( تسويق الصور النمطية عن الكرد من جديد )

علي الجزيري

 

قيل : في البدء كانت الكلمة ، لأن الكلمة ليست تعبيراً جمالياً فحسب ، بل انها ضرورة فطرية للتعبير عن انسانية الانسان قبل كل شيء ، على عكس الصمت ، الذي هو اما علة مرضية أو نتيجة قسرية للقمع والاستبداد .

لذا ، يروى أنه حين أسر الشاعر الجاهلي ( عبد يغوث الحارثي ) ، لم يجد آسروه سجناً أفضل من ربط لسانه .
فالحكاية السالفة الذكر ، تنطوي على دلالات توحي الى واقع شعبنا الكردي المقهور ، والذي فرض عليه الصمت ، بعد ان جرد من أبسط الوسائل التي يمكن له من خلالها دحض ترهات ما أنزل الله بها من سلطان ، من لدن أمثال : ( عبد الغفار نصر ) ، طالما ان مؤسسة رسمية ترعى أمثاله وتتولى الترويج بشكل ممنهج لخزعبلاته  المنبثقة عن ( ثقافة الجهل والمداهنة ) ، التي خلقت لدى أمثاله (الأنا ) المتورمة ،  والتي تستوجب الغاء الآخر واقصائه وتبخيسه وتقزيمه ما دام يمتلك الحقيقة المطلقة ، ثم التعالي عليه بأي ثمن من جهة ، أو تسويق الصور النمطية ضد الكرد ، بغية تسطيح تضاريس الواقع وأرخنته وفقاً لأيديولوجيته المهترئة  وخطابه المجتر من براثن السياسة المنتهجة من جهة أخرى .
فللجهل والمداهنة ثقافتهما ، وقد يبدو للوهلة الأولى أن ثمة تناقض يكتنف هذا القول ، كون الثقافة  نقيض الجهل ، الا انه تناقض زائف ، اذا اعتبرنا أن ثمة ثقافة تقف وراء كل سلوك جاهل أو مداهن ، على حد وصف الاستاذ ( عطية مسوح ) والذي يضيف قائلاً : ( وثمة من يروجها على نطاق واسع ، اما لأنه مقتنع بها حقاً ، أو لأنه يجد فيها سياجاً لمصلحه ونفوذه ).
ومن تلك الصور النمطية المألوفة ، والتي اعتدنا على سماعها من حين لآخر من لدن ثلة من ادعياء الثقافة ، ممن تشكل ثقافتهم اعادة انتاج للثقافة السلطوية المشوهة لصورة الكرد ، تلك التي أوردها المذكور في مقالة له نشرها مؤخراً في العدد /1015/ من صحيفة ( الاسبوع الأدبي ) ، والتي يصدرها اتحاد الكتاب العرب من دمشق ، تحت عنوان : ( الأكراد في المجتمع العربي ) ، ويزعم فيها أن الكرد ( يتهمون ) بالتعاون مع فرنسا ضد الحركة الوطنية ، ابان مرحلة الانتداب الفرنسي على سوريا (1920 ـ 1946 )م .
والمتمعن في تلك الصورة النمطية ، والتي استمدها الكاتب من (معاجم ثقافة التخوين ) ، الدارجة هذه الأيام ، بغية النيل من سمعة الكرد في سوريا أو التقليل من شأنهم على أقل تقدير ، والمرتكزة بدورها على نظرية المؤامرة التي تحاك باحكام ، سيدرك غاية الأرب في سوبر ستار المدعو عبد الغفار ، الذي يجهد قدر المستطاع  لاستعداء العرب على الكرد .
وكان بوسع المذكور ـ لو لم تكن نيته مبيتة ـ العودة الى المراجع التاريخية عن تلك الفترة الزمنية ، وهي في متناول اليد ، قبل أن يقدم على حكم متعسف من هذا القبيل ، مثل : ( تاريخ الثورات السورية في عهد الانتداب الفرنسي ) ، لأدهم آل جندي 1960م ، كي يتأمل ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ سيرة المجاهد الكردي (محو ) ، الذي أطلق الرصاصة الأولى ضد جيوش الاحتلال أو يتصفح ( حيونة الانسان) لطيب الذكر( ممدوح عدوان ) ، والذي يقول فيه بالنص : ( ولنتذكر أن الجيش الفرنسي الذي كان يحتل سوريا مثلاً ، كان يحتوي على عدد كبير من السنغاليين والجنود المغاربة ، وهم أبناء الشمال الافريقي العربي ) ! .
فلمصلحة من تذر الرماد في العيون ؟ ولمصلحة من تغيب الحقائق ؟ .
أجل ، فللجهل والمداهنة ثقافتهما التي ترسخت لدى الكثيرين من المثقفين والسياسيين العرب ازاء أخوتهم الكرد ، والا كيف يمكن لنا أن نفسر ما يقوله الكاتب ذاته من أن الكرد قد تنكروا ( لهويتهم العربية ) ؟ ! ….

ثم أليست ثقافة الجهل هي عين الثقافة التي لاتقر بالاختلاف ولا تعطي المختلف حقوقاً مساوية لحقوق الذات على حد قول عطية مسوح ؟ .
ciziri@gmail.com
21-7-2006

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…