , ويفرغ مفهوم المواطنية من مضامينه السياسية والمجتمعية ..
في حين تتحدد علاقة الفرد – المواطن – في الدولة المدنية الحديثة بالدولة كعلاقة قانونية, فالمواطنية مرتبطة بدولة القانون, التي تقوم على منطق احترام التنوع والمساواة في الحقوق والواجبات دون تفضيل – خارج هذا الاعتبار – ..
” إضافة إلى العلاقة الحميمة والتواصل بين المواطنين أنفسهم , وما أعدته الدولة من برامج تربوية مديدة أفرغت التعصب بين المواطنين بسبب جنس أو لون أو معتقد من مفهوم العصبية والولاء غير المشروط وغير المعقول أيضا , , حيث يغدو ” مبدأ المساواة والإحساس بالإخاء فهما لقواعد المجتمع كما يقول “روسو” ..
” لتحل محل ” ثقافة الضجيج وما أنتجته – عبر سلسلة طويلة من الإعداد والتربية الموجهة – من مجموعات الغوغاء والطفيليين والفساد وقمع الرأي الآخر ” مما أغرق المجتمع في الفقر والبطالة واللامباة وانعدام الثقة والتفكك والانكفاء والتراجع , مما يطرح المهمة الكبرى على عاتق المثقفين والمتنورين لمعالجة وترتيب وضع مجتمعاتنا وانتشالها من وهدة الفراغ القاتل, والتسيب, والخلط الشديد بين الخصوصية القومية والمواطنة , ورفض الآخر , والإصرار على اللون الواحد ونفي ورفض الاحتكام إلى المنطق التوافقي, والديمقراطية , وانعدام الثقة ومثالب غياب المواطنة الحرة .
وعلى الرغم من الطابع الموضوعي والرصين للجلسة, وتبادل الآراء المختلفة , والوقوف على تنوع الخلفيات الثقافية, في حوار حر استغرق وقتا كافيا في جو من المصارحة والوضوح , إلا أن بعد الثقافة المتأصلة والرؤية القومية , باتجاه السائد والمسود والأغلبية والأقلية..
وما للأغلبية من حق الأرض والهوية والتاريخ والجغرافيا, كان واضحا لدى البعض ممن وجد في الحق العروبي المقدس – وإن لم يصرح به نصا – شيئا لا يمكن تجاهله أو المساس به , أو تجاوزه , مما يدل على عمق الجهد المبذول سنين متطاولة في ترسيخ مفهوم ا” لأنا القومية المتحكمة ” والتي من الصعب التنازل عنها لصالح المواطنية السورية, وترجيحها , وجعلها من المحاور المميزة للعلاقة الوطنية بين الدولة ومواطنيها , وبينهم أفرادا وجماعات , إلا في ظل متابعة وجهد واجتهاد وتربية وتوجيه , وعمل فكري جاد يضع الأفضلية للقدرة والكفاءة والإبداع , إذ أن مفاهيم العرفي وعروبته ” وشرف الانسلاخ عن أية قومية والالتحاق بالأمة العربية المجيدة ” والموصللي ولاءاته واستئصالاته المعروفة ” في وجوب بتر ومحو كل مواطن سوري من أصل كوردي , إن هو فكر تفكيرا قوميا ” وغيرهما ممن ينكرون أي وجود للآخر, من أي مكون سوري , إذ أن هذه المفاهيم لا تزال تفعل فعلها , وتحرك عقول كثير من المثقفين العرب باتجاه بديهة ظلت تراود قناعاتهم , هي الوجود العربي الطام والقاطع والساحق والراسخ, دون أي اعتبار للآخرين , إلا بمقدار التفضل عليهم بالإيواء والاحتواء والإذابة , و بالتالي إسقاط أية التزامات يمكن أن تترتب على أي اعتراف بالآخر غير العروبي أوغير المنسلخ من انتمائه القومي الآخر مهما تكن تلك الالتزامات , ورفض أي خصوصية , تأتي تهمة الانفصال جاهزة للتخويف والتخوين و التحذير من التآمر على سلامة الوطن, وتهديد وحدة ترابه , مما يتجافى تماما مع قواعد المساواة والعدل والمواطنية وقيمها وعراقة توجهها , وعمق مستندها القانوني والاجتماعي والإنساني , وحقها في الدولة المدنية الحديثة .
, مما يطرح التساؤل ما حظ أي فكر متعصب وعنصري استعلائي من البقاء والامتداد والتأثير ؟؟!! وما مدى ما تحققه المواطنية الصالحة للمجتمع المدني من عمق وقوة وامتداد وتأصل ؟؟! سؤالان سوف تحكم عليها حقائق الحياة والتاريخ !! .