رغم أن القمع ومصادرة الحريات لم يتوقفا يوماً في إطار احتكار الحزب الواحد للسلطة فإنهما اتخذا مؤخراً أشكالاً أكثر حدة، واتسع نطاقهما ليشملا مختلف حالات الحراك الديمقراطي والنشاط السياسي والثقافي، مما يوحي ببروز مستجدات طرأت على السياسة المنتهجة ضد أصحاب الرأي الآخر وحرية التعبير.
وفي الحالتين كان للكرد دور ونصيب وتصاعدت آمالهم
في التغيير الديمقراطي، الذي يضمن إنصافهم وإيجاد حل عادل لقضيتهم فكانت تلك الآمال هدفاً للطعن، وتواصلت عمليات القمع والتضييق على الدور الوطني الكردي، بعد أحداث آذار الدامية التي أبرزت للرأي العام وجود قضية بحاجة لحل، وشعب بحاجة لاعتراف رسمي، وحقوق لابد من تأمينها، وانتهزت السلطة أية فرصة لاستباحة المجتمع الكردي ككل من جانب السياسة الشوفينية والقوانين والمشاريع العنصرية، وتمكنت من إيهام فئات من المكونات الأخرى بما تسميه بالخطر الكردي المزعوم، مستغلة في ذلك بعض الشعارات الغريبة على الثقافة الوطنية الكردية، والبعيدة عن البرامج المقررة للحركة الكردية السورية، لتبرير مواصلة سياستها القمعية والتنكر للحق والوجود الكردي.
وتحولت تلك السياسة في المناطق الكردية إلى شواهد تبرز عجز السلطة عن إيجاد الحلول المناسبة لقضايا البلاد الأساسية، بما فيها القضية الكردية، وترجم هذا الشعور الى تحرك وطني انبثق عنه فيما بعد إعلان دمشق الذي استغلت السلطة انعقاد مجلسه الوطني للقيام بحملة اعتقالات واسعة طالت رموزه الأساسية، وتركت الأكراد منهم لجولة أخرى، بهدف زرع الشكوك وتفكيك الصفوف..
والآن ورغم عدم كفاية المبررات السابقة لإطلاق حملة أمنية طالت، في الأشهر الأخيرة، الشأن الكردي عموماً، سواءً كانت ما تتعلق باستهداف الإرادة النضالية الكردية، ومنعها من الاهتمام والمشاركة في الشأن الوطني العام، أو ما تتعلق بالتوجه الكردي العام نحو المعارضة، بسبب انسداد فرص الحوار نتيجة عجز السلطة عن القيام بالإصلاح السياسي المطلوب، فإن مستجدات أخرى تدخل على خط التصعيد الأمني، تتعلق بالتطورات الجارية، أو المنتظرة إقليمياً، وبمحاولات إعادة رسم العلاقات بين دول المنطقة، وبإجراء التعديلات على محاورها واصطفافاتها، وفق الإستراتيجية الأمريكية الجديدة.
وعلى ضوء تلك المستجدات، وما تتعلق منها بالجانب السوري، وانعكاس أو ارتباط أي تطور إقليمي على الترتيبات الداخلية، فإن العلاقات السورية شهدت تطورات ملحوظة مع أكثر من جهة إقليمية أو دولية، ومنها الحكومة العراقية التي زارها رئيس الوزراء السوري لتوقيع اتفاقات أمنية واقتصادية هامة، اعتبرت، بشهادة المراقبين نقلة نوعية سوف تكون لها انعكاسات وتبعات سياسية وأمنية، شأنها في ذلك شأن المصالحة مع السعودية، كما تستعد السلطة لاستئناف المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل، وهو ما عبر عنه مسؤولوها أثناء وبعد زيارة الرئيس التركي لدمشق..
ورغم أن طبيعة الحكومة اليمينية في إسرائيل برئاسة نتنياهو توحي بعكس ذلك، إلا أن محاولة هذه الحكومة التهرب من الاستحقاق الفلسطيني، ومن مشروع الدولتين، ومن الضغوط الدولية، والأمريكية منها بشكل خاص، إضافة إلى انتفاء دور الجولان وأهميته عسكرياً، تجعل إمكانية استئناف المفاوضات بوساطة تركية أمراً ممكناً، مما يستدعي الاستعداد لتقوية الموقع التفاوضي للطرفين.
فإذا أضفنا لما تقدم انفتاح أقنية الاتصال مع الاتحاد الأوربي، وقرار إدارة أوباما بإجراء الحوار مع سوريا بانتظار نتائج الانتخابات اللبنانية والإيرانية في حزيران الجاري، فإن تشديد القبضة الأمنية قد يأتي في سياق ما تعتبره السلطة من التحضير وتقوية المواقع في حال استئناف المفاوضات السورية الإسرائيلية، أو الحوار الأمريكي السوري، كما تأتي في إطار الاستعداد لمواجهة أية ردود أفعال داخلية يمكن أن تترتب في الحالتين.
لكنها، أي السلطة، تنسى أن أية مفاوضات او حوارات، بهذه الدرجة من الأهمية، يفترض بها أن تستمد قوتها من وحدة الصف الوطني، ومن توحيد واستثمار كل الطاقات الوطنية من خلال إطلاق الحريات الديمقراطية… وبهذه المناسبة فإن السلطة ترتكب أخطاءً مكررة إذا اعتقدت أن التشديد الأمني بحق النشطاء وأصحاب الرأي وكوادر المعارضة الوطنية، سوف يوفر لها القوة المطلوبة، كما تخطيء مرة أخرى إذا تصورت بأن حرمان مواطن كردي من جنسيته، أو إبعاد موظف عن منطقة عمله، واعتقال مهتم بتعليم اللغة الكردية، أو كادر من هذا الحزب أو ذاك، سوف يعيق نضال شعبنا ويلغي دوره وحقه كشريك وطني، بل أن من شأن هذا وذاك إنعاش الفكر الانعزالي وتعميق الشعور بالاغتراب لدى الإنسان الكردي، ودفعه نحو التطرف والسلبية، ووضع العراقيل أمام الحركة الكردية التي تناضل أطرافها من أجل توثيق الاعتراف الدستوري بالوجود الكردي كقومية، وتمكين الشعب الكردي من التمتع بحقوقه في إطار وحدة سوريا التي تعني بالنسبة للكرد وطناً دافعوا عنه وضحوا من أجله ويملؤهم الشعور بالفخر لكونهم سوريين بقدر ما هم أكراد، وأن أي تفسير آخر لهذه العلاقة ، لا تعني سوى دق الأسفين بين أبناء الوطن الواحد، وخلق الذرائع المطلوبة لتسهيل مهمة التشكيك بالولاء الوطني الكردي، واستعداء المكونات الأخرى، وبالتالي استباحة المجتمع الكردي من قبل السياسة الشوفينية..
كما تناضل هذه الحركة لإيجاد مرجعية كردية وفق برنامج موضوعي، تربط أواصر الثقة المتبادلة بين أطرافها، بعيداً عن المهاترات ونزعات التشكيك والتخوين، التي لم يستفد منها أصحابها، بل أنها تغذي مشاعر اليأس والإحباط، التي بدأت تتسرب للمجتمع الكردي الذي يرى في توحيد الصف الوطني الكردي رداً فعالاً على هذه الهجمة الشوفينية، كما يرى ضرورة التواصل مع المكونات الأخرى من خلال فعالياتها وحركتها السياسية وإطاراتها الوطنية، وفي مقدمتها إعلان دمشق للتغير الديمقراطي، الذي آن له أن يستعيد نشاطه ومبادراته، كما آن للسلطة أن تحتكم للمصلحة الوطنية التي لا تكمن في احتكار حزب واحد لقيادة الدولة والمجتمع، والشطب على الآخرين بهذه الطريقة المخالفة للتطور المنشود، ومنهم الكرد السوريون الذين ينتظرون الإنصاف، ووضع نهاية سعيدة لمعاناتهم من الظلم الذي طال كثيراً، لكي يحتلوا مكانهم اللائق بهم كشركاء بعيداً عن التهديد المزمن بالاعتقال، والتجريد من الجنسية، والحرمان من الأرض وإغلاق فرص العمل والتوظيف، وغيرها من الممارسات والتطبيقات العنصرية التي عفى عليها الزمن، والتي لم تعد تليق بسوريا التي يجب أن تكون لكل مواطنيها.
* الجريدة المركزية لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)– العدد(190) أيار– 9 200م- 2621ك