حسين عيسو
نيسان وقبله آذار أجمل شهور السنة , إلا أنهما يستحقان تسمية شهري المآسي بالنسبة للأرمن والكرد الشريكين في المصائب والويلات عبر التاريخ , وقد تكلمت فيما مضى كثيرا عن شهر آذار “شهر نوروز- اليوم الجديد” بالنسبة للكرد وكيف أصبح يتلهف كل عام الى مزيد من دماء الشبان والصبايا وكأن “ازدهاك” لم يرتو بعد من تلك الدماء الزكية.
أما الأرمن فذكرى الكارثة التي حلت بهم ليلة 24 نيسان من عام 1915 يستحيل نسيانها لأنها تذكرهم بأفظع جريمة في تاريخ البشرية , ضحاياها أكثر من مليون شهيد ومئات آلاف المشتتين في كل أصقاع الأرض.
كانت بدايتها حين أصدر وزير الداخلية التركي “طلعت باشا” قرارا في تلك الليلة يقضي باعتقال المئات من المثقفين والزعماء الوطنيين الأرمن تمهيدا لتنفيذ جريمة إبادة وتهجير ما تبقى من الشعب الأرميني عن أرض أجداده
نيسان وقبله آذار أجمل شهور السنة , إلا أنهما يستحقان تسمية شهري المآسي بالنسبة للأرمن والكرد الشريكين في المصائب والويلات عبر التاريخ , وقد تكلمت فيما مضى كثيرا عن شهر آذار “شهر نوروز- اليوم الجديد” بالنسبة للكرد وكيف أصبح يتلهف كل عام الى مزيد من دماء الشبان والصبايا وكأن “ازدهاك” لم يرتو بعد من تلك الدماء الزكية.
أما الأرمن فذكرى الكارثة التي حلت بهم ليلة 24 نيسان من عام 1915 يستحيل نسيانها لأنها تذكرهم بأفظع جريمة في تاريخ البشرية , ضحاياها أكثر من مليون شهيد ومئات آلاف المشتتين في كل أصقاع الأرض.
كانت بدايتها حين أصدر وزير الداخلية التركي “طلعت باشا” قرارا في تلك الليلة يقضي باعتقال المئات من المثقفين والزعماء الوطنيين الأرمن تمهيدا لتنفيذ جريمة إبادة وتهجير ما تبقى من الشعب الأرميني عن أرض أجداده
وككل الأنظمة الاستبدادية التي تعمل في العتمة ودون ضجيج كي تستطيع إنكار فعلتها فيما بعد حتى ولو كانت واضحة وضوح الشمس , فقد كان قرار اعتقال المثقفين مدروسا بعناية لأن تغييب المثقفين عن الساحة يعني إسكات الصوت العالي , معتمدين في جريمتهم تلك على دولة “ألمانيا” القوية شريكتهم في الحرب العالمية الدائرة آنذاك ,وهكذا تم تنفيذ الجريمة دون ضجيج خاصة وأن الأتراك كانوا قد أصبحوا على دراية تامة بنفاق الدول الأوروبية الأخرى التي لا تكترث لدماء الشعوب المقهورة أو عدد ضحاياهم مقابل تأمين مصالحها الخاصة وهو ما حصل فعلا.
واليوم وبعد مرور أكثر من خمس وتسعين عاما على جريمة الإبادة تلك ورغم عشرات المنظمات الحقوقية والدول العظمى التي تنادي صباح مساء باحترام حقوق الإنسان , ورغم دخولنا الألفية الثالثة وتحول العالم الى قرية صغيرة كما يَدّعون , لم تجرؤ أي من تلك الدول على إرغام تركيا الحالية على الاعتراف بما اقترفه أسلافها من جرائم تندى لها جبين الإنسانية المتحضرة ,بل ولم تحاول حتى التنديد بتلك الجريمة بحق الإنسانية وذلك خشية على مصالحها التي قد تتضرر نتيجة ذلك.
لست هنا بصدد الكتابة عن وصف تلك الجريمة وما جرى خلال تنفيذها فقد كتبتُ عن ذلك من قبل* لكني أود التطرق الى جريمة أدهى وأمرّ وهي أن شعبين من أتعس شعوب هذه المنطقة نفذت بحقهما أبشع أنواع الجرائم ثم جرت محاولة اتهام أحدهما بتنفيذ الجريمة ضد الآخر , ألا وهما “الكرد والأرمن”, وذلك باستخدام الإمكانات الهائلة لتركيا كدولة لها أصدقاء ومصالح مقابل شعبين مغلوبين لا مصالح لأي من تلك الدول لدى أي منهما سوى الاستغلال حتى آخر رمق فيهما , وهناك الكثير من الأدلة الموثقة عما كان يحصل دون أن ينتبه الشعبان الى ما يجري ضدهما , حتى أنهما وفي مراحل من تلك النكبات صدّقا أنهما فعلا أعداء لبعضهما وما الآخرون سوى أصدقاء يحاولون مساعدة كل منهما ضد الآخر !.
هنا وقبل الحديث عن تلك المآسي لابد من ذكر بعض صفات عدوهما ومحتل أرضهما , وحتى لا أتهم بالعنصرية المقيتة سوف أنقل مقتطفات من مذكرات السفير الأمريكي في اسطنبول بين عامي 1913-1916 السيد هنري مورغنتاو الذي يصف العنصر التركي في كتابه “قتل أمة” بالقول : (يجب علينا أن نفهم أولا أن الحقيقة الأساسية في العقلية التركية هي الاحتقار المطلق لجميع الأعراق البشرية الأخرى , ان الغرور المشوب بالخبل هو العنصر الذي يبين بشكل شبه كامل نفسية هذا الجنس البشري الغريب …..لقد بقي التركي نفس الإنسان الذي خرج من سهوب آسيا في القرون الوسطى وبعد خمسمائة عام من احتكاكه بالحضارة الغربية لم يتغير )!.
ويقول شكسبير (من هنا مر الترك) كدليل على شهوة التدمير والقتل عند التركي !.
فالكرد والأرمن شعبان أصيلان في المنطقة وهما جاران وينتميان الى أرومة واحدة هي الهند أوروبية , والعلاقات بينهما تعود الى عهد قديم , عصر الدولة الميدية والديانة الزرادشتية التي جمعتهما , وقد تحالف الأرمن معهم للقضاء على الإمبراطورية الآشورية عام 612 ق.م.
وشاركوا في فتح نينوى كما يقول المؤرخ خوريني الذي يذكر أن قائد الأرمن في تلك الحملة الأمير باروير كوفئ على ذلك بمنحه لقب ملك,ولهذا يمكن اعتبار “باروير” مؤسس الدولة الأرمنية القديمة الأولى , وفي القرن الرابع الميلادي “301 م” تحول الأرمن الى المسيحية بينما بقي الكرد على الزرادشتية لكن العلاقات بينهما لم تتأثر بذلك حتى وصول المسلمين الى المنطقة ليتحول أغلب الكرد الى الإسلام .
لا أرى حاجة الى تكرار ذكر الدمار الذي نشره الأتراك القادمون من صحاري قراقوم ومنغوليا في منطقتنا لأنها منشورة من قبل كما ذكرت آنفا, لكن المهم هنا هو الحديث عن الفترة منذ القرن التاسع عشر أي مرحلة تحول الدولة العثمانية الى الرجل المريض وتحرر أغلب الدول البلقانية من نير الاحتلال العثماني وانتباهها الى أن تحرر باقي تلك الدول أصبحت مسألة وقت ليس إلاّ , لذا لابد لها من الإمساك بمن بقي تحت حكمها من شعوب آسيا الصغرى وخاصة الكرد والأرمن وكي لا تترك مجالا للاتفاق بينهما كان لابد لها من استغلال ما يفرق ويدفعهما الى التنافر خاصة بعد فشل ثورة بدرخان بك (1842-1847) الذي وكما يقول الكاتب الأرميني “شهبازيان” أنه نظر الى الأرمن نظرته الى الكرد معتمدا على وجهة النظر القائلة , أنهما من أصل واحد انقسموا الى ديانات وعشائر , وكان جيشه يتألف من العديد من الأرمن والآشوريين وغيرهم من المسيحيين الى جانب الكرد وهذا ما أزعج الانكليز وخلق الشك لديهم في أن نجاح ثورة بدرخان سيفتح الطريق أمام الروس الى الخليج العربي فبدؤوا بالدس بينهم وبين الآشوريين وتحريض المار شمعون للوقوف ضد ثورة بدرخان بك وكانت نتيجة ذلك آلاف الضحايا من الآشوريين والكرد وأخيرا رشوة ايزدان شير “ابن عم بدرخان” ودفعه للخيانة ما أدى الى فشل تلك الثورة التي اعتبرها العديد من المؤرخين أول ثورة تحررية كردية , الا أنها نبهت الأتراك ومعهم الدول المستفيدة من بقاء الرجل المريض عليلا الى وجوب إشغال الأرمن والكرد بإثارة ما يفرق بينهما فكان استغلال التعصب الديني نتيجة التخلف الذي كان الكرد يعانون منه ودفع الجهلاء منهم الى قتل الكفار لتأمين مكان في جنة الرب بفتاوى من رجال الدين الموالين للسلطة ورشوة بعض زعماء القبائل الكردية وإيهامهم بأن أرمينيا المدعومة من الدول المسيحية سوف تكون المهيمن القادم على بلاد الكرد وهو ما كان يجري الحديث عنه فعلا في كواليس السياسات الأوربية ووعود المبشرين الغربيين للأرمن والتي صدقها بعضهم , الا أن ما حصل بعد معاهدة “سان ستيفانوا” نتيجة هزيمة الأتراك أمام الروس والتي استبدلت بمعاهدة “برلين” عام 1878 بضغط من بريطانيا عندها انتبه بعض المثقفين الأرمن الى أن الغرب لا يفكر الا بمصالحه وأن ما يرددونه من كلام عن دعم الأرمن ليس إلا وهماً لاستغلال معاناتهم لأجل مصالحهم الخاصة , يقول ممثل الأرمن الى مؤتمر برلين بعد عودته : (لقد طبخت الحرية في برلين ,لكننا لم نستطع تناول لقمة واحدة … أولادي ! لا تعقدوا أي أمل على الأجانب ,دبروا شئونكم بأنفسكم), لكن هل كان باقي مثقفي الأرمن بهذا المستوى , يقول المؤرخ الأرميني “آرتونيان” عن تلك الفترة (بدلا من جذب القوى الديمقراطية للشعب الكردي كحلفاء والقيام معها بنضال تحرري مشترك ضد الإقطاعيين الأتراك والأكراد حاولت الأحزاب القومية الأرمينية بدعواتها للكره العنصري الى خلق جدار بين الشعبين الكردي والأرميني ), ويقول د.
هاملين مؤسس كلية روبرت كولليدج عن أحد الثوار الأرمن (كان تكتيكنا يقضي بقتل العديد من الأكراد وحرق قراهم ثم الهرب الى الجبال لينتقم الكرد من الأرمن العزل وينتهي ذلك بتدخل روسيا الى جانبنا) !.
يبدو أن هؤلاء لم يصلوا بعد الى حقيقة أن روسيا مثل باقي الأوربيين ستستغل تلك الجرائم لمصالحها ولا يهمها كم قتل من الأرمن أو الكرد , وكان حزب الطاشناق يعتقد حتى ذلك الحين أن روسيا والدول الغربية ستساعدهم في أقامة دولتهم التي ستسيطر على الكرد أيضا متفائلين بوعود تلك الدول , ومن الجهة الأخرى كان بعض الشعراء الكرد يثيرون العواطف للوقوف في وجه المؤامرة التي يحيكها بعض الأرمن مع روسيا وعدد من الدول الأوربية فنرى حاجي قادر يقول في احدى قصائده : ( وا أسفاه ! ان بلاد الجزيرة وبوتان ,أعني بلاد الكرد يحولونها الى ديار أرمينية )! .
لقد صدق الكرد والأرمن ألاعيب الأوربيين فوقعوا في الفخ الذي نصب لهم دون تردد , وكانت الدولة العثمانية تتعامل بذكاء مع هذين الشعبين تساعدها في ذلك كل من بريطانيا العظمى وألمانيا كل في مرحلة ففي نهاية القرن التاسع عشر كانت نصيحة بريطانيا للسلطان عبد الحميد هو تأسيس فرسان الحميدية على طريقة القوزاق الروسي لضرب العلاقات الكردية الأرمينية والوقوف في وجه أي حركة تحررية كردية ولتقوم مقام السلطة في المناطق الكردية الأرمينية حتى أنها كلفت في فترات بجمع الضرائب , ومع أنها كانت تضم أقواما شتى وليس الكرد وحدهم ورفض أغلب العشائر الكردية الانضمام اليها وقيام السلطة العثمانية بتهجيربعضهم الى ليبيا مثل قبيلة “الهماوند” القوية التي هجِّرت بالخديعة الا أنها رفضت البقاء هناك وعادت الى أرضها بعد أن هلك نصفها ** , كذلك حاربت جريدة “كردستان” تشكيل فرسان الحميدية على صدر صفحاتها واعتبرتها موجهة لضرب حركة التحرر القومية الكردية من جهة وتخريب العلاقات الكردية الأرمينية من جهة أخرى ووجهت نداءات للوحدة مع الحركة الأرمينية.
ومع أن أغلب من اشترك في المذابح من الكرد كانوا من فرسان الحميدية الذين كانوا ينفذون أوامر أسيادهم في السلطة العثمانية , فأن تأثيرها في توسيع الهوة بين الشعبين ونشر الدعاية السيئة عن الكرد كان كبيرا , وقد جاء في احدى افتتاحيات جريدة “كردستان” :”انك أيها الكردي لم تكدر أحدا.
ولكن المسئولين هم الذين خدعوك فلطخوا اسمك واسم أجدادك بالسواد” !.
اضافة الى ذلك وحسب وثائق وزارة الخارجية الروسية فان السلطات التركية سعت بكل الوسائل إظهار مسئولية الكرد عن تلك الجرائم بما فيها ارتداء الجنود الأتراك للزي الكردي المعروف أثناء تنفيذ تلك الجرائم , ومع أن العقلاء من الجانبين انتبهوا الى ما يخطط لهم , لكن يبدو أن العقل يتوقف حين تفعل الغريزة فعلها , في رسالة سرية من موش عام 1912 لأحد زعماء الأرمن الدينيين الى “الكاثوليكوس” الحبر الأعظم الأرميني يقول فيها : (فضلا عما نحن فيه من بؤس وشقاء فان قضية المظالم التي يرتكبها بحقنا جامعوا الضرائب قد أرهقتنا الى حد كبير …انهم ينهبون الفلاحين الأرمن والكرد معا بحجة ضريبة العشر …), لقد حصلت الجريمة ضد الشعبين وكما كانت روسيا تحرض الأرمن على قتل الكرد في مراحل الاجتياحات الروسية للمناطق الكردية كانت الدولة العثمانية ومعها ألمانيا تحرض الكرد كواجب ديني على قتل الأرمن وكما هجِّر وقتل مئات الآلاف من الأرمن كذلك هجِّر ما يقارب نفس العدد من الكرد الى مناطق غربي الأناضول وفي ذلك تقول جريدة مشاك الأرمينية “أن المنطقة الممتدة الى الجنوب والغرب من بحيرة (وان) كانت خالية من السكان بعد الحرب مع أنه كان يقطنها في السابق أكثر من ثمانمائة ألف كردي” اضافة الى ذلك فقد هجِّر أكثر من سبعمائة ألف كردي الى غرب الأناضول مات نصفهم على الطريق وهكذا فان الطرفين كانا ضحايا ولم يهتم أحد بنكبتهما !.
يقول الكاتب الفرنسي الكبير أناتول فرانس :”بما أن الغالبية تدير ظهرها عادة للمنكوب فان كثيرين استطاعوا أن يجدوا أساسا لإدانة الضحايا”.
*- الدراسة موجودة في أرشيف الحوار المتمدن بعنوان “قراءة في التاريخ الكردي – الأرمني .
**- دار المحفوظات التاريخية – ليبيا – ملف خاص بالمنفيين الأكراد وثائق رقم 2719 .
المراجع :
كردستان في سنوات الحرب العالمية الاول كمال أحمد مظهر
أرمينية أرض وشعب سمير عربش
الحركة الكردية في العصر الحديث جليلي جليل – م س لازارييف …
أرمينيا 1915 – جورج آرويان جان ماري كارزو
قتل أمة مذكرات السفير هنري مورغنتاو
المشكلة الكردية في الشرق الأوسط د.
حامد محمود عيسى
22-04-2009
واليوم وبعد مرور أكثر من خمس وتسعين عاما على جريمة الإبادة تلك ورغم عشرات المنظمات الحقوقية والدول العظمى التي تنادي صباح مساء باحترام حقوق الإنسان , ورغم دخولنا الألفية الثالثة وتحول العالم الى قرية صغيرة كما يَدّعون , لم تجرؤ أي من تلك الدول على إرغام تركيا الحالية على الاعتراف بما اقترفه أسلافها من جرائم تندى لها جبين الإنسانية المتحضرة ,بل ولم تحاول حتى التنديد بتلك الجريمة بحق الإنسانية وذلك خشية على مصالحها التي قد تتضرر نتيجة ذلك.
لست هنا بصدد الكتابة عن وصف تلك الجريمة وما جرى خلال تنفيذها فقد كتبتُ عن ذلك من قبل* لكني أود التطرق الى جريمة أدهى وأمرّ وهي أن شعبين من أتعس شعوب هذه المنطقة نفذت بحقهما أبشع أنواع الجرائم ثم جرت محاولة اتهام أحدهما بتنفيذ الجريمة ضد الآخر , ألا وهما “الكرد والأرمن”, وذلك باستخدام الإمكانات الهائلة لتركيا كدولة لها أصدقاء ومصالح مقابل شعبين مغلوبين لا مصالح لأي من تلك الدول لدى أي منهما سوى الاستغلال حتى آخر رمق فيهما , وهناك الكثير من الأدلة الموثقة عما كان يحصل دون أن ينتبه الشعبان الى ما يجري ضدهما , حتى أنهما وفي مراحل من تلك النكبات صدّقا أنهما فعلا أعداء لبعضهما وما الآخرون سوى أصدقاء يحاولون مساعدة كل منهما ضد الآخر !.
هنا وقبل الحديث عن تلك المآسي لابد من ذكر بعض صفات عدوهما ومحتل أرضهما , وحتى لا أتهم بالعنصرية المقيتة سوف أنقل مقتطفات من مذكرات السفير الأمريكي في اسطنبول بين عامي 1913-1916 السيد هنري مورغنتاو الذي يصف العنصر التركي في كتابه “قتل أمة” بالقول : (يجب علينا أن نفهم أولا أن الحقيقة الأساسية في العقلية التركية هي الاحتقار المطلق لجميع الأعراق البشرية الأخرى , ان الغرور المشوب بالخبل هو العنصر الذي يبين بشكل شبه كامل نفسية هذا الجنس البشري الغريب …..لقد بقي التركي نفس الإنسان الذي خرج من سهوب آسيا في القرون الوسطى وبعد خمسمائة عام من احتكاكه بالحضارة الغربية لم يتغير )!.
ويقول شكسبير (من هنا مر الترك) كدليل على شهوة التدمير والقتل عند التركي !.
فالكرد والأرمن شعبان أصيلان في المنطقة وهما جاران وينتميان الى أرومة واحدة هي الهند أوروبية , والعلاقات بينهما تعود الى عهد قديم , عصر الدولة الميدية والديانة الزرادشتية التي جمعتهما , وقد تحالف الأرمن معهم للقضاء على الإمبراطورية الآشورية عام 612 ق.م.
وشاركوا في فتح نينوى كما يقول المؤرخ خوريني الذي يذكر أن قائد الأرمن في تلك الحملة الأمير باروير كوفئ على ذلك بمنحه لقب ملك,ولهذا يمكن اعتبار “باروير” مؤسس الدولة الأرمنية القديمة الأولى , وفي القرن الرابع الميلادي “301 م” تحول الأرمن الى المسيحية بينما بقي الكرد على الزرادشتية لكن العلاقات بينهما لم تتأثر بذلك حتى وصول المسلمين الى المنطقة ليتحول أغلب الكرد الى الإسلام .
لا أرى حاجة الى تكرار ذكر الدمار الذي نشره الأتراك القادمون من صحاري قراقوم ومنغوليا في منطقتنا لأنها منشورة من قبل كما ذكرت آنفا, لكن المهم هنا هو الحديث عن الفترة منذ القرن التاسع عشر أي مرحلة تحول الدولة العثمانية الى الرجل المريض وتحرر أغلب الدول البلقانية من نير الاحتلال العثماني وانتباهها الى أن تحرر باقي تلك الدول أصبحت مسألة وقت ليس إلاّ , لذا لابد لها من الإمساك بمن بقي تحت حكمها من شعوب آسيا الصغرى وخاصة الكرد والأرمن وكي لا تترك مجالا للاتفاق بينهما كان لابد لها من استغلال ما يفرق ويدفعهما الى التنافر خاصة بعد فشل ثورة بدرخان بك (1842-1847) الذي وكما يقول الكاتب الأرميني “شهبازيان” أنه نظر الى الأرمن نظرته الى الكرد معتمدا على وجهة النظر القائلة , أنهما من أصل واحد انقسموا الى ديانات وعشائر , وكان جيشه يتألف من العديد من الأرمن والآشوريين وغيرهم من المسيحيين الى جانب الكرد وهذا ما أزعج الانكليز وخلق الشك لديهم في أن نجاح ثورة بدرخان سيفتح الطريق أمام الروس الى الخليج العربي فبدؤوا بالدس بينهم وبين الآشوريين وتحريض المار شمعون للوقوف ضد ثورة بدرخان بك وكانت نتيجة ذلك آلاف الضحايا من الآشوريين والكرد وأخيرا رشوة ايزدان شير “ابن عم بدرخان” ودفعه للخيانة ما أدى الى فشل تلك الثورة التي اعتبرها العديد من المؤرخين أول ثورة تحررية كردية , الا أنها نبهت الأتراك ومعهم الدول المستفيدة من بقاء الرجل المريض عليلا الى وجوب إشغال الأرمن والكرد بإثارة ما يفرق بينهما فكان استغلال التعصب الديني نتيجة التخلف الذي كان الكرد يعانون منه ودفع الجهلاء منهم الى قتل الكفار لتأمين مكان في جنة الرب بفتاوى من رجال الدين الموالين للسلطة ورشوة بعض زعماء القبائل الكردية وإيهامهم بأن أرمينيا المدعومة من الدول المسيحية سوف تكون المهيمن القادم على بلاد الكرد وهو ما كان يجري الحديث عنه فعلا في كواليس السياسات الأوربية ووعود المبشرين الغربيين للأرمن والتي صدقها بعضهم , الا أن ما حصل بعد معاهدة “سان ستيفانوا” نتيجة هزيمة الأتراك أمام الروس والتي استبدلت بمعاهدة “برلين” عام 1878 بضغط من بريطانيا عندها انتبه بعض المثقفين الأرمن الى أن الغرب لا يفكر الا بمصالحه وأن ما يرددونه من كلام عن دعم الأرمن ليس إلا وهماً لاستغلال معاناتهم لأجل مصالحهم الخاصة , يقول ممثل الأرمن الى مؤتمر برلين بعد عودته : (لقد طبخت الحرية في برلين ,لكننا لم نستطع تناول لقمة واحدة … أولادي ! لا تعقدوا أي أمل على الأجانب ,دبروا شئونكم بأنفسكم), لكن هل كان باقي مثقفي الأرمن بهذا المستوى , يقول المؤرخ الأرميني “آرتونيان” عن تلك الفترة (بدلا من جذب القوى الديمقراطية للشعب الكردي كحلفاء والقيام معها بنضال تحرري مشترك ضد الإقطاعيين الأتراك والأكراد حاولت الأحزاب القومية الأرمينية بدعواتها للكره العنصري الى خلق جدار بين الشعبين الكردي والأرميني ), ويقول د.
هاملين مؤسس كلية روبرت كولليدج عن أحد الثوار الأرمن (كان تكتيكنا يقضي بقتل العديد من الأكراد وحرق قراهم ثم الهرب الى الجبال لينتقم الكرد من الأرمن العزل وينتهي ذلك بتدخل روسيا الى جانبنا) !.
يبدو أن هؤلاء لم يصلوا بعد الى حقيقة أن روسيا مثل باقي الأوربيين ستستغل تلك الجرائم لمصالحها ولا يهمها كم قتل من الأرمن أو الكرد , وكان حزب الطاشناق يعتقد حتى ذلك الحين أن روسيا والدول الغربية ستساعدهم في أقامة دولتهم التي ستسيطر على الكرد أيضا متفائلين بوعود تلك الدول , ومن الجهة الأخرى كان بعض الشعراء الكرد يثيرون العواطف للوقوف في وجه المؤامرة التي يحيكها بعض الأرمن مع روسيا وعدد من الدول الأوربية فنرى حاجي قادر يقول في احدى قصائده : ( وا أسفاه ! ان بلاد الجزيرة وبوتان ,أعني بلاد الكرد يحولونها الى ديار أرمينية )! .
لقد صدق الكرد والأرمن ألاعيب الأوربيين فوقعوا في الفخ الذي نصب لهم دون تردد , وكانت الدولة العثمانية تتعامل بذكاء مع هذين الشعبين تساعدها في ذلك كل من بريطانيا العظمى وألمانيا كل في مرحلة ففي نهاية القرن التاسع عشر كانت نصيحة بريطانيا للسلطان عبد الحميد هو تأسيس فرسان الحميدية على طريقة القوزاق الروسي لضرب العلاقات الكردية الأرمينية والوقوف في وجه أي حركة تحررية كردية ولتقوم مقام السلطة في المناطق الكردية الأرمينية حتى أنها كلفت في فترات بجمع الضرائب , ومع أنها كانت تضم أقواما شتى وليس الكرد وحدهم ورفض أغلب العشائر الكردية الانضمام اليها وقيام السلطة العثمانية بتهجيربعضهم الى ليبيا مثل قبيلة “الهماوند” القوية التي هجِّرت بالخديعة الا أنها رفضت البقاء هناك وعادت الى أرضها بعد أن هلك نصفها ** , كذلك حاربت جريدة “كردستان” تشكيل فرسان الحميدية على صدر صفحاتها واعتبرتها موجهة لضرب حركة التحرر القومية الكردية من جهة وتخريب العلاقات الكردية الأرمينية من جهة أخرى ووجهت نداءات للوحدة مع الحركة الأرمينية.
ومع أن أغلب من اشترك في المذابح من الكرد كانوا من فرسان الحميدية الذين كانوا ينفذون أوامر أسيادهم في السلطة العثمانية , فأن تأثيرها في توسيع الهوة بين الشعبين ونشر الدعاية السيئة عن الكرد كان كبيرا , وقد جاء في احدى افتتاحيات جريدة “كردستان” :”انك أيها الكردي لم تكدر أحدا.
ولكن المسئولين هم الذين خدعوك فلطخوا اسمك واسم أجدادك بالسواد” !.
اضافة الى ذلك وحسب وثائق وزارة الخارجية الروسية فان السلطات التركية سعت بكل الوسائل إظهار مسئولية الكرد عن تلك الجرائم بما فيها ارتداء الجنود الأتراك للزي الكردي المعروف أثناء تنفيذ تلك الجرائم , ومع أن العقلاء من الجانبين انتبهوا الى ما يخطط لهم , لكن يبدو أن العقل يتوقف حين تفعل الغريزة فعلها , في رسالة سرية من موش عام 1912 لأحد زعماء الأرمن الدينيين الى “الكاثوليكوس” الحبر الأعظم الأرميني يقول فيها : (فضلا عما نحن فيه من بؤس وشقاء فان قضية المظالم التي يرتكبها بحقنا جامعوا الضرائب قد أرهقتنا الى حد كبير …انهم ينهبون الفلاحين الأرمن والكرد معا بحجة ضريبة العشر …), لقد حصلت الجريمة ضد الشعبين وكما كانت روسيا تحرض الأرمن على قتل الكرد في مراحل الاجتياحات الروسية للمناطق الكردية كانت الدولة العثمانية ومعها ألمانيا تحرض الكرد كواجب ديني على قتل الأرمن وكما هجِّر وقتل مئات الآلاف من الأرمن كذلك هجِّر ما يقارب نفس العدد من الكرد الى مناطق غربي الأناضول وفي ذلك تقول جريدة مشاك الأرمينية “أن المنطقة الممتدة الى الجنوب والغرب من بحيرة (وان) كانت خالية من السكان بعد الحرب مع أنه كان يقطنها في السابق أكثر من ثمانمائة ألف كردي” اضافة الى ذلك فقد هجِّر أكثر من سبعمائة ألف كردي الى غرب الأناضول مات نصفهم على الطريق وهكذا فان الطرفين كانا ضحايا ولم يهتم أحد بنكبتهما !.
يقول الكاتب الفرنسي الكبير أناتول فرانس :”بما أن الغالبية تدير ظهرها عادة للمنكوب فان كثيرين استطاعوا أن يجدوا أساسا لإدانة الضحايا”.
*- الدراسة موجودة في أرشيف الحوار المتمدن بعنوان “قراءة في التاريخ الكردي – الأرمني .
**- دار المحفوظات التاريخية – ليبيا – ملف خاص بالمنفيين الأكراد وثائق رقم 2719 .
المراجع :
كردستان في سنوات الحرب العالمية الاول كمال أحمد مظهر
أرمينية أرض وشعب سمير عربش
الحركة الكردية في العصر الحديث جليلي جليل – م س لازارييف …
أرمينيا 1915 – جورج آرويان جان ماري كارزو
قتل أمة مذكرات السفير هنري مورغنتاو
المشكلة الكردية في الشرق الأوسط د.
حامد محمود عيسى
22-04-2009
Hussein.isso@gmail.com