التقـرير السياسـي الشهري لحزب الوحدة (يكيتي)

يجمع المراقبون على أن  الإدارة الأمريكية الجديدة، التي تولّت مهامها منذ حوالي أربعة أشهر وسط أزمة مالية غير مسبوقة، تعاني من صعوبات في القيام بمساعي جدّية من أجل تنفيذ ما وعدت به من تناول الملفات المتعلقة بالأزمات السياسية في أنحاء متفرقة من العالم ، والتي تزامنت مع انكماش النظام المالي العالمي إلى أدنى درجة .
ومن بين التحديات التي تواجه إدارة أوباما، الحوار الاستراتيجي مع الصين، وخاصة ما يتعلق بالعجز التجاري الأمريكي معها، بسبب فائض الصادرات الصينية، وبدورها في إمكانية إنجاح المفاوضات مع كوريا الشمالية حول برنامجها النووي، ومطالبة الصين  بعملة جديدة للاحتياط الدولي لتحل محل الدولار.

وبالنسبة لروسيا التي لم تعد، حسب تصور هذه الإدارة، بلداً معادياً للولايات المتحدة، وخاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تبرز عجزها عن توفير ما تكفي من الموارد لخوض حرب باردة جديدة، لكن لها تأثير كبير على دول آسيا الوسطى التي ترى فيها إدارة أوباما ممراً بديلاً لباكستان لتزويد قوات التحالف الغربي في أفغانستان بما تلزمها من مؤن وعتاد ودعم لوجستي، فإن هذه الإدارة يبدو أنها تفضّل التريث لانضمام كل من أوكرانيا وآذربايجان لحلف الأطلسي، وذلك لتطمين الجانب الروسي، كما أنها تسعى لإشراك روسيا في مشروع الدرع الصاروخي في كل من بولندا وتشيكيا، أو تأجيله مقابل موافقة موسكو على تشديد العقوبات ضد إيران بهدف إلزامها بالرضوخ لمبادرة 5+1 المؤلفة من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن +ألمانيا، أو القبول بمبادرة بوتين التي طرحها عام 2006 والداعية الى إنشاء مركز دولي لتخصيب اليورانيوم وإنتاج الوقود النووي .
وبالإضافة لما تقدم، فإن الإدارة الأمريكية تتطلع للتعاون مع روسيا في حل بعض المشكلات الدولية في أفغانستان والعراق، خاصة ما تتعلق منها بمواجهة المشاكل التي يمكن أن تنجم من الفراغ الذي سيتسبّب به إنسحاب القوات الأمريكية العاملة في العراق من تزايد نزعة المغامرة لدى حكام إيران الذين ينتهزون كل فرصة لتحريض البعض بغية توسيع نفوذهم عن طريق بعض القوى والتنظيمات ، مثلما يجري في لبنان الذي تحوّل حزب الله فيه من حزب مقاوم لإسرائيل إلى حزب يجهد لفرض أجندة معينة على الدولة ، وكذلك على الساحة الفلسطينية التي فرضت فيها حركة حماس نفوذها على قطاع غزة بالقوة، وقسمت بذلك الصف الفلسطيني، وأيضاً في مصر التي افتضح فيها أمر خلية تابعة لحزب الله تعمل في الخفاء.

مما يبدو أن نظام طهران يبعث برسائل إلى الإدارة الأمريكية تطالبها بصفقة ما لتوزيع مناطق النفوذ في الشرق الأوسط ، وخاصة في الخليج، لكن مثل هذه الصفقة قد تكون أكبر من قدرة أوباما، وتعترضها عوائق جمة أبرزها الموقف الإسرائيلي ، الذي لا يقبل بأقل من ضمان منع إيران من عسكرة برنامجها النووي، خاصة بعد أن تمكّن اليمين الإسرائيلي بمختلف تلاوينه من تشكيل حكومته ، مما أضاف للصراع العربي الإسرائيلي تعقيدات جديدة، وتسبّب في إصباغ الجهود الأمريكية بالفتور والإبطاء، وذلك بسبب رفض حكومة نتنياهو لمشروع حلّ الدولتين وإصرارها على يهودية الدولة الإسرائيلية ، وعدم قدرة أوباما على تحمل الفشل في مطلع ولايته، وبروز تحدّيات جديدة ومنها التحديات الأمنية في العراق وأفغانستان، إضافة إلى بروز تطورات أخرى، خلال وبعد القمة العربية في الدوحة، التي كادت أن تسحب المبادرة العربية للسلام، متناسية بأن الحكومة اليمينية الإسرائيلية المتطرفة تبحث عن ذريعة للتنصل من القرارات الدولية بهذا الشأن، مستغلة الانقسام الفلسطيني الذي لا يزال بحاجة لحوار ترعاه مصر يدور حول عدة محاور منها: ملف منظمة التحرير وحكومة الوحدة الوطنية والانتخابات البرلمانية والرئاسية.


من جهة أخرى يبدو أن الإدارة الأمريكية الجديدة متجهة صوب إعطاء تركيا مكانة خاصة بسبب دورها الميداني في أفغانستان، وكذلك كونها قد تشكل ممراً آمناً لانسحاب العسكر الأمريكي من العراق، إضافة إلى إمكانية الاعتماد عليها كقوة إستراتيجية وعسكرية للحد من النفوذ الإيراني المتشعب، وقدرتها على الإسهام في تفكيك بعض عقد الشرق الأوسط، ومنها المفاوضات السورية الإسرائيلية التي حققت تقدماً مهماً قبل توقفها بسبب الحرب على غزة… ونظراً لما يوصف به الحزب الحاكم في تركيا بالإسلام المعتدل، فإنه قد يكون الصيغة الأصلح لبلد مسلم  يساعد على وقف صعود التيارات الدينية المتطرفة فيه، والتي تشكل بيئة مناسبة للإرهاب..

وكان من بين القضايا التي حظيت باهتمام أوباما أثناء زيارته إلى تركيا الموضوع الكردي حيث استقبل السيد أحمد ترك رئيس حزب المجتمع الديمقراطي DTP ، وأشار إلى هذا الموضوع في خطابه أمام البرلمان التركي.

وجاءت الانتخابات البلدية بنتائجها المشجّعة التي توّجت بحصول الحزب المذكور على رئاسة 98 بلدية، لتزيد من فرص وإمكانيات الحوار للبحث عن حلول مناسبة للقضية الكردية، قد تساهم فيها حكومة إقليم كردستان العراق، بهذا الشكل أو ذاك ، ويحظى هذا التوجه بالقبول لدى الجانب الأمريكي الذي يدعو حكومة الإقليم للتفاهم مع حكومة أنقرة في إطار العمل على تفرّغها للمهام الإقليمية وفقاً للإستراتيجية الأمريكية،  ، ترافقاً مع مضاعفة الجهود على صعيد إقناع حزب العمال الكردستاني بالتخلي عن السلاح طوعاً، مقابل التعامل مع ممثلي الشعب الكردي، ومنهم DTP ، كشريك في إيجاد حل سلمي للقضية الكردية، مثلما يضغط باتجاه حل المشاكل العالقة مع الحكومة المركزية في بغداد، التي دخلت علاقاتها مع الحكومة السورية مرحلة جديدة بعد الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الوزراء السوري الدكتور ناجي العطري إلى بغداد، والتي أسفرت عن تغيير كبير في العلاقات بين البلدين باتجاه التعاون الوثيق في كافة المجالات ، ومنها إعادة تأهيل أنبوب نفط كركوك- بانياس، وتفعيل الاتفاق الأمني الموقّع قبل عامين، وذلك بالتزامن مع إجراء المناورات العسكرية السورية التركية  التي تأتي في إطار تعزيز التحالف بين البلدين.
وفي الداخل السوري، فإن ما أصاب العلاقات الإقليمية من تبدّلات شملت تحسّن العلاقات السورية العراقية والمصالحة مع السعودية، والاستعداد الأوربي – الأمريكي للانفتاح على دمشق ، كان من المفترض أن ينعكس على الترتيبات الداخلية، وتترجم على شكل نوع من انفراج ديمقراطي ما، لكن ما يجري على الأرض يؤكّد العكس، فالبلاد بشكل عام تشهد تشدداً أمنياً يتجلى بقرارات النقل التعسفي والفصل واعتقالات كيفية واستدعاءات شبه دائمة واستجوابات تطال مختلف أوساط المهتمين بالشأن العام وخصوصاً نشطاء المجتمع المدني وأصحاب الرأي والمدافعين عن حقوق الإنسان وكرامة المواطن.
وفي الوسط الكردي، تتخذ هذه الحملة طابعاً خاصاً أكثر بروزاً، فبالإضافة لكوادر الحركة الكردية الذين يحاكمون بتهم باطلة وينتظرون أحكاماً مسبقة ، فإن المجتمع الكردي، بكل مافيه، يعامل بسلبية واضحة من حيث التهميش والإهمال المتعمد، وإغلاق سبل التوظيف والتشغيل، ومواصلة التطبيقات العنصرية لمشاريع الإحصاء والحزام والقوانين الاستثنائية، وإطلاق العنان لعمليات القمع التي أصبحت شبه يومية، لتطال كل نشاط يتعلق بالشأن الكردي، من تعلّم وتعليم اللغة الكردية إلى احتفالات عيد الصحافة الكردية، ومتابعة الانترنيت، مروراً بأي تجمّع كردي حضاري ، مما يتسبّب بازدياد حالة التذمّر، التي من شأنها خلق ردود أفعال قد تشكل ذرائع لانتقامات شوفينية جديدة.
ويبقى من الثابت أن الحالة الكردية تعتبر جزءاً لا يتجزأ من الوضع العام، الذي عنوانه غياب الحريات الأساسية وانتشار التسيّب وسوء التخطيط والإدارة، وكذلك الأزمة الاقتصادية العامة الناتجة عن السياسات الحكومية الفاشلة، وعن تدهور أحوال الزراعة، الذي يتجلى في تراجع إنتاج القمح من 4,7 مليون طن عام 2007 ليصل إلى 2,2 مليون طن عام 2008 ، وتراجع إنتاج القطن من 1,1 مليون طن عام 2000 ليصل إلى 600 ألف طن عام 2008 ، وتراجع بنفس الوقت الإنتاج الحيواني، مثلما تراجع إنتاج النفط بنحو 9% ، مما أدى إلى تصاعد موجة الهجرة وارتفاع مخيف لمعدلات البطالة وتردي الحالة المعيشية .
4|5|2009
اللجنة السياسية

لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

المهندس باسل قس نصر الله ونعمٌ .. بأنني لم أقل أن كل شيء ممتاز وأن لا أحداً سيدخل حلب .. فكانوا هم أول من خَرَج ونعم .. بأنني كنتُ مستشاراً لمفتي سورية من ٢٠٠٦ حتى الغاء المنصب في عام ٢٠٢١ واستُبدل ذلك بلجان إفتاء في كل محافظة وهناك رئيس لجان افتاء لسائر المحافظات السورية. ونعم أخرى .. بأنني مسيحي وأكون…

إبراهيم اليوسف بعد الفضائح التي ارتكبها غير الطيب رجب أردوغان في احتلاله لعفرين- من أجل ديمومة كرسيه وليس لأجل مصلحة تركيا- واستعانته بقطاع طرق مرتزقة مجرمين يعيثون قتلاً وفسادًا في عفرين، حاول هذه المرة أن يعدل عن خطته السابقة. يبدو أن هناك ضوءًا أخضر من جهات دولية لتنفيذ المخطط وطرد إيران من سوريا، والإجهاز على حزب الله. لكن، وكل هذا…

نظام مير محمدي* في 26 نوفمبر/تشرين الثاني، نشرت صحيفة جمهوري إسلامي الحكومية مقالاً بعنوان “الخوف من ثورة الجماهير الجائعة”، محذرة قادة النظام: “كل يوم، تتعمق الأزمة الاقتصادية؛ يزداد الفقراء فقراً، والأغنياء ثراءً، ويصبح المستنقع غير المسبوق من النخبوية الذي يجتاح مجتمعنا أكثر انتشارًا”. وسلط المقال الضوء على أن الطبقة النخبوية الجديدة “تعيش في قصور أكثر إسرافًا من قصور الشاه…

إبراهيم اليوسف   لقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي، في وقتنا المعاصر، منصات عالمية تتيح لجميعنا التعبير عن آرائنا، مهما كانت هذه الآراء إيجابية أو سلبية. لكن هناك ظاهرة جديدة تتجسد في ما يمكن أن نسميه “إطلاق النار الاستباقي”، وهو الهجوم أو النقد في صورته المشوهة الذي يستهدف أي فكرة أو عمل قبل أن يرى النور. لا تقتصر هذه الظاهرة على…