في تركيا جعجعة غير عادية، الظاهر أن طواحين الإنفتاح تدور منذ بعض الوقت في أكثر من إتجاه.
لكن السؤال الكبير هنا هو: من ينفتح على من؟ من يكتشف من؟ من أوصد أبواب الآخر عليه ليعود اليوم ليكتشفه ولينفض عنه الغبـار؟
حزب العمال الكردستاني الذي إستهلك نفسه وشعاراته الكبرى من خلال إبتلاعها دفعة واحدة على مذبح تنظيرات زعيمه الهلامية التي لا تشبه شئ..
أي شئ، دون أن يتسبب ذلك في أدنى عسر هضم أو تلبك معوي لإعلامـه، إذ تحولوا جميعآ ـ الزعيم والحزب والإعلام ـ في أقل من ليلة وضحاها الى مقاربة الحدود الأدنى من الدنيـا كي يظهروا مرونتهم ويبرهنوا على تحضرهم وترفعهم عما يسمونه الدنـاءة القومية ولا يزعجوا بالتالي ليس صقور المؤسسة العسكرية التركية وحمائم الحكومة فحسب بل أضعف الفراخ التركية في أصغر سوق شعبي ما دمنا في لغة الطيـور، هذا الحزب ومن خلال الهالة الإعلامية التي يتحرك على صخيها منذ عشرات السنين لا زال ينتج ويبيع إنتاجه في ظل الفراغ المأساوي للساحة الإعلاميـة.
من جهة أخرى الجانب التركي لا يشعر بصداع كبير عندما تنحصر القضية الكوردية في حزب العمال طالما هو يمسك هذا الحزب من يده التي تؤلمه كما يقال، وإذا كانت هذه اليد قد إرتضت بعض الحقوق الثقافية بديلآ لإنهار الدماء والتضحيات التي بذلت على مدى عشرات السنين مع أن ربعها كان كافيآ لبنـاء دولة لو صح إستثماره ، فليس من المتوقع من الأتراك أن يكونوا ملكيين أكثر من الملك ويقوموا بإنقلاب على دستورهم وإضافة صفحات جديدة إليـه طالما أن أصحاب الحقوق قد أرتضوا بالتنازل عنها مسبقآ.
حزب العمال الكردستاني حرّ فقط في الجزئية التي تخصه وأقصد هنا إلتزامه الأخلاقي تجاه زعيمه، لكنه مثله مثل غيره ليس مخـولآ وبشكل منفرد قبول أو حتى رفض منحـة أردوغان أو المفاوضة على الحقوق القومية الكوردية، وقد نسي زعيم الحزب في غمرة تأملاته الكونية وأبحاثه في الكمالية أنه يترأس فصيلآ كرديآ واحدآ فقط مهما كبر لا يغطي مساحة كوردستان كلها فنزل بمطاليبه مع تضخم أنـاه الى الحضيض لكنه عاد وإنقلب على نفسه مؤخرآ بعد تلقفـه كلمات أردوغان لدرجة أنه راح يستمد منها العزيمة و يسرع منفردآ في وضع خطة مقابل خطة في عملية سحب بساط من تحت أقدام كل من يحاول الاقتراب من القضية وكان هذا دليلآ آخر على الإرتباك والتسرع وعقلية التفـرد .
المطلوب الآن كما قبلآ إنفتـاح الكورد على بعضهم البعض، المطلوب إكتشاف الكوردي الآخر وصياغة المطالب القومية التي لا يتم التفاوض عليها مع الطرف الآخر بل التفاوض معه على كيفية تحقيقها، وإلا ستصبح الديمقراطية التي يطبلون لها ليل نهار بإعتبارها مفتاحآ لنيل الحقوق عـارآ لا يماثله عار، فالمعروف حتى في أصغر الصفقات التجارية أن المتفاوضون يرفعون سقف مطالبهم إلا في حالتنا هذه ننطلق من الصفر.
30.08.2009