خليل كالو
لقد تتالت التصريحات المتباينة في الأيام والأشهر الماضية التي تفاءلت واعتقدت بربع حل مزعوم للمسالة الكردية من قبل الحكومة التركية بزعامة أردوغان ذات التوجه الإسلامي في الظاهر والمشبع حتى النخاع بالفكر الطوراني العنصري و معها كل من يدور في فلكها حيث ملئوا الشاشات المرئية صخباً و ضجيجاً 0 كما تقاطرت التحليلات الارتجالية التي فاحت من بعضها رائحة نتنة تعبر عن سوء نية وحقد دفين وأخرى عبرت عن تفاؤل في غير محله تسرعوا في الحكم غير مصدقين عما سيحصل وآخرين انتهزوا الفرصة للتشفي من أصحاب الشأن في هذه القضية – العمال الكردستاني – ولم تعرف الأسباب الحقيقية لهذا السلوك سوى الأنانية التقليدية الملازم للشخصية الكردية وأخذت تلك الزيفانات بترجمة أفكارها ورؤاها كتابة ووجدت لها أماكن هنا وهناك دون دراية وعلم عن ماهية الأجندات ومطالب الأطراف وكيفية حلها فما كان يسمع من كلام لم يخرج عن إطار الرغبة والتمنيات والتسول السياسي ـ أو الرقص على ضوء القمر كما يقول الكرد في أمثالهم ـ من أطراف كثيرة دون معرفة خارطة طريق الحل من الطرف الداعي ونوايا الدولة التركية الحقيقية تجاه عملية السلام و معرفة ماهية هذه الأطراف الداخلة في العملية ؟
وقد كان مجمل بيان القول والزعم يتردد بأسلوب ببغائي بأن الحل سيكون ديمقراطيا في إطار الدولة التركية التي هي عنصرية مثل ديمقراطييها من النخب ومن هذا الكلام الإنشائي الذي لا طعم له ولا رائحة ولا لون وكأن العنصرية التركية قد استفاقت من ثباتها وهي نادمة على اغتصابها حقوق الكرد منذ القديم وأن ضمير نخبها بات تؤنبهم فهلل البعض من الكرد بسذاجتهم للموقف وطلبوا الإسراع في تقبيل لحية أردوغان غير الملتحي وبدأ اليراع تنفث بسمومها على القرطاس ظناً من البعض تسجيلهم لسبق صحفي بالقول إن الأتراك جاهزون ولكن الكرد فلا, وضع اللوم على الكرد وكأنهم مغتصبين لحقوق الترك ليقولوا ها نحن وكأنهم اكتشفوا أسرار المريخ في الوقت الذي تثبت الوقائع غفلتهم عن الأحداث والسياسة ونسوا أنهم يتعاملون مع السياسة التركية التي هي أم الإرهاب والتشدد من يوم مولدها وحتى الآن وما الكلام عن معجزة الديمقراطية ودواء سحري ليس سوى فخ ينصب للضعفاء لمهادنتهم ولكن أخيراً جاء الرد وثبتت الرؤية بإذنه تعالى لتصوم تلك الأقلام من جديد وعرف الخيط الأبيض من الخيط الأسود وصاح الديك منادياً يا قوم لقد تمخض الجبل وأنجب فأرا فمبروك عليكم المولود الجديد وأفصحت الطورانية التركية عن نياتها الشريرة ومكائدها وكشرت عن أنيابها الوحشية مجدداً من خلال وزير الداخلية بشير آتالاي رداً واستباقاً على كلمة للسيد أحمد ترك رئيس حزب المجتمع الديمقراطي أمام حشد كبير من المواطنين الكرد في ديار بكر يوم /1/ أيلول ليقطع الطريق أمام مشجعي السلام على الطبول حينما قال : سوف تقوم الدولة التركية بحل المسألة الكردية ( انحلال ) على طريقتها الخاصة ربما في نهاية السنة الحالية ـ وما أدراك ما ربما ـ وضمن إطار الدولة الديمقراطية الواحدة ذات اللغة الواحدة وتحت ظل علم واحد قد تتضمن بعضا من الحقوق الثقافية مع هامش من حرية الرأي والتعبير حيال الهوية الثقافية الكردية وأن مسألة الفدرالية أمر مرفوض ولا تفاوض مع حزب العمال الكردستاني وقائده عبد الله أوجلان 0 إذن مع من سيكون الحل فكما عهدتنا الدولة التركية أن ممثلي الكرد الحقيقيين سوف يكونون هذه المرة بعيدين عن التشاور ولن يكونوا طرفا في التفاوض حول تقرير مصيرهم كما كان يفتعل بهم الترك كل مرة على مر التاريخ وكانت آخرها في مؤتمر مودانيا عام 1923 مع دول الحلفاء لنسف معاهدة سيفر التي أقرت بحقوق الكرد في مؤتمر الصلح بباريس عام 1920 وقد تم من خلال هذا المؤتمر التخلي عن الحقوق من قبل رجال باعوا قوميتهم وضميرهم كمثليين عن الكرد أمثال عصمت اينونو وآل زلفي وعدد من باشوات سويرك وديار بكر حضروا المؤتمر وأصروا ببقاء العيش مع الشعب التركي في ظل الدولة الحالية التي أسسها كمال أتاتورك على أنقاض الدولة العثمانية المنهارة 0 في حقيقة الأمر سيكون الحل المصطنع هذه المرة أيضاً مع الخونة والمتعاونين و مع من يدور في هذا الفلك إذن سيكون هناك حل بلا حل وبدون مفاوضات مع أطراف نزاع وهميين وبلا نزاع وتحقيق سلام بدون سلام تقرير مصير بلا مصير وسيجدد الترك عقد القران من جديد على الطريقة الديمقراطية بعد أن وصلت حالة الارتباط على الطريقة الكلاسيكية إلى الطلاق النفسي فبعد أن خسر حزب اردوغان الكثير من مواقعه على الساحة الكردية في السنوات الأخيرة وكشف ألاعيبه مثل أسلافه من قادة الجمهورية التركية من اللحى الطويلة أو القصيرة فهي كلها أشكل تنكرية لاستغفال الكرد واستغلال ثقافة الدين عندهم وإن خوفه الحقيقي هو على مستقبل حزبه وليس على مستقبل الكرد وكل الخوف هو أن يفقد أكثر في السنوات التالية ما لم يبحث قادة الحزب المذكور عن مخارج وهمية للحل وحياكة مؤامرات وشق الصفوف بعد أن ألتم الكرد على رأي وهدف وبدا هذا الأمر يغيظهم ويخيفهم كثيرا وبدأت الترك يشعرون أن رأس الحبل بات في يد الكرد في كردستان 0 هذا المنطق التآمري والخداعي ليس غريباً في تاريخ الترك فقد مارسه الجميع بأسلوبه وحسب الظروف سواء كانوا علمانيين أو إسلاميين أو عنصريين ـ فالأمر عندهم سيان ـ عندما يتعلق الأمر بعنصر من غير الترك 0 لقد أضحت تطفو على السطح النوايا الحقيقية الطبيعية للسياسة التركية حيال المسالة الكردية فهي لا تستطيع إخفاء ذاتها ولو تكتيكياً لمدة شهر فقط بسبب عنصريتها الزائدة وحقدها اللامحدود تجاه غيرها من القوميات الأخرى وخاصة مع الكرد فهي تسعى إلى الاقتراب منهم بنفس أمارة بالسوء ونية عاطلة في الوقت الذي لم يعد خافياً على أحد أن المسالة الكردية باتت تشكل من كل النواحي عبئاً ثقيلا على هيكل الدولة التركية برمتها وتحد من حركتها نحو الأمام وخاصة في سد الآفاق المستقبلية لتطلعات وأهداف بني عثمان تجاه المنطقة من الناحية الاقتصادية وقد صرح بصعوبة الوضع الذي تعيشه الدولة التركية من جراء استمرار الوضع هكذا بدون حل من قبل رئيسها عبد الله غول منذ مدة في نفس الوقت تسعى الدولة التركية الممثلة بحكومة أردوغان إلى تكوين رأي وحشد قوى في المنطقة وخاصة على الجبهة الكردية الداخلية ومن خارجها ضد تطلعات الكرد من خلال مشروع حزب العمال الكردستاني ورجال الجبل والتذرع بحجج موهمة ومغرضة لا يغفلها الكرد وإطلاق صفة الإرهاب على حركة ثوار الجبل مستفيدة من الظروف الدولية وعلاقاتها القوية مع أوروبا وأمريكا والدول العربية والإسلامية 0 إزاء الوضع الحالي وما طرأ على الأجواء من مستجدات التي في حقيقتها ليست جديدة بمضامينها بل ربما كان في شكلها وطريقة عرضها سيبقى الوضع قائماً كما هو عليه حيال مصير ومصلحة الكرد وحقوقهم القومية بل سيبقى الرهان خاسراً على خرق الترك لسياسة الكرد من الداخل وتقوية حزب اللاعدالة من رص صفوفها في كردستان ومن خلال النفوس الضعيفة التي باعت ضميرها مقابل المال خشية فقدانه الكثير من المواقع الأساسية كما حصل له في الانتخابات الأخيرة ولم يعد أمام أردوغان الكثير من الفرص والوقت الذي هو محاصرا الآن من قبل أحزاب المعارضة التركية حزب الشعب والحزب القومي والمؤسسة العسكرية وتنامي الحركة الكردية في السهل والجبل والمدينة وهو يعلم جيداً أنه سيفقد الكثير من شعبيته ومواقعه في المستقبل إذا ما استمر الوضع هكذا دون حراك ومناورة وهمية وما لم يقم بذر الرماد في عيون بوعود وأكاذيب اعتادوا عليها ممن يسيرون الآن في فلك الدولة التركية من النخب الاجتماعية والاقتصادية الكردية لتجاوز المرحلة بالمراوغة وما العيب في ذلك فالحرب كر وفر ومكر وخداع وهذه هي طبيعة الترك فقد ترضعوا على المكر والحيلة وقد أثبتوا سلوكهم هذا لكل الشعوب منذ تاريخ وجودهم في هذه المنطقة 0 فبعد أن استنفذت الدولة التركية جميع الخيارات لديها من خططها وسياساتها القمعية والإنكارية وعدم تحقيق الحرب النظامية أهدافها المرسومة والمنشودة رغم ضخامة آلتها العسكرية و تضافر كل الجهود وحشد الطاقات على طول الدولة التركية وعرضها دون سماع صوت من داخل المجتمع التركي بوقف نزيف الدماء منذ أكثر من عقدين من الزمن وإفلاس الحرب النفسية والثقافية في استحواذ وجدان وضمير المخلصين من أبناء الكرد الذين ضحوا بكل غال ونفيس من أجل نصرة قضيتهم وحقوقهم المشروعة فكانت هذه المرة أيضاً ليطل مكر التركي علينا من زاوية حساسة وعلى منعطف خطير سعياً منه للقيام بمحاولات في زرع البلبلة والنيل من الجبهة الداخلية وتقسيم الآراء والمواقف من داخل الصف الكردي إلى من هو رافض وآخر ينتظر وآخر موافق والسؤال الذي يطرح نفسه كيف يكون الحلول التركية من دون الممثلين الشرعيين والحقيقيين للشعب الكردي هناك ؟ أليس في هذا التصرف والسلوك حيلة ومناورة واستغفال واستهتار بالكرد؟