أسس ومبادئ لنظام عادل ومجتمع حر ..!

دهام حسن

أثر عن مفكري عصر التنوير قولهم : نريد ( حكومة القوانين، وليس حكومة الرجال) ويبدو لي أن الأوربيين كانوا قد ضجوا بحكومة السلالات، التي حكمت قرونا عديدة، وبحكم النبلاء، أو العسكر الذي ما أن يتفرغ من حرب، حتى يدفع لأخرى، دون إرادة الناس، أو ربما ضاق هؤلاء المفكرون، بحكم القلة، أو بحكم الطغمة المالية، لذلك جاءت الدعوة إلى أنظمة تحكمها القوانين كأحد المبادئ الأساسية في الأنظمة الديمقراطية الحاكمة…
رأى الداعون من أن الدستور ينبغي أن يكون هو القانون الأساسي لأي نظام، وفي أي بلد، وينبغي أيضا أن يكون القانون محايدا، أي بمنأى عن السياسة على العموم، بحيث يطبق القانون على الجميع، بغض النظر عن الموقع الاجتماعي أو الطبقي، أو المركز الحكومي، الذي يشغله هذا الشخص أو ذاك، فلا يكون أحد فوق القانون، أو بمنأى عن المساءلة، فمتى ما أخل بهذه المعادلة، أي إذا ما طبق القانون على الضعيف، وأعفي القوي عن المساءلة، فما عاد من الممكن أن يوسم النظام القائم بأنه نظام عادل، أو المجتمع بأنه مجتمع حر.

لهذا يعد سريان القانون في أي نظام، وتطبيقه من أهم مبادئ وأسس لقيام نظام عادل وحر..
ولننتقل إلى مبدأ قيمي آخر وهو الديمقراطية، كشكل للنظام، للحكم، والديمقراطية هي تستوجب بالأساس سيادة الدستور، واحترام القوانين، أي أنهما مترادفان سياسيا، ومتلازمان حضورا، لا بد أن يستدعي أحدهما الآخر، وعندما نشيد بمفهوم الديمقراطية، كصيغة من صيغ الحكم، يحضرني هنا ما قاله ونستون تشرشل، عن الديمقراطية، لكي لا نوصف بالمغالاة في إشادتنا بالديمقراطية، دون معرفة بأشكال النظم السابقة واللاحقة، يقول تشرشل : (لقد تمت تجربة أنماط عديدة من الحكومات، ولسوف تتم تجربة أنماط أخرى في هذا العالم الذي يتسم بالخطيئة والمحن، لا أحد يدعي بأن الديمقراطية كاملة وحكيمة كليا، وفي الحقيقة فقد قيل بأن الديمقراطية هي أسوأ أنواع الحكم، ما عدا جميع تلك الأشكال الأخرى التي تمت تجربتها من وقت إلى آخر.)..!

فبالديمقراطية وحدها تكتسب أنظمة الحكم الشرعية، وتؤسس للاستقرار، وفي ظل الديمقراطيةـ فضلا عن حرية التعبير وحق الاجتماع والتظاهرــ لا بد أن تؤسس أحزاب، وتتشكل تكتلات سياسية، وبالتالي كان الإعراب عن وجهات نظر مختلفة هو سمة الأنظمة الديمقراطية، فهي بمثابة الخيمة التي يستظل بها كل الأطياف السياسية، مهما تباينت رؤاهم، واختلفت آراؤهم..


كما إن الديمقراطية كشكل للحكم، ينبغي أن تكون تمثيلية، أي بمعنى أن يتمثل في السلطة مختلف الشرائح، وسائر قطاعات المجتمع، لا أن تكون السلطة مقتصرة على النخبة المتنفذة والمحظوظة، أو على الفئة الميسورة، أو تحتكرها طبقة استبدادية تستأثر بالسلطة عنوة عن طريق الانقلابات..

إن الديمقراطية التمثيلية تتيح لكافة الشرائح فرصة للتعبير عن آرائها، والدفاع عن مصالحها، بحيث أن القرارات عندما تصدر، لا بد لها من أن تعكس مصالح مختلف فئات المجتمع، في إطار من التوفيق والتوازن بين الجميع، أو يعكس ما يعرف بالمصلحة العامة..

بالديمقراطية أيضا، يمكن إزاحة من يتشبث بالسلطة، أو تكون الديمقراطية بمثابة رقيب عليه في حال سوء استخدام السلطة، وردعه وإزاحته إن اقتضى الأمر ذلك..

في النظم الديمقراطية، تقف الديمقراطية بالضد من تركيز السلطة بيد أي فرد، كما ترسم ضوابط متوازنة تحول دون خطر استبداد الأغلبية، أو تحكم واستبداد الأقلية، ثم فالسلطة التنفيذية مسؤولة أمام السلطة التشريعية، في المساءلة والمحاسبة، وبالتالي لا بد أن يشعر المسؤولون عن تلك المؤسسات أنهم مراقبون، ومعرضون بالتالي للإزاحة والمحاسبة، في حال تماديهم بممارسات سلبية ضارة..

وهنا لو انتقلنا إلى مبدأ قيمي آخر، هو مبدأ المساواة، فهذه اللفظة تأخذ طابع العمومية، ولا تفسر عن مضمونها بيسر وسهولة، فماذا تعني المساواة ؟ يرى أحد الليبراليين، بأنه لا بد أن يكون (جميع الناس، يملكون حقوقا متساوية، ولكن ليس لأشياء متساوية) وهذا الرأي منطقي

أما مشاركة الأثرياء الرأسماليين أموالهم قسرا، فباعتقادي أن هذا رأي فج، وحلم طوباوي، ويدخل في دائرة الأحلام، عن قليل في الحقبة الحالية؛ لكن بالمقابل لا نستطيع أن ننفي مثل هذا النزوع عند بعض السياسيين الحالمين وحتى عند بعض المفكرين.

نأتي أخيرا إلى مكونات المجتمع المدني، كمبدأ أساسي من مبادئ المجتمع الحر، ونعني بالمجتمع المدني هنا سائر المنظمات التطوعية، بدءا من الأسرة، إلى مختلف الأنشطة الأخرى، من أندية رياضية أو موسيقية، وجمعيات خيرية، ومنتديات ثقافية، وروابط نسائية، وسائر النقابات..إلخ

إن نشاط المجتمع المدني، يصب في مصلحة الدولة بالأساس، لكن ليس أي دولة، بل دولة الشعب بأسره..

دولة الحرية والعدل والمساواة، دولة الأمن والحماية والطمأنينة، دولة الوفرة في المعيشة، فقوة الدولة ينبغي أن تستمد من حيوية الشعب، ومن أنشطته المختلفة، لا من خموله، ولا من الحكم عليه بالسوط والصمت..

هذه هي أهم المبادئ التي أثرناها هنا، كدعائم أساسية لبناء مجتمع ديمقراطي حر، والتي ينطوي بدورها على كثير من القيم الأخرى، تتفرع عنها،، تلك القيم التي يتمتع بها الكثيرون اليوم، وينشدها المحرومون خاصة، في سائر بقاع العالم..

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…