المرجعية الكردية بين القدرة والإرادة

  افتتاحية جريدة الوحدة (YEKÎTÎ)
   لا شكّ بأن المرجعية الكردية باتت الآن أكثر حاجة وإلحاحاً، في ظل الوضع الكردي المتأزّم والإجراءات الشوفينية التي لا تعرف الحدود، والمطالبات الشعبية التي لا تتوقف كثيراً أمام التفاصيل، ولا تميّز أحياناً بين المشاريع المطروحة، ما دامت الغاية منها هي توحيد الخطاب الكردي.

   ولما كانت ضرورات توحيد هذا الخطاب لا تقبل التأويل والتأجيل، بسبب شراسة الهجمة الشوفينية، فإن مرتكزاته السياسية وآلياته التنظيمية، لا تزال- على ما يبدو- بحاجة للمزيد من التمعن والتدقيق..

ونعتقد أن التعامل بمسؤولية مع هذه القضية الحساسة، بعيداً عن الاعتبارات الحزبية الضيقة، كفيلٌ بتذليل الكثير من العقبات، كما أن توفير الإرادة المطلوبة والالتزام بمتطلبات وشروط العمل المشترك، التي تعني في إحدى جوانبها ضرورة احترام الآخر المختلف، ونبذ المهاترات، تعتبر مقدمة موضوعية وعملية لا بدّ منها لإعادة الثقة المتبادلة الضرورية بين كافة الأطراف، والبحث بهدوء وثقة عن نقاط التلاقي بغية تبنّيها وتثبيتها، وتحديد نقاط الاختلاف بقصد تذليلها وتجاوزها، أو تركِها للمستقبل الذي قد يجد لها الحلول المناسبة.

   ورغم أن الخطاب الكردي العام يجمع على ما تقدّم من اعتبارات ومبادئ، فإن الممارسة العملية على الأرض تختلف أحياناً، ولا تقتصر تلك الممارسة، في تجاوزها لخطوط الاختلاف، على الآليات أو البرامج، بل أنها تصل إلى مستوى يتعلق بإرادة العمل المشترك التي تتراجع اليومَ كثيراً أمام طغيان الأجندات والأولويات الحزبية..

وللتأكيد على تدني ثقافة العمل المشترك رغم تفاوتها من حزب لآخر، يمكن إبداء بعض الملاحظات التي يُستدَلّ منها على أن بعض الأحزاب مثلاً تصرفتْ منفردة أو ثنائية في مواضيع هامة تتعلق بالشأن الكردي العام وبالمصلحة الوطنية الكردية متجاهلة غيرها من الأحزاب، رغمَ أن مثل هذه المواضيع تستدعي الإجماع أو صيغة قريبة منه على الأقل، مما يعني أن سياسة الحزب الواحد تختبئ تحت طيات البرامج المعلنة.

وكثيراً ما وجدت هذه النزعة تعبيراتها لتطفو على السطح في الحالات التي أرادت فيها السلطة توجيه رسائل شفهية بهدف التخدير واختبار الإرادة، وهو ما حصل أكثر من مرة، رغم أن الجميع يعلم أن وحدة الحركة الكردية التي تعتبر شعاراً مشتركاً للكل الحزبي هدفه هو إيجاد مركز موحّد للتمثيل والقرار والتحاور، وأن أية علاقة منفردة أو جزئية في هذا الشأن تحمل في ثناياها شكوكاً حول مصداقية خدمتها للصالح العام.

وهي تؤكد من جهة أخرى بأن إرادة العمل المشترك لا تزال غير كافية بين الأحزاب، وبالتالي، فإن تلك الإرادة لن تكون أحسنَ حالاً بينها وبين الجماهير وفعالياتها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، التي لا تزال ينظر إليها البعض على أنها مجرد مصادر للدعم والتصفيق، بدلاً من كونها صاحبة قضية وشريكة للقرار الكردي أيضاً، والذي نبحث له عن مركز موحّد من خلال المرجعية الكردية المنشودة التي لن تحظى بالمصداقية المطلوبة إلا في حالتين اثنتين: الأولى منهما: أن تكون شاملة، وهذا لا يعني أن يكون إنجازها مشروطاً بالإجماع، بل أنها يجب أن تكون متاحة لمن يريد من الأحزاب وفق الرؤية السياسية التي سيقررها المؤتمر،  والآليات التنظيمية التي يُتفق عليها، وهذا يثير قضية الإشكالات التنظيمية، بما فيها تشابه الأسماء، التي يمكن إيجاد الحلول الملائمة لها بعيداً عن مبدأ الفيتو.

أما الحالة الثانية : فهي تتعلق بالشرعية التي لا بدّ منها عند الحديث عن شيء اسمه المرجعية، التي لا تخصّ الأحزاب القائمة فقط، رغم أهمية دورها، بل أنها تخصّ كذلك كلَ مهتم بالشأن الكردي والفعاليات المجتمعية التي يعتبر مشاركتها ضرورية في صياغة القرار الكردي، كما يعتبر استعادة اهتمامها بالسياسة، كفعالية اجتماعية، أمراً ضرورياً في ظل السياسة الشوفينية التي تسعى لحصرها بالأحزاب، وتكبيل هذه الأحزاب نفسها بالعمل السري بعيداً عن الجماهير.
   من هنا، بات من الضروري تنظيم العلاقة بين الحركة الكردية المنظّمة وبين تلك الفعاليات عبر مؤتمر وطني كردي يشارك فيه الطرفان بنسب عادلة ومنصفة، ويقرّ برنامجاً سياسياً ينسجم مع الواقع ومع متطلبات المرحلة، ويتمخض عنه مجلس سياسي منتخَب، أو أية هيئة منتخبة،  تستمدّ دورها من شرعية هذا المؤتمر، وقوتها من اتساع مساحة التضامن والتلاحم بين الحركة والجماهير، على خلاف مبدأ التعيين في تشكيل المجلس السياسي الذي قد يصلح للتداول وتبادل الآراء والمقترحات، أو لقيادة حالة طارئة كما حصل خلال أحداث آذار الدامية عام 2004م، حيث استطاعت صيغة (مجموع الأحزاب) في حينها التعامل مع تداعياتها ونتائجها الخطيرة بمسؤولية واقتدار، لكن هذه الحالة انتهت عندما أدركَ المشاركون فيها حاجة شعبنا لمرجعية تستمدّ شرعيتها من كافة أشكال الحراك الوطني الكردي، داخل وخارج الحركة، في حين يستمدّ أعضاء هذا المجلس السياسي المعيَّن شرعيتهم من تنظيماتهم فقط.

إضافة إلى أن الاقتصار على ممثلي الأحزاب فيه نوعٌ من الإنكار للدور الوطني الذي يمكن أن تضطلع به شرائح وفعاليات مجتمعية واسعة، لا تميّز السياسة الشوفينية كثيراً بينها وبين تلك التنظيمات، وتمتلك إمكانات مختلفة من ثقافية أو اقتصادية أو نفوذ اجتماعي، ليس من الحكمة تجاهلها.
  وبهذه المناسبة، فإننا قد نتّفق مع الذين يتوقعون الكثير من الصعوبات على طريق عقد المؤتمر الوطني الكردي، لكننا لا نؤمن باستحالة النجاح في إنجازه إذا توفرت الإرادة، وذلك اعتماداً على تجربة سابقة اقتربنا فيها كثيراً من الهدف.

فالمؤتمر المنشود يحتاج في تحضيراته إلى رؤية سياسية لحل القضية الكردية في سوريا، والتي تمّ الاتفاق على مشروعها من قبل التحالف والجبهة والتنسيق رغمَ الملاحظات والتحفظات التي أبداها البعض، وانحصر الخلاف حينها على مبدأ إعلان ذلك المشروع قبل المؤتمر أو إقراره في المؤتمر ومن ثم نشره وإعلانه.

علماً أن ذلك المشروع موجود حتى الآن، ويمكن لأي طرف اقتراح تعديله.

أما العنصر الآخر في عملية التحضير، فهو تحديد أعضاء هذا المؤتمر، سواءً كانوا من ممثلي الأحزاب المشاركة، والتي نؤكد من جانبنا على مبدأ التساوي فيما بينها، رغم أن ذلك غير منصف.

لكن صعوبة الاتفاق على توزيع حقوق كل حزب في التمثيل، وغياب مركز مخوّل ومحايد لحسم هذا الموضوع لا يترك أمامنا غير هذه الصيغة.
 وهكذا، يبقى العنصر الأساسي الوحيد أمام اللجنة التحضيرية الخاصة بالمؤتمر هو موضوع تحديد نسبة وأسماء ممثلي الفعاليات الاجتماعية، والذي لا نعتقد بأن تلك اللجنة ستكون عاجزة عن إيجاد الآليات المناسبة لاختيارهم، ولنا في اجتماع المجلس الوطني لإعلان دمشق خير مثال على إمكانية حلّ هذا الموضوع، رغم أن التعقيدات الخاصة بالنسبة لهذا الإعلان كانت أشدّ لأنها كانت تتعلق بصعوبة تحديد وتسمية أكثر من مائة شخصية وطنية فاعلة تباينت انتماءاتها القومية والدينية والسياسية، وكان الأهمّ من ذلك، أن الصعوبات التي تعرض لها الإعلان فيما بعد جاءت من الإطارات الحزبية ولم تأتِ من المستقلين، مما خلق نموذجاً يُقتدى به كتجربة سياسية وتنظيمية ناجحة يمكن الاستفادة منها في بناء المرجعية الكردية المنشودة التي ينبغي عليها أيضاً الانخراط في النضال الديمقراطي العام في سوريا، والبحث مع شركائنا في الوطن لمناقشة أفضل السبل لإنجاز مهمة التغيير الديمقراطي السلمي المرتبط بالمشروع الوطني المعبّر عن واقع الناس والمنطلق من مصلحة الداخل السوري، بعيداً عن التناقضات الدولية والإقليمية المحيطة.

* الجريدة المركزية لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)– العدد (192) تموز / 9 200

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…