أؤكّد بدايةً ، أنّني لست من هؤلاء الذين يرون أنّ الحركة الكردية في سوريا ، لم تقدّم شيئاً، وأن الكثير من رموز هذه الحركة الذين يساء إليهم ، نهاراً جهاراً، خارج مهمة النقد والتقويم، إنّما استطاعوا أن يقدموا لقضيتهم : كلّ بحسب طاقاته، ووفق وجهة نظره ، وخطّه السياسي، ولا يمكن الشطب النهائي على أيّ منهم كما ترغب في ذلك بعض الدوائر المتربّصة بالكرد، ويكون ذلك خدمة مجّانية – في الغالب- لخططها، وإن كانت حركتنا حقاً: ليست بخير ، وليست معافاة ، ولست كذلك مع الحملة – خارج النقد- على أيّ منها البتّة، وإنّ ما يتمّ تناولها فيه، من لغة قاسية ، إنّما لا علاقة له بالنقد، وهو عبارة عن “تصفيات حساب”، لا أكثر،خاصة لدى هؤلاء الذين يكتبون بلغة تخوينية ، ضارية، وليس لديهم الاستعداد بأية تضحية، صغيرة، أو كبيرة، من أجل قضيتهم، ولعلّ السياسي بأخطائه أعلى شأناً وفعّاليةً منهم بكل الحسابات، ماداموا متوارين في الخطوط الخلفية ، لاشيء يبدر منهم سوى تدبيج الوصايات المجانية، التي لا تكتسب مصداقيتها، وإن كنت لست مع السياسي الذي يتوهم أن من معه فحسب من” الفئة الناجية ” وسواه على ضلال ، ويوزع وثائق ” الوطنية ” واللاوطنية، ذات اليمين وذات الشمال .
.!.
ولعلّ تقويمي لأيّ مسؤول حزبي، يكون من خلال معرفة إمكان تضحيته بالخاص من أجل العام، وإن كنت أعرف – سلفاً- أنّ هذا الحلّ من قبل المخلص في أحد هذه المكوّنات ليس حلاً ناجعاً ، في وسط مناخ مكربن ، غير مناسب.
وحقيقةً ، إنّني أقف بإجلال أمام تضحيات المناضلين الحقيقيين في هذه الحركة، أحياءً وأمواتاً- وليس من بينهم من لم يناضل بهذا الشكل أو ذاك- وأرى أنّ الانطلاق من تقويم بعضهم لهؤلاء الأشخاص غير دقيق ، فللمناضل حياته الخاصة ، وله نقاط ضعفه ، وله أناه ، إلا أن إخضاعه لمجمل معوقات النضال، ليشكل وبالاً كارثياً ليس عليه –كمتطوّع- في لجّة لنضال، من أجل قضيته ، فقط ، بل وعلى قضيته ، وشعبه .
ثمّة حقيقة لابدّ منها، وهي أنّ بعض الأقلام الكردية التي باتت تؤول على نفسها غمار الخوض في مهمّة النّقد السياسي ، استطاعت أن تقوم بحراك كردي مهمّ جداً ،خاصة إزاء هذه اللحظة التي ألنا إليها ،مكرهين ، حيث ترائي انسداد الأفق لأول وهلة، خارج فهم الصيرورة الزّمانية التي لا مناص منها البتّة ،غير مبالية بالضريبة التي ستدفعها من جراء ممارسة دورها التقويمي النقدي ، وهي جد قليلة ، لأنه كان من الضروري السؤال : لم هذا المأزق الذي تعرّضت له الحركة الكردية في سوريا، على حين غرة : وجها ً لوجه؟، وهو بالتأكيد ليس بطفرة ، بل نتاج تراكمات كمية، هائلة ، عمرها نصف قرن ونيّف، يبدأ منذ انطلاقة أول حزب كردي في سوريا 1957،خاصة وأن قراءة لوحة ما آل إليه الواقع الكردي من ركود ، وتشظّ ، ليست بالصورة المطلوبة ، وهو ما كشف عن تخبّط بعضهم، مؤخراً ،كي يفتقد أسهمه حتى بين قواعده ،بأسف ، ما يجعل الأنظار تتطلع لمن يطلق سؤال : ما العمل ؟ الذي يكاد لم يطرحه إلا قلة،قليلة ، بجدية، حتى الآن .
ثمة أقلام تنطّعت لممارسة النقد ، ولاسيما في ظلّ الثّورة المعلوماتية، حرصاً على مصلحة الحركة الكردية في سوريا ، وما تعمل جادّة، من أجله، وهي غيورة بأيّ حال، على هذه الحركة، صادقة في ما تطرحه، تقف على مسافة واحدة من كافة مكوّنات الحركة الكردية ، وهي تكاد تكون قليلة ، تتعامل مع ثوابتها المبدئية،لا ثوابت العلاقة مع تحوّلات الآخر ، وهي من هنا، تعاني من قلق علاقة الآخر بها، الآخر، الذي يريد الكاتب مجرّد مهرّج تابع ، مصفّق، ببّغاوي، مسبح بحمد أمينه العام ، أو سكرتيره، بشكل خاص ، غير مدرك لأهمية حضوره ، وإمكان دوره الحيوي والتنويري، والتغييري الفاعل.
نوع متخندق، يرى في حزبه ورموزه الخاصة التي يخلقها ويعبدها، ويصلي لها، أسمى درجات الطهر والنبل – ولا أعني هنا الاحترام المتبادل الذي لا بدّ منه- بينما يرى في الآخر-والآخر ليس بآخر هنا- مجسداً لكل أشكال التخاذل ، والتواطؤ والخسّة ، يكرّر ببغاوياً ما تروّج له الدوائر التي لا تريد الخير للحركة الكردية ، وهو نوع في منتهى الخطورة ، خاصة وإنّه لمجرّد اصطدامه بمعوّقات في وجه رغباته وعواطفه التي هي أسطون العلاقة مع هذه المؤسّسة ، يتحوّل إلى مصدر معاداة- أكثر خطورة- لمؤسسته ورموزه ،لأنه يعرف بدرجة ما، وحسب موقعه الحزبي، أسرار مؤسسته، ورموزها، وما أكثر أمثال هؤلاء في شارعنا! ، وهم نتاج العلاقات الخاطئة في المؤسسة الكردية ، والأخطر عليها مستقبلاً، لأنهم سريعو الانقلاب عليها، و على من يتخذونهم قدواتٍ ، فما أكثر ما نقول لأحدهم وهو يمعن في الإساءة إلى هذا الحزب الكردي أوذاك المسؤول الحزبي! : أولم تقل عكس هذا الكلام قبل الآن؟، وقد يكون عمر هذا الانقلاب الانفعالي لدى هذا الضرب، عاماً ، أو شهراً ، أو أسبوعاً ، بل ساعة، أو مجرد دقيقة ،وهو لا مصداقية له، ولا أعني بأي حال التحوّل الفكري ، المشروع ، والمبني على أسس معرفية ، لأن العلاقة بالمؤسسة ليست زواجاً عابراً ، فحسب.
وهذا الأنموذج من يمكن تسميته ب” الدائري “إذ لا يستطيع الخروج من دائرته، والدائرة الأولى لديه” الذات ” بتدرّجاتها: ومن ثمّ ” المؤسسة ” ، وهذه الدائرة قد تستبدل بأخرى، فأخرى ،وهكذا دواليك ، وما أكثر مثل هذه الحالات! .
إزاء هذا المدخل لتقويم النقد السياسي الكردي ، قد لا نجد مثل هذا الفرز نهائياً، لأن استبعاد الرؤى والعواطف الشخصية ، لا يزال متحكّما ً في أغلبية ما نقرؤه ، ما خلا استثناءات نقدية قليلة ، باتت تلفت إليها الأنظار.
وكان في النهاية أن اضطرّ الباحث أن ينأى عن خوض ما هو يومي – وإن لم أكن أوافقه على بعض مواجهاته لمكونات تفاصيل اللوحة ، والأسماء- إلا أن مؤلفاته تزن ثقل الواشي والموشى إليه، في آن واحد، وهذه إحدى معضلاتنا، في عدم استيعاب الآخر.
أواسط تموز2009
الشوبشة من الشاباش : كلمة تركية ، وتعنى كيل المدائح ، لقاء أجر ، وكنت أشرت إليها في زاوية ساخرة لي بعنوان :
إبراهيم اليوسف
elyousef@gmail.com