عارف رمضان*
أين أنت أيها المسافر دوماً إلى القلوب
لقـد اشـتاقت القصـائد إليـك متى تعـود
دمعتان اثنتان تجمدتا في عيوني عندما تلقيت من الوطن هذين البيتين من الشعر عبر رسالة S.M.S.
و أنا في بلاد الغربة ألمانيا ..
حيث الطبيعة الجميلة و الأشجار الكثيفة ..
و القرى و الريف في غاية الجمال و الهدوء ..
و مهما كانت القرية صغيرة فإنها لا تفتقر إلى شيء ..
كذلك الطرق معبدة و مخدمة بالكهرباء و الماء و التلفون و وسائل النقل مع توفر كل شيء و كأنك في مدينة كبيرة..
هذا رغم أن ألمانيا لا تملك سوى عدة مصانع للآليات و السيارات .
و تعتمد على الضرائب لدعم اقتصادها الوطني .
و حسب الروايات أن الكثير من الألمان يرفضون العمل في الأعمال الصعبة و الشاقة و يعمل بدلاً عنهم العمال الأجانب .
و من هم الأجانب : الأكثرية هم أتراك و يليها في المرتبة الثانية الكرد.
و من الجدير بالذكر بأن أكثر الشباب يهربون إلى الغرب لعدم قدرتهم على الزواج و المهور الغالية في الوطن فيتفاجؤون هناك بأنه من المستحيل الزواج و ال استمرار مع عادات و تقاليد غريبة ..
و حتى إذا أراد الزواج من كردية الأصل ..
الحاصلة على الإقامة و الجنسية فإن مهرها يكون أغلى بكثير من الوطن ..
و قد حضرت أحد موائد الخطبة و طلب اليد ..
فطلب والد العروس مبلغ 50،000 يورو مهراً لابنته :
ما يعادل 60،000 $ ، ما يعادل 3،000،000 ليرة سورية ، أو 55 مليون تومان، أو 90 مليون دينار عراقي ، أو 90 مليار ليرة تركية …
فالشبان في في بلاد الغربة صنفين ..
الصنف الاول يعملون في الأعمال الصعبة من الصباح و حتى المساء و يعودون منهكي القوى يكاد لا يجد الوقت الكافي للراحة ..
و لا يملكون وقتاً للمطالعة أو الرياضة أو أي نشاط آخر أو حتى زيارة بعض الأصدقاء .
سوى يوم العطلة يتفرغون فيها لترتيب و تنظيف البيت .
يشتغلون كثيراً ولكن يدفعون ثلث راتبهم ضرائب للدولة .
أما الصنف الآخر ..
الذي لم يحصل على الاقامة و ليس لديه الحق في العمل و التحرك خاج المدينة التي هو فيها و يقيم في ( الهايم ) سكن اللا جئين الجماعي .
يقبضون بعض اليوروهات كحد أدنى لمستوى العيش و منهم من يقف يومياً على باب ( الهايم ) ليستلم كرتونة مواد غذائية تكفيه ليومه فقط.
و هكذا يقبع المهاجر في غياهب الهايم على أمل الغد المشرق الذي يحصل فيه على الإقامة ليكون كغيرة رقماً متحركاً لتنظيف الشوارع أو تربية الأبقار و الخنازير أو عامل في أحد المعامل دون توقف لا يعرف طعم للراحة .
و قد يستغرق الانتظار شهوراً و سنين حالماً بالحصول على الاقامة ..
يتعلم خلالها فنون الصبر و السلوان و النوم بين الأربع جدران
و قد عرفت و تعرفت على الكثيرين ممن انتظروا لأكثر من عشر سنوات و اعدادهم كثيرة بالمئات او اكثر بالآلاف حتى وهؤلاء من جميع أنحاء كردستان و ليس في ألمانيا فقط ..
بل في كل أرجاء أوروبا….
أقول :
لو احترموا من قبل حكوماتهم في أوطانهم ..
لو نظروا إليهم كبشر ..
لو رعيت مشاعرهم كأناس ..
لو استثمرت جهودهم و طاقاتهم و قدراتهم العملية و العقلية و الفكرية … لما هاجروا . وسلكوا دروب الغربة …!
و لأعطوا أجمل و أقوى الأوطان ..
لأنه لن يكون غريباً في وطنه و بين أهله ..
و سيكون عطاؤه أكبر و يصبح بلده أجمل بكثير من البلد الذي هاجر إليه و الذي يدفع شبابه ضريبة للاغتراب ..
و يساهمون في اعمار بلدان ليست لهم .
و يدفع ضريبة أخرى للدولة التي هو فيها تصرف لمواطنيها الكسالى الذين لا يعملون إلا الأعمال الإدارية البسيطة و المتسمة بالراحة ..
و من خلال تجربتي الطويلة في الإمارات من بداية نهضتها و إلى الآن ..
و من قبل قيام الاتحاد عام 1970 ..
كان لكل عائلة إماراتية شخص يعمل في إيران أو لبنان أو العراق ليكون عوناً لأسرته ..
لكن بالوحدة المشهودة بين الإمارات السبع و وحدة القلب و الدرب بين أهلها و حكومتها هذه الدولة التي استفادت من فرص سياسية نشأت في المنطقة و خلال فترة قصيرة ..
أصبحت من أهم دول الخليج و العالم وقدمت لمواطنيها أعلى مستوى معيشة .
و أصبح الإماراتي لا يعمل إلا إدارياً ..
و انقلبت الآية و جاءت الكثير من الجنسيات الاخرى من خارج الامارات للعمل فيها و للتذكير و ليس الحصر يوجد في الإمارات أكثر من 300 جالية يشكلون 80% من مجمل سكان الدولة .
فيها 1400 كردي من أجزاء كردستان الأربع .
كلهم مقيمون .
عدا الضيوف و التجار العابرون يومياً .
و منهم 600 شخص من كردستان الغربية ( سوريا ) تؤلف 45% من الجالية
و 500 شخص من اقليم كردستان العراق تؤلف 35 % .
و 200 شخص من كردستان الشرقية ( ايران ) و تؤلف 15 % .
و 100 شخص من كردستان الشمالية ( تركيا ) و تؤلف 5 % من مجموع الجالية .
ربعهم يعملون في التجارة و لهم منشآتهم و مكاتبهم و محلاتهم التجارية و الحرفية و الصرافة و العقارات و المطاعم
و ورشات العمل الصغيرة كالميكانيك و الكهرباء و الخياطة ….
و الربع الثاني مهندسين و مدرسين لدى الدولة أو المؤسسات الوطنية الأخرى .
و النصف الآخر عمال و موظفون بسطاء حالهم ليس أحسن بكثير من حال المغتربين في أوروبا و الذي لا يعمل هنا لا يستطيع العيش و التواصل .
و للبعض بصمات كثيرة تستحق التقدير و التذكير سنتطرق إليها في حلقة قادمة ..
و طالما نحن بصدد كيفية ازدهار و تطور دبي نتذكر قول الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم باني نهضة دبي و حاكمها في كتابه ( رؤيتي ) :
” إن الثقة بالنفس أولاً و بالآخرين ثانياً تعزز المسؤولية الجماعية في أي عمل .
و يمكن ان يكون لكل عضو من أعضاء الفريق رؤيته الخاصة و طموحه الذي يدفعه إلى التفاني في عمله لكن على جميع اعضاء الفريق ان يكونوا واثقين برؤية القائد و ان يكون لهم فيها رأي ايجابي و ان يعملوا على تحقيق أهدافه .”
و كذلك قال :
” كلنا جنود في جيش التنمية و بحسب الرتب و توزيع المهام الذي نجده في الجيوش .
فرق العمل هي مغاوير التنمية ووظيفتها تنفيذ المهمات الحرجة التي تضمن تحقيق النصر في حرب التنمية .
و ما لم يتعهد القائد هذه الفرق بالتدريب و التحفيز و العناية و التشجيع ، و ما لم يكن قادراً على أن يكون على رأس هذه الفرق فلن تستطيع الفرق اقتحام المصاعب و قهرها و تحقيق الأهداف المرسومة لمهمتها .
”
و طالما نحن في صدد وجه المقارنة بين دولة هاجر شبابها للعمل و الآن أصبح الناس يهاجرون إليها ..
و اليوم نرى افتتاح معرض للوظائف للإماراتيين ..
الذي يضم الكثير من المؤسسات الحكومية الرسمية و الشبه رسمية و حتى الخاصة لتروج و تعلن عن وظائف لمواطنيها ..
فهاهي ( دوبال ) شركة ألمنيوم دبي تعلن عن انجاز أكثر من 60% من خطتها التوظيفية للعام 2006 في ظل تعيين مواطنين إماراتيين للاعتماد عليهم .
و كذلك ( مؤسسة الإمارات الخاصة للبترول ) تنضم للمعرض لعرض وظائف في إطار السعي المستمر لدعم جهود التوطين و تعزيز كوادرها الوطنية و تنمية معدلات التوطين في جميع القطاعات .
و ( موانئ دبي العالمية ) تعلن أن المواطنين يشكلون نسبة 75% من إجمالي العاملين فيها و أن إدارة الموارد البشرية وضعت برنامجاً طموحاً لتدريب عدد كبير من موظفيها ضمن برامج تخصصية متطورة خارج الإمارات في بريطانيا و السويد و بلدان أخرى ….
عندما سئل الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي عن ماهو أصعب شيء واجهه خلال عملية التنمية على مدى العشرين سنة الماضية ، أجاب :
” إبلاغ المعلومة إلى المعنيين بعملية التنمية لكي يفهموا بالضبط ما الذي أريده .
إنه التأكد من أن العاملين معي يعرفون ما هي رؤيتي بالتحديد و ما الذي أريده من كل واحد منهم القيام به لتحقيق أهدافها و التعرف جيداً على طريقها و وضوح كل مرحلة من مراحل الطريق في أذهانهم لكي لا نحيد عن الرؤية و نضل الطريق إلى أهدافها .”
و حتى يتحقق مراد الجميع لتطوير كردستان.
و حتى تتحقق أمنية السيد مسعود البارازاني لتكون كردستان نموذجاً من دبي ..
يجب أن نوجه النداء التالي مع التمني لكل من :
1- على كل تجار كردستان التوجه إلى الاعمار و التصنيع .
2- يتطلب من اتحاد رجال أعمال كردستان القيام بالندوات المكثفة للتجار الوطنيين لتوحيد الجهود و البحث عن بدائل الاستيراد المميت و المدمر لاقتصاد الوطن و خاصة البضائع التقليدية التي تهلك السوق و السيولة لدى المستهلك و بالتالي لدى الحكومة و تذهب سدى بعد استعمال مرة أو مرتين .
و قد أصبح في العراق عامة و إقليم كردستان خاصة كميات من مخلفات و قمامة الألكترونيات و الكهربائيات
تتراكم يوماً بعد يوم ..
علماً أن المواد الأولية لتلك المواد تشترى من عندنا ( مواد صناعية ) بسعر زهيد و
( طاقة بشرية ) بسعر زهيد أيضاً ..
ثم تعاد و تباع لنا بأسعار باهظة تكلف الكثير على الاقتصاد .
3- على المنظمات الإنسانية و الحزبية و الشبابية العمل وفق برنامج توعية مجدية و اغراءات جدية للعمل على عودة هؤلاء الشباب لاستثمار طاقاتهم محلياً .
4- و أخيراً و ليس آخراً دور الحكومة الموقرة للوقوف على هذا الموضوع و بالتعاون مع وزارة الاعلام المحلي و الدولي لايجاد سبل لوقف الهجرة و اعادة السواعد التي هي الركيزة الأساسية للنمو و الازدهار و المستقبل المنشود الى الوطن .
و تشجيع سياسات و خطط تطوير و توظيف المواطنين في الإقليم و توفير الفرص في كافة قطاعات العمل العامة و الخاصة في ضوء الاهتمام بالقطاعات الحيوية و الاقتصادية في الإقليم .
و لكل هؤلاء نقول :
أين أنت أيها المسافر دوماً إلى القلوب
لقـد اشـــتاق الـوطـن إليـك متى تعـود………
————–
* ممثل رجال أعمال إقليم كردستان في دبي
تلفون : 00971506258489 فاكس : 0097142249286
Tel : 00971 50 6258489 Fax : 00971 4 2249286
ص.
ب.
: 171171 دبي – الإمارات العربية المتحدة P.
O.
Box : 172171 DUBAI – UAE
Website – www.semakurd.net
سماكرد 20/7/2006