بقلم مشعل التمو / من سجن عدرا المركزي بدمشق
أربع سنوات مرت على أطلاق مشروعنا الوطني الديمقراطي والذي تجلى تحت اسم تيار المستقبل الكوردي وتشارك في إعداده والتحضير لانطلاقته العديد من الاتجاهات الشبابية ذات الرؤى السياسية والثقافية والاجتماعية المتنوعة, التي تقاطعت وتقاربت في نقاط مفصلية عديدة, ورغم إنها لم تكن واضحة بما يكفي لدى البعض, لكنها كانت واضحة بما يكفي لدى الأكثرية لإشعال الشمعة الأولى في ظلام المزاعم الكثيرة والمسيجة بدوائر من الخداع والتزييف وانتحال الصفة القومية الكوردية .
إن المقاربة المعرفية والسياسية والثقافية التي جمعت ووحدت كتل شبابية متعددة المشارب, كان جميعها يبحث عن الحقيقة, حقيقة الوجود وأحقية المطلب, رغم إدراكنا مدى صعوبة البحث عن الحقيقة تحت وطأة القسر والاستبداد والاستعباد السلطوية, وما يقابلها من أسيجة التحريم والتجريم التي أقامها بعض الكهنة الكورد وحولوا فيها العقل الكوردي إلى مناطق مهجورة, والعقل الشبابي السلمي والديمقراطي إلى تطرف وعدم واقعيته, وأحقية المطلب والوجود إلى منافع شخصية, مقتبسين كل ما فعله ويفعله الاستبداد في سوريا.
إن إشعال الشمعة الأولى في ظل هذا الوعي البائس, كان مخاطرة ومغامرة ولكنها كانت ضرورة قومية ووطنية, ورغم إن الضغط السلطوي والإكراه المتنوع الجوانب أدى إلى توقف البعض من المشاركين الأوائل وتحت مسميات مختلفة, وبغض النظر عن السبب, فنحن سنبقى نحترم خيارهم, ونحترم تلك اللحظات الصعبة التي شاركونا فيها, وها نحن نشعل الشمعة الخامسة في مسيرة الدفاع عن العقل والحرية مستندين ومنذ تلمسنا بداية المعرفة التي مكنتنا إن نكون أحرارا, وبوهج شمعتنا الأولى أعلن وبكل حزم ووضوح بأننا قد تحرنا من اضطهاد الداخل, وأصبح بإمكاننا مواجهة وتحدي اضطهاد الخارج, وفي كل ذلك كانت ركيزتنا نبذ الخوف والرعب والظفر بالحرية التي هي أساس وجودنا الإنساني, مع تكريس ثقافة الوعي بالحرية وتحرر الذات الكوردية من إكراهات الحرية, سواء التي يعمل على تنفيذها وزرعها النظام الأمني وأذرعه القمعية, أو الناتجة عن إكراهات الوعي الزائف والقاتل الذي دأب العقل الكوردوي على بثه, وتحت اسم الواقعية على مدار أكثر من أربعون عاما من العطالة الفكرية والتاريخية.
لقد طوينا أربع سنوات من العمل والتضحية, حاولنا فيها تكريس ممارستنا لفعلنا الحر, الفعل الواعي لمجريات الحدث وآليات توظيفه وتفعيله الفعل الممارس كانعكاس واع وواقعي ومقاربة علمية, ليس فقط لما حدث, بل لما سيحدث أيضا من مجريات وأحداث سياسية وثقافية, وكانت قاعدتنا الواقعية المنبثقة من تضحيات شبابنا الكورد التي تعمدت بالدم في انتفاضة آذار 2004 هي مقولة رئيف خوري (الموت في الحرية حياة, والحياة في الرق موت), وبالتالي نحن جسدنا بحثنا عن حياة حرة كريمة ومدنية, واستطعنا تجاوز العديد من المصاعب و أفخاخ الانتكاسة, وبوضوح أكثر, استطعنا التغلب على العقل القهري المبني على مفهوم الطاعة والخنوع, المفهوم الأكثر سلبا للحرية ومقومات الكرامة الإنسانية, وجسدنا ممارسة واعية وواقعية لمفاهيم الحرية وشرعية وجودنا القومي في أرضنا التاريخية وحقنا في التشارك في دولة مدنية, ديمقراطية ولا أغالي إن قلت بان أطلاقتنا رسمت ورسخت عبر الوعي المتقدم لشبابنا الكورد المستند إلى قيم ونتائج انتفاضة آذار, نهضة كوردية حديثة ضمن إطار الممكن والمحتمل والذي يجب أن يكون,وبما أنني لن أخوض في المواضيع السياسية هذه المرة, لقناعتي بان شباب المستقبل الكوردي قد أصدروا رؤية سياسية لهده المناسبة وأنا مؤمن وملتزم بها وان لم اقرأها, وانتمي إلى موقفها وإن لم أساهم فيها, ومستعد لتحمل نتائجها بكل أبعاد وتجليات الثقة والمعرفة التي تجمعنا سوية.
إن انطلاقة تيار المستقبل الكوردي استندت إلى مشروع ومشروعية, مشروع وطني ديمقراطي له ركائز محددة ومترابطة وعلى كل المستويات النضالية, ومشروعية سياسية وثقافية واجتماعية ومعرفية تتجلى لكل عقل مفكر, ولعل العامل الأهم الذي كرس المشروع والمشروعية وحولهما إلى واقع وحقيقة, هي أرادتنا وسعينا إلى صنع الظروف وعدم انتظارها, وهو عنوان ومسعى أسقط روحية الاستكانة وانتظار المنقذ, بل جسدنا وقلنا وكتبنا وفعلنا, بكل وضوح وعلنية, لا كبيرة وعريضة, لا للاستبداد والطغيان والعسف والاضطهاد القومي والديني والسياسي والثقافي, لا للنظام الأمني وكل سياساته في التبعيث والتعريب وهدر الإنسان وتزييف التاريخ واللعب بهوية المكان, لا لمصادرة الحرية واستمرار انتهاكها, لا لخرافة وأسطرة كهنة ومسيجي العقل الكوردي .
نعم, للفعل المقاوم والواضح, المنتج لإرادة التحدي وانتزاع الحق بالحرية والحياة
نعم, للدفاع عن الحق والحرية والهوية القومية, نعم للفعل الممارس المادي والمعنوي لإعادة إنسانية الإنسان, نعم للممارسة السياسية على مبدأ الحرية والعدالة, وهي الطريق الوحيد للتحضر والتمدن, ونعم أخيرة أقولها بكل ثقة, فقد بلغ التيار رشده واستقر عوده, وعرف حريته الداخلية, واشتد عزمه وممارسته, وثمة تحية أوجهها من العقل والقلب لكل شباب الكورد بإضاءة الشمعة الخامسة من مسيرة رفض القمع والاضطهاد, مؤكدا ومتأكدا بان كل طغيان العالم لن يستطيع إطفاء شمعة الحرية, وثمة فخر واعتزاز يتملكني بما نطمح إلى انجازه مشفقا بذات الوقت على بعض البداوة الكوردية التي لازالت تعيش وهم الماضي, رغم إن الزمن تجاوزها وأخرجها من دائرة الحق والطلب ولتستقر في دائرة التعطيل والاستكانة, ولعل مصدر اعتزازي هو كل شاب كوردي اغتنى معرفة بقيم الانتفاضة وانتزع حريته الداخلية, وبات فعله الميداني واعيا ومدنيا, وبالتالي لكل أجيال المستقبل الكوردي وصانعي نهضته الحديثة أقول ليكن شعارنا :
مقولة كوزنتزاكي: ( لا اطمع في شيء, لا أخاف من شيء, أنا حر)