الأولوية لمواجهة الاستبداد

صلاح بدرالدين
 
     في بداية ثمانينات القرن المنصرم وبسبب الأزمات السياسية المتفاقمة في تركيا وتصاعد وتيرة القمع والارهاب من جانب الأوساط العسكرية الانقلابية تجاه الحركة الديموقراطية واليسارية في تركيا عموما والكردية على وجه الخصوص توجه العديد من ناشطيها الحزبيين الى الساحة اللبنانية التي شكلت موئلا وملاذا آمنا لممثلي وقادة مختلف المنظمات والتيارات السياسية المعارضة في بلدانها بمنطقة الشرق الأوسط حيث نالت دعم واسناد وحماية الديموقراطيين اللبنانيين وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية وبحكم تواجدنا الأسبق في الساحة وعضوية منظمة لبنان لحزبنا آنذاك (حزب الاتحاد الشعبي الكردي) في جميع مؤسسات الحركة الوطنية اللبنانية بقيادة الشهيد كمال جنبلاط وكان المناضل المعتقل الآن في دمشق مصطفى جمعة عضوا في مجلسها المركزي اضافة الى علاقاتنا المميزة مع اللبنانيين والفلسطينيين كنا مهيئين لممارسة واجبنا القومي النضالي الطبيعي في استقبال واحتضان أشقائنا من الحركة التحررية القومية الكردية القادمين من مختلف الأجزاء والمناطق وتأمين حياة آمنة لهم ولعوائلهم وتهيئة الشروط لمن يريد منهم بالانخراط في دورات تدريبية مختلفة الأوجه والاستزادة من خبرة الساحة اللبنانية بشقيها اللبناني والفلسطيني
وكان أربعة من قيادة احدى تلك المجموعات الحزبية الكردية – التركية – متواجدين في مكتبنا وعلى خلاف مع سكرتير حزبهم العام والذي اعتقل وكان نزيل سجن دياربكر السيء الصيت ذي القوانين القاسية الصارمة والممارسات المنافية لكل أشكال الحقوق الانسانية والمفارقة المضحكة وكما تفاجأنا فان سبب الخلاف هو أن مرافعة السكرتير السجين تتضمن توصيف النظام التركي بالدكتاتوري العسكري وأن الأربعة يرون أنه نظام فاشي وفي صبيحة أحد الأيام وأنا جالس في مكتبي ببيروت سمعت ضجيجا ينبعث من فوق سطح البناية التي كنا نقطنها وبعد الاستفسار علمت أن – القادة الأربعة – يقيمون حفلة دبكة بمناسبة طردهم للسكرتير العام السجين لدى – الفاشية ! – ( وبالمناسبة قضى – المطرود – في السجن خمسة أعوام وخرج بقلب منهك حيث أجريت له عدة عمليات ) وفي الحال استدعيت الأشقاء الأربعة من ضيوفنا وأبديت لهم امتعاضنا لسلوكهم وكان الأولى بهم الدفاع عن سكرتيرهم المعتقل ظلما من جانب مضطهدي الشعب الكردي ورفع قضيته لدى الرأي العام الكردي والتركي ولدى المحافل الدولية والاقليمية لا التشهير به وهو قيد الاعتقال لأسباب تافهة وحتى ان وجدت أسباب خلافية جوهرية فلتكن اثارتها عبر المؤسسات التنظيمية وفي أجواء اعتيادية بعد استعادة حريته .
   بعد مضي أكثر من ثلاثة عقود من هذه الواقعة أردت استذكارها من جديد بمناسبة اثارة البعض لشكوك محتملة حول بعض المعتقلين والسجناء السياسيين الكرد السوريين ومحاولة الطعن بمصداقيتهم النضالية وفي هذا السياق وبهدف اغناء الموضوع وتقويم ما أراه خروجا عن المسارلابد من التوقف والتأكيد على المسلمات التالية :
  1 – من حيث المبدأ فان كل المعتقلين والسجناء السياسيين من حركة المعارضة الوطنية من العرب والكرد لدى دوائر الأجهزة الأمنية وفي أقبية التحقيق أو في سجون سلطة الاستبداد بأوامر عرفية أو قرارات المحاكم العسكرية من محكومين وموقوفين يحظون في نفوس الشعب السوري بالحصانة الوطنية النضالية وبالاحترام والتقدير والمحبة لأنهم ضمير حركة التغيير الديموقراطي وأصواتها ودعاة العدالة والمساواة وأن أي مساس بهم في ظل مصادرة حريتهم وأي تشكيك بصدقيتهم هو تجاوز للخط الأحمر .
  2 – وما يتعلق بالسجناء والمعتقلين السياسيين الكرد جميعا ومن كل التيارات والمجموعات دون استثناء وأخص بالذكر المناضلين – مصطفى جمعة ومشعل التمو –  فان التعامل معهم من جانب محبيهم أو ناقديهم يجب أن يكون بمنأى عن دوافع عاطفية بحتة أو انتقامية بل وبالضرورة يجب أن ينحصر في اطار أولا : مضمون التهم الموجهة اليهم من أجهزة ومحاكم سلطة الاستبداد وثانيا : من نصوص أجوبتهم ومرافعاتهم وليس بتشخيص احتمالات وتوقعات ما في نفوسهم أو نفوس رجال أجهزة السلطة المعنيين بالملف الكردي واعتبارا من اللحظة الأولى بعد الخروج من السجن فان المتعارف عليه أن يقوم المعني بابلاغ مرجعيته التنظيمية تفاصيل ما حصل معه وبما أن – الكردايتي – شأن عام فمن حق أي وطني في اطار الحركة الكردية حينذاك طلب التوضيحات وطرح التساؤلات حتى لو كانت محرجة للكشف عن الملابسات والتوصل الى الحقيقة .
  3 – عندما تقدم سلطة المنظومة الأمنية الحاكمة على اعتقال وسجن وتجريم أي مناضل سياسي فانها تقوم بحجز حريته والبحث عن حجج وذرائع للحكم عليه وتشويه سلوكه الوطني حسب مفهومها وبناء على حيثيات الأحكام الصادرة التي تدينه بسبب ” اضعاف الشعور الوطني وتهديد الأمن القومي ووحدة البلاد الخ …” وازاء ذلك فان أي صوت آخر يشكك في صدقية أي معتقل سياسي وهو وراء القضبان وفي نزاهته الوطنية وأيا كان هدفه ومبتغاه ومهما كانت نواياه سيصب مباشرة أو غير مباشر لصالح مواقف وتكتيكات السلطة المستبدة وفي حادث ذي صلة بمسألة السجناء السياسيين المعارضين ماتم نشره في وسائل الاعلام قيام السجين الجنائي بتهم القتل والسرقة ونهب المال العام المدعو – عقيل عاشور – قبل حوالي الاسبوع بتقديم وشاية كاذبة ضد المعتقل السياسي المناضل – الدكتور وليد البني – أدت الى اعادة محاكمته للنيل منه مجددا .
  4 – كل ذلك لايمنع أحدا من ممارسة حقه في النقد البناء وكذلك النقد الذاتي ان كان على صعيد التصدي لظاهرة الصلات السرية التي باتت مكشوفة منذ عقود من جانب بعض المجموعات الحزبية الكردية بأوساط الأجهزة الأمنية وآثارها المدمرة على القضية الكردية وهي بحد ذاتها نهج سياسي عقيم وليست مسألة شخصية وفي ذات السياق بحث وفضح خطط أجهزة السلطة الهادفة الى شق الصف الوطني الكردي واثارة الفتن والبلبلة في صفوفه أوفي مجال اعادة بناء الحركة القومية السياسية التي نشعر جميعا بأن ماهو قائم الآن ( تنظيمات وادارة وسلوكا وسياسات وبرامج ) ليس عاجزا فحسب بل من شأن استمراريته الحاق الأذى بالقضيتين القومية والوطنية وفي الحالة هذه من المفيد مناقشة الأفكار والسياسات ومشاريع البدائل وليس التشهير بالأفراد عبر التخوين واطلاق العنان لغريزة الانتقام الشخصي مع التنويه بأن البحث عن بدائل أفضل للحركة السياسية الكردية من جانب المثقفين وسائر الوطنيين لتنشيط وتفعيل النضال الكردي يناقض بصورة جذرية مخططات السلطة في تشويه سمعة الحركة الكردية بل التخلص من الكرد اذا استطاعت الى ذلك سبيلا .

 
  5 – كل مثقف وسياسي في اطار الحركة القومية الكردية من واجبه الأولي اذا كان يبحث عن سبل تغيير وتجديد وتطوير الحركة أن يبدأ ذاتيا كمدخل صحيح أي أن يقوم بنقد تجربته الحزبية والعملية والفكرية سلبا وايجابا حتى لو كانت يوما واحدا ويستخلص منها العبر والدروس ويعلنها على رؤوس الأشهاد ثم ينتقل بعد ذلك الى التصدي لتجارب الآخرين في مسار الحوار الديموقراطي واحترام الآخر المقابل وليس عبر الأحكام المسبقة وقلب الحقائق أما من هم خارج الاطار وعلى مسافة بعيدة من الفعل السياسي النضالي الخلاق والابداع الثقافي ويمتهنون ثقافة الشتيمة والنميمة والاثارة المجبولة في سلوكياتهم تعود جذورها الى المنشأ التربوي فلايستحقون عناء الرد والتحاور معهم غير مجد , أما من يحتاج في لحظة ما لأسبابه الخاصة الى  – فش خلق – فليطلقها صوب سلطة الاستبداد  وليس باتجاه نقيضها .
  المخاطر تزداد من حولنا والتحديات تتوالى والنظام الشوفيني الحاكم يمضي قدما في مخططات التغيير الديموغرافي للمناطق الكردية وسجن وملاحقة الوطنيين والناشطين واثارة مشاعر الاحباط عبر الاستهانة بكل تاريخ حركتنا وتخوين كل من يقول في وجه السلطة لا مقابل ذلك فان المهام القومية والوطنية والحركية التنظيمية تتعاظم وآن الأوان للبدء بمرحلة جديدة من البناء والتصالح مع الذات والمحيط للوصول الى حركة سياسية كردية عصرية متجددة موحدة حسب برنامج نضالي يستند الى دروس تجربة عقود من الكفاح والمعاناة ويتطلع الى المستقبل بكل انفتاح .

  كلمة أخيرة لادارات ومشرفي المواقع الألكترونية الكردية والعربية الذين يبذلون جهودا مشكورة في خدمة الثقافة والقضايا الوطنية والجادين في أداء رسالتهم بمضاعفة الحيطة الذاتية والالتزام بشروط الاعلام الرصين المفيد المعطاء وتنفيذ شعارات مواقعهم بعدم نشر التهم الملفقة ضد الأشخاص وكل ما يسيء الى خصوصيات الأفراد والتحقق من محتويات المواد وهويات مرسليها الحقيقية وحجب ما هو ضار ومضلل وبذلك ستقدم خدمة كبرى للتعامل الشفاف وثقافة الحوار الديموقراطي والنقد البناء .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…