تركيا والقضية الكردية وتأثيراتها على الأجزاء الأخرى

  جيكرخون علي

لا يمكن الحديث عن القضية الكردية دون التطرق إلى الدور التركي البارز بغض النظر عن كون هذا الدور سلبي أم إيجابي تجاه القضية الكردية وفي كافة الأحوال يكون لهذا الدور تأثير كبير على اتجاه الحل لصالح الشعب الكردي أو ضد مصالحه، وذلك لأن الجزء الأكبر من كردستان يقع تحت حكم الدولة التركية التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك، وبموجب ذلك فإن خطو أي خطوة تجاه حل القضية الكردية في الأجزاء الأخرى من كردستان يجب أولا أن تحظى بالموافقة التركية وغير ذلك يصعب التكهن عما سيكون عليه وضع القضية الكردية
وفي حال عودتنا إلى الماضي القريب سنرى بكل الوضوح الدور التركي و تأثيره على القضية الكردية في الجانبين السلبي والإيجابي وذلك عندما زار مام جلال أمريكا بعد قصف حلبجة بالأسلحة الكيماوية، حيث طالبت تركيا رسميا من الولايات المتحدة الأمريكية بعدم استقباله ، ورأينا كيف رفضت الوزارة الخارجية استقباله فور مطالبتها تركيا بذلك، وأيضا كما رأينا الدور التركي البارز في جعل كردستان العراق منطقة آمنة تحت حماية دولية بعد غزو العراقي للكويت، بسبب الهجوم الذي شنته قوات صدام على كردستان بعد قضائه بوحشية على انتفاضة الجنوب حيث توجه الشعب الكردي بالملايين إلى الحدود التركية و الإيرانية هربا من انتقام صدام، وحصول أزمة اللاجئين على الحدود التركية بسبب رفض الحكومة التركية استقبالهم على أراضيها وللتخلص من هذه الأزمة صرح الرئيس التركي توركوت أوزال في 7 نيسان من عام 1991 من خلال أحد تلفزيونات الأمريكية بأنه يقترح على الأمم المتحدة جعل الشمالي العراق منطقة آمنة تحت حماية الأمم المتحدة وأنه مستعد لوضع قوة عسكرية تركية ضمن القوات الدولية التي سوف تقوم بحماية تلك المنطقة، بغض النظر عن نية الأتراك ولكن كان هذا الطرح التركي نقطة البداية في التفكير حول جعل كردستان العراق تحت الحماية الدولية وبالفعل في النهاية تم جعل كردستان العراق منطقة آمنة لا يسمح للطيران العراقي شن أي هجمات على هذه المنطقة مما أتاح للحركة الكردية حرية التحرك و التمركز في المواقع التي هي تريدها و البدء ببسط سيطرتها على المناطق التي وضعت تحت الحماية الدولية، في الحقيقة عند الإمعان في المناخ الذي تم تهيئته للشعب الكردي في كردستان العراق ومكتسبات الشعب الكردي من جراء هذا المناخ كان يمكن التنبؤ بأن القضية الكردية أصبحت تستحوذ على الاهتمام الدولي وكانت هذه نقطة البداية في تحول القضية الكردية من مسألة داخلية للدول التي تحتل كردستان ولا يجوز التدخل فيها إلى قضية ساخنة في منطقة الشرق الأوسط وتلقى الاهتمام الدولي وإن لم يكن بمستوى المطلوب.
وبعد سقوط نظام البعثي في العراق في 2003 وبروز دور الحركة الكردية في العملية السياسية والتي أصبحت لاعبا رئيسيا على المسرح العراق السياسي وبدا يتحقق الحلم الكردي في الفيدرالية أو دولة مستقلة، واحتمال تأثير هذا الوضع الجديد في العراق على أجزاء الكردستان الأخرى في تركيا و إيران وسوريا، وكما رأينا كيف عارضت الدول الثلاث قرار الحرب على العراق وفيما بعد تدخلات تلك الدول في العراق لإفشال مشروع العراق الجديد، وعندما رأت تركيا بأن رفضها لم يؤثر في قرار الحرب وباتت مجبرة على التعامل مع الوضع الجديد بادرت حكومة العدالة والتنمية إلى التركيز على كردستان الشمالية لتخفيف من حدة التأثيرات التي ستأتي من العراق الفيدرالي وذلك من خلال العمل على تنمية المنطقة اقتصاديا وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين وتخديم المنطقة في المجالات العديدة من المواصلات و الصحة وسمحت بتداول اللغة الكردية و تدريسها في المدارس وسمحت بنشر الكتب و الجرائد و المجلات باللغة الكردية و أخيرا بث فضائية باللغة الكردية ، هذا كله لا يعني بأن الحكومة التركية أنجزت المستحيل أو أنها قدمت حسنة للشعب الكردي بل أن حقوق الشعب الكردي يتجاوز كثيرا ما قدمته أو تقدمه الحكومة التركية ، ولكن مغزى الحديث هو أن الحكومة التركية تعاملت بعقلانية مع المتغيرات الإقليمية وحاولت إغلاق الأبواب أمام أي مبرر لإثارة القضية الكردية بشكل مباشر بل أن سياستها اعتمدت التدرج في الانفتاح على المجتمع الكردي بحيث يقلل من المعارضين داخليا لهذه القضية (القضية الكردية ) التي عمل كل الحكومات المتعاقبة منذ تأسيس الدولة التركية الحديثة على صهر القومية الكردية في البوتقة التركية وذلك بكافة الأدوات و الأساليب و في النهاية لم تفلح كل محاولاتها في إمحاء الهوية الكردية وإظهار الشعب الكردي على أساس أنه شعب متوحش و بربري وفي الحقيقة أن هذا الميراث الهائل من التشويش على حقيقة الشعب الكردي سوف لن يمحى من ذاكرة المجتمع التركي بسهولة بل يتطلب زمنا حتى يزول ، واقتنعت الحكومة التركية في النهاية بأن سبيل الحل هو الاعتراف بوجود الشعب الكردي و بخصوصياته القومية و التاريخية و الثقافية وهذا ما تحاول فعله الحكومة التركية بقيادة أردوغان ، وبكل التأكيد هذا لن يسعد القوميين و المؤسسة العسكرية وهم أيضا سوف يستمرون في مخططاتهم لإفشال الحكومة التركية في إيجاد أي حل يرضي طرفين، وأن قرار وقف إطلاق النار الذي أعلنه الحزب العمال الكردستاني هو من عمق المصلحة الكردية ويجب الاستمرار على هذا الشكل حتى لا تعطي أي مبررات للمؤسسة العسكرية و القوميين الأتراك لكي ينقضوا على محاولات الحكومة التركية في إيجاد الحل للقضية الكردية ، وعند عودتنا إلى عام 2003 و دراستنا لموقف كلٌ من النظام السوري و الإيراني تجاه المتغيرات التي حصلت في العراق نرى بأن كِلا النظامين عملا على ممارسة القمع و الاضطهاد بشكل مفرط مما وَلَدَ مزيدا من الضغط و الاحتقان في المجتمع الكردي في سوريا و إيران وأدى في النتيجة إلى اندلاع الانتفاضة في سوريا وحصول بعض الاشتباكات بين الشعب الكردي و النظام الإيراني ، إن تعامل النظامين مع القضية الكردية بخلاف الحكومة التركية كان خطأً فادحا ارتكباها ، وذلك لأن اللاعب الرئيسي في هذه اللعبة هو الجمهورية التركية، وهذا اللاعب هو الذي يقرر سير اتجاه الأمور وليس النظام السوري وإلى حد ما النظام الإيراني ، ولكن النظام الإيراني إلى حد ما يجيد اللعب و التعامل مع القضية الكردية ومثالا على ذلك تسمية إحدى المحافظات الإيرانية بـ كردستان و في الفترة الأخيرة تدريس اللغة الكردية في الجامعات إلى جانب لغات أخرى .
إن تصريحات الأخيرة للرئيس التركي عبد الله غول حول ضرورة إيجاد حل للقضية الكردية في تركيا دق ناقوس الخطر في دمشق و طهران ، وأعتقد أنه الآن دمشق و طهران في ورطة حول كيفية التعامل مع الوضع الجديد ، وإذا كان قد خفت وتيرة القمع على الشعب الكردي منذ حوالي شهرين تقريبا فهذا لا يعني بأن النظام السوري قد استفاق من غيبوبته الطويلة بسبب وخذه من الضمير أو أنه استعاد إنسانيته والآن يود التعامل بإنسانية مع قضية شعب مضطهد منذ أن استولى على الحكم ، بل أن ما يجري هو نتيجة ظهور ملامح السياسة التركية بشكل واضح وبشكل يخيب قناعات النظام السوري في التعامل مع القضية الكردية ، وهنا يبرز بشكل واضح دور الحكومة التركية تجاه القضية الكردية بشكل إيجابي و لكن علينا أن لا ننسى بأنها ( الحكومة التركية ) تعمل كل هذا لحفاظ على مصالحها ولأن مسار السياسة الدولية يجبر السير هكذا وإلا النموذج العراقي يحضر بقوة في المنطقة ، والعبرة لمن ….

.
إلى هذه اللحظة أجاد الحكومة التركية الدور ، ولكن السؤال الأهم هل الحركة الكردية ستجيد التعامل مع الوضع الجديد وتحول أحلام الكرد إلى الحقيقة ومأساته إلى بطولات بدلا من خيبات أم أنها سوف تفوت الفرصة على الشعب وتعيد إلى إليه ذكرياته عن السجون و المذابح و المقابر الجماعية والهجرات المليونية والتعريب و حلبجة ؟ .
cegereli@hotmail.com

16 /6 /2009

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين ملاحظة برسم شركاء الوطن باالإدارة الانتقالية واذا كان من حق الإدارة العسكرية ذات اللون الواحد تسييرشؤون البلاد بعد نيلها شرف اسقاط نظام الاستبداد – وهو عمل يحظى بكل التقدير – من جانب معظم السوريين الذين ناضلوايضا منذ عقود، وساهموا في اضعاف النظام، وقدموا في سبيل ذلك التضحيات الجسام، ولاشك انهم يتاملون ان يتم تنظيم الحوارات الداخلية…

فرحان كلش الملاحظ أن هناك تكالب دولي واقليمي مثير للريبة على المساهمة في تثبيت أقدام الإدارة الجديدة في دمشق، هذا الإندفاع ربما له أسبابه بالنسبة لكل دولة، فالدول الغربية تنطلق من الخطورة التي تشكلها الأحزاب اليمينية المعادية لللاجئين والتي تهدد الحكومات اليسارية واليمين الوسط الأوربي، لذلك نشهد أن هذه الحكومات تتقاطر إلى دمشق والمؤتمرات الخاصة بها بهدف التخلص من ملف…

عبدالرحمن کورکی (مهابادي)* يتجلّى الحل الحقيقي لمشكلة الاستقرار والأمن والتعايش في إيران والشرق الأوسط بشكل أوضح، يوماً بعد يوم. وهذا الحل هو “إسقاط دكتاتورية ولاية الفقيه الحاكم في إيران”. فلماذا؟ قبل التطرق إلى الإجابة على هذا السؤال، لا بد من الإقرار بحقيقة جلية وهي أن القوة الوحيدة التي وقفت منذ البداية موقفًا راسخًا ضد دكتاتورية ولاية الفقيه،…

خليل مصطفى اعتقدتُ (وكورد سوريا) أنه مع سقوط نظام البعث وفروعه الأمنية… ستختفي أصوات وكتابات شهود الزور (السُّفهاء) الأشد كفراً ونفاقاً من أعراب سوريا المُعاصرين.؟ لكن: الاعتقاد تلاشى بظهورهم (شهود الزور السُّفهاء) على وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك، تويتر، يوتيوب انستجرام) وهُم ينبحُون دفاعاً عن أيديولوجيتهم النتنة… رغبة منهُم بإبقاء كورد سوريا مُهمشين إلى الأبد بلا هوية قومية، تماماً كنباحهُم (الهستيري):…