التقرير السياسي الشهري لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا

 كادت العلاقات السورية العراقية أن تصل إلى مرحلة التطبيع التي تفاءل بها الجانبان على ضوء زيارة المالكي لدمشق والتوقيع على اتفاق التعاون الاستراتيجي… لكن انفجارات بغداد الأخيرة أطاحت بهذا التفاؤل وأشارت إلى عودة التوتر لتلك العلاقات، وكذلك إلى تشويش أجواء الانفتاح العربي والدولي على سوريا التي بادرتها الإدارة الأمريكية في الأشهر الأولى من ولايتها بنوايا حسنة ووعود الحوار، التي لم يتحقق منها حتى الآن سوى قرار إعادة السفير الأمريكي لدمشق في حين ظلت العقوبات الاقتصادية الضاغطة عليها، سارية المفعول، وتعطلت صفقة طائرات الايرباص الأوربية مع شركة الطيران السورية، ولم تثمر زيارات المبعوث الأمريكي للسلام جورج ميتشل عن نتائج عملية حتى الآن سوى تجميد الوساطة التركية بطلب من حكومة نتنياهو في حين تجاوب الجانب السوري نسبيا مع بعض الشروط الأمريكية ومنها التهدئة في لبنان والضغط على حماس لوقف إطلاق الصواريخ من غزة على إسرائيل.
  وكانت للاضطرابات التي شهدتها إيران في أعقاب انتخاباتها الرئاسية والتي ساهمت في اهتزاز المحور السوري الإيراني دوراً مهماً في كبح الاندفاع الأمريكي نحو الحوار مع الجانبين السوري والإيراني، الذين أعادا التأكيد على تحالفهما الاستراتيجي من خلال زيارة الرئيس الأسد إلى طهران لتهنئة الرئيس أحمدي نجاد في دلالة واضحة على تراجع آمال الانفتاح الأمريكي والعربي المعتدل على سوريا،  وقد تبين ذلك أيضا من عدم استعجال السعودية في استكمال المصالحة مع سوريا، التي دخلت مرة أخرى في مسار مضطرب بعد السحب المتبادل للسفيرين السوري والعراقي وتصاعد حدة الخلاف بين البلدين والتهديد بنقله الى مجلس الأمن في سياق محاسبة المسؤولين عن تلك التفجيرات من قيادات حزب البعث العراقي وحلفائه المقيمين في سوريا.

  وشهدت الأيام الأخيرة تحركاً محموما للمسؤولين الأتراك والإيرانيين لضبط هذا التوتر بسبب انعكاساته على الدول الأربعة المعنية بالقضية الكردية في المنطقة، والتي تستعد لتوثيق العلاقات فيما بينها في إطار المصالح المشتركة اعتبارا من الأمن وتبادل الخدمات السياسية التي تخدم الدور الإقليمي لكل منها وانتهاءً بتنسيق مواقفها حيال القضية الكردية التي بدأت تتفاعل وتتبادل التأثير من جزء لآخر.
  ومن هنا تأتي أهمية المبادرة التي أطلقها رجب اردوغان رئيس الوزراء التركي، والتي وافق عليها مجلس الأمن القومي التركي، بشأن القضية الكردية والتي جاءت تتويجا لجهود بدأت عام 2005 عندما اعترف في ديار بكر بأن الدولة التركية ارتكبت أخطاء بحق الأكراد وقد آن الأوان لتصحيحها في إطار مفهوم جديد للهوية الوطنية يستند إلى أن تركيا دولة متعددة القوميات، كما بدأت بتحجيم دور المؤسسة العسكرية في إطار الإصلاحات الديمقراطية، وزيادة حجم الاستثمارات المالية في المناطق الكردية والتي تجاوزت 12 مليار دولار، وإنشاء قناة فضائية رسمية باللغة الكردية، وعودة الأسماء الكردية للقرى.
   ويعود هذا الانفتاح في أحد جوانبه الأساسية إلى ما يمكن أن تحمله التطورات القادمة من الجوار الكردي وخاصة إقليم كردستان ومن العراق عموماً، والذي سيساهم رحيل القوات الأمريكية منه عام 2011 في إرساء وضع جديد تحتاج فيه كل الأطراف المعنية لإعادة رسم سياستها وتحالفاتها، فتركيا تجد نفسها في هذه الحالة بحاجة لتحسين العلاقات مع الحكومة الإقليمية الكردية في اربيل وذلك لسببين: الأول تجنب الآثار التي قد تنجم من احتمالات اندلاع أي صراع تتحسب له في مناطق التداخل القومي في محافظتي كركوك والموصل على الجوار الكردي في تركيا وحاجتها أيضا لاستقرار المناطق الكردية فيها لتمكينها من القيام بدور الوسيط الاستراتيجي بين آسيا الوسطى والقوقاز من جهة وأوربا من جهة ثانية، وتأدية دور أوسع في شؤون الشرق الأوسط وتحسين علاقاتها التجارية خاصة مع العراق الذي بلغ حجم التبادل التجاري 7 مليار دولار عام 2008 ويتوقع له أن يرتفع إلى 20 مليار دولار عام 2010 خاصة بعد القرار التركي بضخ المزيد من المياه الفرات لسوريا والعراق.

كما أن متطلبات الاستقرار في العراق وما تعنيه ذلك من ضرورة بسط الحكومة العراقية لسيادتها على كافة الأراضي العراقية تمهيداً لانسحاب أمريكي آمن، تقتضي إيجاد حل سلمي لموضوع معسكرات مقاتلي PKK ولاجئي مخمور في إطار عفو عام يضمن لهم العودة لممارسة العمل السياسي.
  ورغم أجواء التفاؤل الحذر بشأن مبادرة اردوغان فإن العراقيل لا تزال كثيرة خاصة من جانب العسكر والحزبين المعارضين (الحزب الشعب الجمهوري والحركة القومية) واللذين يتهمان حكومة اردوغان بتنفيذ أجندات أمريكية، ويعارضان أي تعديل على الدستور التركي وبنوده المتعلقة  بالبنية المركزية للدولة التركية.
  ورغم عدم الوضوح الذي يلف المبادرة فإن بنودها تتعلق بإصدار عفو عام وإقرار حقوق ثقافية أشمل وتطوير اقتصادي واجتماعي للمناطق الكردية، وتوسيع الديمقراطية في إدارة شؤونها..
  وفي العراق فإن اندفاع وتيرة القتل والأعمال الإرهابية يعتبر تحدياً لقدرة الحكومة على ملئ الفراغ الأمريكي، وتسبب هذا الاندفاع في اهتزاز الثقة بين شركاء السلطة، وخاصة أطرافها الشيعية بعد تشكيل الائتلاف الوطني العراقي، بدون حزب الدعوة، تمهيداً لخوض الانتخابات البرلمانية بداية العام القادم، والتي تأتي هذه المرة في ظل مؤشرات عن تراجع الدور الإقليمي للنظام الإيراني المتهم من قبل المعارضة الإصلاحية بتخريب الاقتصاد الوطني وهدره في صراعات تعزل إيران عن محيطها الإقليمي نتيجة تدخلها في الشؤون الداخلية للعديد من الدول ومنها لبنان الذي عجز الرئيس المكلف فيه حتى الآن عن تشكيل حكومة وحدة وطنية نتيجة لتعنت حزب الله وحلفائه الذين يحاولون الإمساك بمفاتيح التعطيل ويساومون على تشكيلها مقابل تمييع المحكمة الدولية بشأن الحريري.
  وفي فلسطين التي يعتبر الوضع فيها بالغ الخطورة نتيجة الانقسام السياسي والجغرافي بين غزة ورام الله، ورغم نجاح مؤتمر حركة فتح ودلالات التجديد التي طرأت على قيادتها، وترميم منظمة التحرير، فإن هناك صعوبات كثيرة تتعلق بعضها بالوحدة الوطنية الفلسطينية، وأخرى برسم ملامح المرحلة المقبلة وعملية استئناف المفاوضات مع إسرائيل في ظل حكومة يمينية متطرفة.
 وفي الداخل السوري يتأزم الوضع الاقتصادي دون أن تبدو في الأفق بوادر انفراج لمعاناة المواطنين، وتزداد معدلات الهجرة الداخلية الى محيط دمشق، والهجرة الخارجية الى دول الجوار وأوربا، ويزداد عدد العاطلين عن العمل لتصل النسبة الى معدلات غير مسبوقة حوالي 20% من الشباب لتشكل بيئة خصبة محركة للتوترات الاجتماعية والظواهر المرضية، وتشكل مناخاً مهيئا للانحرافات والجرائم التي انتشرت مؤخراً، ويعيش 3،5 مليون مواطن سوري تحت خط الفقر، وتتصاعد معدلات التضخم لتصل الى 8% ..

ويعود ذلك الى زيادة ارتفاع أسعار الواردات وتراجع الدعم الحكومي لبعض السلع الأساسية وارتفاع مستوى الإنفاق والهدر الحكومي وتفشي ظاهرة الفساد وانعدام المحاسبة وانفلات أسعار المواد الغذائية نتيجة لموجة الجفاف وتراجع الإنتاج الزراعي، حيث تراجع إنتاج القمح مثلاً العام الماضي بمعدل 70% ليحدث نقصاً حاداً في الاحتياطي الاستراتيجي، مما يهدد الأمن الغذائي، كما أن أعداد الماشية تناقصت من 19 مليون رأس الى خمس ملايين في العام الماضي، وتساهم حالات فشل إدارة الدولة وغياب المشاريع الهادفة والفساد في تعميق الأزمة المعيشية التي تزداد حدة في المناطق الكردية نتيجة الإهمال المتعمد والقوانين والمراسيم الاستثنائية التي تستهدف عرقلة تطور المجتمع الكردي، وذلك بالتزامن مع إجراءات القمع والمنع التي تطال أي حراك ديمقراطي والاعتقالات التي تشمل مختلف أصحاب الرأي ونشطاء حقوق الإنسان، والتي تؤكد بوضوح عجز السلطة عن القيام بإصلاحات حقيقية ملموسة، كما تبرز مدى تردي الوضع الداخلي في ظل هيمنة الأحكام العرفية وسياسة الحزب الواحد التي تنتج الفساد والاستبداد، مما يستدعي مجدداً ضرورة وأهمية تلاقي مختلف القوى والأحزاب الوطنية والديمقراطية السورية على برنامج موضوعي يقود البلاد على طريق التغيير الديمقراطي السلمي المتدرج المنطلق من المشروع الوطني، ومن مصلحة سوريا كوطن، بعيداً عما تجري خارجها من تناقضات وأجندات إقليمية ودولية.
4-9-2009
اللجنة السياسية

لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا(يكيتي)

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…