ليس بخاف أن مسيرة الكادحين وفقراء العالم أجمع ونضالات وتضحيات الطبقة العاملة حسب مواصفاتها التاريخية عبر العقود على وجه الخصوص شكلت المادة الرئيسية والمثال الأساسي والنموذج الميداني والمنطلق في عقيدة ونظرية وفلسفة الماركسية اللينينية التي بنت على مصالح الطبقة العاملة وسلطتها المنشودة مراهناتها على الصعيدين النظري والعملي في العالم الرأسمالي كما أن العمال وسائر الكادحين من فلاحين فقراء وجماهير المدن والمثقفين الثوريين كانوا النواة في حركات التحرر الوطني ووقودا للثورات القومية الديموقراطية في ما أطلق عليه بالعالم الثالث في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية .
وبعد الزلزال الذي حصل لدول المعسكر الاشتراكي سابقا وسقوط أنظمتها الموسومة بحكم الطبقة العاملة وبالتالي توقف الحرب الباردة الطبقية والسياسية بين كل من المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي ظهرت العديد من المراجعات النقدية حول تلك التجربة أي فترة حكم الطبقة العاملة التي قامت واستمرت نصف قرن وطاولت كل من البنى الفوقية والتحتية لتلك البلدان ومظاهر البيروقراطية والفساد الاداري واستغلال السلطة لأغراض فردية والانحراف عن النهج الحقيقي للنظام الاشتراكي ومصالح العمال والكادحين هذا الى جانب قراءات نقدية جديدة للكثير من جوانب الميراث النظري الماركسي والممارسة اللينينية والستالينية في الدولة الأعظم والأهم بدول المعسكر العمالي الحاكم وهي الاتحاد السوفييتي السابق كما أثار البعض الشكوك حول مدى صدقية وواقعية الكثير من المقولات والمصطلحات النظرية التي صدرت من أعلام وفلاسفة ماركسيين مثل دكتاتورية البروليتاريا وقيادة الطبقة العاملة ودورها في الانتاج على ضوء التقدم التكنولوجي والعلمي وكذلك تعريف الطبقة العاملة ودرجاتها وفئاتها ومدى تناغم مصالحها وأوضاعها الاجتماعية في البلدان الرأسمالية والمتقدمة وموقعها الراهن في حركات التحرر الوطني لدى الشعوب التي مازالت تكافح من أجل التحرر والاستقلال ولا بد هنا القول بأن ماتم حتى الآن على هذا الصعيد أي التقييم والمراجعة النظرية يعد متواضعا في مختلف الأحوال أمام قضايا كبرى تتعلق بغالبية البشرية وبمصائر طبقة خلاقة تدير وسائل الحياة في مختلف المجتمعات وتتعلق بمسيرة معسكر كامل كان محط آمال مئات الملايين لتحقيق العدالة الاجتماعية في مجتمعات حرة مستقلة .
من المنتظر أن يبادر الفلاسفة والعلماء ومنظرو الطبقة العاملة والكادحين الى بذل الجهود النظرية المدروسة لاعادة تعريف العمال طبقة وفئات وأدوارا وموقعا في المجتمعات والأحزاب والنقابات وفي عمليات التغيير الديموقراطي في البلدان التي تحكمها أنظمة مستبدة وفي حركات المعارضة الوطنية الديموقراطية وحركات المجتمع المدني وحركات التحر القومي وعمليات التنمية الاقتصادية في المرحلة الراهنة من التطور البشري وفي ظل العولمة وغياب الدول الاشتراكية وتفاقم ظاهرة الارهاب خاصة وأننا نتابع نفس الخطاب التقليدي منذ عقود الذي يتكرر دون تبديل في مناسبة عيد العمال وكأن شيئا لم يحدث لهم ولنظريتهم ولأنظمتهم ومؤسساتهم وتجاربهم منذ مئات السنين بل أن الخطاب هذا يحمل القدسية الكاملة لكل ماهو من الطبقة العاملة متجاهلا أن الكثير من أعضاء الحركات الفاشية والنازية والعنصرية وتنظيم القاعدة ينتمون الى الطبقة العاملة وغالبية الانتحاريين ومنفذي التفجيرات ضد السكان الآمنين من العمال والكادحين و ” البروليتاريا الرثة ” ألا يتطلب كل ذلك اعادة نظر في الكثير من المفاهيم والمصطلحات المتصلة بالطبقة العاملة والعمال .