مغامرة أم عدم الإحساس بالمسؤولية

جكر محمد لطيف

المغامرة في العمل تنتج خيارات عدة في الموقف الواحد وهي في اغلبها غير محمودة العواقب إن لم نقل جميعها لان المغامر لا يستطيع الحسم فيها ولا يستطيع رسم ملامح أي من الخيارات الواردة إمامه وبالتالي إعداد الآلية الضرورية للعمل فهي بالمجمل عدم الإحساس وكذلك تحمل المسؤولية هذا إن حسنت النوايا..

فهي اقرب إلى المقامرة أكثر من أي مفهوم آخر  ولا يفهم الأمر عندما يتم إسقاط هذا المفهوم على حركة سياسية يراد منها النضال ودون مراعاة الظروف الذاتية والموضوعية كالمتعلقة بالشعب الكردي في سوريا ….

إن النقد ضرورة تاريخية لأي تنظيم ولأي حراك سياسي ولأي محطة نضالية وحتى لموقف ومقال وذلك لتقويم العمل وكشف مواقع الخلل وتصحيحها ..

إما في مقالته “مغامرة تطرق أبواب المستقبل “فان السيد زيور العمر يكشف ملاح وأفاق تتخطى حدود النقد الذي يصب في مصلحة الشعب الكردي وقضيته العادلة والتي لا تتحمل التشويه تحت أي مسميات كانت.

فهي دعوة إلى الهدم والتدمير ولا تظهر فيها أية مصلحة للكرد على الرغم من أنها قد تدغدغ أحاسيس البعض من الميؤسين والبعض الأخر الذي تطوع لخدمة أعداء هذا الشعب الذي حافظ على وجوده وخصائصه القومية رغم ما تعرض له من تشويه واتهامات والمؤامرات وذلك بفضل نضاله الديمقراطي السلمي المتمثل بحركته السياسية الوطنية التي اتبعت سياسة واقعية والتي يتم استهدافها  باستمرار للنيل من الكرد وقضيته وليتم تحميله المسؤولية أيضا كما حصل في بعض الأجزاء من كردستان .وجوهر دعوة السيد زيور هي “فان إعلان نخبة كردية سياسية شابة جريئة وكفوءة عن وفاة الحركة الكردية الراهنة المتمثلة في أحزابها السياسية وإعلان القطيعة مع كل المساعي الداعية إلى إصلاح الحركة الكردية من داخلها ,ومع الأصوات التي ترى في تقارب الأحزاب الكردية خروجا من النفق المظلم ” عندما قرأت هذه الأسطر كانت مفردات الشوفيني “هلال” هي أول ما بدرت في ذهني وإذا كانت شوفينيته  وحقده يبرر أفكاره فلا ادري ما  يبرر أفكار السيد زيور حقيقة ؟؟  لا أقول عن هذا الطرح بأنه خيالي بل انه مشروع أيا كان الطرح وذلك من باب حسن النوايا ولكن قد لا يكون واقعيا أو قد لا تتوفر العوامل الايجابية المساعدة لهذه النخبة مع التحفظ على مفردة “النخبة “التي من مدلولاتها إفراز الاستعلاء الفكري والسياسي على الرغم من تداولها كثيرا والتي لا تستلزم النضال الديمقرطي والحراك المجتمعي والمتطلبة لكافة قوى المجتمع الكردي فإذا وجدت قوة سياسية شابة وكفوءة ولا شك في وجودها بين مكونات المجتمع الكردي المثابر على النضال فلماذا عليها أولا اعلان وفاة الحركة الكردية الراهنة ؟ هل يتطلب وجودها إن تكون معادية للحركة السياسية ؟ أليس الأجدر بها أن تأخذ مكانها الطبيعي بين قوى المجتمع ولتختلف مع من تشاء , ومن المستفيد من وفاة كردي واحد أي إنهاء دوره الاجتماعي والثقافي والسياسي .

ناهيك عن وفاة حركة سياسية تعترف قوى كردستانية بأنها قدمت لها الكثير على الرغم من حجمها الصغير بإمكاناتها والكبير بفعلها .

إن القوى المعادية لوجود الكرد قامت بالكثير ومنذ البدايات ولم تفلح كما يريد زيور لان الحركة ليست معزولة وعلى علاتها كما تحاول الكثير من الأطروحات في السنوات الأخيرة وعلى أكثر من مستوى غايتها عزل الجماهير عن حركتها السياسية والتجارب كثيرة التي تثبت عكس ما تذهب إليه مثل هذه الأطروحات .على الرغم من عدم رؤية أمثال السيد زيور لذلك وهذا من حقه ولكن هل من حقه إنهاء دور مواطن كردي واحد ؟  وهل القطيعة ضرورة نضالية في هذه الظروف التي تتطلب التلاقي والحوار والتفاهم وإيجاد المساحات لكل من يملك الكفاءة للعمل على إذابة الأخطاء الموجدة والدعوة للبناء الايجابي الضروري للنضال السياسي الذي يتسم واقع الكرد في سوريا ورفع الأصوات التي تدعو إلى تقارب الأحزاب الكردية بدل إسكاتها كما تفعل الأجهزة الأمنية التي تقمع كل دعوة إلى حرية الرأي وكما يطرح زيور .

ولماذا لا يحق لأصحاب هذه الآراء إن ترى ما يخالف أفكار السيد زيور فإذا كانت الغاية إن يرى الجميع ما يراه زيور فأين وجه الاختلاف بينه وبين الأجهزة التي تزج الناس في السجون لمجرد رأي أو موقف لا ترتضيه .وأتساءل كيف ستكون أحكام زيور لو كان يملك أكثر من قلمه هل كان سيحتكم لقانون ضرب الرقاب ؟ والغريب قوله “إن هكذا مغامرة أضحت مسؤولية تاريخية إنسانيا وأخلاقيا” وليعذرني عدم فهمي كيف تصبح حتمية وقطعية ومسؤولية تاريخية لا بد منها سدت سواها كل الخيارات هذه الأخلاقية تبادر إلى الذهن صيحات الذين يقطعون رؤوس البشر وينادون باسم الله في ذات الوقت .

حقيقة رأيت في المقال ما يشبه السموم بدل النقد فمثلا “فالانشطار التي طالت أول حزب قومي كردي في سوريا منذ عام /1957/قد يبدو للوهلة الأولى أنه خطأ غير مقصود في التاريخ بين /1965/و /1957/ تاريخ التأسيس هو المقصود بالتشويه وليست مسألة الانقسامات التي يشمئز منها كل غيور على مصلحة الشعب الكردي وحركته الوطنية والتي تقر بأنها غير مبررة وتعمل لإيجاد السبل للتخلص من هذا الواقع والتجارب التي تحققت جديرة بالاحترام على الرغم من عدم نجاحها في المسعى ولكنها تبقى تراكمات سياسية ايجابية في مسيرة النضال للكرد في سوريا .وان أرفاق الانقسام بتاريخ التأسيس غاية لا تمت بالنبل في شيء .

وأعتقد بأن السيد زيور يبغي الخلط والتشويه المتعمد من أحكامه على كل ما أنتجته الحركة من حكمه “التحالفات التي ظهرت في الساحة الكردية ” لتكريس الانقسامات كما يفسر و” كما أن القيادات الفاسدة ” بصفة الجمع ودون استثناء فأنه يريد إزالة الصالح بالطالح وإذا كان قد عمل مع قادة “فاسدين ” فهذا لا يعني بأن الكل كذلك وهذا غير واقعي وغير أخلاقي أيضا لأنه يحكم على الشعب بمجمله بالجمود والعقم .

كذلك هي دعوته إلى قراءة التجربة السياسية ويذكر السلبيات فقط ويزيد من عنده بأوصاف أعتقد بأنها لا تليق بسواه وما الفائدة من دراسة تجربة لا يجد فيها ولو نقطة ايجابية تدعو للبناء عليها وأقول لو أن الحركة السياسية الوطنية الكردية لو تمت إزالتها ومحوها بالدعوات كهذه لما استمرت ليدعو هو ولما استخدمت أعدائها كل السبل للنيل منها 

     16/6/2009

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…