أكراد سوريا…. صغير القوم خادمهم

  جان دوست

يقول المثل: فلان له ضرس في كل عرس.

و هذا ما ينطبق تماما على أكراد سوريا و لكن بشكل مقلوب، فصاحب الضرس في المثل يأكل به ما لذ و طاب على موائد أعراس الغير، أما أكراد سوريا فقد تكسرت أضراسهم و نخرت في أعراس أشقائهم الأكراد شمالاً و شرقاً، شتاتاً و وطناً.

و يمكن أن يقال عنهم أن لهم (ضحية في كل قضية)

فمنذ نشوء الحركة السياسية الكردية في الخمسينيات من القرن الماضي، حمل أكراد سوريا شعارات كبيرة من مثل (تحرير و توحيد كردستان) لم يكن يحملها حتى الزعيم الكردي الراحل الملا مصطفى البارزاني بكل قوته و آلته العسكرية و كاريزماه الشخصية.

و باعتقادي كان السبب في غياب الرؤية الموضوعية و ضبابية المشروع القومي الذي تأسس آنذاك يعود بالدرجة الأولى إلى أكراد فروا من الاضطهاد التركي الكمالي و منهم نور الدين ظاظا (1919- 1988) و عثمان صبري (1905 – 1993) .
 فهؤلاء المناضلون حملوا معهم أفكاراً ثورية طوباوية و نفوساً منكسرة تتوق للانتقام من الذل التاريخي الذي لحق بالأكراد في كردستان الشمالية (كردستان تركيا) و المظالم الشنيعة و المجازر العديدة.

فهم و بالرغم من وجودهم على أرض غير تركية (وفق الأطلس الجيوسياسي) كانوا يتصرفون و كأنهم ما زالوا في جبال كردستان يخططون و يعدون العدة للعودة إلى انتفاضة جديدة.

لم يقرأ أحد منهم و لا من أقطاب السياسيين الكرد السوريين آنذاك الواقع الجديد الذي برز بعد الحرب العالمية الجديدة و لم يستطيعوا الاستفادة من تجاربهم السابقة التي أجهضت مراراً و بنفس الطريقة  بل عاشوا في أحلام إنشاء كردستان كبرى تمتد من كرمانشاه في جنوب إيران وحتى جبل الكرد في عفرين.

لقد وقع أكراد سوريا منذ ذلك التاريخ و حتى ما قبله (ثلاثينيات القرن العشرين أيام جمعية الاستقلال أو خويبون التي كما يقول مؤرخ الحركة السياسية الكردية في سوريا محمد ملا أحمد: تكونت من عناصر فارة من بطش (مصطفى كمال) نتيجة نشاطاتهم السياسية القوميه، والثورة التي عملوا لإشعالها) في حفرة: كردستان هناك و ليست هنا!! و أصبحوا رهينة سياسات الأخ الأكبر.

كما تكون لدى شريحة واسعة من الكرد السوريين انطباع راسخ بأن القضية المركزية هي قضية آمد( دياربكر) و ليست كوباني، و أن ديرسم (تونجلي) أهم من عفرين و أن كركوك هي قدس الأقداس أما عامودا فليست سوى غبار و أن مهاباد هي الحلم المجهض أما القامشلي فليست سوى مدينة لإقامة أعراس القبيلة و عزف الطنبور.

و هكذا فقد درج الأكراد السوريون على تسمية أبنائهم و محلاتهم و بقالياتهم و صيدلياتهم  و عربات نقلهم  و حتى قططهم ب (آمد و ديرسم و مهاباد و حلبجة و بوتان) في دلالة واضحة التعبير على أن كردستان هي الآخر و ليست الأنا, و أن الظلم هو وراء السكة الحديد الفاصلة بين شمال كردستان و جنوبه (الصغير)  و ليس ما يقع على رأس الملاينن الثلاثة من ظلم و قهر بشيء.
و يبدو جلياً أن السلطة الحاكمة قد شجعت هذا الاتجاه (الكردستاني) و ساهمت في تشويه الانتماء الوطني لدى الكرد السوريين و بالتالي استعملت تهمة (محاولة فصل جزء من تراب الوطن و إلحاقه بدولة أجنبية) في قمع النشاطات السياسية و زجت و ما زالت تزج بالكثير من الناشطين في السجون على خلفية التهمة آنفة الذكر.
و في أدبيات بعض الأحزاب الكردستانية الفاعلة التي جاءت من وراء حدود سايكس بيكو ولد اسم (الجنوب الصغير) أو الجزء (الصغير) من كردستان في دلالة واضحة على استحقار و تهميش الواقع المزري الذي يعيشه الكرد السوريون و تصويره على أنه لا شيء بالمقارنة مع القضية الكبرى أي قضية ملايين الشمال الكردي الكبير.

و لعبت هذه التسميات دوراً نفسياً في تحقير الذات الكردية السورية لدى الكثيرين و فهموا من ذلك ان هذا الجزء (الصغير) ما خلق إلا ليصبح تابعا و خادماَ للجزء الأكبر سواء في الشرق أو في الشمال.

فقد التحق الكثيرون من الشباب بثورة الملا مصطفى البارزاني خلال النصف الأول من سبعينيات القرن المنصرم و سقط بعضهم شهداء في جبال حمرين و وديان الزاب دفاعا عن (الحكم الذاتي لكردستان العراق!!!!).
و في زمن البروباغاندا الضخمة التي مارسها حزب العمال الكردستاني بدءا من منتصف الثمانينيات و حتى نهاية تسعينيات القرن الماضي، كان الكوادر المنتمون للحزب و أنصاره يهاجمون الأحزاب الكردية السورية (لضيق أفقها و إقليميتها) و تتهمها بأنها أحزاب إصلاحية تناضل في سبيل أهداف (صغيرة) مثل (الحقوق السياسية و الثقافية و الاجتماعية) و اقتنع جيل كامل من الشباب آنذاك بفكر حزب العمال الذي كان يدعو علنا و في ما يشبه الاستراتيجية الثابتة إلى تأسيس دولة كردية شاملة من خلال حرب الأنصار (طويلة الأمد) في استلهام مشوه و منقوص من التجربة الفيتنامية.

لم تستطع الأحزاب الكردية السورية (الصغيرة) الوقوف في وجه التسونامي العمالي القادم من الشمال فالأهداف الكبرى تتطلب تضحيات كبيرة تخطط لها أحزاب كبيرة و يقوم بأعبائها و التضحية في سبيلها (صغار القوم).

و هكذا فقد زجت الحركة بالآلاف من الشباب الكرد السوريين في أتون حرب الأنصار و سقطت الضحايا في سبيل الغاية الكبرى: الاستقلال و إقامة دولة كردستان.

و استنزفت الطاقة الهائلة التي كان يتمتع بها الشعب الكردي في سوريا في حروب لم تخدم قضيتهم الأساسية و هي قضية الحزام العربي و الإحصاء الجائر و منع اللغة الكردية و كافة المظالم الأخرى التي تعرض و يتعرض لها الكرد السوريون و ليس آخرها المرسوم العاهر 49.

لقد كانت دعوة الأحزاب (الصغيرة) للنضال في سبيل رفع الظلم عن كاهل الكرد السوريين مدعاة للسخرية من طرف حزب العمال و أنصاره من الشباب المتحمسين الذين باتوا على قناعة راسخة بأنهم على وشك إعلان دولة (كردستان الديمقراطية الموحدة) و على أعتاب تحرير إيالة بوطان (العام 1989 كانت الدعاية ضخمة جداً في سبيل إقناع الشعب بأن منطقة بوطان على المثلث الحدودي على وشك التحرير و كان الشعار المرفوع هو: كل شيء من أجل تحرير جزء من تراب الوطن!!) من براثن (الاستعمار التركي) إلى آخر هذه المصطلحات و الشعارات التي بات أنصار الحزب الآن يتنكرون لها و يخجلون من التفوه بها.

و في الحقيقة فقد كان الناس و بالرغم من ضعف إمكاناتهم المادية و البشرية يساندون حركة حزب العمال الكردستاني بكل ما لديهم من طاقة حتى أن كثيرا من العائلات المحافظة سمحت لبناتها في خطوة هي الأولى في تاريخ الكرد المعاصر من حيث الزخم بالالتحاق بصفوف المقاتلين في الجبال و حمل السلاح ضد (العدو الطوراني الكمالي : نسبة إلى كمال أتاتورك الذي انقلب إلى قدوة يجب الوقوف عندها و اتباعها في حل القضية الكردية في تركيا فقط  فهو لم يكن معادياً للأكراد ، بل كان يفكر في منحهم الحكم الذاتي ، فقد كان في عقل مصطفى كمال نموذج ديموقراطي!!!! راجع الرابط التالي
http://www.welateme.org/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=6075
).
و في الجبال سقط العشرات بل و يمكن المئات (في غياب إحصاءات دقيقة) من الشهداء شبانا و شابات في سبيل غاية سامية تلطى خلفها الحزب المذكور لمدة عشرين عاما من عمره و هي حرية كردستان و استقلالها.

لا شك أن للكردي حق مشروع في إقامة دولته و للحزب أي حزب شرعية  تغيير استراتيجيته بما يتناسب مع الظروف المحيطة به و لكن ما لا يمكن فهمه هو أن يستمر حزب ما في سعيه إلى صرف أنظار شعب مهان و مسحوق عن قضيته و إيهامه بأن القضية الكبرى ما تزال (هناك) وراء الحدود في النضال من أجل الحصول على مكاسب كان يعتبرها في الماضي عاراً على أحزاب (صغيرة) و يصر على أن يستقطب مزيدا من الوقود الحيوي لإشعاله في الجبال  بغية ترسيخ الديمقراطية في تركيا.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…