فإذا مرضَ أحدُ أفراد العائلة في أيّ طرفٍ كان , فعلى أقاربهِ في الطرف الآخر أنْ يستقلوا القطار أو الحافلات عدّة مئاتٍ من الكيلو مترات ذهابا وإيابا للحصول على تأشيرة دخول , ناهيك عن الانتظار- لساعاتٍ طويلةٍ – في طوابير القنصليات والسفارة (عدا الإهانات والاستفزازات واستنزاف الجيوب لمَنْ هو على عجلةٍ من أمرهِ) وفي نهايةِ المطاف يعبرُ الحدودَ , و لكنْ بعدَ أنْ يرحل المريضُ إلى جوار ربّهِ تاركا حسرة أبديّة في عدم لقاء الأحبّة قبلَ موته.
هذا بالنسبة لميسوري الحال.
أمّا الفقراءُ فمنهم مَنْ لم يتمكنوا من الوصول تحتَ خيمةِ العزاء التي على الأغلب تستغرقُ ثلاثة أيام ٍ ’ وذلك لعدم استطاعتهم دفع الرشاوي لسماسرة القنصليات وبوابات العبور، أمّا المكتومون فكانوا ولايزالونَ يحلمونَ – فقط – برؤية قبور موتاهم بل الكثير منهم يموتُ على فراشه لعدم تمكّنهِ من السفر للعلاج خارجَ الدولة.
إنّهم أكرادٌ سوريون ممّنْ جُرّدوا من جنسيتهم, بموجب الاحصاء الاستثنائيّ الجائر لعام – 1962 – الذي طبّقَ في المناطق الكوردية, وتمّ تجريدُ أكثر من 150 ألف (مئة و خمسين ألف) شخص , ممّنْ حُرّموا بموجبه من جميع حقوقهم الإنسانيّة البسيطة , وعددُهم الآنَ حوالي 300 آلاف ( ثلاثة آلاف) ولايزالون يُولدونَ دونَ جنسيّة .
وقد سبقَ للرئيس السوري بشار الأسد أنْ صرّحَ بعدَ انتفاضة آذار عامَ – 2004- بأنّ الأكراد هم جزءٌ من النسيج الاجتماعيّ السوريّ , لكنّ الفرحة لم تدمْ طويلا , فسرعانَ ما بدأت الاعتقالاتُ العشوائيّة للعشرات من الأكراد – النساء والرجال – المغلوبين على أمرهم , وزجّهم في السجون والمعتقلات المظلمة.
الرئيس السوري بشار الأسد والتركي أعلنا مؤخرا عن نيّتهم بالعفو عن المقاتلين الكورد – إذا ما تخلوا عن السلاح – فماذا عن الوطنيين السوريين الذين لم يحملوا السلاحَ يوما ؟.
أليسَ من الحقّ العفو عنهم ؟, وإخلاءُ سبيلهم من السجون.؟
تركيا التي كانتْ تعدمُ وتنفي لمجرّد الحديث بالكردية، والآن يصرّحُ رئيس الجمهورية التركية : إنّ للكرد الحقّ في التحدث بلغتهم .
وستُدرسُ اللغة الكوردية في الجامعات التركية , ويمكنُ للطلبة الراغبين نيلُ شهادات الماجستير والدكتوراه، في حين ما يزالُ الكردُ في سورية، يُعتقلونَ ويُحاكمونَ بمجرّد أنّ كردياً وُجدتْ معه أبجدية باللغة الكردية.
رئيس الجمهورية وفي زيارتهِ إلى محافظة الحسكة قالَ بأنه ضدّ مرسوم الإحصاء, والمسؤولون يقولون بأنّ الحلّ آتٍ , والمسألة فنية , ومجرد وقت , والجميعُ بانتظار فكّ رموز المسألة الفنية وإعطاء الحقوق لمَنْ سُلبتْ منهم , وهم في وطنهم أسوة بإخوتهم المواطنين خارجَ الوطن في الجولان المحتلّ , أؤلئك الذين عرضَ عليهم رئيس الجمهورية بطاقة هوية الجنسية السورية ليكملوا – معا – بناءَ الوطن .
فلنأمل الخير, ونقول : بأننا طالبو السلام، نمدُّ يدَنا لشركائنا، لننعمَ ونعيشَ بحريّة، وبقبول الآخر والتآخي معه، ولنحطمَ سوية جدرانَ الوهم الذي بناه يدُ المغرضين، وطلبة الفوضى, ومهزومو التاريخ.
* مدير مؤسسة سما للثقافة والفنون