بقلم: مشعل تمو
قال أحدهم يوما من لا يتألم في سبيل قضية تتعدى الذات الصغرى لا يبدع شيئا جديدا, بما معناه إن المعاناة والألم لأجل قضية الحرية تدفع على الأغلب الإنسان أن يكون إنسانا, ولعل المعاناة المشتركة مع مجموعة إعلان دمشق المعتقلين, أظهرت لي الكثير من الجوانب الإنسانية, والتي كانت كامنة أو غير مرئية خارج أسوار السجن الصغير الذي نحن فيه, فرغم إن معرفتي بأغلبهم تعود إلى أكثر من عشر سنوات, لكن المعاناة المشتركة فيما يسمى مجازا سجن دمشق المركزي” فهو سجن أقرب إلى حظيرة ” زادتني معرفة بهم خاصة وان السجن على الطريقة الأمنية السورية, تظهر الكثير من صغائر الأمور الكامنة في النفس البشرية, والتي كان من الممكن عدم إظهارها خارج السجن
قال أحدهم يوما من لا يتألم في سبيل قضية تتعدى الذات الصغرى لا يبدع شيئا جديدا, بما معناه إن المعاناة والألم لأجل قضية الحرية تدفع على الأغلب الإنسان أن يكون إنسانا, ولعل المعاناة المشتركة مع مجموعة إعلان دمشق المعتقلين, أظهرت لي الكثير من الجوانب الإنسانية, والتي كانت كامنة أو غير مرئية خارج أسوار السجن الصغير الذي نحن فيه, فرغم إن معرفتي بأغلبهم تعود إلى أكثر من عشر سنوات, لكن المعاناة المشتركة فيما يسمى مجازا سجن دمشق المركزي” فهو سجن أقرب إلى حظيرة ” زادتني معرفة بهم خاصة وان السجن على الطريقة الأمنية السورية, تظهر الكثير من صغائر الأمور الكامنة في النفس البشرية, والتي كان من الممكن عدم إظهارها خارج السجن
والصغائر عادة تظهر المعدن الفعلي لهذا الشخص أو ذاك, وبغض النظر عن التباين والاختلاف السياسي في الرأي وزوايا النظر, وهي أمور اعتقد بان الأغلبية منا, استقر هذا التباين لديه في مكانه الصحيح بمعنى القبول والاحترام لكن قوة الإنسان وإرادته, كانت عاملا مشتركا بين الجميع, فعل التحدي والمواجهة والإيمان بالمشروع الوطني الديمقراطي, كان رابطا أساسيا, وهكذا فالتجربة الراهنة في الاعتقال, والعسف الذي نواجهه, وطد العلاقات أكثر, وقربنا من بعضنا أكثر وهنا أحببت أن أشير إلى هذه التجربة, كمقدمة غير سياسية هذه المرة, وبالتأكيد سأعود إلى هذا الموضوع فيما بعد .
إن مخاضات الراهن الدولي والذي تشكل الرؤية الأمريكية أحد جانبيه الأساسيين إضافة إلى المنحى وسياق التعامل الأوروبي حيال قضايا المنطقة والعالم, وإذا كانت الرؤية الأوروبية ترتكز على الحوار أولا وأخيرا, فهي بين مد وجزر بحكم الفاعل الاقتصادي وغيره من مبادئ عامة وخاصة, يبنى عليها القرار الأوروبي ونمط تعامله وموقفه من قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة بعامة, وفي سورية بخاصة, وبينما الموقف الأمريكي الذي يعمل راهنا على ضبط إيقاعاته وفق الرؤية الأوباماوية, التي سترتكز خلال سنتها الأولى على محاولة تغيير الصورة التي تركتها الإدارة السابقة, وهذه السياسة اعتقد بأنها ستنتقل إلى المرحلة الثانية لاحقا, وليستقر إعادة التموضع الأمريكي وفقا للمصلحة الإستراتيجية الأمريكية مع اكسائها ببعض الرتوش الانتخابية, لتضفي المصداقية على الوعود التي قطعها أوباما, وهي وعود لا يمكن تحقيق الجانب الدولي منها, بنفس البساطة والسذاجة التي أطلقتها, ويبدو إن موضوع الخبرة وبعد النظر السياسي, لازال موضوعا يفتقر إليه أوباما, ولعل في البعض من مواقفه في عدم الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان, وفي تعليقه على نبأ الحكم على روكسانا صابري بأن ذلك, كارثة على عائلتها !! وحتى زيارة جون كيري إلى السودان يمثل انتهاكا لمحكمة الجنايات الدولية وعدم احترام لها, ورغم هذه الإرباكات التي تأتي كردود أفعال على إدارة بوش السابقة ولمجرد إظهار التمايز عنها.
ففي المحصلة يمكن أن يتغير أسلوب التعامل والتعاطي, لكن الهدف يبقى كما هو, بمعنى إدارة جديدة بأسلوب يبحث عن هويته حتى الآن, لكن بأهداف قديمة, ولعل هذا ما تم تلمسه حتى الآن على الأقل, فيما يخص مسالة التعامل مع النظام الأمني في سوريا, فرغم الوفود لأمريكية الكثيرة فلازالت المطالب الأمريكية هي ذاتها, ولازال الموقف الرسمي السوري غير قادر على تلبية أغلبها, رغم الإشارات الإيجابية التي يرسلها خصوصا في ملف التفاوض مع إسرائيل, ولكن العلاقة البنيوية تربطه بإيران وملفها النووي وما يتفرع عنه من اذرع إقليمية كحزب الله وغيره يقف حجرة عثرة أمام هذا المنحى وإذا كان التطور الايجابي في الملف اللبناني حتى الآن يرتبط هو الآخر بنتيجة الانتخابات النيابية القادمة وهي إشارة ودلالة سياسية بان الأمور مازالت في منتصف الطريق ويمكن أن تنتكس في أي لحظة ولأي سبب ؟ فالرؤية الأمنية السورية تريد كل شيء بدون أن تستجيب لأي شيء سوى الوعود الكلامية, والقادم المستقبلي سيظهر حجم المصداقية الأوروبية في قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان في مواجهة العسف والقمع الأمني المضطرد الذي يتعرض له المجتمع السوري ولننتظر لنرى إلى ما ستؤدي المقايضة ومصير السياحة الدبلوماسية.
اعتقد بان المعيقات البنيوية لدى النظام الأمني, تفوق الحوافز الأوروبية وكروبات السياحة الأمريكية, وحتى المصالحات العربية ستكون كحالة الأنظمة العربية غير مستقرة وغير نهائية طالما هي تعتمد الآنية والمصالح المؤقتة لهذا النظام أو ذاك, وهي باتت متضاربة في الكثير من القضايا والملفات المناطقية.
وعلى الصعيد الداخلي السوري, الذي بات يمتلك خاصية مهمة أصبحت ثقافة الإشاعة التي يبثها المطبخ الأمني تعطي الأماني والوعود بدون تحقيق أي منها, وهذا المنحى الأمني خبرناه خلال عشرات السنين والغريب إنه لازال من لسع أكثر من مائة مرة يصدقه, بل ويتجاوب معه والتجاوب هنا يعود في جانبه الأساسي إلى عدم امتلاك مقدرة المواجهة وإرادة التحدي.
ومن جانبنا فنحن نعتقد أن البنية الأمنية وفكرها الناظم ونمط إدارتها للمجتمع وقهره وهدر الإنسان فيه, ليست بقادرة على فعل أي شيء إيجابي سواء في الملف المعيشي أو الإداري أو السياسي ولعل الرؤية والمقارنة المبنية على العقل والمنطق وما يقوم به النظام, تظهر إن النظام الأمني يدور في حلقة طوارئية وقمعية تخفت حينا وتشتد حينا, ولكن الدائرة هي هي لم تتغير ومحيطها لا يتقبل أي تحويل أو تحوير! واعتقد بأن ما يشغل فكر النظام ويخلق لديه كل هذه الإرباكات السياسية, رغم الارتياح الشكلي أو الإعلامي يتعلق بمدى ذهاب المحكمة ذات الطابع الدولي وما سيتمخض عنها من نتائج, وبالتالي تأثير ذلك على دور ومكانة النظام في المعادلة الإقليمية, الذي بات مرتبطا بحبل صرة وشريان أساسي بإيران ومصالحها وتطلعاتها الإقليمية, وفي هذا الجانب فأن المراهنة على فك التحالف بينها أمر بات في غاية الصعوبة حتى أن أراد النظام ذلك, فبدون التحالف مع إيران والاستفادة من أذرعه الإقليمية يجد النظام نفسه عاريا في مواجهة العديد من المخاضات المستقبلية التي لا يمكن لبنية نظام أمني مواجهتها أو تجاوزها بسلام, واعتقد بأننا في واقعنا السوري أمام ثلاثة مشاهد سياسية:
المشهد الأول : محاولة النظام في السعي لكسب الشرعية الإسلامية لتضاف إلى الشرعية القوموية التي يعتقد النظام بأنه كسبها عبر شعاراته القوموية الإعلامية وبالتالي عليه إذا رغب في تموضع سياسي جديد, أو إعادة إنتاج لبنيته في صيغ جديدة أن يسعى إلى كسب الكتلة الإسلامية أو تحييدها عبر البعض من فتات الشعارات العابرة للقارات والكثير من الوعود التي لن تتحقق, خاصة وإن البراغماتية الإسلامية مشهود لها الكثير من الانعطافات نحو النظام, والتوافق مع شعاراته القوموية بدون أن يرف لها جفن حيال المسألة الديمقراطية في سورية وأهميتها بالنسبة للمسألة الوطنية والانتقال السياسي من هنا وهناك, قد يكون مشروعا في حال استند إلى متغيرات داخلية تؤسس لنظام مدني, تعددي, ديمقراطي, وأجزم بأن التوافق في الشعارات القوموية, سيكون نكسة أخرى تضاف إلى سلسلة الوعي الإسلاموي غير الديمقراطي, وسيدفع الكثير من الفئات والشرائح الإسلامية التي كانت تتوسم في ظهور تيار إسلامي معتدل وديمقراطي, إما الركون إلى النظام وشعاراته, أو التوجه نحو التطرف الأعمى, وهو ما يسعى النظام إلى تصويره وإبرازه, فمن جهة الانفتاح والتواصل مع التيارات الإسلامية, يمثل رسالة إلى المعارضة السورية الديمقراطية, بعدم جدية هذه التيارات وإن آخر ما يشغلها هو الداخل السوري, وإنها تسعى إلى الانخراط بالنظام وفق تصديراته الشعاراتية, ومن جهة ثانية يتم تصويرها على أنها قوى عنفية تدعم الإرهاب ومحاربة النظام لها تؤهله لأن يكون أحد أركان محاربي الإرهاب إقليميا.
المشهد الثاني : ويتمثل في الانهيار الاقتصادي وحجم المجاعة المتزايدة التي باتت أهم سمة في المجتمع السوري, فمن عمم الفقر والبطالة وفق فعل مبرمج من حيث تدمير القطاعات الإنتاجية أو تحويلها إلى مزارع شخصية, بقادر على وضع حد لها, واعتقد بأن الراهن الاقتصادي السوري يدفع باتجاه زيادة نسبة الجريمة وملحقاتها, وبالتالي أصبح الشعب السوري بكليته خارج الدائرة الإنسانية, همه الركض وراء لقمة العيش, وهذا ما يضع الشعب السوري في مرتبة أقل بكثير من مرتبة الرعية أو الأقنان فحتى مفهوم الرعية لا ينطبق على الجيوش الجائعة, ناهيك عن الانهيار في القيم والمنظومات الأخلاقية والمجتمعية وفي مقولة للراهب الدومينيكي (فراي بينتو) الذي كتب مرة إلى بابا روما رسالة يطلب فيها منه ألا ينظر إلى سكان الدومينيكان كرعايا للكنيسة, لأنه لم تعد تتوافر فيهم ملامح وشروط الرعية, حيث باتوا تحت خط الفقر, وأصبحوا زبائن دائمين لبراميل الزبالة !!!
اعتقد بأن المدلول واضح, وتبقى الإشارة برسم القوى الديمقراطية السورية بكل أطيافها حيث المادة الخصبة لتأطير وقيادة تللك الشرائح ولو بنضالات مطلبية, اقتصادية تؤسس لتعميم المطالب الديمقراطية الأخرى.
المشهد الثالث : وهو يرتبط أيضا بإعادة التموضع الذي يسعى إليه النظام من حيث تفتيت الكتلة الكوردية المواجهة له أو التي يعتقد إنها مواجهة, فبعد مد الجسور مع بعض التيار الإسلامي والتوافق معه على الشعارات القوموية فمن الضرورة اعتماد أساليب متجددة مع بعض الكتلة الكوردية, فهناك الاعتقالات المتزايدة والقمع المبرمج للقاعدة الشعبية وما تحمله من دلالات, وهناك دعوة بعض لأطراف والطلب منها عدم الاقتراب من المعارضة السورية والابتعاد عن الأبعاد الإقليمية والدولية ولعل المراقب السياسي يدرك على الفور بأن ذات الطلب قد طلب من بعض القوى العربية السورية في عدم الاقتراب من الكورد, وهذه السياسة ليست جديدة بل هي سمة أساسية لآلية تعامل النظام الأمني مع حراك المجتمع السوري بكل أطيافه ومكوناته, وإذا كان الحوار سمة حضارية ومدنية, فالحوار يتطلب طرفين يعترف أحدهم بالآخر .
فهل النظام يمتلك القدرة على الاعتراف بالشعب الكوردي كمكون فاعل وأساسي من مكونات المجتمع السوري, بل على العكس فحملة القمع وانتهاك إنسانية الإنسان الكوردي تجري على قدم وساق, وإذا كان من حق أي كان أن يستجيب لاستدعاء النظام الأمني لكن ليس من حقه تسويق الوعود الكاذبة وتلميع صورة النظام وتخدير القاعدة الشعبية الكوردية بوعود واهية, فاستمرار حملة الاعتقالات ضد الشباب الكورد هي التي من المفترض أن تكون المعيار والمقياس لآلية التعامل ومواجهة النظام الأمني وليس أي شيء عداها, ناهيك عن الأحكام التي تصدرها محكمة الطوارئ الأمنية ضد الشباب الكورد تؤشر وبوضوح إلى حجم الحقد على الفاعل الكوردي وهو ما يناقض كل الوعود التي قطعت لهذا أو ذاك من القادة الكورد.
اعتقد بأن ما يفعله النظام في الحقل الإسلامي والكوردي يصبان في ذات الاتجاه, تفتيت ما يوجد من كتل فاعلة وتمييع القضية الديمقراطية وضرب مصداقية أطرافها بعضهم ببعض, ومن يمتلك الحد الأدنى من البصيرة السياسية في الجانب الكوردي يدرك ماهية النظام والهدف الذي يريد الوصول إليه واعتقد بأن الرد الطبيعي هو في التحدي والمواجهة ولو بتحركات ميدانية بسيطة لكن بإشارات ورسائل سياسية قوية, بأننا سندافع عن قضية الحرية والديمقراطية والحق الكوردي الذي يشكل اعتقال الشباب الكورد حلقة في سلسلة السياسة العنصرية التي يمارسها النظام ضد الشعب الكوردي ووجوده القومي ومطالبه في سوريا مدنية وتعاقدية وتعددية وتداولية .
إن مخاضات الراهن الدولي والذي تشكل الرؤية الأمريكية أحد جانبيه الأساسيين إضافة إلى المنحى وسياق التعامل الأوروبي حيال قضايا المنطقة والعالم, وإذا كانت الرؤية الأوروبية ترتكز على الحوار أولا وأخيرا, فهي بين مد وجزر بحكم الفاعل الاقتصادي وغيره من مبادئ عامة وخاصة, يبنى عليها القرار الأوروبي ونمط تعامله وموقفه من قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة بعامة, وفي سورية بخاصة, وبينما الموقف الأمريكي الذي يعمل راهنا على ضبط إيقاعاته وفق الرؤية الأوباماوية, التي سترتكز خلال سنتها الأولى على محاولة تغيير الصورة التي تركتها الإدارة السابقة, وهذه السياسة اعتقد بأنها ستنتقل إلى المرحلة الثانية لاحقا, وليستقر إعادة التموضع الأمريكي وفقا للمصلحة الإستراتيجية الأمريكية مع اكسائها ببعض الرتوش الانتخابية, لتضفي المصداقية على الوعود التي قطعها أوباما, وهي وعود لا يمكن تحقيق الجانب الدولي منها, بنفس البساطة والسذاجة التي أطلقتها, ويبدو إن موضوع الخبرة وبعد النظر السياسي, لازال موضوعا يفتقر إليه أوباما, ولعل في البعض من مواقفه في عدم الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان, وفي تعليقه على نبأ الحكم على روكسانا صابري بأن ذلك, كارثة على عائلتها !! وحتى زيارة جون كيري إلى السودان يمثل انتهاكا لمحكمة الجنايات الدولية وعدم احترام لها, ورغم هذه الإرباكات التي تأتي كردود أفعال على إدارة بوش السابقة ولمجرد إظهار التمايز عنها.
ففي المحصلة يمكن أن يتغير أسلوب التعامل والتعاطي, لكن الهدف يبقى كما هو, بمعنى إدارة جديدة بأسلوب يبحث عن هويته حتى الآن, لكن بأهداف قديمة, ولعل هذا ما تم تلمسه حتى الآن على الأقل, فيما يخص مسالة التعامل مع النظام الأمني في سوريا, فرغم الوفود لأمريكية الكثيرة فلازالت المطالب الأمريكية هي ذاتها, ولازال الموقف الرسمي السوري غير قادر على تلبية أغلبها, رغم الإشارات الإيجابية التي يرسلها خصوصا في ملف التفاوض مع إسرائيل, ولكن العلاقة البنيوية تربطه بإيران وملفها النووي وما يتفرع عنه من اذرع إقليمية كحزب الله وغيره يقف حجرة عثرة أمام هذا المنحى وإذا كان التطور الايجابي في الملف اللبناني حتى الآن يرتبط هو الآخر بنتيجة الانتخابات النيابية القادمة وهي إشارة ودلالة سياسية بان الأمور مازالت في منتصف الطريق ويمكن أن تنتكس في أي لحظة ولأي سبب ؟ فالرؤية الأمنية السورية تريد كل شيء بدون أن تستجيب لأي شيء سوى الوعود الكلامية, والقادم المستقبلي سيظهر حجم المصداقية الأوروبية في قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان في مواجهة العسف والقمع الأمني المضطرد الذي يتعرض له المجتمع السوري ولننتظر لنرى إلى ما ستؤدي المقايضة ومصير السياحة الدبلوماسية.
اعتقد بان المعيقات البنيوية لدى النظام الأمني, تفوق الحوافز الأوروبية وكروبات السياحة الأمريكية, وحتى المصالحات العربية ستكون كحالة الأنظمة العربية غير مستقرة وغير نهائية طالما هي تعتمد الآنية والمصالح المؤقتة لهذا النظام أو ذاك, وهي باتت متضاربة في الكثير من القضايا والملفات المناطقية.
وعلى الصعيد الداخلي السوري, الذي بات يمتلك خاصية مهمة أصبحت ثقافة الإشاعة التي يبثها المطبخ الأمني تعطي الأماني والوعود بدون تحقيق أي منها, وهذا المنحى الأمني خبرناه خلال عشرات السنين والغريب إنه لازال من لسع أكثر من مائة مرة يصدقه, بل ويتجاوب معه والتجاوب هنا يعود في جانبه الأساسي إلى عدم امتلاك مقدرة المواجهة وإرادة التحدي.
ومن جانبنا فنحن نعتقد أن البنية الأمنية وفكرها الناظم ونمط إدارتها للمجتمع وقهره وهدر الإنسان فيه, ليست بقادرة على فعل أي شيء إيجابي سواء في الملف المعيشي أو الإداري أو السياسي ولعل الرؤية والمقارنة المبنية على العقل والمنطق وما يقوم به النظام, تظهر إن النظام الأمني يدور في حلقة طوارئية وقمعية تخفت حينا وتشتد حينا, ولكن الدائرة هي هي لم تتغير ومحيطها لا يتقبل أي تحويل أو تحوير! واعتقد بأن ما يشغل فكر النظام ويخلق لديه كل هذه الإرباكات السياسية, رغم الارتياح الشكلي أو الإعلامي يتعلق بمدى ذهاب المحكمة ذات الطابع الدولي وما سيتمخض عنها من نتائج, وبالتالي تأثير ذلك على دور ومكانة النظام في المعادلة الإقليمية, الذي بات مرتبطا بحبل صرة وشريان أساسي بإيران ومصالحها وتطلعاتها الإقليمية, وفي هذا الجانب فأن المراهنة على فك التحالف بينها أمر بات في غاية الصعوبة حتى أن أراد النظام ذلك, فبدون التحالف مع إيران والاستفادة من أذرعه الإقليمية يجد النظام نفسه عاريا في مواجهة العديد من المخاضات المستقبلية التي لا يمكن لبنية نظام أمني مواجهتها أو تجاوزها بسلام, واعتقد بأننا في واقعنا السوري أمام ثلاثة مشاهد سياسية:
المشهد الأول : محاولة النظام في السعي لكسب الشرعية الإسلامية لتضاف إلى الشرعية القوموية التي يعتقد النظام بأنه كسبها عبر شعاراته القوموية الإعلامية وبالتالي عليه إذا رغب في تموضع سياسي جديد, أو إعادة إنتاج لبنيته في صيغ جديدة أن يسعى إلى كسب الكتلة الإسلامية أو تحييدها عبر البعض من فتات الشعارات العابرة للقارات والكثير من الوعود التي لن تتحقق, خاصة وإن البراغماتية الإسلامية مشهود لها الكثير من الانعطافات نحو النظام, والتوافق مع شعاراته القوموية بدون أن يرف لها جفن حيال المسألة الديمقراطية في سورية وأهميتها بالنسبة للمسألة الوطنية والانتقال السياسي من هنا وهناك, قد يكون مشروعا في حال استند إلى متغيرات داخلية تؤسس لنظام مدني, تعددي, ديمقراطي, وأجزم بأن التوافق في الشعارات القوموية, سيكون نكسة أخرى تضاف إلى سلسلة الوعي الإسلاموي غير الديمقراطي, وسيدفع الكثير من الفئات والشرائح الإسلامية التي كانت تتوسم في ظهور تيار إسلامي معتدل وديمقراطي, إما الركون إلى النظام وشعاراته, أو التوجه نحو التطرف الأعمى, وهو ما يسعى النظام إلى تصويره وإبرازه, فمن جهة الانفتاح والتواصل مع التيارات الإسلامية, يمثل رسالة إلى المعارضة السورية الديمقراطية, بعدم جدية هذه التيارات وإن آخر ما يشغلها هو الداخل السوري, وإنها تسعى إلى الانخراط بالنظام وفق تصديراته الشعاراتية, ومن جهة ثانية يتم تصويرها على أنها قوى عنفية تدعم الإرهاب ومحاربة النظام لها تؤهله لأن يكون أحد أركان محاربي الإرهاب إقليميا.
المشهد الثاني : ويتمثل في الانهيار الاقتصادي وحجم المجاعة المتزايدة التي باتت أهم سمة في المجتمع السوري, فمن عمم الفقر والبطالة وفق فعل مبرمج من حيث تدمير القطاعات الإنتاجية أو تحويلها إلى مزارع شخصية, بقادر على وضع حد لها, واعتقد بأن الراهن الاقتصادي السوري يدفع باتجاه زيادة نسبة الجريمة وملحقاتها, وبالتالي أصبح الشعب السوري بكليته خارج الدائرة الإنسانية, همه الركض وراء لقمة العيش, وهذا ما يضع الشعب السوري في مرتبة أقل بكثير من مرتبة الرعية أو الأقنان فحتى مفهوم الرعية لا ينطبق على الجيوش الجائعة, ناهيك عن الانهيار في القيم والمنظومات الأخلاقية والمجتمعية وفي مقولة للراهب الدومينيكي (فراي بينتو) الذي كتب مرة إلى بابا روما رسالة يطلب فيها منه ألا ينظر إلى سكان الدومينيكان كرعايا للكنيسة, لأنه لم تعد تتوافر فيهم ملامح وشروط الرعية, حيث باتوا تحت خط الفقر, وأصبحوا زبائن دائمين لبراميل الزبالة !!!
اعتقد بأن المدلول واضح, وتبقى الإشارة برسم القوى الديمقراطية السورية بكل أطيافها حيث المادة الخصبة لتأطير وقيادة تللك الشرائح ولو بنضالات مطلبية, اقتصادية تؤسس لتعميم المطالب الديمقراطية الأخرى.
المشهد الثالث : وهو يرتبط أيضا بإعادة التموضع الذي يسعى إليه النظام من حيث تفتيت الكتلة الكوردية المواجهة له أو التي يعتقد إنها مواجهة, فبعد مد الجسور مع بعض التيار الإسلامي والتوافق معه على الشعارات القوموية فمن الضرورة اعتماد أساليب متجددة مع بعض الكتلة الكوردية, فهناك الاعتقالات المتزايدة والقمع المبرمج للقاعدة الشعبية وما تحمله من دلالات, وهناك دعوة بعض لأطراف والطلب منها عدم الاقتراب من المعارضة السورية والابتعاد عن الأبعاد الإقليمية والدولية ولعل المراقب السياسي يدرك على الفور بأن ذات الطلب قد طلب من بعض القوى العربية السورية في عدم الاقتراب من الكورد, وهذه السياسة ليست جديدة بل هي سمة أساسية لآلية تعامل النظام الأمني مع حراك المجتمع السوري بكل أطيافه ومكوناته, وإذا كان الحوار سمة حضارية ومدنية, فالحوار يتطلب طرفين يعترف أحدهم بالآخر .
فهل النظام يمتلك القدرة على الاعتراف بالشعب الكوردي كمكون فاعل وأساسي من مكونات المجتمع السوري, بل على العكس فحملة القمع وانتهاك إنسانية الإنسان الكوردي تجري على قدم وساق, وإذا كان من حق أي كان أن يستجيب لاستدعاء النظام الأمني لكن ليس من حقه تسويق الوعود الكاذبة وتلميع صورة النظام وتخدير القاعدة الشعبية الكوردية بوعود واهية, فاستمرار حملة الاعتقالات ضد الشباب الكورد هي التي من المفترض أن تكون المعيار والمقياس لآلية التعامل ومواجهة النظام الأمني وليس أي شيء عداها, ناهيك عن الأحكام التي تصدرها محكمة الطوارئ الأمنية ضد الشباب الكورد تؤشر وبوضوح إلى حجم الحقد على الفاعل الكوردي وهو ما يناقض كل الوعود التي قطعت لهذا أو ذاك من القادة الكورد.
اعتقد بأن ما يفعله النظام في الحقل الإسلامي والكوردي يصبان في ذات الاتجاه, تفتيت ما يوجد من كتل فاعلة وتمييع القضية الديمقراطية وضرب مصداقية أطرافها بعضهم ببعض, ومن يمتلك الحد الأدنى من البصيرة السياسية في الجانب الكوردي يدرك ماهية النظام والهدف الذي يريد الوصول إليه واعتقد بأن الرد الطبيعي هو في التحدي والمواجهة ولو بتحركات ميدانية بسيطة لكن بإشارات ورسائل سياسية قوية, بأننا سندافع عن قضية الحرية والديمقراطية والحق الكوردي الذي يشكل اعتقال الشباب الكورد حلقة في سلسلة السياسة العنصرية التي يمارسها النظام ضد الشعب الكوردي ووجوده القومي ومطالبه في سوريا مدنية وتعاقدية وتعددية وتداولية .
من سجن عدرا المركزي بدمشق 22- 4-2009