ليس المهم المشروع , و إنما الإرادة و القرار

زيور العمر

طرح المشاريع الداعية الى وحدة الحركة الكردية في سوريا و من يلف حولها أصبحت بضاعة رائجة في هذه الأيام , حيث لم يبق أحد و لم يدل بدلوه في مناقشة مشروع صلاح بدر الدين « الحركة الوطنية الكردية( حوك) » , و كأن حل القضية الكردية في سوريا , مرهون , حصرا ً بتقارب و تكاتف و إتحاد الأحزاب الكردية القائمة , و هو أمر يثير الدهشة و الإستغراب .

لا نخف أن حالة الإنقسام و التشرزم أضعفت شعبنا , و شتت من إمكاناته و طاقاته , و أعطت الفرصة للنظام لتمرير مشاريعه و سياساته العنصرية و الشوفينية , التي بلغت في المرحلة الراهنة مستوى خطيرا  من التصعيد , أسفرت عنها , إفقار و تجويع و تهجير , غير مسبوق بحق شعبنا , في ظل مراقبة الأحزاب الكردية و قياداتها , دون أن تحرك ساكنا ً , للتصدي لها , و مجابهتها بالإمكانات المتوفرة.

و بالرغم من أن موقف هذه الأحزاب و قادتها ليس أمرا ً جديدا ً , حتى نتفاجأ به اليوم , ففي ظلها , و تحت أسماعها و أبصارها , مررت خلال العقود السابقة , و في السنوات القريبة الماضية , العديد من السياسات و الإجراءات العنصرية بحق الكرد , حتى إعتدنا على جبنها , و إنبطاحها , و إنعدام الأخلاق و المسؤولية لديها .

فإذا قدر لنا أن نسجل التاريخ , اليوم, فإن من الإمكان القول أنه تاريخ أحراب كانت مجرد شواهد عيان على عذابات شعبها , من دون أن تفعل بالمقابل أي شئ .
مشروع صلاح بدر الدين , ليس المشروع الأول , و لن يكون الأخير , في سلسلة المشاريع الداعية الى تقارب الأحزاب الكردية , و تشكيل إطار سياسي , يحتضن جميع القوى السياسية و المنظمات الثقافية و الإجتماعية , و الشخصيات المستقلة .

بل إنها جاءت بعد فشل مشاريع أخرى : مشروع المرجعية الكردية الموحدة الذي لم يتحقق , و المجلس السياسي الذي لم ير النور.


فإذا كانت الأحزاب الكردية تشكل اللبنة الأساسية في مشروع الحركة الوطنية الكردية حوك , فإن ذلك يعني , موت الجنين قبل أن يلد , و ذلك لعدة أسباب ,  يعرفها القاصي قبل الداني :
1ـ  مشروع الحركة الوطنية الكردية مصيره الفشل , لأن صاحبه , شخصية كردية مرفوضة من جميع الأحزاب الكردية , بإستثناء بقايا من حزبه السابق , حزب الإتحاد الشعبي الكردي في سوريا ,
2ـ حتى لو وضعت هذه الأحزاب تحفظاتها بشأن شخصية صلاح و تاريخه جانبا ً , فإنها , بإختصار , أحزاب لا يمكن أن تقدم على أية خطوة من شأنها توحيد صفوفها , و طاقاتها , في مواجهة الصراع الأساسي .
3ـ و لأن من متطلبات تنفيذ أي تقارب كردي ـ كردي , إمتلاك القرار المستقل  و الإرادة السياسية , فإن المشروع عير قابل للتحقيق , و ذلك لعدم إمتلاك اغلبية القيادات الكردية للقرار المستقل , و الإرادة السياسية .
4ـ لن تقبل الأحزاب الكردية بأية مشاركة فعلية و عملية للمستقلين في صياغة الموقف السياسي الكردي , من منطلق رؤيتهم للمستقلين , و خاصة المثقفين منهم , من زاوية التبعية المحضة .
إشكالية المشهد السياسي الكردي لا يكمن في غياب المشاريع و الرؤى الداعية الى توحيد الصف , و حشد الإمكانات , و توجيه الطاقات الكردية في الإتجاه الصحيح , و إنما يكمن في إستفراد أحزاب و أطراف سياسية بالمشهد الظاهري للحالة السياسية الكردية , دون أي تأثير عملي لها , و نقصد منه هنا الجانب الإيجابي المتمثل في أخذ المسؤولية التاريخية في النضال و الدفاع عن الشعب المقهور .

فبوجود الإرادة السياسية , و القرار المستقل , و الجرأة و الشجاعة , يمكن الوصول الى أية صيغة توافقية مقبولة , و مسنجمة مع ظروف و متطلبات حل القضية الكردية في سوريا .


لذلك ما زلنا نشكك في المشاريع المطروحة , و من خلفها نوايا أصحابها , و أهدافهم .

الأزمة الراهنة لا يمكن تجاوزها , من خلال طروحات تهدف الى مجرد تشجيل النقاط , و أسبقيات إعلامية و شخصية محضة , و إنما الى وقفة شجاعة من الأجيال الشابة , من أجل تجاوز الماضي و التطلع الى المستقبل بآدوات جديدة , و حديثة , علنا نقف على أقدامنا من جديد , بعد عهود من السجود و الركوع و الإنبطاح المخزي .

22/08/2009

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين   في السنوات الأخيرة، يتصاعد خطاب في أوساط بعض المثقفين والنشطاء الكرد في سوريا يدعو إلى تجاوز الأحزاب الكردية التقليدية، بل والمطالبة بإنهاء دورها نهائياً، وفسح المجال لمنظمات المجتمع المدني لإدارة المجتمع وتمثيله. قد تبدو هذه الدعوات جذابة في ظاهرها، خاصة في ظل التراجع الواضح في أداء معظم الأحزاب، والانقسامات التي أنهكت الحركة الكردية، لكنها في عمقها…

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…