إنفتــاح تركـي وإنغـلاق كـوردي

ديـــار ســـليمان

في تركيا جعجعة غير عادية، الظاهر أن طواحين الإنفتاح تدور منذ بعض الوقت في أكثر من إتجاه.
لكن السؤال الكبير هنا هو: من ينفتح على من؟ من يكتشف من؟ من أوصد أبواب الآخر عليه ليعود اليوم ليكتشفه ولينفض عنه الغبـار؟ 
حزب العمال الكردستاني الذي إستهلك نفسه وشعاراته الكبرى من خلال إبتلاعها دفعة واحدة على مذبح تنظيرات زعيمه الهلامية التي لا تشبه شئ..

أي شئ، دون أن يتسبب ذلك في أدنى عسر هضم أو تلبك معوي لإعلامـه، إذ تحولوا جميعآ ـ الزعيم والحزب والإعلام ـ في أقل من ليلة وضحاها الى مقاربة الحدود الأدنى من الدنيـا كي يظهروا مرونتهم ويبرهنوا على تحضرهم وترفعهم عما يسمونه الدنـاءة القومية ولا يزعجوا بالتالي ليس صقور المؤسسة العسكرية التركية وحمائم الحكومة فحسب بل أضعف الفراخ التركية في أصغر سوق شعبي ما دمنا في لغة الطيـور، هذا الحزب ومن خلال الهالة الإعلامية التي يتحرك على صخيها منذ عشرات السنين لا زال ينتج ويبيع إنتاجه في ظل الفراغ المأساوي للساحة الإعلاميـة.

والحال أن حزب العمال الكردستاني يخطأ كثيرآ حين يطرح نفسه المالك الوحيد للقضية القومية الكوردية في تركيا، وهذه المسألة على ما فيها من عدم الدقة فهي تنطوي على خطـورة كبيرة، فالإحتكام مثلآ الى نتائج الإنتخابات البلدية الأخيرة في تركيا تظهر وقائع أخرى، كما أن الإقرار بذلك يجعل تنازلات الحزب عن الحقوق القومية الكوردية والرضا (بمنحـة أردوغان) بإعتبار ذلك كل الحـل لكل المشكلة منتجـآ لمفاعيله، خاصة أن زعيم الحزب لا تفوته مناسبة ألا ويسخر فيه من شبه الإستقلال الذي يتمتع به الإقليم الكوردي في العراق ويقول بأنه حتى لو منح ما يشبه ذلك فلن يرضى به كون ذلك أكثر مما يطالب به بكثير!
من جهة أخرى الجانب التركي لا يشعر بصداع كبير عندما تنحصر القضية الكوردية في حزب العمال طالما هو يمسك هذا الحزب من يده التي تؤلمه كما يقال، وإذا كانت هذه اليد قد إرتضت بعض الحقوق الثقافية بديلآ لإنهار الدماء والتضحيات التي بذلت على مدى عشرات السنين مع أن ربعها كان كافيآ لبنـاء دولة لو صح إستثماره ، فليس من المتوقع من الأتراك أن يكونوا ملكيين أكثر من الملك ويقوموا بإنقلاب على دستورهم وإضافة صفحات جديدة إليـه طالما أن أصحاب الحقوق قد أرتضوا بالتنازل عنها مسبقآ.


حزب العمال الكردستاني حرّ فقط في الجزئية التي تخصه وأقصد هنا إلتزامه الأخلاقي تجاه زعيمه، لكنه مثله مثل غيره ليس مخـولآ وبشكل منفرد قبول أو حتى رفض منحـة أردوغان أو المفاوضة على الحقوق القومية الكوردية، وقد نسي زعيم الحزب في غمرة تأملاته الكونية وأبحاثه في الكمالية أنه يترأس فصيلآ كرديآ واحدآ فقط مهما كبر لا يغطي مساحة كوردستان كلها فنزل بمطاليبه مع تضخم أنـاه الى الحضيض لكنه عاد وإنقلب على نفسه مؤخرآ بعد تلقفـه كلمات أردوغان لدرجة أنه راح يستمد منها العزيمة و يسرع  منفردآ في وضع خطة مقابل خطة في عملية سحب بساط من تحت أقدام كل من يحاول الاقتراب من القضية وكان هذا دليلآ آخر على الإرتباك والتسرع وعقلية التفـرد .
المطلوب الآن كما قبلآ إنفتـاح الكورد على بعضهم البعض، المطلوب إكتشاف الكوردي الآخر وصياغة المطالب القومية التي لا يتم التفاوض عليها مع الطرف الآخر بل التفاوض معه على كيفية تحقيقها، وإلا ستصبح الديمقراطية التي يطبلون لها ليل نهار بإعتبارها مفتاحآ لنيل الحقوق عـارآ لا يماثله عار، فالمعروف حتى في أصغر الصفقات التجارية أن المتفاوضون يرفعون سقف مطالبهم إلا في حالتنا هذه ننطلق من الصفر.

30.08.2009

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس الزيارة المفاجئة التي قام بها أحمد الشرع، رئيس الحكومة السورية الانتقالية، إلى إسطنبول، لم تكن مجرد جولة مجاملة أو لقاء بروتوكولي، بل بدت أقرب إلى استدعاءٍ عاجل لتسلُّم التعليمات. ففي مدينة لم تعد تمثّل مجرد ثقلٍ إقليمي، بل باتت ممرًا جيوسياسيًا للرسائل الأميركية، ومحورًا لتشكيل الخارطة السورية الجديدة، كان الحضور أشبه بجلوس على طاولة مغلقة،…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا الإسلامي، لا شيء يُوحِّدنا كما تفعل الخلافات، فبينما تفشل جهود الوحدة السياسية والاقتصادية، نثبت مرارا وتكرارا أننا نستطيع الاختلاف حتى على المسائل التي يُفترض أن تكون بديهية، وآخر حلقات هذا المسلسل الممتد منذ قرون كان “لغز” عيد الفطر المبارك لهذا العام، أو كما يحلو للبعض تسميته: “حرب الأهلة الكبرى”. فبعد أن أعلن ديوان الوقف…

قدم الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، السبت، تشكيلة الحكومة الجديدة، والتي تكونت من 22 وزيراً. وقال الشرع في كلمته خلال مراسم الإعلان عن الحكومة في قصر الشعب: “نشهد ميلاد مرحلة جديدة في مسيرتنا الوطنية، وتشكيل حكومة جديدة اليوم هو إعلان لإرادتنا المشتركة في بناء دولة جديدة.” وجاءت التشكيلة الوزارية على الشكل التالي: وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني وزير…

نظام مير محمدي* في الغالب، فإن النظام الإيراني يبدو في حالة لا تمکنه من أن يصر على إن أوضاعه على ما يرام وإن ما حدث خلال العامين الماضيين الى جانب ما يحدث له حاليا على الاصعدة الداخلية والاقليمية والدولية، لم يٶثر عليه سلبا، ذلك إن الامر قد تعدى وتجاوز ذلك بکثير ولاسيما بعد أن تناقلت…