عبدالرحمن آلوجي
تشهد الساحة السياسية والاجتماعية أفرادا ومجتمعين, شعبيا ونخبويا وأكاديميا, وعلى مستوى الحركة السياسية الوطنية والناشطين الحقوقيين و الحركة الكردية وأحيانا على المستوى الرسمي – وإن بالوكالة-, حراكا سياسيا متميزا باتجاه الدعوة إلى حل المسألة الوطنية في سوريا , بالبحث عن مخرج للأزمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتفاقمة, ودرس أسبابها وعواملها القريبة والبعيدة, وآفاق العمل المرتقب, والقيمة الحقيقية لعمل وطني متكامل ومشترك , يحمل جدواه وجديته في محاولة لرأب الصدع اولا, والبحث عن جذر المشكلة ثانيا , والوصول إلى صيغة توافقية منقذة من حالة التشرذم والتفتت والانقسام والترهل التي يعيشها ويعانيها الحراك السياسي في سوريا عامة.
وما لقيم المواطنة الحرة من دور ريادي ومثمر في إعادة صياغة القرار السياسي واللحمة الاجتماعية والثقة المفقودة , وما للتضامن والتكافل الفعلي من موقف إيجابي في معالجة الخلل والهدر والبطالة وتراكم الثروة في أيد قليلة , وما للفساد المستشري من أثر بالغ في تقويض دعائم البنى التحتية وجر الاقتصاد الوطني إلى حالة مزرية.
إن هذا الحراك – بما يحمل من دوافع وأسباب تمس الحالة الوطنية في سوريا- ,يحتم ضرورة وضع المقاييس والضوابط الأساسية في بناء صرح وحدة وطنية حقيقية, لا يمكن له أن يجد صداه ويحقق غاياته وأهدافه المعلنة والخفية ما لم يستند إلى هذه الضوابط وتلك المقاييس التي من شأنها أن تنير السبيل أمام هذا الحراك, ليجد المصداقية في القول والعمل والفعل والنظر, بعد الهوة الشاسعة, والبون الكبير بين السياسة والشارع السوري, والذي بات يرتقب أي تغيير جاد يخفف حالة الركود والترهل والاحتقان , وفقدان البرامج المتعددة والموعودة والمرتقبة لجديتها وفاعليتها , مع بقاء حالة الطوارئ والأحكام العرفية وأشكال القمع والاعتقال الكيفي , وحالة الإثراء غير المشروع وبروز قطاع واسع وعريض من المتنفذين والسماسرة , ووضوح حالة النزف العام والهدر الفاحش لموارد الدولة والناتج القومي, والفقر والحرمان والهجرة الجماعية وبخاصة في المناطق الكوردية والتي تعاني- إلى جانب الهم الوطني العام- قوانين استثنائية, ومشاريع لا تزال تكبل الشعب ومقدراته وحياته السياسبة والاجتماعية بأوضاع تشكل أسباب الاحتقان والنكوص والارتداد إلى الخلف.
ومن أجل أن نحدد ونقدر قيمة هذا الحراك , ومدى سعيه الجاد والمصمم في مختلف القطاعات والمستويات , يفترض أن نحدد بدقة مجالات وميادين هذا التحرك , وقدرته على النفاذ إلى صلب المعادلة السياسية والاجتماعية لتحقق القدرة الممكنة في التحريك والاستقطاب, مع تقدير ذلك البون الكبير الذي ألمحنا إليه وما آلت إليه الأمور أيضا, إذ أن من بين مقومات نجاح هذا المشروع الحيوي , والذي يمكن أن يعطيه الطاقة الفعلية للنجاح , جدية الطرح أولا , والبحث عن بدائل حقيقية للحالة المستعصية الراهنة والقدرة على مواجهة الأخطاء والاعتراف بها وبالتالي حسن الرصد وتشخيص الحالة , وما تركته التربية الطويلة في الإعداد والتربية والتوجيه المنظم والعشوائي من ثقافة الولاء المطلق , وحالة الخنوع وقبول الأمر الواقع , والإيهام باستقامة الحالة , واعتبار التذمر والنقد وعدم الرضا بمختلف حالات الفساد من باب شق عصا الطاعة وخرق قيم الولاء المفترض , وزرع الشكوك والريب ومنطق التخوين والمؤامرة , مما يقف حجر عثرة في سبيل الإصلاح وتعبئة الحس الوطني والدعوة إلى تكافؤ الفرص وتوفيها وتكاملها على أساس من العدل والمساواة بين مختلف المجتمع السوري والخروج من عزلة الإقصاء والشطب وأحادية التوجه العروبي , ونبذ وإبعاد الآخرين , تحت واجهة أيديولوجية, أو قومية مؤدلجة أو وطنية تفترض الالتفاف حول مكون واحد ينفي وينكر وجود الآخرين ويمج لغاتهم وثقافاتهم وتميزهم بهذا الدافع أو ذاك , مما يسيء بشكل واضح إلى المقاييس الوطنية وقيمها ومعاييرها الدستورية والقانونية والأخلاقية المعمدة , ويصيب بالضرر كل توجه وطني شعبي أو معارض أو رسمي لا يراعي خصوصية كل مكون في الحراك السياسي والاجتماعي والثقافي , ولا يصغي للصوت الآخر الذي بات مسموعا في المجتمعات المتمدنة والمتطورة , ذوات الثقافات والأطياف المتعددة , مما يعد من ضرورات الانفتاح وقيمه الوطنية ومقومات وجوده وتقدمه ووحدته وتنوعه وتكامله, ليكون الارتفاع إلى مستوى الحس الوطني ومقدماته ومقوماته وضوابطه أساسا لأي حراك مستقبلي من شأنه أنم يراعي ما تعيشه الأطياف اسورية مؤتلفة ومجتمعة ومتفقة على الحدود الوطنية العليا الصائنة لوحدة حقيقية تنسجم مع تلك امقومات الجامعة , وهومن أكبر مشاريعنا وتحركاتنا ومواقفنا وحضورنا لأي جلسة أو لقاء رسمي أو شعبي أو نخبوي يراعي وجودنا الوطني الفاعل والمؤسس والطبيعي بعيدا عن أية اعتبارات أخرى لا تراعي هذه الخصائص الأصيلة وهو ما سوف نناضل من أجله بوضوح تام .
إن ما يحدث للإنسان الكوردي في سوريا , ومنذ أن بدئ بالتجاوز على القوانين الناظمة , والمحددة لرعايا هذه الدولة من المواطنين الكورد, وما يتعلق بحياتهم وأمنهم , ويحدد حقوقهم وواجباتهم , يكاد يكون مذهلا ً ونادر الحدوث , لأن الاستثناء والمحاصرة , وقانون المؤامرة هو الذي يحيط بهذا الشعب تخويناً وتجريدا ً من الجنسية وإشاعة للإقصاء والتغريب في حياته , مما يتنافى قطعا مع قيم المواطنة الحرة, ومعاييرها والقوة القانونية والتشريعية الضابطة والحائلة دون ممارسة أشكال الغبن والتعسف والموقف المسبق, مع الأخذ بالاعتبار مثل الشراكة والتواصل والقيم الرفيعة الجامعة بين أطياف ومكونات المجتمع السوري..
فقد نظم القانون الصادر في 3/8/1924 رقم / 2825 / الحياة المدنية في سوريا ليأتي, ووضع قواعد الشراكة ومقوماتها وفق قرار المفوض السامي الفرنسي رقم / 16/س تاريخ 19/1/1925 محدداً التابعية السورية وحدودها , دون تمييز بين أفراد المجتمع السوري بمختلف أطيافه , ثم يجيء سن القرار /98/ الصادر في 21/5/1951 م بعد الاستقلال ليحدد فيه الحقوقيون السوريون قانون الجنسية , معدلا ً فيما بعد بالقانون رقم /492/ الصادر بتاريخ 16/2/1957 م , لتأكيد حدود المواطن السوري وحقوقه ومعالم حياته.
وتبقى الأمور في إطارها الطبيعي حتى 23/8/1962 مع صدور المرسوم /93/ عن السيد رئيس الجمهورية ناظم القدسي , حيث كان رئيس وزرائه بشير العظمة (كوردي الأصل) هذا المرسوم الذي نبه إلى ضرورة إجراء إحصاء سكاني في الجزيرة السورية , جرى بموجبه بتاريخ الخامس من تشرين الثاني من العام نفسه ( 1962) تجريد عدد هائل من السكان الكورد , والذين يتجاوز عددهم اليوم ربع مليون إنسان مجرد ين من الهوية السورية , ليكون ذلك فاتحة قانون صدر في 24/11/1969 م والذي ينص على قانون الجنسية الساري المفعول حتى يومنا هذا , مع التعديلات الطفيفة اللاحقة , حيث حصر منح الجنسية لأجنبي بناء ً على طلبه , في حال إقامته في سوريا خمس سنوات متتالية , مع توفر شروط إضافية تتعلق بحسن السيرة والسلوك والخلو من الأمراض ..
ولكن دون أدنى تطبيق لهذا القرار , حيث لم يحدث أن صدر أي قرار قضائي بإكساب أي من المواطنين الكورد المجردين من الجنسية,بإعادة النظر في وضع المجردين منها, بعد سبعة وثلاثين عاما, بما يتجاوز سبعة أضعاف المدة القانونية المذكورة في اكتساب المواطنة, مما ينافي الدستور السوري , كما ينافي حالة تصويت سوريا على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948 م والذي تنص فيه المادة /15/ على مبدأين أساسيين :
الأول : حق تمتع كل فرد بجنسية ما .
الثاني : عدم جواز حرمان أي شخص من جنسيته تعسفاً , أو إنكار حقه في تغييرها .
كما وقعت الحكومة السورية على العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية عام 1969 م دون أي تحفظ على المواد الخاصة بالجنسية .
ولكن الواقع الفعلي في سوريا أن الجنسية حصرت في طابع عروبي بحت , بل انسحب هذا الطابع الأحادي على كافة مجالات الحياة الإدارية والتشريعية والتنفيذية والثقافية , مما ينافي القواعد والقرارات والأنظمة والتشريعات الدولية, وواقع المجتمعات الإنسانية في تعدد هويتها الإثنية والمذهبية , وقواعد المواطنة الحرة , وتكافؤ الفرص , وضرورات العدل والمساواة , حيث يعامل الكورد في وطنهم معاملة استثناء وتمييز ومحاصرة , دون أي مبرر إنساني أو قانوني , أو تشريع سماوي , رغم أن الوجود الكوردي راسخ وثابت , ويمتد إلى آلاف السنين , كما أن هذه الشراكة التاريخية لم تلطخ بما يبرره التيار الشوفيني – بأي مؤامرة أو ارتباط بمد استعماري (كما ورد في تقرير مرفوع من مكتب الفلاحين بتاريخ 1966 يعتبر فيه الكرد ووجودهم مؤامرة تسعى لخلق إسرائيل ثانية في المنطقة) , بل كانت العلاقة الكفاحية والإرث التاريخي الخالد للكورد سجلا ً وطنيا حافلا ً بالمآثر والتضحيات والدفاع المستميت عن التراب الوطني المشترك والجامع , حتى أقرب العهود التاريخية , وبخاصة في فترة تبلور الوعي الوطني مع فترة الاستعمار الفرنسي والمآثر والبطولات على يد قادة الثورة من (إبراهيم هنانو وحسن الخراط ويوسف العظمة وعمر ديبو آغا ومعارك الغوطة وجبل سمعان وجبال الزاوية وحارم وبياندور وعامودا), مما لا يبرر النزعة الشوفينية الاستئصالية والمستندة إلى التخوين الوهمي والضال, والتي تجلت في التجريد المخطط من الجنسية والمشروع العنصري المعادي الذي طرحه محمد طلب هلال والمقترح بحصار الكورد وفرض طوق أمني عليهم, و إحاطتهم بضائقة اقتصادية خانقة ترغمهم على الهجرة كما يحصل الآن , وممارسة حالة من الترويع والتخوين وفرض عوامل التجهيل عليهم , بما يسد في وجوههم كل فرص العمل والتعليم والاستقرار , ومحاولة إسكان العرب في المنطقة وتحريضهم على الكورد , وزرع الشقاق في صفوف الكورد وضربهم ببعضهم , وفرض حزام عربي عليهم إلى جانب عسكرة المنطقة , وتضييق فرص العمل وحرمانهم منها , وهونص مشروعه العنصري المقيت والذي تسعى القوى العنصرية إلى تنفيذ دقائقه , وهو ما يحصل إلى يومنا هذا بإصدار تعليمات وقرارات وقوانين, كانت مقدمة مغرضة ودافعة إلى مزيد من التضييق والتعقيد والتوتير والتصعيد, كالقانون /49/ الذي عطل الحياة الاقتصادية وضاعف مأساة هذا الشعب , و أوقف عجلة الحياة , مع التدهور والفقر والجوع والحرمان الذي أدى إلى نزيف بشري وهجرة كوردية جماعية نحو الداخل والخارج ..
في ظل تصاعد وتوتر واحتقان للأجواء يجعل من الوجود الكوردي الراسخ والإيجابي والعميق ,الساعي إلى لجم أي تطرف أو تشدد أو مغالاة عنصرية, وجوداً محظوراً في كل مناحي الحياة , ومفاصل الاقتصاد والعمل والتعليم وإيلاء المناصب ومواقع المسؤولية ..
مما يطرح التساؤل العميق:
ماذا جنى هذا الشعب حتى ينال نصيبه حرماناً وتنكراً وإلغاء ً وتضييقا ً ؟!
إن هذا الحراك – بما يحمل من دوافع وأسباب تمس الحالة الوطنية في سوريا- ,يحتم ضرورة وضع المقاييس والضوابط الأساسية في بناء صرح وحدة وطنية حقيقية, لا يمكن له أن يجد صداه ويحقق غاياته وأهدافه المعلنة والخفية ما لم يستند إلى هذه الضوابط وتلك المقاييس التي من شأنها أن تنير السبيل أمام هذا الحراك, ليجد المصداقية في القول والعمل والفعل والنظر, بعد الهوة الشاسعة, والبون الكبير بين السياسة والشارع السوري, والذي بات يرتقب أي تغيير جاد يخفف حالة الركود والترهل والاحتقان , وفقدان البرامج المتعددة والموعودة والمرتقبة لجديتها وفاعليتها , مع بقاء حالة الطوارئ والأحكام العرفية وأشكال القمع والاعتقال الكيفي , وحالة الإثراء غير المشروع وبروز قطاع واسع وعريض من المتنفذين والسماسرة , ووضوح حالة النزف العام والهدر الفاحش لموارد الدولة والناتج القومي, والفقر والحرمان والهجرة الجماعية وبخاصة في المناطق الكوردية والتي تعاني- إلى جانب الهم الوطني العام- قوانين استثنائية, ومشاريع لا تزال تكبل الشعب ومقدراته وحياته السياسبة والاجتماعية بأوضاع تشكل أسباب الاحتقان والنكوص والارتداد إلى الخلف.
ومن أجل أن نحدد ونقدر قيمة هذا الحراك , ومدى سعيه الجاد والمصمم في مختلف القطاعات والمستويات , يفترض أن نحدد بدقة مجالات وميادين هذا التحرك , وقدرته على النفاذ إلى صلب المعادلة السياسية والاجتماعية لتحقق القدرة الممكنة في التحريك والاستقطاب, مع تقدير ذلك البون الكبير الذي ألمحنا إليه وما آلت إليه الأمور أيضا, إذ أن من بين مقومات نجاح هذا المشروع الحيوي , والذي يمكن أن يعطيه الطاقة الفعلية للنجاح , جدية الطرح أولا , والبحث عن بدائل حقيقية للحالة المستعصية الراهنة والقدرة على مواجهة الأخطاء والاعتراف بها وبالتالي حسن الرصد وتشخيص الحالة , وما تركته التربية الطويلة في الإعداد والتربية والتوجيه المنظم والعشوائي من ثقافة الولاء المطلق , وحالة الخنوع وقبول الأمر الواقع , والإيهام باستقامة الحالة , واعتبار التذمر والنقد وعدم الرضا بمختلف حالات الفساد من باب شق عصا الطاعة وخرق قيم الولاء المفترض , وزرع الشكوك والريب ومنطق التخوين والمؤامرة , مما يقف حجر عثرة في سبيل الإصلاح وتعبئة الحس الوطني والدعوة إلى تكافؤ الفرص وتوفيها وتكاملها على أساس من العدل والمساواة بين مختلف المجتمع السوري والخروج من عزلة الإقصاء والشطب وأحادية التوجه العروبي , ونبذ وإبعاد الآخرين , تحت واجهة أيديولوجية, أو قومية مؤدلجة أو وطنية تفترض الالتفاف حول مكون واحد ينفي وينكر وجود الآخرين ويمج لغاتهم وثقافاتهم وتميزهم بهذا الدافع أو ذاك , مما يسيء بشكل واضح إلى المقاييس الوطنية وقيمها ومعاييرها الدستورية والقانونية والأخلاقية المعمدة , ويصيب بالضرر كل توجه وطني شعبي أو معارض أو رسمي لا يراعي خصوصية كل مكون في الحراك السياسي والاجتماعي والثقافي , ولا يصغي للصوت الآخر الذي بات مسموعا في المجتمعات المتمدنة والمتطورة , ذوات الثقافات والأطياف المتعددة , مما يعد من ضرورات الانفتاح وقيمه الوطنية ومقومات وجوده وتقدمه ووحدته وتنوعه وتكامله, ليكون الارتفاع إلى مستوى الحس الوطني ومقدماته ومقوماته وضوابطه أساسا لأي حراك مستقبلي من شأنه أنم يراعي ما تعيشه الأطياف اسورية مؤتلفة ومجتمعة ومتفقة على الحدود الوطنية العليا الصائنة لوحدة حقيقية تنسجم مع تلك امقومات الجامعة , وهومن أكبر مشاريعنا وتحركاتنا ومواقفنا وحضورنا لأي جلسة أو لقاء رسمي أو شعبي أو نخبوي يراعي وجودنا الوطني الفاعل والمؤسس والطبيعي بعيدا عن أية اعتبارات أخرى لا تراعي هذه الخصائص الأصيلة وهو ما سوف نناضل من أجله بوضوح تام .
إن ما يحدث للإنسان الكوردي في سوريا , ومنذ أن بدئ بالتجاوز على القوانين الناظمة , والمحددة لرعايا هذه الدولة من المواطنين الكورد, وما يتعلق بحياتهم وأمنهم , ويحدد حقوقهم وواجباتهم , يكاد يكون مذهلا ً ونادر الحدوث , لأن الاستثناء والمحاصرة , وقانون المؤامرة هو الذي يحيط بهذا الشعب تخويناً وتجريدا ً من الجنسية وإشاعة للإقصاء والتغريب في حياته , مما يتنافى قطعا مع قيم المواطنة الحرة, ومعاييرها والقوة القانونية والتشريعية الضابطة والحائلة دون ممارسة أشكال الغبن والتعسف والموقف المسبق, مع الأخذ بالاعتبار مثل الشراكة والتواصل والقيم الرفيعة الجامعة بين أطياف ومكونات المجتمع السوري..
فقد نظم القانون الصادر في 3/8/1924 رقم / 2825 / الحياة المدنية في سوريا ليأتي, ووضع قواعد الشراكة ومقوماتها وفق قرار المفوض السامي الفرنسي رقم / 16/س تاريخ 19/1/1925 محدداً التابعية السورية وحدودها , دون تمييز بين أفراد المجتمع السوري بمختلف أطيافه , ثم يجيء سن القرار /98/ الصادر في 21/5/1951 م بعد الاستقلال ليحدد فيه الحقوقيون السوريون قانون الجنسية , معدلا ً فيما بعد بالقانون رقم /492/ الصادر بتاريخ 16/2/1957 م , لتأكيد حدود المواطن السوري وحقوقه ومعالم حياته.
وتبقى الأمور في إطارها الطبيعي حتى 23/8/1962 مع صدور المرسوم /93/ عن السيد رئيس الجمهورية ناظم القدسي , حيث كان رئيس وزرائه بشير العظمة (كوردي الأصل) هذا المرسوم الذي نبه إلى ضرورة إجراء إحصاء سكاني في الجزيرة السورية , جرى بموجبه بتاريخ الخامس من تشرين الثاني من العام نفسه ( 1962) تجريد عدد هائل من السكان الكورد , والذين يتجاوز عددهم اليوم ربع مليون إنسان مجرد ين من الهوية السورية , ليكون ذلك فاتحة قانون صدر في 24/11/1969 م والذي ينص على قانون الجنسية الساري المفعول حتى يومنا هذا , مع التعديلات الطفيفة اللاحقة , حيث حصر منح الجنسية لأجنبي بناء ً على طلبه , في حال إقامته في سوريا خمس سنوات متتالية , مع توفر شروط إضافية تتعلق بحسن السيرة والسلوك والخلو من الأمراض ..
ولكن دون أدنى تطبيق لهذا القرار , حيث لم يحدث أن صدر أي قرار قضائي بإكساب أي من المواطنين الكورد المجردين من الجنسية,بإعادة النظر في وضع المجردين منها, بعد سبعة وثلاثين عاما, بما يتجاوز سبعة أضعاف المدة القانونية المذكورة في اكتساب المواطنة, مما ينافي الدستور السوري , كما ينافي حالة تصويت سوريا على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948 م والذي تنص فيه المادة /15/ على مبدأين أساسيين :
الأول : حق تمتع كل فرد بجنسية ما .
الثاني : عدم جواز حرمان أي شخص من جنسيته تعسفاً , أو إنكار حقه في تغييرها .
كما وقعت الحكومة السورية على العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية عام 1969 م دون أي تحفظ على المواد الخاصة بالجنسية .
ولكن الواقع الفعلي في سوريا أن الجنسية حصرت في طابع عروبي بحت , بل انسحب هذا الطابع الأحادي على كافة مجالات الحياة الإدارية والتشريعية والتنفيذية والثقافية , مما ينافي القواعد والقرارات والأنظمة والتشريعات الدولية, وواقع المجتمعات الإنسانية في تعدد هويتها الإثنية والمذهبية , وقواعد المواطنة الحرة , وتكافؤ الفرص , وضرورات العدل والمساواة , حيث يعامل الكورد في وطنهم معاملة استثناء وتمييز ومحاصرة , دون أي مبرر إنساني أو قانوني , أو تشريع سماوي , رغم أن الوجود الكوردي راسخ وثابت , ويمتد إلى آلاف السنين , كما أن هذه الشراكة التاريخية لم تلطخ بما يبرره التيار الشوفيني – بأي مؤامرة أو ارتباط بمد استعماري (كما ورد في تقرير مرفوع من مكتب الفلاحين بتاريخ 1966 يعتبر فيه الكرد ووجودهم مؤامرة تسعى لخلق إسرائيل ثانية في المنطقة) , بل كانت العلاقة الكفاحية والإرث التاريخي الخالد للكورد سجلا ً وطنيا حافلا ً بالمآثر والتضحيات والدفاع المستميت عن التراب الوطني المشترك والجامع , حتى أقرب العهود التاريخية , وبخاصة في فترة تبلور الوعي الوطني مع فترة الاستعمار الفرنسي والمآثر والبطولات على يد قادة الثورة من (إبراهيم هنانو وحسن الخراط ويوسف العظمة وعمر ديبو آغا ومعارك الغوطة وجبل سمعان وجبال الزاوية وحارم وبياندور وعامودا), مما لا يبرر النزعة الشوفينية الاستئصالية والمستندة إلى التخوين الوهمي والضال, والتي تجلت في التجريد المخطط من الجنسية والمشروع العنصري المعادي الذي طرحه محمد طلب هلال والمقترح بحصار الكورد وفرض طوق أمني عليهم, و إحاطتهم بضائقة اقتصادية خانقة ترغمهم على الهجرة كما يحصل الآن , وممارسة حالة من الترويع والتخوين وفرض عوامل التجهيل عليهم , بما يسد في وجوههم كل فرص العمل والتعليم والاستقرار , ومحاولة إسكان العرب في المنطقة وتحريضهم على الكورد , وزرع الشقاق في صفوف الكورد وضربهم ببعضهم , وفرض حزام عربي عليهم إلى جانب عسكرة المنطقة , وتضييق فرص العمل وحرمانهم منها , وهونص مشروعه العنصري المقيت والذي تسعى القوى العنصرية إلى تنفيذ دقائقه , وهو ما يحصل إلى يومنا هذا بإصدار تعليمات وقرارات وقوانين, كانت مقدمة مغرضة ودافعة إلى مزيد من التضييق والتعقيد والتوتير والتصعيد, كالقانون /49/ الذي عطل الحياة الاقتصادية وضاعف مأساة هذا الشعب , و أوقف عجلة الحياة , مع التدهور والفقر والجوع والحرمان الذي أدى إلى نزيف بشري وهجرة كوردية جماعية نحو الداخل والخارج ..
في ظل تصاعد وتوتر واحتقان للأجواء يجعل من الوجود الكوردي الراسخ والإيجابي والعميق ,الساعي إلى لجم أي تطرف أو تشدد أو مغالاة عنصرية, وجوداً محظوراً في كل مناحي الحياة , ومفاصل الاقتصاد والعمل والتعليم وإيلاء المناصب ومواقع المسؤولية ..
مما يطرح التساؤل العميق:
ماذا جنى هذا الشعب حتى ينال نصيبه حرماناً وتنكراً وإلغاء ً وتضييقا ً ؟!
إن مراجعة منصفة لا بد أن تعيد الأمور إلى أوضاعها الطبيعية في مواطنة حرة ومتكافئة, وولاء حقيقي للوطن, ومصلحته العليا المتجسدة في قيم المواطنة الحرة والعدل وتكافؤ الفرص وخصوصية كل المكونات والأطياف المتآخية والمتكافلة ..