أهي أخطاء الحكومة؟ أم تلك سياسة النظام؟

  افتتاحية جريدة آزادي – العدد (413) *
 بقلم رئيس التحرير

معلوم أن الحكومة في أية دولة هي السلطة التنفيذية المباشرة وتوكل إليها المهام والمسؤوليات التي ترعى مصالح المواطنين وعلى أن تعمل من أجل تنمية القدرات البشرية والموارد الاقتصادية بما يعني تطوير البلد وتقدمه ، ومن الطبيعي أن تمتلك كل حكومة خصوصية في طبيعتها وطريقة لأدائها وفي شتى النشاطات والأعمال وعلى مختلف الأصعدة والمجالات ، وهي مسئولة عن أخطائها وعن كل تقصير في دورها أمام الجهات والمؤسسات ذات الشأن ، ولعل أهم المعايير في تقييم أداء كل حكومة هو مدى إمكانية تنفيذها لخططها أولا بأول ، ومدى تحريك معدل النمو الاقتصادي الذي ينعكس بطبيعة الحال على حياة المواطنين وعلى التطور الاجتماعي ، ومن هنا ومن ذات المعايير والمنطلق يمكن طرح تساؤلات أبرزها:
 ترى ماذا يكون معدل النمو الاقتصادي إذا كان وضع البلد يرثى له من العوز والحاجة إلى حد مد اليد لطلب العون والمساعدة ؟؟ وعلى سبيل الأمثلة لا الحصر نذكر منها : وردتنا من دولة الإمارات العربية مساعدة عينية من القمح لتغطية العجز الحاصل لدينا بعد موسم 2008 مباشرة ، علما أن اقتصاد سوريا بالأساس يعتمد على زراعة الحبوب والقطن بالإضافة إلى النفط ، وفي هذا العام أيضا سمّعتها الجهات المعنية عن عجز في ذات المادة بحدود سبعمائة ألف طن من القمح ، كما وردت في نفس العام مساعدة مادية من الأمم المتحدة تقدر بمبلغ عشرين مليون دولار دعما للمنكوبين في محافظة الحسكة بسبب الجفاف وندرة المواسم الزراعية ولا أحد يعلم أين ذهبت ؟ وعلى أن ترد هذه السنة ستة آلاف وستمائة سلة غذائية من منظمة الهلال الأحمر التركي ، لتضاف إلى السلال التي توزع في محافظة الحسكة ، ( ومعلوم كيف توزع ولمن توزع ؟؟) وعلى أن هناك خمس ملايين دولار من الشركة الصينية النفطية لدعم البنية التحتية في محافظة الجزيرة ( طبعا للمشاريع والاستثمارات ) ، كما أن أحد المغتربين قد قدم مساعدة بمبلغ خمسة عشر مليون ليرة لترميم مدارس حلب ..الخ والأمثلة لا تنتهي ، وهذا غيض من فيض .

وعن الجانب الاجتماعي ومعاناة المواطن من ضنك العيش وأعباء الحياة فالواقع اليومي يشرح الوضع بالأرقام ودقائق الأمور ، من تدني الأجور بالنسبة لأسعار المواد الأساسية للحياة ، مرورا بالبطالة الفاحشة ، والجرائم الاجتماعية من قتل واغتصاب وسرقات وسطو وسلوكية النصب والاحتيال ، إلى جانب تفشي ظواهر الرشوة والاختلاس ، إلى جانب الاتجار والتعاطي بالمخدرات ، وصولا إلى التهجير أو الهجرة هروبا من الواقع وبحثا عن لقمة عيش ..وقد يحمّل البعض الوزر في هذه القضايا والمجالات على الطاقم الاقتصادي     ( نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية ووزيري الاقتصاد والمالية ..).

وهناك من يطرح تساؤلا هاما وهو: أين الوعود التي قطعتها بعض الوزارات الأخرى من الرعاية والاهتمام برفع سوية المناطق الشرقية اقتصاديا واجتماعيا ؟ وهل كان المرسوم 49 بشأن العقارات علاجا وجوابا للسؤال ؟ ثم أين تنفيذ الخطط الخماسية منها والأولية ؟ و كيف هي الموازنة والأرصدة المعتمدة لدرجة أن المنتجين الزراعيين لم يقبضوا قيم و أثمان بعض محاصيلهم حتى الآن ( مثال الذرة الصفراء )، ثم ما هو وضع  الميزان التجاري ونتائجه في حساب الأرباح والخسائر ألا يعاني من عجز رغم تسوية ديون بعض الدول بجدولتها ؟؟ وكذلك الميزانيات الختامية لعموم مؤسسات الدولة ووزاراتها ..الخ.

وماذا عن وضع القضاء والمحاكم ، التي هي معيار طبيعة نظام كل بلد ، فقد بلغ فيها الفساد ذروته ، من الارتشاء ، إلى العمل وفق التوجيهات الأمنية ، و بالاستناد إلى القوانين الاستثنائية – الطوارئ مثلا – بدلا من النظم والقوانين الاعتيادية التي ينبغي لها أن تسود ، ثم أين هي المؤسسات الدستورية وما ذا تفعل ؟ وما المطلوب منها بشكل فعلي ؟ من الرقابة والمحاسبة الحقيقية ، وما هو دورها القائم الحالي الذي لا يعدو عن كونها شكلية اسمية ليس إلا ؟ .
الواقع ، أن الحكومات تختلف عن بعضها البعض في أدائها وجهودها ، ولا يمكن الدفاع بشكل أو بآخر عن أخطاء وممارسات الحكومة القائمة ولسنا بصدد تقييم ( حكومة السيد العطري ) ولا نبغي تغطية أخطائها فهي جزء أساسي من ذات النظام ، كون الأمر يختلف تماما ، فالسلطات الثلاث التنفيذية  أي الحكومة والتشريعية والقضائية كما ذكرنا هي على شاكلة واحدة من العمل والممارسات بالإضافة إلى مؤسسات حزب البعث الحاكم ، فهي في مجملها ابنة أيديولوجيا شمولية واحدة وترتشف جميعها من منهل ذات الثقافة ، فهل يعقل مثلا اعتبار عدم تنفيذ الحكومة لمقررات وتوصيات المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث من أخطائها ورئيس الحكومة وبعض الوزراء أعضاء في القيادة القطرية للحزب ؟ ثم هل يمكن اعتبار قرارها الأخير رفع سقف الملكية الزراعية من الأخطاء المرتكبة ؟ كون القرار يتعارض مع مناهج معظم أحزاب الجبهة بما فيها الحزب الحاكم ؟ وهل تنفيذها للمرسوم 49تاريخ 10 / 9 / 2008 الخاص بالعقارات جاء من قبيل السهو أو الخطأ ؟ وهل إتباع كافة الحكومات المتعاقبة على دست السلطة في البلاد لسياسة شوفينية ظالمة تجاه الشعب الكردي من إنكار رسمي لوجوده إلى حرمانه من أبسط الحقوق القومية إلى سياسة الاضطهاد والتعريب والتهجير  وتنفيذ القوانين والمشاريع الجائرة بحقه عبر عقود خلت هي مجرد مظالم وممارسات مزاجية مشتركة لهذه الحكومات ؟؟  تلك أمثلة لا تعني سوى أن الاستبداد نظام متكامل يحتكر السلطة والثروة ، مبني على منظومة أمنية وعسكرية تشدد القبضة الحديدية باستمرار على مقدرات البلاد وعلى رقاب العباد وتزج بالمناضلين في غياهب السجون والمعتقلات ، هي التي توجه وهي التي تقرر ، وكل ما يبدو للمواطن على أنه خطأ ، قد  يكون في معظمه وضع عن وعي ومعرفة وبالشكل الذي يخدم القائمين على القرار ، ولذلك فإن كل من يحمّل مسؤولية ما يحصل من الحالة المزرية في البلاد على عاتق الحكومة فقط فإنما يهدف إلى إخفاء جوهر السياسة القائمة وإلى إسقاط المسؤولية عن الجوانب الأخرى وبالتالي يهدف إلى خلط الأوراق وضياع البوصلة في التقييم والمحاسبة ..
إن الواقع الأليم الذي تعيشه جماهير مجتمعنا السوري عامة ، وأبناء الشعب الكردي خاصة ، إنما هو نابع عن السياسة البنيوية التي بني عليها والتي تستهدف المواطن وحياته بالأساس ، وتستهدف الشعب الكردي ووجوده ، ومن هنا فإن المشكلة ليس عند هذه الحكومة أو تلك ، وإنما تقتضي تضافر  الجهود والإمكانيات من أجل تحرير الإرادة الجماهيرية من قيودها الصدئة على طريق التغيير في البنية الأساسية للطبيعة القائمة وتحويلها إلى الحياة الديمقراطية الواسعة التي تضمن الحريات العامة قبل أية اعتبارات أخرى ومن ثم العمل والترميم والبناء ..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…