في الآونة الأخيرة، كثرت المراسيم والقرارات والتعاميم التي تنبعث منها رائحة التمييز العنصري، حيث كان آخرها التعميم رقم 1827/4ص ج تاريخ 15/4/2009م الصادر عن مدير التربية بالحسكة.
إن كلمة بعض في جملة (بعض المعلمين والمدرسين..) تشير بأصابع الاتهام إلى فئة محددة بعينها من المعلمين والمدرّسين في المحافظة، وهم الذين لا ينتمون إلى القومية العربية، أي هم من الأكراد والآشوريون والسريان والأرمن..
وهذا يخفي وراءه تهديداً وإرهاباً واضحاً لا يجوز توجيهه بشكل من الأشكال إلى مواطن يجمعني وإياه حبُّ هذا الوطن والدفاع عن ترابه.
أما المقولة الأخرى التي تدعو إلى (الاعتزاز بها في نفوس ناشئتنا وطلبتنا…) فهي تدعو بشكل سافر إلى الاستعلاء والتكابر القومييْن، وتشبه إلى حد بعيد بمقولة أتاتورك القائلة(كم أنا سعيد لأنني تركي)!!.
أما ( وتحاشي تلويث أسماع التلاميذ بكلمات دخيلة من اللغات الأخرى أو العاميات..)!! فهذه شتيمة بحق اللغات الأخرى واستخفاف بقيم اللغات ومعاني الشعوب التي يجب أن تكون موضع احترام الجميع، وكان ينبغي الابتعاد عن استعمال هذه الألفاظ البذيئة التي تسمو عليها اللغة العربية والأخلاق العربية الأصيلة المعروفة بإنسانيتها.
وإن هذا الأسلوب في التعاطي مع شأن اللغات والشعوب والتاريخ، لا تجلب سوى المزيد من الفرقة والانقسام والإساءة للوحدة الوطنية الحقة التي تحتاجها بلادنا في هذه الظروف تحديداً.
ختاماً، لكل شعب ولكل أمة على متن كوكبنا هذا لغة وتاريخ خاص به هي نتاج تجارب وحياة آلاف السنين مع الطبيعة، ومن حق كل شعب أن يعتزّ بانتمائه القومي وبلغته وثقافته وتاريخه وفولكلوره القومي وأصالته، ومثلما لغتك أنتَ عزيزة عليك، فلغات الشعوب كلها عزيزة على قلوب أبنائها، ومن الظلم والإجحاف التعدي عليها ونعتها بأوصاف لا تليق بها.
فعندما تنظر إلى قوميتك وكأنها القومية المختارة والنقية الوحيدة في هذه الدنيا دون سواها، وتأتي بقية القوميات دونها، فاعلمْ أنك عنصريٌ كائناً من تكون وتسيء إلى بني قومك قبل الإساءة إلى الآخرين، ثم تسيء إلى الإنسانية جمعاء.
وإنني أرى بأن السيد مدير التربية بالحسكة ومن أوعزَ إليه بكتابة هذا التعميم، لا يساهمون البتة في تجميل صورة اللغة العربية الجميلة أصلاً، أو المساهمة في رفع شأنها، والتي لا تحتاج إلى مثل هذه التعاميم، بقدر ما يسيؤون إليها وإلى مكانتها، بل كان الأجدر بهم أن يعملوا على استصدار تعميم أو مرسوم غير هذا، يقضي باعتبار اللغة الكردية واللغة السريانية والآشورية والأرمنية الجميلة وتراث هذه القوميات جزءاً من التراث الوطني السوري، وتقديم التسهيلات لتطوير هذه اللغات التي تعاني اليوم من القمع والحرمان، وبذلك، سوف تقف هذه اللغات الشرقية الحية إلى جانب شقيقتها اللغة العربية في تزيين اللوحة الوطنية وزيادتها رونقاً و سحراً وجمالاً!!.
والدعوة إلى التعايش المشترك بين الجميع وتعميم ثقافة العصر، ثقافة حقوق الإنسان وقيم التسامح والمحبة بين الشعوب، وردم الهوة التي خلفتها السياسات التمييزية الضارة بحق الوطن ومكوناته.
—————
* كاتب كردي من سوريا
**********************
فيما يلي أدناه النص الحرفي للتعميم المذكور:
الجمهورية العربية السورية
وزارة التربية
مديرية التربية بالحسكة
الرقم:1827/4ص ج
التاريخ: 15/4/2009م
تعميم
من خلال الاطلاع على تقارير الجولات التربوية والتوجيهية الواردة من السادة الموجهين الاختصاصيين والتربويين ومن عدد من مديري المدارس، لوحظَ أن بعض المعلمين والمدرّسين والإداريين يجهل أو يتجاهل دوره في تعزيز حب اللغة العربية وترسيخ الاعتزاز بها في نفوس ناشئتنا وطلبتنا وإثرائها والحفاظ على سلامتها ونقائها وعدم المساس بهيبتها وسمعتها بإعطاء النموذج والقدوة للمتعلمين باستعمالها دون غيرها من اللغات داخل البناء المدرسي سواء في أثناء الحصص الدرسية أو خارجها، والالتزام بالعربية السليمة المبسطة حديثاً ومشافهة ومحاورة، وتحاشي تلويث أسماع التلاميذ بكلمات دخيلة من اللغات الأخرى أو العاميات.
إن المعلمين والمعلمات الذين لا يؤدون واجبهم في هذا المجال، يثبتون عجزهم الوظيفي عن أداء مهمتهم النبيلة ويحققون مقولة(فاقد الشيء لا يعطيه).
وباعتبار أن اللغة العربية في التعليم العام قضية استراتيجية تمسّ الأمن الثقافي والحضاري والقومي للأمة العربية تتطلب يقظة وحركة ونشاطاً وعملاً وجدية وفعالية واستنفاراً للطاقات الحية وحشداً للجهود المخلصة الغيورة لاعتبارها قضية وجود وقاعدة كيان والدفاع عنها من صميم الدفاع عن مقومات الشخصية العربية والذود عن مكوناتها…وتمشياً مع العديد من القرارات والتعاميم والبلاغات الوزارية الصادرة بهذا الشأن فإننا نؤكد على الزملاء العاملين في مراحل التعليم جميعها الحرص على رفع مقدرتهم اللغوية وتحمل مسؤوليتهم العلمية والتربوية والقانونية وتطبيق القوانين والأنظمة النافذة بهذا الخصوص تحت طائلة المساءلة حتى يكونوا عند حسن ظنّ المجتمع وأولياء الأمور بهم، وعدم الاستهتار بهذه المهمة السامية التي ندبوا أنفسهم لها، والمشاركة الفعالة والجادة في قيادة وتوجيه الأنشطة اللغوية غير الصفية المنطوقة والمسموعة والمكتوبة والمقروءة في الصحافة المدرسية والإذاعة المدرسية والمسرح المدرسي والمكتبة المدرسية.
وحتى يظل العاملون في قطاع التعليم والتربية حملة شعلة الثقافة العربية ورافعي راية الدفاع عن العربية والتمكين لها والارتقاء بها ملتزمين جميعاً باستعمالها في العملية التعليمية وإشاعتها في الوسط المدرسي وأن يتابع ذلك من قبل السادة الموجهين الاختصاصيين والتربويين والمديرين في الزيارات واللوائح التوجيهية والتقويمية وتشجيع المتعلمين كافة على استخدام العربية السليمة في مناشطهم ودروسهم وتجنب مخاطبتهم بالعامية امتثالاً لما ورد على لسان السيد رئيس الجمهورية الدكتور بشار الأسد في خطاب القسم من قوله:(يجب إيلاء اللغة العربية التي ترتبط بتاريخنا وثقافتنا وهويتنا على اهتمامنا ورعايتنا كي تعيش معنا في مناهجنا وإعلامنا كائناً حياً ينمو ويتطور ويزدهر وتكون في المكانة التي تستحقها جوهراً لانتمائنا القومي).
آملين من زملائنا الالتزام بمضمونه
(يتلى في مجلس المدرسين والمعلمين ويوقع عليه)
مدير التربية
منير بشير عبدالعال
صورة إلى:
· وزارة التربية-لجنة تمكين اللغة العربية- يرجى الاطلاع
· السيد محافظ الحسكة-رئيس لجنة التمكين للغة العربية- يرجى الاطلاع
· قيادة فرع الحزب-مكتبي التربية والإعداد الحزبي- يرجى الاطلاع
· الزميل رئيس المكتب الفرعي لنقابة المعلمين- يرجى الاطلاع
· مدير التربية المساعد لشؤون التعليم الثانوي-الأساسي-المهني