علاء الدين عبد الرزاق جنكو
Ameer336@hotmail.com
حتى لا أتهم في طرحي لمفهوم التجديد ، بداية لا أقصد من الموضوع إلغاء فريضة الحج الثابتة شرعا .
لكن لابد من التساؤل عن فلسفة هذه الفريضة التي – وبالتأكيد – لا تخلو من حكمة إلهية نؤمن بها سواء تمكنا من الوصول إليها أو لم نصل .
وهذا الإيمان المطلق لا يبرر عدم الخوض في أسرار هذه الفريضة واستنباط أدوية لأمراض معاصرة كظاهرة التعصب ، وظاهرة العنف مثلا ، بل العكس تماما فالسعي وراء معرفة فلسفة الحج وغيرها من العبادات عمل جيد وحسن ومثمر إن شاء الله .
فالحج كما هو معلوم من أركان الإسلام الخمسة ثابت بالقرآن الكريم والحديث الشريف ، وهو عبادة متميزة وشعيرة مقدسة ذات أهمية كبرى مفروضة على المسلمين بشروط خاصة أهمها شرط الاستطاعة .
وباعتبار ديمومة هذه الفريضة على المسلمين إلى يوم القيامة ، لابد للمسلمين من النظر للحج بعيون العصر الذي يعيشون فيه ، ومن جميع جوابها .
ولكن قبل الخوض في بيان الدروس المستفادة من الحج لابد من القول : أن التدبر الواعي والتأمل الموضوعي في الغاية السامية التي شرعت العبادات من أجلها يوحي للمتدبر بأنها عبارة عن التجرد من القيم المادية الوضيعة حتى تمهد للانطلاق والتحليق في سماء الفضيلة الرفيعة .
ومن ناحية أخرى لابد من أن ندرك أن حركة الإنسان الجسمية في طريق تأدية فريضة الحج لابد أن تكون مسبوقة بحركة فكرية تعقد العزم على أن العودة من هذه الرحلة يجب أن تتفوق على الذهاب إليها من حيث تقويم السلوك واستقامة اعوجاجها .
كما ويجب أن تسبقها إجراءات حقوقية أهمها رد الحقوق لأصحابها إن كانت في ذمة مريد الحج .
كما ويجب أن تسبقها إجراءات حقوقية أهمها رد الحقوق لأصحابها إن كانت في ذمة مريد الحج .
الحج وبناء الإنسان :
من أهم مقاصد الحج وخطوط فلسفتها ، ضبط سلوك المسلم الحاج ، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى : ( وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ) (27) سورة الحـج
فالآية صريحة في بيان أهم مقاصد الحج وهي اشتمال الحج على المنافع للناس ، وهي متنوعة بحكم أنها جاءت نكرة في الآية ، في شاملة لجميع المنافع العبادية والتربوية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية .
الحج مؤتمر إسلامي كبير :
فالحج ليس عملاً عبادياً فحسب وهو مؤتمر إسلامي كبير ، و مصدر عظمة الإسلام و إتحاد المسلمين و تقوية شوكتهم ، فهو من جانب يجعل للمسلمين هيبة بين الأمم ، و من جانب آخر فهو يبُثُ في نفوس المسلمين كل عام روح الإيمان و التقوى و الالتزام الديني ، و الوحدة الإسلامية ، و يُبصِّرَهم هموم الأمة ، كما و يُشعرهم بقوتهم و عزتهم ، الأمر الذي يميل الآخرين إلى احترامهم وبيان قدرهم وتغيير وجهة نظرهم تجاه الأمة الإسلامية .
هذا و ينبغي على علماء الإسلام المخلصين طرح الحج ليكون ملتقىً إيمانياً و تربوياً و ثقافياً و سياسياً و اقتصاديا مباركاً .
فلسفة الحج :
فلسفة الحج :
ومن خلال ما سبق يمكن أن نستنتج بعض النقاط التي ترسم لنا لوحة نرى من خلالها فلسفة الحج في الإسلام وأثرها في تقويم حياة هذا المخلوق المكرم من قبل خالقه :
1- تأصيل قضية التوحيد في النفوس وتأكيدها:
فالإسلام دين الوحدانية، والحج – كغيره من العبادات – يشترط فيه الإخلاص وإسلام الوجه وقصد الخالق الأوحد بالعبادة: (وأتموا الحج والعمرة لله)، وفي التلبية -وهي شعار الحج- تأكيد صريح على قضية التوحيد وإفراد الله بالنسك “لبيك اللهم لبيك؛ لبيك لا شريك لك لبيك..”، وحجّاج بيت الله يصطفون في هذه البقاع الطاهرة من آفاق الدنيا كلِّها قائلين: “لا إله إلا الله، محمد رسول الله”، كل هذا يعمّق عقيدة التوحيد في قلب كل مؤمن.
2- تأكيد عالمية الرسالة الإسلامية :
فالحج مؤتمر إسلامي عالمي كبير؛ تتحقق فيه الوحدة في مصدر التلقي، وفي قصد القلب، وفي عمل الجوارح، وفي الزمان والمكان واللباس والذكر والمناسك، وتذوب فيه فوارق اللغة واللون والإقليم بين المسلمين، وكما جمع الإسلام من قبل بين أبي بكر العربيّ وصهيبٍ الروميّ وبلال الحبشيّ جابان الكردي وسلمان الفارسيّ وغيرهم من شتّى القبائل والبلدان، وقال محمد صلى الله عليه وسلم: (وكونوا عبادَ الله إخوانًا) متفق عليه، فإنه يؤلف بين قلب المسلم في الشرق وبين إخوانه فيالغرب والشمال والجنوب ، الكل يعتقد في إله واحد، ويردد هتافا مشتركا، ويؤدي مناسك واحدة.
3- تأكيد مبدأ المساواة ورفض التفرقة العنصرية بين الأجناس المختلفة:
فشعائر الحجّ كلها تدعو إلى محو فوارق اللون واللغة والجنس، والحجاج يأتون من كل صوب تجمعهم أخوّةٌ إيمانية صادقة، ووحدة صافيةٌ، ومساواة عادِلة، فقد ذابت بينهم الفوارق العِرقية، والعصبيات وتبدّدت كلُّ مظاهر الاعتزاز بالجنس أو اللون، بدءًا من الإحرام حتى لا يكون هنالك تفاضل بين غني وفقير، أو بين عالم وجاهل، أو بين أبيض وأسود، أو بين حاكم ومحكوم، فكل هذه الامتيازات تلغى حينما يلبس الجميع قطعتي ثوب غير مخيط، ويتأكد معيار المفاضلة والتكريم الذي وضعه القرآن الكريم: (إنَّ أكرمكم عند لله أتقاكم)، فالتقوى هي النسَب، وهي التي ترفع صاحبَها وتُعلي قدرَه؛ لا فضل لعربي على عجميّ ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى.
4- تأكيد مفهوم الارتباط التاريخي عند المسلم:
ففي الحج يتعرف المسلمون على الأرض التي كانت مهد الرسالة؛ وفي المناسك يتذكرون كيف ضحى الأولون من أجل توصيل الرسالة، وكيف يجب على من بعدهم تكملة المسيرة والسير قدما بهذه الدعوة، ومع كل نسك يتذكر الحجيج العبرة من التاريخ، وكأن الحج قراءة عملية للتاريخ.
5- الارتقاء الروحي وتهذيب النفس:
فعبادة الحج روحية بالدرجة الأولى، ففيها ترقى الروح إلى أعلى المدارج، حيث يتخفف الحجيج من مفاتن الدنيا، ويسمون فوق أوضار الحياة، فلا مخيط ولا حذاء ولا عطر في الإحرام، ولا جماع… إلخ، كل هذا حتى تتعود النفس الخروج عن المألوف، وترقى روحيا من خلال المناسك والتلبية والدعاء والذكر.
6- رحلة إلى الدار الآخرة:
فالحج فيه تذكرة باليوم الآخر في مواقف مختلفة تحصل للحاج، منها:
خروجه من بلده ومفارقته أهله، حيث يذكره ذلك بالفراق حال الخروج من الدنيا..
والتجرد من المخيط وترك الزينة يذكر بالكفن وخروج العباد من قبورهم حفاة عراة غرلا..
والترحال والتعب والازدحام مع العطش والعرق يذكر بمواقف عرصات القيامة وحشر العباد.
7- التربية على الأخلاق الحسنة والخلال الحميدة:
وهي كثيرة في الحج، ومنها:
– كظم الغيظ وترك الجدال؛ ولا شك أن هذه صفة يحتاجها الناس في حياتهم الاجتماعية وفي أماكن عملهم، والتواضع ؛ والشعور بالمسؤولية وتحمل تبعات الخطأ ، والصبر على المصاعب والمشقات؛
ففي الحج تمرين للمسلمين وتعويد لهم على تحمل بعض الأعمال الشاقة التي تتمثل في تلك الرحلة خلال المناسك من مكة إلى منى، فعرفات، فالمشعر الحرام، ثم العودة خلالها، والطواف بالكعبة، والسعي بين الصفا والمروة.
التوكل؛ وهو درس من السعي بين الصفا والمروة حيث يتذكر الحجيج كيف كانت “هاجَر” عليها السلام تسعى بين الصفا والمروة سبع مرّات بتصميم وثباتٍ وعدم يأس، متخذة في ذلك كل الأسباب، باذلة جُهدًا مضنيًا مع توكُّلٍ على الله، وهي بهذا ترسم الطريق في كلِّ عصرٍ ولكل جيل لشحذِ الهمّة، وبذل الجهد لطرق أبواب الخير مرّةً وثانية وثالثة، بتصميم لا يتردّد، وعزمٍ لا يلين، مع صدقٍ في التوكُّل على الله سبحانه.
ففي الحج تمرين للمسلمين وتعويد لهم على تحمل بعض الأعمال الشاقة التي تتمثل في تلك الرحلة خلال المناسك من مكة إلى منى، فعرفات، فالمشعر الحرام، ثم العودة خلالها، والطواف بالكعبة، والسعي بين الصفا والمروة.
التوكل؛ وهو درس من السعي بين الصفا والمروة حيث يتذكر الحجيج كيف كانت “هاجَر” عليها السلام تسعى بين الصفا والمروة سبع مرّات بتصميم وثباتٍ وعدم يأس، متخذة في ذلك كل الأسباب، باذلة جُهدًا مضنيًا مع توكُّلٍ على الله، وهي بهذا ترسم الطريق في كلِّ عصرٍ ولكل جيل لشحذِ الهمّة، وبذل الجهد لطرق أبواب الخير مرّةً وثانية وثالثة، بتصميم لا يتردّد، وعزمٍ لا يلين، مع صدقٍ في التوكُّل على الله سبحانه.
الحج وظاهرة العف :
الملاحظ لأعمال الحج سيرى في مجملها أنها تدل على اجتناب ونبذ العنف بكل صوره ( مثل عدم الإسراع في الطواف ) ، ( وتحريم الجدال ) ، وغيرها مما قد يُحدث العداوة ؛ ومن ذلك أيضا : ( تحريم صيد الطيور وحيوانات البر ) ، بل ويحرم على الحاج قبول شيء مما يصطاده الآخرون، وكذلك مساعدتهم بإعطائهم السكين وغيرها، ويجوز للحاج أن يقتل حيوانًا مؤذيًا كالأفعى، وله كذلك أن ينحر الأضاحي، كجزء من مناسك الحج، أما ما عدا ذلك؛ ( فحرام على الحاج أن يصطاده ) وغير ذلك مما يهدف إلى تعويد الحاج على هذا الخلق الرفيع الذي يكتسبه من مدرسة الحج ليجعل منه أعظم إنسان محب للسلام والمساواة وبعيد كل البعد عن مظاهر العنف والإرهاب والتنطع ، لكي يراعيه مراعاة أفضل عقب عودته من الحج؛ فيعيش مسالمًا بين الناس في غير أيام الحج .هذا هو الحج بمفهومه القديم الحديث وهذا ما يجب الاستفادة منه – كما أرى وأؤمن به – على الرغم أني لم أتشرف بزيارة تلك الديار المقدسة التي يشتاق لها قلبي و قلوب الملايين من البشر …….