الماركسية .. داخل وخارج الأطر الحزبية وسياج الدولة .!

دهام حسن
يجري سجال دائب داخل التيار الماركسي على العموم ،وضمن الأطر الحزبية مابين رفاق البيت الواحد بوجه خاص ، حول العديد من المفاهيم والمبادئ والقيم والمواقف ؛ أما التباين في الآراء يبقى السمة الغالبة داخل هذا التيار ، وهذا أمر طبيعي وضروري، وهو من مفردات الديمقراطية ؛ لكن أن يشتط بعض هؤلاء بعيدا ، ويولي ظهره لكثير من المبادئ والمفاهيم الرئيسية في الماركسية ، ويلوذ إلى قراءة تبريرية لتسويغ مواقف خاطئة، أو الركض إلى الموقف الأسهل برؤية ( فنية) السياسة فن الممكن، أو اقتناص كلام لكلاسيكيي الماركسية، بعد بترها عن سياقها التاريخي، وإسقاطها على واقع مختلف ، فهذا أمر آخر
فلم يسئ إلى الماركسية بقدر ما أساء إليها بعض الماركسيين المرائين ،وقد رد ماركس على بعض الماركسيين الفرنسيين (المبتذلين) لما نقل عنهم من فكر وسلوك ،إذا كانت الماركسية بهذه الصورة( فإنني أعرف أمرا واحدا فقط هو أني لست ماركسيا )..
إن تبعية الفكر الماركسي لأغلال سياسة الدولة، والتكيف مع النظام القائم مهما كانت طبيعته ، والتعاطي مع رجال فاسدين ، والتقاسم معهم على وظائف الدولة هي تدمير للفكر وفقدان لثقة الجماهير، وضياع – بالتالي -للرصيد الشعبي ,كما يترك المجال واسعا أمام المتربصين ,للنيل من سمعة الحزب ,هذا الحزب الداخل بمشاركة رمزية في قوام النظام ,ومن الفكر الماركسي على العموم ..

لابد للماركسية أن تختلف مع النظم القائمة ,مهما كانت طبيعة هذه النظم ,و أيا كانت درجة هذا الاختلاف بين فعندما ينعدم الاختلاف بين الإيديولوجية الماركسية ,وبين سلطة الدولة , ويتما هى الماركسيون (في علاقة تشابه و تماثل مفتعلة ) مع السلطة الحاكمة تفقد كما يرى مهدي عامل – هذه الإيديولوجية قوتها .ان المصانعة (المداراة) قد يقبل بها الحزب ويتفهمها لظرف ما , ولفترة محددة ومحدودة لكن المصانعة كسجية لا يمكن للفكر الماركسي ان يتعاطاها البتة .

وعلى المثقف الماركسي , ألا يفقد دوره كمحلل وناقد , لا تثنيه الأطر الحزبية ,ولا ممانعة قادته في التنظيم ,على مناشدة الحقيقة في فكره , ونقده ,وتحليله,هو صاحب مشروع فكري , ورؤية علمية , والفكر ليست مهمته التبرير و الدفاع عن سياسات الحكم كيفما كانت ؟ ومن المؤسف ان كثيرا من الماركسيين المشبوكين بروابط المصالح , مع مؤسسات الدولة , لا يمكن لهم مناشدة الحقيقة , ومؤازرة أنصارها إلا بأضعف الإيمان , ولا يمكن لهم النظر بموضوعية للأمور ,إلا ضمن أطر معينة , وهم بذلك بعيدون عن تجديد أفكارهم , وبالتالي تحليل الأمور في ضوء الواقع الجديد المتغير , فيصابون حسب تعبير لينين ( بعمى خاص سياسي) ..! كما ان أكبر جناية ترتكب بحق الماركسية هي حبسها داخل اطر حزبية ,تدار بعقلية أرثودوكسية , من حيث التشبث بنظرية الأمس كنص مقدس , وحقيقة مبرمة يقاس عليها الواقع دون أخذ الظروف المغايرة والقضايا المستجدة بالحسبان .
إن الماركسية لا تبعدنا عن الواقع كما يوحي بذلك سلوك بعض الماركسيين , وتصرفاتهم إزاء مختلف القضايا , وفي الكثير من المواقف , بل على العكس من ذلك , فالماركسية تمدنا بزاد معرفي , يساعدنا على قراءة الواقع السياسي , والاجتماعي بوعي , ومعرفة , وتناول مختلف قضاياه عن كثب , بسبل وخيارات نضالية متعددة الأوجه , تحدد في ضوء ذلك ..

فليس المطلوب من الماركسي .

أن يتفلسف في القضايا الاستراتيجية البعيدة .

وان يعادي الولايات المتحدة الأمريكية ليل نهار فحسب ثم يغض الطرف عن القضايا اليومية الملحة مثل : الفقر.

والبطالة .

والاستبداد .

و القمع .

والسجون .

و الفساد ..الخ ان مثل هذا السلوك هو ابتعاد عن الواقع الاجتماعي .

وتهرب من مقتضيات النضال الأصعب , فكثير من الشعارات الصحيحة التي رفعت ذات يوم , وكثير من المواقف التي اتخذت إزاء بعض القضايا في حقبة زمنية ما , قد تفقد قيمتها و معناها , وصدقها في سياق تاريخي آخر , فبتغير الواقع تتغير الأفكار حتما .
ما عاد (مثاليا ) و لا واقعيا ,أن نحدد سياستنا العامة كما في الماضي بما كنا نتبجح دوما بصوابيتها , وهي 🙁 موقفنا من كل حزب من كل مسؤول من كل إنسان ) ينطلق من موقفه من
( النضال ضد لإمبريالية , وخصوصا الأمريكية ) , ومدى هذا الموقف .

وجريا على هذه القاعدة , وجدنا الأصولية اليسارية, إلى جانب الأصولية الدينية , فراح من يتضامن مع نظام صدام حسين تحت ستار , معاداة أمريكا و التضامن مع الشعب العراقي ,وهذا قبل الاحتلال , ووجدنا أيضا من يثني على جرائم الزرقاوي ومن لف لفه , تحت الحجة نفسها , ويدرجها في خانة المقاومة ولم يخف أسفه وحزنه على مقتله ..
إذن , ينبغي ان نميز بين الماركسية كمنهج حي وبين التمسك بما تحجر من مفاهيم و أفكار أو الجزم بان تلك المفاهيم لا يرقى إليها الشك و الماركسية اليوم – حسب رأي أغلب المراقبين تشهد تفجرا طاقاتها النقدية, بعد تعرضها للجمود و الاحتجاز , ومن المؤمل في غضون السنوات المقبلة أن تشهد الساحة الدولية مقاربة , وتلاقيا بين واقعها السياسي ,
و الاجتماعي الضاج بالحراك و الحيوية وبين المنهج الماركسي المتطور و المتجدد والمفعم بمثل
العدالة , والمساواة و الديموقراطية , وكل مافيه خير الإنسان … أما أولئك الذين يتشرنقون في أقبية الظلام , والتحجر , فهم بحكم الموتى , وسوف يتجاوزهم الزمن ويتغمدهم بالنسيان , فالنظرية رمادية اللون لكن شجرة الحياة دائمة الاخضرار يا صديقي .

.!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…