المشهد الكردي في سوريا بعد مرور عام على المرسوم 49

زيور العمر

في حديث لمجموعة من الصحفيين الأتراك , عشية زيارته لتركيا , أكد الرئيس السوري بشار الأسد أن بلاده لن تكون بمنأى عن تأثير الإنفتاح الديمقراطي على المسألة الكردية في تركيا , فضلا ً عن إستعداده  للعفو عن المقاتلين الكرد السوريين , في حال تخلى حزب العمال الكردستاني عن سلاحه .

هذا التصريح , بما له و ما عليه , من جهة المصداقية و النية الصادقة , يشكل الحدث الأبرز في المشهد السياسي الكردي , بعد مرور أكثر من عام , من صدور المرسوم 49 , الذي منع المواطنين الكرد من حق البيع و الشراء و الإيجار في المجال العقاري , الأمر الذي تسبب في زيادة معاناة المواطنين الكرد , و مبالغة ظروفهم الصعبة في الأساس , على خلفية التمييز القومي و الإجتماعي و الثقافي المطبق بحقهم , منذ أكثر من نصف قرن , و خاصة تحت سلطة البعث .
فمنذ صدور المرسوم 49 السئ الصيت أعتقد البعض أنه سيكون سببا ً و عنوانا ً لحراك كردي , في إتجاه مناهضته , و العمل على إجبار السلطات السورية على إلغاءه , تحت ضغط الأنشطة الجماهيرية و السياسية  في الداخل و الخارج , و أن الأحزاب الكردية لن تكتفي بنشر بيانات الشجب و الإستنكار .

إلا أن بعد مرور أكثر من عام , تبين أن هذه الأحزاب تعيش أصعب أوقاتها , وأن أزماتها و أمراضها باتت مكشوفة , و حقيقة لا يمكن التغاضي عنها , او حجب أشعة الشمس عنها بغربال .

فالمرسوم أعلن , و نفذ و ما يزال .

دون أن يولي النظام أي إهتمام للآثار و النتائج التي قد تسفر عنه , و أكتفت الأحزاب الكردية بموقف المتفرج و المراقب من دون أن تحرك ساكنا ً لنجدة جماهيرها و ابناء شعبها .
نقول أن تصريح الرئيس السوري يشكل الحدث الأبرز , ليس من منطلق المراهنة على موقف سوري مرتقب , يساير التغير الحاصل في تركيا تجاه الكرد , و ليس من باب التوقع لتحرك كردي سوري ما,  بعد فوات الآوان , و إنما من منطلق أن النظام بات مسيطرا ً على البلاد بشكل مطلق , و أي إنفراج في الوضع السياسي العام في البلاد , مرهون برغبته و مزاجه لا غير , في ظل غياب أي نشاط أو تحرك سياسي من نوع ما .
و عندما نقول أن النظام أضحى اللاعب الأساسي و الوحيد في الداخل السوري , لا نقصد منه غياب للخيارات السياسية الممكنة , و لا لإمكانية التحرك ضده , و إنما نقصد منه إنعدام حدوث أي تغيير في الواقع الراهن , و خاصة فيما يتعلق بالشعب الكردي , في ظل التنظيمات الكردية الراهنة , التي إختارت نهج التهاون , و إسترضت لنفسها موقع المتفرج , من ما يجري من سياسات و إجراءات مهينة للشعب الكردي .
فبخلاف باقي أطراف المعارضة السورية , كان من الممكن إزعاج النظام و إحراجه , و تعرية ممارساته و فضح سياساته أمام المجتمع الدولي و المنظمات الحقوقية و الرسمية في العالم , فيما لو إنتهجت الأحزاب الكردية سياسة أخرى , تتسم بالمسؤولية , من خلال نقل ساحة الأنشطة الجماهيرية الى أوروبا .

إلا أن الوقائع و المعطيات تشير الى أن هذه الأحزاب وقياداتها ليست في وارد الإصطدام مع السلطات السورية , و لا إزعاجها , و بالتالي تعريض نفسها للملاحقة و المساءلة .


و بغية الإستمرار في سياسة التسويف و المماطلة , تقوم منظماتها ببعض التحركات الدنكشوتية في اوروبا للإيحاء بأنها تفعل شيئا ً في مواجهة سياسة النظام , من قبيل عقد الندوات الجماهيرية للكرد في الخارج , او إجراء بعض لإتصالات الخجولة ببعض الشخصيات الأوروبية دون تخطيط أو برنامج عمل منظم .

فبإستثناء بعض المجموعات المتمردة في الأحزاب الكردية على أحزابها و قياداتها , التي قامت ببعض الأنشطة النوعية من إحتجاجات و إتصالات و ندوات و تعبئة رأي عام كردي في الخارج , فإن المنظمات الحزبية في أوروبا على سبيل المثال, لم تتحرك قيد أنملة للقيام بمسؤولياتها و واجباتها , فيما يتعلق بمواجهة المرسوم 49 و باقي السياسات العنصرية والإجرامية للنظام السوري بحق الشعب الكردي , و ليس من المتوقع أن تفعل ذلك في المستقبل أيضاً في ظل سياسة و مواقف و سلوكيات قياداتها في الداخل .


و إزاء هذه الحالة السوداوية , ليس بمقدورنا سوى تحمل المزيد من الإهانات و محاولات تمريغ كرامتنا في التراب من قبل هذا النظام , و توقع المزيد من الإنسكارات و الهزائم .


17/09/2009

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد إذا كان الاستثمار من الأمور الهامة التي تأخذها بعين الاعتبار أيُّ دولة أو حكومة سواءً أكانت متطورة وشبه مستقرة أم خارجة لتوها من الحرب ومنهكة اقتصادياً؛ وبما أنَّ معظم الدول تشجع على الاستثمار الأجنبي المباشر بكونه يساهم بشكلٍ فعلي في التنمية الاقتصادية، ويعمل على تدفق الأموال من الخارج إلى الداخل، ويجلب معه التقنيات الحديثة، ويعمل على توفير…

من أجل إعلامٍ حرّ… يعبّر عن الجميع نقف في هذا اليوم العالمي لحرية الصحافة، نحن، الصحفيين والكتاب الكرد في سوريا، للتأكيد على أن حرية الكلمة ليست ترفاً، بل حقٌ مقدّس، وضرورة لبناء أي مستقبل ديمقراطي. لقد عانى الصحفيون الكرد طويلاً من التهميش والإقصاء، في ظلّ الأنظمة الدكتاتورية المتعاقبة ولاسيما نظام البعث والأسد، حيث كان الإعلام أداة بيد النظام العنصري لترويج…

عبدالرحمن کورکی (مهابادي)* في الوقت الذي تتكشف فيه يوميًا أبعاد جديدة للانفجار الذي وقع في أحد الموانئ الجنوبية لإيران يوم 26 إبريل 2025، يتردد سؤال يعم الجميع: من هو المسؤول عن هذه الكارثة؟ هل كانت متعمدة أم عيرمتعمدة؟ هل يقف وراءها فرد أو تيار معين، أم أنها عمل قوة خارجية؟ سؤال لا يزال بلا إجابة حتى الآن!   التكهنات…

إبراهيم اليوسف يبدو التدوين، في زمن باتت الضوضاء تتكاثر فيه، وتتراكم الأقنعة فوق الوجوه- لا كحرفة أو هواية- بل كحالة أخلاقية، كصرخة كائن حرّ قرّر أن يكون شاهداً لا شريكاً في المذبحة. التدوين هنا ليس مجرد حبرٍ يسيل، بل ضمير يوجّه نفسه ضد القبح، حتى وإن كان القبح قريباً، حميماً، أو نابعاً من ذات يُفترض أنها شقيقة. لقد كنتُ- وما…