الخطاب الحزبي الكردي، بين الراهن والمستقبل

خالص مسور:

بداية أقول: لا أريد أن أجرح أحداً أو أعني شخصية بعينها، ولكني سأتناول في مقالتي هذه واقعاً حزبياً وسياسياً كردياً بكل موضوعية وتجرد، وهدفنا على الدوام هو الإصلاح والتقدم ولاشيء غيرهما، ومن هنا أقول: يبدو أن الخطاب الإيديولوجي الكردي السياسي المعاصر صورة نافرة لمرجعية اجتماعية مشوهة التركيب، وحالة كردية تائهة فقدت بوصلتها وسط بحر سياسي متلاطم الموج، يفتقر إلى آليات العمل المناسب في السياق الإستيراتيجي، هذا الخطاب الوصولي الذي يتمحور بالأساس حول ديناميكيات كاريزما البنية الإجتماعية بكل تجلياتها الميتافيزيقية والماورائية، وهو ما يؤدي إلى وجود علاقات غير معهودة ومجتمع اتسمت ثقافته بأنها متاهية المسار وغيرية المنشأ والأركان، مجزأة و محطمة.
فالمجتمع الكردي في سورية لازال يعيش في حالة من التخبط والضياع على صعيد وعيه الذاتي السياسي بشكل خاص ويفتقد ركائزه المنطقية، ويفتقد السياسي والحزبي الكردي الجرأة في النقد والتقويم البناء داخل حزبه السياسي، أي أنه عاجز عن إبداء رأي نقدي قادر على الفرز بين ما هو غث وما هو سمين، ومواكبة الحدث السياسي السريع وإختيبار أولوياته، أو الإنتقال بشكل موضوعي سلس مما هو أهم إلى ما هو مهم.

ولكن ما نراه ونشاهده حتى هذه اللحظة هو أن الخطاب السياسي الكردي وفي استيراتيجة السياسية والحزبية يضع العربة قبل الحصان ويبدأ بالمهم قبل الأهم، وبما يخصه قبل ما يخص المجموع أي يستميت فيما هو شخصي قبل أن ياتي الدور لما هو وطني أوحزبي.

وهذا خطاً فاحش على مستوى راهنية الوعي الذاتي السياسي المرحلي، مما أدى ويؤدي إلى حالة من تشظي منظومة القيم السياسية والإجتماعية معاً وإلى المزيد من التراجعات الحزبية وحالة من الجهل والتخلف السياسي بدل التطوير والتحديث وما هو المطلوب راهناً.

وإلى حالة من الزيف والتملق للقيادات من قبل بعض الكوادر الحزبية، مما يسهل على القيادات استبعاد الكادر الحزبي الجاد وتقريب من هو وصولي متسلق ومزاود، أوفي أحسن الحالات عدم التمييز بين الوصولي والجاد وبين من يعمل ومن لايعمل.


وقد أظهر الكرد على مر تاريخهم النضالي الطويل أنهم يفتقرون إلى الكفاءة والخبرة وحيثيات العمل السياسي، أما من فهم منهم السياسة فقد فهما في أسوأ تعريفاتها أي على أنها فن الكذب والمراوغة والتخوين والسجالات السقراطية.

ولهذا نسمع أن سياسياً كردياً يدعو – وهو محق في هذا – إلى فتح معاهد سياسية يتعلم فيها الكرد السياسة بعدما لاحظ الوضع الكارثي والأليم في المشهد السياسي الكردي، وهو ما ينطبق بشكل خاص على المسؤول الحزبي الأول ومن هم في الصفوف الأولى في القيادات الحزبية.

وقد بيننا بأن الذهنية السياسية الكردية ترسم (من المرسوم) لنفسها قبل أن ترسم للآخرين، أي بما معناه أن الصداقات والمحاباة الحزبية لدى رأس الهرم الحزبي تطغى دوماً على المصلحة العيا للمجتمع والشعب، وتنم تصرفاته عن كثير من اللامسؤولية وعن المحسوبيات والتكتلات والسياسة الكيدية ضد الخارج (أي ضد الأحزاب الأخرى) وتربية كوادر بلا رأي في الداخل من النائمين وأصابعهم مرفوعة بالموافقة على الدوام بما تقترحه القيادات صالحاً كان أم طالحاً، ودوماً على حساب الكادر الحزبي الاكفأ والأنجح.

وقد يتجلى هذا بشكل خاص في المؤتمرات والكونفرانسات الحزبية وفي المناسبات الوطنية كالمهرجانات وجلسات التشاور والدعوات الخارجية وفي المقابلات والمحاضرات…الخ.

كل هذا الحراك السياسي والإجتماعي تمر من تحت أجنحة قيادات الأحزاب الكردية بشكل انتقائي ومحاباتي في كثير من الأحيان.

لكن علينا أن نكون منصفين فهناك من عمل ويعمل، وأحزاب عملت وتعمل ولكن بشكل محدود وغير كاف، كما أن هذه الأحزاب تمكنت في وقت من الأوقات من نشر الوعي السياسي بين الجماهير الكردية وحمتها من الصهر والذوبان، عندما كانت قياداتها في عز الشباب والحماسة والإندفاع، ولكنها تلكأت في مسيرتها السياسية اليوم ولعدة أسباب أهمها الضغوطات الحكومية وأسباب أخرى باتت معروفة لا داعي لذكرها والإطالة فيها.


ولهذا نقول وحسب راهنية العمل السياسي والحزبي: بأن هناك انحسار بل إنحدار مريع لدورالأحزاب السياسية الكردية وفي وقدرتها على السير قدماً نحو الأمام في المشهد السياسي الكردي، وباتت تعاني اليوم من أزمة سياسية عميقة الغورعلى الأصعدة الإجرائية والهيكلية والتنظيمية، ومنها الإنشقاقات المتواصلة والتشرذم وضعف الآداء والإنقطاع التام عن شريحة واسعة ومهمة من شرائح المجتمع الكردي ألا وفي شريحة طلبة المدارس وفئة الشباب، بحيث باتت أشبه شيء بمشهد حزب زوغانوف الشيوعي الروسي الذي يقتصرفي المناسبات على عجائز ومسنين عفى عليهم الزمن، بالإضافة إلى استفحال ظاهرة الدوغمائية والتقليد في بنية هذه الأحزاب بشكل مفجع ومثير، مما قلل من فاعليتها وتأثيرها في ميدان الفعل السياسي وتحويلها إلى نوع من أنواع المؤسسات البيروقراطية أو الأوتوقراطية في العمل الحزبي، وهو ما ينم عن تغييب كافة أشكال الديموقراطية الحزبية التي تنادي بها الأحزاب نفسها، مع تأبيد القيادات المتهالكة على كراسي الحزبية والتي غيبت معها الشفافية في العمل الحزبي ومقولة الرجل المناسب في المكان المناسب، مما نجم عنه فوضى وفقدات الإتجاهات في تسلسل العلاقات بين الكوادر الحزبية، وقيادات تغلب دوماً مصالحها الشخصية والفئوية على مصلحة العمل الحزبي والحزبي على الوطني، وتمجيد الفردانية وإلغاء الآخر والإفتقار إلى إمكانات التحديث والتطوبر والإنتقائية في الشأن الحزبي والسياسي، وعدم فسح المجال للكوادر الشابة المؤهلة لأخذ دورها في التغيير والتحديث وإبداء رأيها بشفافية ووضوح، ونبذ منطق العقلانية والحوار والنقد المثمر والبناء.


كل هذا أدى إلى دخول الأحزاب الكردية في سورية اليوم إلى أزمة ثقة ومصداقية أوصلتها إلى حافة الإفلاس الجماهيري والسياسي معاً، أدى إلى نوع من اليأس وفقدان الأمل لدى كلاً من الجماهير والكوادر الجادة المؤمنة بضرورة التغيير والتطوير، وإلى النكوص والتريث ومقاطعة العمل السياسي والإنزواء في بيوتها، فتعالت الصرخات الحزبية مستنجدة بالجماهير مرة، وبإنشاء المرجعية، وأخرى بإنشاء مجالس المشاورة…الخ.

لفك الأزمة الحزبية والتنظيمية التي أدت بقطاعات واسعة من الشباب إلى التوجه نحو الإنضمام إلى تنظيمات حزبية غير كردية….
والحل يكمن في رأيي في (الغلاسنوست) والشفافية في العمل، أو على طريقة التحدي والإستجابة.

أي بما أن هناك نوع من التحدي يتمثل في الوضع الخطير الناشيء عن الإفلاس السياسي والجماهيري للأحزاب الكردية، فيجب أن تكون الإستجابة لهذا التحدي بالتغيير والتحديث والتلاؤم مع مقتضيات العصر لإزالة هذا الواقع الملتبس وغيرالعادي في المشهد السياسي الكردي في سورية.


      حلول واقتراحات:
1-    فطالما أن الأحزاب الكردية تأتي في برامجها على ذكر الديموقراطية فعليها أن تراعي شروط الديموقراطية وتكون ديموقراطية عن حق وحقيقة، وإلا فليس لها الحق في مطالبة الآخرين بها.

ومن أولى شروط الديموقراطية عدم تأبيد السكرتير وهو رأس الهرم السلطوي في الحزب.


2-     العمل على تحديد السقف الزمني لتولي السكرتير المنتخب مهامه، ويمكن تحديد فترة تولي السكرتير بفترتين زمنيتين مدة كل منهما من أربعة إلى خمس سنوات مثلاً، وبعدها يتحول إلى مستشار أو خبير سياسي يستفاد من آرائه وتجاربه السياسية، ومن لم ينفذ هذا الشرط الضروري، يكون متشبثاً بكرسيه ويفضله على كل شيء، وعندها يفقد مصداقيته ولا يمكنه الإدعاء بأنه يراعي مصالح شعبه.
3-    تغييرالمناهج التنظيمية للأحزاب الكردية، ليصار على نهج العقلانية ووضع مصلحة الشعب في الإعتبار، وعدم تغيب الآخر المختلف وقبوله والإنصات إلى الأصوات الحزبية الوطنية المضحية والمخلصة.
4-    إشراك الجماهير في اتخاذ القرارات المصيرية (مجالس المشاورة)، ونشر المزيد من الوعي الحزبي والسياسي بين الجماهير والمنتسبين إلى الأحزاب السياسية سواء بسواء.
5-    امتلاك القيادات الحزبية لروح التضحية بمصالحها الشخصية مقابل مصلحة الشعب، أقول هذا لأنني أرى أن الإنشقاقات الحزبية تحدث في الغالب دونما مبرر إيدولوجي يذكر.

فالألحزاب الكردية في سورية ليست بينها خلافات عقائدية عميقة ولهذا يكون التعدد الحزبي والإنشقاقات ناشئة حتماً  وفي هذه الحال عن المصالح الشخصية والتنافس على تولي القيادة الحزبية فقط ولاشيء آخر غيره.
6-    الدعوة إلى مؤتمر وطني عام لكافة الفصائل الحزبية والجهات المستقلة لتدراك الوضع المأزوم، ووضع سياسات مستقبلية تنقذ الموقف الحزبي المتردي، وفي هذه الحال على القيادات الحزبية أن تفتح صدورها للنقد والنقد الحزبي البناء.
7-    والأهم من هذا وذاك هو العمل على تنشيط المفاصل الحزبية والقضاء على البيروقراطية في صفوف الحزب، وإجراء انتخابات قيادية حرة ونزيهة تفسح فيها المجال للكوادر الشابة بترشيح نفسها بكل أريحية سياسية وسلاسة حزبية.

8-    التعامل مع الحكومة بعقلانية وروية والقضاء على التجاوزات غير المنضبطة في العمل الميداني التي تسيء إلى المشهد السياسي الكردي بأكثر مما تفيد.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…