الحديث عن حلٍّ للقضية الكردية في تركيا إيمان بالعيـش المشترك أم جسر إلى أوربـا

  صوت الأكراد *

في الوقت الذي كانت المؤسسة العسكرية الطورانية , وكذلك العقلية السياسية القومية في تركيا تعتبر العنصر التركي هو العنصر السيادي في الدولة , وما عدا ذلك ,فإما عليهم التنحي أو الانحلال في ماهية الهوية التركية, وبعد ما يقارب الثلاثة عقود من الاقتتال والاحتراب, جاء حزب العدالة والتنمية ليدخل تركيا عموماً, والقضية الكردية خصوصاً في مرحلة جديدة, وتحت الأضواء الباهرة المفرحة, وبشكل فاجأ الجميع, ووسط ترحيب كردي وعالمي …

لقد جاء هذا الموقف الرسمي للحكومة التركية إيجابياً في التعاطي مع القضية الكردية والشعب الكردي, نتيجةً لعدة عوامل, أهمها:
 أن رياح الديمقراطية وحقوق الإنسان والمفاهيم العصرية, التي هبت على المنطقة , لم تعد بعيدة عن أحد, فبدأ مفهوم نبذ العنف والتطرف والإرهاب من جهة وترسـيخ مبدأ السـلم وضرورة العيش المشترك في فكر شعوب المنطقة وأيضاً اقتناع الحكومة التركية بعد عشرات السنين , التي ضاعت بحثاً عن الحل, عبر لغة السلاح لم تثمر سوى عن قتل الآلاف وتهجير المدنيين وتدمير آلاف القرى, دون أن تجدي نفعاً, ولا بد لها من البحث عن حل بديل, كما أن الفوز الباهر , الذي حققه حزب المجتمع الديمقراطي في الانتخابات المحلية في تركيا , كان بمثابة رسالة قوية إلى الأتراك بفشل المحالات الرامية إلى صهر القومية الكردية في بوتقة القومية التركية , وكذلك التعامل الايجابي للاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية مع فوز حزب المجتمع الديمقراطي , وأيضاً تعتبر هذه المحاولة كخطوة لتركيا باتجاه الدخول إلى الاتحاد الأوربي , وقد لا يستبعد أن هذه الخطوة تكون بمثابة محاولة للساسة الأتراك لإجهاض الفوز الكردي في الانتخابات الأخيرة , أو لتحسين صورة حزب العدالة والتنمية أمام الرأي العام الكردي الذي قد ينعكس  إيجاباً على نتائج الانتخابات القادمة ….

الخ .

إلا أن هذه الأجواء الإيجابية ستصطدم دون شك بمعوقات كبيرة في مقدمتها امتعاض بعض الدول الإقليمية من سير تركيا بهذا الاتجاه , إلى جانب وجود معارضة تركية قوية لهذا التحرك وخاصة من قبل الحزبين التركيين القوميين ( حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية) وكذلك الحرس القديم في المؤسسة العسكرية, وكذلك وجود زعيم حزب العمال الكردستاني معتقلاً في ايمرالي , كما أن جدلية العلاقة بين إقليم كردستان العراق وتركيا سياسياً وأمنياً واقتصادياً لها دور بارز في التأثير على مجريات القضية …
على كلٍّ بدأت الحكومة التركية تكشف يوماً بعد يوم عن خارطة طريقها, للوصول إلى الحل والمكونة من ثلاث مراحل  أولاها قصيرة المدى تتناول إجراء تعديلات على التعميمات والمفاهيم العامة , التي لا تحتاج إلى إصدار قانون خاص من البرلمان , بل إلى تعديل بعض القوانين , وبعدها سيتم منح بعض الحقوق الثقافية المتعلقة باللغة والإعلام .

أما ثانيها , فمتوسطة المدى وتتناول إجراء تغييرات قانونية, تسمح بإجراء تغييرات في أسماء المدن بمستوى القضاء وستقوم الحكومة بتفعيل قانون الندم التركي المرقم “221” إلى جانب إجراء تغييرات جذرية فيها بشكل يتمكن حتى المسؤولين الكبار في “PKK”  الاستفادة منها دون استخدام مصطلح “العفو”، كما أن الحكومة ستدرس من جديد مسألة حماة القرى, وثالثها بعيدة المدى وتتناول إجراء تعديلات في الدستور، وستكون المادة “66” على رأس التعديلات الدستورية المتعلقة بالمواطنة التركية.
 مع أن كل هذه المؤشرات تبدو إيجابية في ظاهرها , إلا أنه دائماً تبقى الأحاديث أحاديثاً , ما لم تقترن بالأفعال , تلك الأفعال التي ستثبت فيما إذا كانت هذه الأحاديث عبارة عن قناعات وإيمان راسخ بالعيش المشترك جنباً إلى جنب بين الشعبين الكردي والتركي , أو أنها لا تغدو , عن كونها , عبارة عن مغازلات , لتكون جسراً للدولة التركية , موصلةً إياها للاتحاد الأوربي.

* لسان حال اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا ( البارتي ) العدد (418) آب 2009

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…