الظاهر والمخفي في الأزمة الايرانية

صلاح بدرالدين

     أبرز المشهد الايراني عقب الانتخابات الرئاسية منذ أيام والاعلان الرسمي عن فوز ساحق للرئيس المنتهية ولايته محمود أحمدي نجاد وهزيمة منافسه رئيس الحكومة الأسبق مير حسين موسوي الكثير من ردود الفعل والقراءات المختلفة ليس في الساحة الداخلية فحسب بل على الصعد الخارجية أيضا وباهتمام شديد يوازي الأهمية الاستراتيجية لهذا البلد العريق ودوره المفصلي في حاضر ومستقبل منطقة الشرق الأوسط والى حد العالم وموقع نظامه المثير للجدل الى جانب حركات الارهاب والمجموعات الممانعة في وجه السلم والاستقرار والتطور الوطني الديموقراطي في معظم بلدان المنطقة من الخليج وحتى المغرب توزعت بتباين عميق  بين أكثرية متوقعة وقلة متفاجئة بالنتائج المعلنة.
  جذور الأزمة وتجلياتها:

   بخلاف ما تبثه غالبية وسائل الاعلام عن جهل أو قصد وخصوصا العربية منها وبعض الغربية من أن المواجهة تنحصر بين ” الاصلاحيين بزعامة الموسوي ” و ” المحافظين بزعامة نجاد ” مختصرة كل تعقيدات وجوانب الأزمة الايرانية وبكل بساطة في اختلاق وهم أبعد من الخيال بحصول اصطفاف سياسي فكري متبلور بصفوف الايرانيين في بلادهم المترامية الأطراف على مختلف مكوناتهم وأطيافهم ومللهم في غضون ساعات وأيام في بلد محروم من أية تقاليد ديموقراطية منذ الاطاحة بحكومة الدكتور مصدق بداية خمسينات القرن الماضي يرضخ للأحكام العرفية ودكتاتورية تيوقراطية فريدة من نوعها لاتتيح المجال لأي نوع من الحرية الحزبية والفكرية والسياسية والثقافية وبعيدا عن الاثارة الاعلامية والتوصيف المتسرع للحدث الايراني يمكن  تشخيص مصادر الأزمة وتلمس أسبابها القريبة والبعيدة باالعوامل والحقائق التالية :
الأول – عجز الاسلام السياسي بتجلياته الطائفية الشيعية في ايران والسنية السياسية في سائر أرجاء المنطقة من مواصلة ادارة السلطات و الكيانات الدولتية  في الأزمنة المعاصرة والفشل في انجاز المهام الوطنية والاجتماعية والاقتصادية والدبلوماسية في كراسي الحكم وصفوف المعارضة في الآن ذاته  خاصة في أمثلة ايران وغزة والعراق وسوريا والأردن والكويت ..

الخ .
–         الفشل في ادارة ومواكبة خيوط الصراع والتلاقي مع العالم المتمدن والمجتمع الدولي وهيئة الأمم المتحدة والمنظمات المتفرعة عنها وخاصة الطاقة الدولية والأوبك وحقوق الانسان بمنطق القرون الوسطى وسلاح الآيديولوجيا المتزمتة وكانت النتائج : التفجيرات والتهديدات والعزلة الدبلوماسية والعقوبات والحصار.


–         استخدام النفط كثروة وطنية في غير محله وبالضد من مصالح الشعوب والتنمية والرفاه وارتباك في استثمار النفط لخدمة التقدم والقضايا المصيرية وتسخيره لخدمة الحكام وادامة النظم وانتاج اسلحة الدمار الشامل وعسكرة المجتمع.
–         تطورات الأحداث والمصادمات الحاصلة الآن لاتنفصل عن ارادة شعبية غير معلنة باعادة النظر في نظام ولاية الفقيه التيوقراطي – المذهبي – القومي  بصورة جذرية والاتيان بالبديل الوطني الديموقراطي الذي يحقق المشاركة ويطلق الحريات لكافة شعوب وقوميات ايران ويحترم هوياتها ومطالبها المشروعة في تقرير مصيرها ضمن الاتحاد الاختياري الايراني .
–         الطرفان المتصارعان لايختلفان حول الاسس بل حول النفوذ والموسوي كنجاد من افرازات المؤسسة الطائفية القومية الدينية ومن انتاج الحرس الثوري (الباسداران والباسيج …) بطبعته الخمينية وهذا هو سر تواضع عدد الضحايا في مواجهات الاخوة بالرغم من الجموع الغفيرة المنتشرة في شوارع المدن الرئيسية والتظاهر غير القانوني بدون الحصول على اذن مسبق وعقوبته الاعدام حسب المصادر الحكومية لأن المسألة لاتعدو كونها منازلة بين أفراد العائلة الواحدة واذا كان الطرف المحتج على سبيل المثال جهة معارضة مثل – مجاهدي خلق – أو حركة تحرر قومي تمثل الكرد أو العرب أو البلوج لكانت الدماء قد سالت في الشوارع ولراحت آلاف الضحايا من القتلى والجرحى وعشرات الالاف من المعتقلين.

 
–         لم يطرح منافس الرئيس الحالي حتى اللحظة برنامجا مغايرا لما هو قائم من ولاية الفقيه والمنظومة الامنية والعسكرية وحقوق القوميات وحرية المذاهب غير الشيعية والنووي ونفوذ ايران في الخليج والجزر العربية المحتلة والتدخل في شؤون العالم والنفط وحقوق المراة ومحور الممانعة والقضية الفلسطينية ولبنان والعراق ولم يصدر أي نقد لمخالفات وتدخلات واعتداءات النظام الايراني حول المحاور الآنفة الذكر بما في ذلك عمليات اغتيال قادة وأفراد المعارضة الوطنية من الكرد وغيرهم التي وقفت وراءها أجهزة النظام وأذرعها الخارجية مثل حركة أمل وحزب الله تنفيذا لقرارات مصادر القرار بدءا من الخميني ورفسنجاني وموسوي ورضائي مرورا بخاتمي وانتهاء بلاريجاني ونجاد الملطخة أياديهم بدماء المناضلين في سبيل الحرية .
–         نعم هناك نوع عفوي من تحالف مصلحي وقتي بين منافسي نجاد ضمن اطار النظام حسب مفهوم ومصالح كل طرف : خاتمي الذي بعد ان ايقن عدم جدوى ترشحه ثانية بعد ان خيب آمال مناصريه وعدم ايفائه الوعود اراد الاستفادة من موسوي والظهور بمظهر الداعم حتى لو فشل واقصي من دائرة المنظومة الضيقة – معارضو النظام الجذريين وجمهور الشباب والمثقفين وهم الأكثرية النخبوية المؤثرة ساندوا الموسوي كرها بالنظام وليس ترحيبا به ولاضير من دفعه حتى الرمق الاخير عبر المظاهرات والمواجهات حتى لو وصل الامر الى العنف حيث في جميع الحالات سيكون اضعافا للنظام وكسر هيبته واختراق الطوق والسؤال المطروح هو هل بامكان هذه الشرائح المعارضة من استثمار الوضع وأخذ زمام المبادرة لتفرض أجندتها عبر حركة شعبية سلمية متواصلة تستقطب شعوب ايران وتنال الدعم الخارجي ؟ – رغبة مجموعة من آيات الله ورجال الدين المخذولين والمبعدين في الانتقام من المرشد الأعلى الى درجة قلب المفاهيم والطعن بصلاحياته الدينية والدستورية .
–         لن يكون للموسوي البائس اي حظ في الرهان على تبوىء مقاليد الرئاسة حتى لو حصد كل اصوات الايرانيين بسبب ارادة عليا تسعى الى الحفاظ على توازن مصادر الحكم والقرار والابقاء على المعادلة القائمة في تحكم تحالف الفرس والاذريين في اقتسام الكعكة فالمرشد آذري ونجاد فارسي وبالمناسبة الآذرييون لهم الفضل في الحفاظ على الوجه القومي الفارسي لايران تاريخيا ومناوءة طبقاته الميسورة المتحكمة بالمال والبازار لحقوق الشعوب والقوميات الايرانية الاخرى وتطوع غالبية الشباب الآذري في المنظمات شبه العسكرية والأمنية منذ ثورة الخميني وحتى الان .
–         خلاصة مايجري تعبير عن الازمة العامة للنظام الحاكم في مواجهة الاستحقاقات الاقليمية والدولية وتبعات هزيمة حزب الله وانصاره في لبنان وزيارات الرئيس الأمريكي اوباما الى تركيا والسعودية ومصر وخطاباته التصالحية ودعوته لحل القضية الفلسطينية اضافة الى عزلة حماس فلسطينيا وعربيا ودوليا مقابل تماسك حركة فتح بعد اجتماع لجنتها المركزية والتوافق على موضوع مؤتمرها السادس المنشود والى حين انجلاء الأمور لابد من متابعة معادلة نتانياهو – نجاد المتكاملة وتأثيرها على كل من وجهة حراك أوباما التصالحي نحو حل الدولتين وثلث نصرالله المعطل في لبنان وكمائن حماس أمام مسيرة المصالحة الوطنية الفلسطينية ومستقبل اصطفاف قوى الشيعية السياسية في العراق على ضوء الانسحاب الأمريكي والانتخابات القادمة لقد أعلن نظير نجاد الاسرائيلي قبول دولة فلسطينية فهل يقبل هو بفدراليات على الأقل لشعوب وأقوام ايران المحرومة ؟.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…