وتشكل هذين التيارين يأتي من تواصل وتنسيق بين مجموعة من الأحزاب..
وهذا اجتهاد مني كمراقب ليس إلا…تقبع ما بين هذين التيارين الجماهير الحزبية حائرة مشتتة متسائلة رافضة مستنكرة، ولكن دون جدوى فلا كلام لها سوى الامتثال لإرادة القادة الحزبيين، بل بينهم من يتطوعون للترويج لوجهات نظر قادتهم السياسية وأخطائهم دون قناعة منهم (أبيض أبيض – أسود أسود)..
التيار المحافظ لا يعتمد على نشاط أفراده السياسي، بل يعتمد بالدرجة الأولى على إيجابية السلطة إزاءهم، وسلبيتها تجاه خصمهم السياسي، والتيار المحافظ في الحقيقة في حالة كمون وقد خسر كثيرا من مصداقيته كما خسر مجاميع من رصيده الجماهيري، وخلف بلبلة في صفوف أعضائه، ونشاطه يحصر في القدح بالآخرين..
وهم فرحون بسقطات الآخرين والإيقاع بهم..
هذا الفريق غير مستعد ألبتة التفاهم والتلاقي مع الفريق الآخر والتنسيق معه، لمعرفتهم أن وحدة الحركة، أو التنسيق في بعض المجالات غير مسموح بها الآن، وبالتالي هم غير مستعدين التضحية بموقعهم المريح مهما تأذت الحركة الكوردية طالما الأذى لا يطول تنظيمهم، وهم كثيرا ما يتشفون ضغينة من مصائب الآخرين..
التيار الثاني الذي كان يسمى بالمتطرف أو المتمرد أو المقاوم، تميز بنضال شجاع، واندفاع غير محسوب النتائج، وقد أخذه بعض الغرور كما أرى، فلم يقرأ الوقع قراءة متأنية، ارتجل في بعض الشعارات غير الواقعية دون أخذ الظروف بالحسبان، ربما أسكرته بعض التغيرات على الصعيد الدولي والإقليمي، أراد أن يتفاعل مع تطرف الشارع ويستغله حزبيا دون التنبه للعواقب، لكنه سرعان ما تنبه للمخاطر وبدأ بالتراجع بعد جردة حساب، لاسيما بعدما أحس أن التيار المحافظ (اليمين) قد حزم أمره كخصم لدود له، وبأنه فرح لسقطاته، بل ربما أوغر صدر السلطة للإيقاع به بنشر الدعايات ضدّه، والسعي جاهدا للإساءة إلى مكانته، وخلع عليه لقب التطرف..
التيار المحافظ (اليمين) أكثر تماسكا وانضباطا، لأن مصدر القرار جهة واحدة محددة، وكل من يدخل في قوام هذا التيار يسلم أمره لتلك الجهة، يضع رأسه تحت الرمال دون أية مقاومة، مفضلين السلامة على النضال، لهذا فكثير من أعضائه مستاؤون متذمرون لكن لا حول لهم سوى اللوم على قادتهم..
أما التيار الثاني فهو غير متماسك خليط من وجهات نظر متضاربة، وهو بالأساس غير متجانس، والشيء الذي يدفعهم إلى التقارب هو ما يشكله اليمين بممارساته وتحركاته من خطر فاضح على رموزهم وما ينعكس ذلك سلبا على واقع الحركة الكوردية في سوريا، فضلا عن الأسباب الأخرى، وهي غير خافية على كل ذي بصر وبصيرة…
وقد طرحت في جلسة ضيقة هذه الفكرة متوجها بكلامي إلى أحد القادة المعنيين بالمسألة، فرد عليّ ضاحكا بقوله: الصعوبة تكمن في كيفية الوصول لهذه الكأس من الشاي.!
لقد سبق لي أن تناولت هذه المسألة، ونوهت لمواطن الأزمة حيث قلت (فالحركة – كما هو معلوم – منقسمة على نفسها، وضعف الحركة وعدم فعاليتها ناجم من انقسامها وتشتتها، ومخطئ من يظن أنه بمفرده قادر أن يبدع شيئا جديدا… إن الحركة اليوم أكثر من أي وقت مضى بحاجة إلى تيار معتدل، فلا تطرف نحو اليمين ولا نحو اليسار، تيار يرى في التقارب والتفاهم السياسي الكردي من أولى مهامه في حال تعذر التدامج، ومن يجانب هذه الحقيقة، فلا يمكن أن يكون صادقا في نضاله السياسي، إن هذا التنافر هو سبب علة وضعف الحركة، فلا نريد أن نسمع من هذا القائد الحزبي أو ذاك التشفّي من نظيره الحزبي في الضفة الأخرى، إذا ما سقط، سواء أكان مخطئا أم كان على صواب، ونذكّر هنا بالمثل الدارج “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”..)
كما أردفت في المقالة نفسها أفكارا، ها أنا أعاود نشرها ثانية، لأنها لم تلق آذانا صاغية حينها، ومما جاء فيها: (لديّ فكرة أولية أحاول أن أطرحها على قادة الحركة وكوادرها، وهنا أتوجه إلى أخوتي كبار المثقفين والكتاب، وبضمنهم الذين مارسوا السياسة حينا من الدهر، وبعض الوجهاء الذين واكبوا واقع الحركة السياسة، ويعزّ عليهم مستقبل الحركة، وبالتالي يشقّ عليهم هذا التنابذ في واقعها الحالي، أن يشاركوني بآرائهم ومقترحاتهم بصدد رأب الصدع، وتقريب وجهات النظر بطرائق، هم يرونها صالحة، ويعبروا عن ذلك عن طريق المواقع الالكترونية، ويمكن لهم أن يسعوا في سبيل تحقيق هذه المهمة، بالشكل الذي يرتؤونه مناسبا، فيمكن من يجد في نفسه القدرة ويرى أنه مؤهل لهذه المهمة النبيلة، أن يتطوع مشكورا ويبدأ باتصالاته مع من يراهم أهلا ليشاركوه في مباشرة العمل لتحقيق ما يراود كل كردي غيور..
وفكرتي أو مقترحي هو:
السعي الجاد الدائب دون كلل للجمع بين قادة الحركة السياسيين الكورد، بحيث يكون جدول الاجتماع مقتصرا على مسألة واحدة وحيدة وهي التهادن والمصالحة، وينبغي أن يكون اللقاء دوريا، مرة في كل شهر أو شهرين، دون إثارة المسائل التي يحتدم حولها الجدل، لأن مجرد تحقيق هكذا لقاءات يعد إنجازا كبيرا، لكسر الجليد كما يقال، وسيخلق حتما جوا من التفاؤل، ويبعث على مزيد من الارتياح في الشارع الكوردي، بعد ذلك يمكن أن يبحث في التنسيق، وإصدار البيانات مشتركة، وإحياء المناسبات مشاركة… ثم قد تمضي الحركة خطوات إلى أمام، لن نتكهن منذ الآن بفحواها، وإن كنا نقر منذ الآن بجدواها ، ومشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، هي الخطوة الأولى..
فهل أنا أنفخ في رماد..!؟)
وفي الختام لا يسعني إلا أن أشكر الجميع، وأرجو هذه المرة أن لا أنفخ في رماد…!