الاستبداد الشرقي في مشهده الجديد

  صلاح بدرالدين
   

      الاستبداد الشرقي الذي لحظه وصاغه كتعريف علمي في الجانب النظري مستشرقو وعلماء أوروبا منذ القرون الماضية وأخذ موقعه في صفحات التاريخ  أكثر بعد أن رسخه العثمانييون في الأذهان بممارساتهم – الهمجية – في ميادين البلقان وساحات فيننا والمناطق العربية وكردستان كظاهرة اجتماعية سلبية نابعة من منطق القوة وحد السيف متوارثة منذ فجر التاريخ على شكل حملات ابادة جماعية وموجات انتقامية حرقت الأخضر واليابس ونمط خاص ينضح بالقساوة والقهر يطبع سلوك الطبقات والفئات السائدة  في المجتمعات الآسيوية بدأ يعيد انتاج نفسه في العقود الأخيرة وخاصة في بلدان الشرق الأوسط على الصعيدين الرسمي والشعبي وبعبارة أوضح على شكل افراز قادة جدد لهم ماض حافل بالاجرام ضد الناس وسجلات مليئة بقتل الآخر المخالف في الفكر والسياسة والمختلف في القومية والدين وفي وسطين مختلفين : سلطات الأنظمة الشمولية الاستبدادية الحاكمة وتيارات في أحزاب تنتمي الى حركات التحرر الوطني وقوى المعارضة.
      من الواضح أن ايران الرسمي يتصدر القائمة في هذا المجال ولم يكن الايرانييون وخصوصا الكرد منهم بانتظار شهادة صحافي نمساوي مغمور أيا كان دافعه باتهام الرئيس الايراني المنتخب محمود أحمدي نجاد في المشاركة بجريمة اغتيال الشهيد الدكتور عبد الرحمن قاسملو السكرتير العام الأسبق – لحزبي ديموقراطي كوردستان ايران –  ورفاقه بعد عشرين عاما وكان الأولى به – كما جاء أيضا في مقالة صديقنا المناضل جريس الهامس – اتهام حكومته التي تواطأت مع الجناة لمصالح اقتصادية وجمدت الدعوى القضائية المقامة تحت ذرائع الحصانة الدبلوماسية وانعدام الأدلة الكافية ومن ثم وقف القضية تحت بند الفاعل المجهول وهذا يقودنا الى التذكير أيضا بمسؤولية الغرب السياسية والأخلاقية عموما في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وأوساطها الحاكمة خصوصا من احتكارات وطغم الصناعات الحربية ومراكز القوى المستغلة عن ظهور واستفحال الدكتاتوريات والمنظمات المافيوية والنزعات الفاشية في بعض أنظمة العالم الثالث وبينها نظم الشرق الأوسط الاستبدادية التوتاليتارية العلمانية منها شكلا والتيوقراطية فعلا وما تمخضت عنها طوال عقود من مجازر بحق المعارضة الديموقراطية ومناضلي التحرر الوطني من دون أن نغفل للأمانة التاريخية ظهور وتنامي قوى فاعلة في المجتمعات الغربية بعد مرحلة الحرب الباردة من مؤسسات اشتراعية ورأي عام ومنظمات حقوقية وأحزاب ترى من مصلحة شعوبهاالوقوف  الى جانب قضايا شعوب الشرق ومفاهيم التغيير الديموقراطي ورفع الدعم عن أنظمة الاستبداد الحليفة لحكوماتها ومحاربة الارهاب والتخلف.

 

    دكتاتور السودان (رئيس الدولة) متورط في عمليات قتل المخالف والمختلف منذ أن كان ضابطا صغيرا وتوغل في الاجرام السياسي العنصري ضد شعوب وقوميات الجنوب ودارفور وأبيي وملفه المليء بقرائن الادانة الجرمية في قتل الناس وابادة الجنس قيد النظر في محكمة الجنايات الدولية بانتظار اعتقاله وتقديمه للمحاكمة.
   حاكم سوريا (رئيس الجمهورية) وريث نظام الاستبداد مسؤول عن قتل العشرات من الكرد المختلفين قوميا والمخالفين سياسيا بدء من عام 2004 وحتى الآن ومتهم في الوقت ذاته في قضية اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري ورفاقه ومجموعة من رجال الدولة والاعلام والمناضلين الذين كانوا مخالفين لهيمنته على بلدهم المستقل السيد لبنان.
    قادة اسرائيل من رؤساء حكومات وأحزاب وجنرالات عسكريين سابقين وحاليين يتحملون مسؤولية مقتل الألوف من الفلسطينيين المدنيين من نساء وأطفال وشيوخ مازالوا يتربعون عرش الدولة ويتعاملون مع المجتمع الدولي بأريحية كاملة.
    زعامات حركات الاسلام السياسي الشيعية والسنية وبالأخص رموز النصر الالهي والانقلابات العسكرية في كل من حزب الله اللبناني وحركة حماس الغزاوية وجماعة الصدر وهيئة علماء المسلمين العراقيتين المسؤولين عن اهراق دماء الألوف من مواطني لبنان وفلسطين والعراق من المخالفين السياسيين والمختلفين في الدين والمذهب مازالوا في موضع الترحيب من لدن أوساط أمريكية وأوروبية وعربية واقليمية وينظر اليهم بكل أسف قطاع واسع في العالم الاسلامي كقادة مقاومة شريفة يستحقون الدعم والمساندة.
     أحد أكثر زعماء الطائفية السياسية اللبنانية تورطا في الحروب الأهلية وفي حصار المخيمات الفلسطينية وتصفية وتهجير سكانها الفقراء والمتواطىء مع فرق الاغتيالات الايرانية بارسال أعضاء حركته لتنفيذ اغتيال الأمين العام السابق لحزبي ديموقراطي كوردستان ايران الشهيد شرف كندي ورفاقه في مطعم ميكونست ببرلين يتوج الآن رئيسا لبرلمان البلد على أصوات أزيز الرصاص من مناصريه ومقتل امرأة قربانا في أول الطريق  كتعبير رمزي عن طينة الرجل ويتلقى التهاني من رؤساء أعرق برلمانات العالم المتحضر.
    في ظل الحريات العامة في اقليم كردستان العراق التي يكفلها القانون تجد بين ممثلي ومرشحي القوائم المتنافسة على عضوية البرلمان في الاستحقاق الانتخابي المقبل في الرابع والعشرين من شهر تموز وخاصة المعارضة لقائمة الحزبين الرئيسيين الكردستانية أمراء حرب وارهابيين من توائم انقلابيي غزة على الشرعية ورموز الاقتتال الداخلي وقتلة المخالفين والناس الأبرياء – برقابهم – مئات الأرواح يحاولون العودة مجددا الى مواقع المسؤولية والقرارتحت بريق شعارات الاصلاح ومحاربة الفساد حتى لو كان بتواطىء مع أوساط عراقية مخالفة لسلطة الاقليم الفدرالية وصلاحياتها واقليمية (سورية – ايرانية – تركية) معادية لوجود  الكرد أصلا وللعراق الحر الديموقراطي الجديد.

   مؤشرات اعادة الاعتبار لوجه الاستبداد الشرقي القبيح بالشكل الجديد في طريقها لتتحول الى ظاهرة خطيرة مفزعة في العديد من بلدان الشرق الأوسط قد تنتقل من عملية استغباء العقول الى طمس معالم التاريخ القديم والحديث وقطع الصلة مع الماضي واعتبار عقارب الزمن تبدأ من وقت عودة الجناة و (الكاوبوي) الشرقي مجددا الى قمة المشهد السياسي في رغبة واضحة لوقف حركة التاريخ وخلط الأوراق وتخطئة الذاكرة الشعبية امعانا في الاستهانة بالقيم والمبادىء حتى لايعود الاستقرار والأمان وحتى تبقى شعوبنا أسيرة الطامعين من منظومات متحكمة في بلدان المنطقة ورهينة القوى الغاشمة مستسلمة أمام منطق القوة والخوف وجبروت أمراء الحروب السرية الارهابية المافيوية وأمام ذلك من حق شعوب الشرق وقواها الحرة الحية أن تخاطب المجتمع الدولي والقوى العظمى باعادة النظر في طريقة التعامل مع المعنيين بهذه الظاهرة واستصدار قرار ملزم من مجلس الأمن الدولي والجمعية العمومية بوضع شرط مسبق في خلو ونظافة تاريخ سيرة أي شخص مرشح من جرائم القتل والاعتداءات  لدى اختيار وانتخاب رؤساء الدول والبرلمانات والحكومات ووضع مذكرات توقيف للتقديم الى المحاكم الدولية الجنائية وحظر قانوني على منح سمات الدخول لكل مشتبه به رئيسا كان أم زعيم حركات ارهابية أم مسؤول مجموعات تدعي المقاومة وفي الوقت ذاته مبادرة منظمات المجتمع المدني في كل مكان وخاصة في الشرق الآوسط بمقاطعة هؤلاء وتعبئة الجماهير والنخب الثقافية في سبيل فضحهم ونشر حقيقتهم على الملأ.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…

إبراهيم اليوسف إنَّ إشكالية العقل الأحادي تكمن في تجزئته للحقائق، وتعامله بانتقائية تخدم مصالحه الضيقة، متجاهلاً التعقيدات التي تصوغ واقع الشعوب. هذه الإشكالية تطفو على السطح بجلاء في الموقف من الكرد، حيث يُطلب من الكرد السوريين إدانة حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) وكأنهم هم من جاؤوا به، أو أنهم هم من تبنوه بإجماع مطلق. الحقيقة أن “ب ك ك”…

شيروان شاهين سوريا، الدولة ذات ال 104 أعوام البلد الذي كان يومًا حلمًا للفكر العلماني والليبرالي، أصبح اليوم ملعبًا للمحتلين من كل حدب وصوب، من إيران إلى تركيا، مرورًا بكل تنظيم إرهابي يمكن أن يخطر على البال. فبشار الأسد، الذي صدع رؤوسنا بعروبته الزائفة، لم يكتفِ بتحويل بلاده إلى جسر عبور للنفوذ الإيراني، بل سلمها بكل طيبة خاطر…