الإنكار و الفقر و من ثم الموت

زيور العمر

أصبح أمراً إعتياديا, أو هكذا يبدو , مقتل المجندين الكرد في أثناء خدمتهم العسكرية في قطعات الجيش السوري .

فلا أحد يتحدث عن هذا الأمر الخطير , سوى منظمات حقوق الإنسان الكردية التي لا تتوان عن إصدار بيان أو توضيح حول جريمة قتل جديدة بحق احد المجندين الكرد .

الأحزاب الكردية ما تزال تتجنب التعقيب , ناهيك عن البحث في كيفية مواجهة هذه الجرائم المتزايدة و المتصاعدة بحق أبناء شعبنا , كما جرت العادة في قضايا أخرى , لا تقل خطورة.

فمنذ إنتفاضة آذار 2004 , أصبح المجندون الكرد , هدفا ًلأصحاب النزعات العنصرية و الشوفينية في الجيش السوري , و نقول أنها أتت بعد الإنتفاضة , لأنه قلما سمعنا في السابق , عن حوادث مشابهة , و بهذا الحجم و القدر من التركيز و التصعيد بحق رجال صغار في ريعان الشباب , يسارعون الزمن , من أجل إنهاء خدمتهم العسكرية , و بناء حياة أسرية .

هؤلاء الشبان غالبا ً ما يكونون مرتبطين عاطفيا ً أو رسميا ً بزوجة المستقبل .
إن هذه الحوادث المؤلمة لا يمكن وصفها بالحوادث المعزولة الصدفية , أو أنها نتيجة مشاجرت شخصية بين المجندين الكرد و أقرانهم من العرب , و إنما هي جرائم ترتكب عن سابق إصرار و ترصد , و ربما بتحريض من الضباط و أصحاب الرتب العليا في الجيش , و قد تكون في سياق سياسة عليا للدولة , لمحاربة و مناهضة الشعب الكردي , و تحويل سوريا بالنسبة له الى جحيم يصعب العيش فيه .
فكل ما يجري في هذه البلاد , إزاء التعامل مع الكرد , من إجراءات ترمي الى إفقار الشعب الكردي , من خلال سد أبواب العيش و الكسب المشروع في وجهه , و قطع دورة الحياة الطبيعية عليه , وذلك من خلال تعقيد الحياة الإقتصادية من معاملات البيع و الشراء , كما نص عليه القرار 49 السئ الصيت , و كل ذلك بهدف إجباره على ترك مناطقه , و الهجرة الى  داخل البلاد أو خارجها , و الإنشغال بالهموم اليومية و المصاعب الحياتية التي تترتب عادة عن تطبيق هذه السياسات و الإجراءات بحقه , بدلا ً من الإنخراط في الحياة السياسية , و العمل من أجل القضية القومية .
و للعلم فإن سياسة الدولة الرسمية تجاه الكرد في سوريا , مرت في ثلاث مراحل أساسية .

في المرحلة الأولى تركزت على الإنكار .

و الأًصرار على هذه السياسة , لم تقتصر على عدم الإعتراف بوجود الشعب الكردي في سوريا , و إنما سعت بكل الوسائل , الى إفناد كل مبررات الجغرافيا و التاريخ و الوجود , من خلال تمرير ثلة من المشاريع العنصرية الخطيرة , و أهمها الحزام العربي التي حاولت من خلاله , فصل الجغرافيا الكردستانية و تقطيع أوصالها عبر إسكان آلاف العرب في قلب المنطقة الكردية , و خاصة على الحدود الدولية بين سوريا و تركيا , و كذلك تجريد المواطنين الكرد من حقوقهم المدنية و الإدارية في الدولة , فضلا ً عن المئات من الإجراءات و المضايقات اليومية التي واجهها الكرد في سوريا خلال عقود من الزمن .

أما المرحلة الثانية فقد بدأت بعد الإنتفاضة الكردية في 2004 , حيث وضع النظام الشمولي نصب عينه , معاقبة الشعب الكردي , فقام بإصدار القرار 49 الذي يهدف الى إفقار المنطقة الكردية , و إغراقها في المشاكل الحياتية بهدف إجباره على الرحيل و الهجرة .

أما المرحلة الراهنة و الثالثة , فهي تتمثل في توحش النظام السوري و تماديه في جرائمه بحق الكرد , و التي وصلت الى مؤسسة الجيش و قتل المجندين الكرد .
إن مواجهة النظام الشمولي قد تكون صعبة في الداخل الآن , و لكن يمكن التصدي له في الخارج .

فيمكن للمنظمات الكردية ان تقوم بحملة سياسية و دبلوماسية منظمة , من خلال الإتصال بالمنظمات الدولية , و الهيئات الحقومية , و مؤسسات الإتحاد الأوروبي , و وضعها في صورة السياسات و الممارسات الإجرامية للنظام السوري بحق الشعب الكردي , و حان الوقت لإعطاء هذه القضية , الأهمية القصوى .

13/07/2009

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…