الديماغوجية في السياسة، وفي الممارسة الحزبية..!

  دهام حسن

قبل أيام كنت عند الصديق إبراهيم اليوسف، لأعايده بمناسبة الفطر السعيد من ناحية، ولأودّعه لما علمت بأنه يتهيأ للسفر إلى الخليج للتدريس من ناحية أخرى..وإذا نحن بثلاثة شبان بحدود العشرين من أعمارهم جاؤوا للمعايدة..

بادرني أحدهم بظرف قائلا: أستاذ دهام قرأت لك مقالة، فتفاءلت بما سيقول، لكنه أردف قائلا: تتهجم فيها على الكورد..

طبعا نفيت التهمة الباطلة، كما نفاها معي الصديق إبراهيم، فتبين أن أحدهم لقنّ هذا الشاب الطيب بهذا الافتراء، ثم ودعنا الشاب بودّ واحترام..
هذه هي الديماغوجية بعينها في السياسة وفي الحياة الحزبية، هذا هو التضليل، يتوسل صاحبها الكذب والنفاق والحيل السياسية، لاستمالة الناس إلى مدرسته والعمل على تحيزهم واحتضانهم، بعيدا عن أية فسحة من الجدل والحوار العقلاني لإقناعهم، فهو يقوم بتعبئتهم في اتجاه يخدم مصلحته، يغري البعض من جانب، ويثير مخاوف آخرين من جانب آخر، وفي الحالتين يريد سوقهم إلى حظيرته، واحتوائهم في المحصلة، أي إفراغهم من مضامينهم، حيث يغدو الفرد مسلوب الإرادة، لم يعد قادرا على اتخاذ أي قرار على الصعيد الشخصي لا في موقعه السياسي ولا الحزبي، فينطلي عليه الكذب المنمق مرة، والخوف مرة أخرى، كان غوبلز وزير الدعاية في حكومة هتلر يقول: اكذبوا اكذبوا اكذبوا… علّ شيئا من هذا الكذب يعلق في أذهان عدوكم فيصدقه..

ونحن نقول مهما كذبتم في ظل عالم التكنولوجيا والأنترنيت، فلن يصدقكم أحد..

 فقد انكشف الغطاء، وتبينت عورات كل من يمجد ذاته، وصوابية خطه السياسي أو الحزبي، فكل صغيرة وكبيرة أصبحت  تعكسها عدسة الإنترنيت وتحت مرأى ومسمع الجميع، ولا يمكن بالتالي إيهام أحد..

لم نرد في هذا المقال أن نعود بالديماغوجية إلى منبعها اليوناني، وأصلها اللغوي، سواء أعنت (الديماغوجي) قائد الشعب، أو العمل الشعبي، إنما غايتنا أن نقف عند – ما تذهب إليه هذه اللفظة اليوم…

 إنها المناورة السياسية والخداع لاجتذاب الناس، فيتظاهر الديماغوجي وكأنه يبطّن مصلحة الشعب، لكن دافعه المنصب وما يدرّه، وهمّه بأن يكون قائدا أولا وأخيرا..

لهذا فتراه يتجلبب بكل خصلة إيجابية نفاقا، ويخلع كل خصلة سلبية على الآخر المخالف لفضحه بالتالي، ويعتمد على الغوغاء والأمّعة وظروف البلد المؤاتية، التي ربما تخدمه في فترة ما، وواقع الحركة السياسية والحزبية عموما، وهمّه هنا أن ينفد وحده محمّلا بديّات المستضعفين، كان ماركس يقول ما معناه..إذا أردت أن تعيش حياة بهيمية، فأدر ظهرك لآلام الناس..

هذه هي سياسة بعض قادتنا، في المجالين السياسي والحزبي..ففي النظم الشمولية عموما، وفي الأحزاب التي لم تشهد حياة ديمقراطية داخل تنظيماتها الحزبية، فكل الذين توكل إليهم بالمناصب لا رأي لهم..فالمنصب هنا طوق شكلي..

فالأمر والنهي يعود إلى الشيخ (بطيحان) وحده..

فبعد أن قضى بطيحان على وجوه القبيلة واحدا تلو الآخر غدرا، جاء ببضعة غلمان وألبسهم عباءة وشماخا وعقالا، وقال في مجلس ضم الزعامات هؤلاء هم وجوه العشيرة..!

 هذا ماكان في أحد المسلسلات التلفزيونية..

فهل واقع الحياة الحزبي يجتر مثل هذه التمثيلية، ولكن بسيناريو أدهى وأمرّ..الرد برسم المسؤولين، ومن يعنيهم الأمر..!

كلمة العتاب الأخيرة، وبهمس في أذن الصديق إبراهيم اليوسف أقول تحببا: لقد لمست من يراد هنا الإساءة بحقه، فلماذا إذن هذه المجاملة والتواضع أمام هؤلاء، ولماذا السعي لخطب ودّهم، وأنت عاشرتهم وبالتالي أدرى مني بفصولهم، الحياة وقفة عزّ، وهذه ترنيمة أحد الأحزاب، ولا أبغي من وراء حديثي هذا سوى أن تحترمهم إذا اقتضى منك الموقف الاحترام، وأن تتعامل معهم بالندّ لا بالتهافت..

 لا أخشى من صحيفتي الماضية، فأنا ربما إذا لم أكن الأول فأني من أوائل الطلاب الذين فصلوا من جميع المدارس السورية الرسمية والخاصة فصلا نهائيا، هذا كان في عام 1962 ما عرفت حينها بحكومة الانفصال، هذا كان آخر عهدي بالمدرسة كطالب، باعتباري كنت شيوعيا ومازلت، لكن بقراءة جديدة ومتجددة، وهذا الشيء من صلب الماركسية..

عتبي على أخي وصديقي إبراهيم، لا أن يتهجم على أيّ من هؤلاء، أو يدافع عن وجهة نظري أبدا، بل كل ما أتمناه أن لا يجامل ولا يصانع هؤلاء، فحبل الودّ معهم قصير، كحبل الكذب، وأقول لصديقي إبراهيم في الختام، في لجّة هذا الركام، أقول: (اعرف نفسك)..!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…