الإنتخابات التركية وخزة، في عيون من لايرى الحقيقة

خالص مسور

في يوم الأحد التاسع والعشرين من شهر آذار الفائت من عام 2009م كان يوماً مشهوداً في تاريخ الشعب الكردي عموماً وفي كردستان تركية خصوصاً، حيث جرت في هذا اليوم الإنتخابات البلدية لعموم تركية وكردستان، والتي حقق فيها الشعب الكردي مأثرة تاريخية كبرى، لاتقل في نتائجها عن نتائج معركة الزاب وإنتصارحفنة فيها من مقاتلي الجبال الكرد الأشداء على الجيش التركي بكامل عدته وعديده.

نعم ولا شك كانت الإنتخابات البلدية وخزة مؤذية في عيون كل من لايريد أن يرى الحقيقة بأم عينيه، وكل من يكل بمكيالين وبازدواجية معاييره المهترئة في هذا العالم.

فبعد هذه الإنتخابات المعبرة بصدق عن تطلعات وآمال الشعب الكردي في تركية في حياة حرة كريمة، لم يبق حجة لمن يدفنون رؤوسهم في الرمال ولمن يختلقون قصص الإرهاب الزائفة من أصحاب المواهب الفجة والبدائية، الذين يشنفون آذاننا كل ساعة ودقيقة بسيمفونية مصطلحات الإرهاب والإرهابية؟ ويتلفظون بتكاتهم الصدئة الثلاث

تك دولت…تك ملت…تك لغت…
وفي الحقيقة فقد أثبتت هذه الإنتخابات التاريخية أن الحزب الكردي (DTP) هو حزب جماهيري بكل ما للكلمة من معنى وليس في تاريخ وتصرفات هذا الحزب ما يسمح لنا وللغير بإطلاق صفة الإرهاب عليه أو على أي من كوادره، كما يحلو للبعض أن يشيعه، فشعب بأكمله لايمكن أن يتحول إلى إرهابي بين عشية وضحاها وبناء على رغبة وهوى في النفوس المزيفة للحقائق.

هكذا يمكن أن نرى أن للإنتخابات البلدية الأخيرة في تركية أكثر من مدلول سياسي، وقومي، وإنساني… في وقت واحد.

فحينما يفوزالكرد في موطنهم كردستان الشمالية بل حتى في بعض المدن التركية كمدينة مرسين التركية مثلاً، في صناديق الإنتخابات وبطريقة سلمية وحضارية في أكثر من 99 بلدية في كردستان وحدها، مما يدلل – وبجلاء- على الطفرة القومية وسمات الوعي السياسي الكردي الكبير، وعلى مدى الظمأ الكردي وتوقه إلى النهل من فضاءات الحرية والديموقراطية، وإيجادته لعبة الإنتخابات بدلاً من لعبة العسكر التركي وهي القتل والإمحاء والإبادة التي يسيرها ضد شعب بأكمله، هذا الشعب الذي لم يفعل – على مر تاريخ- إلا الخير لشعوب المنطقة التي تعيش معها اليوم في وطن واحد ودولة واحدة، هذا الشعب الذي استطاع القفز من الصراع البيني القبلي إلى الصراع السلمي الحضاري والإحتكام إلى صناديق الإنتخابات التي أصبحت الحكم الفصل في النزاع الكردي مع الحكام الأتراك، في سبيل التمسك بالحقوق والهوية تحت راية النضال الذي قاده حزب (DTP) ومقاتلي الحرية في قمم جبال كردستان الشماء، وتحت راية قيادته التاريخية المتمثلة في (أوجلان) مانديلا الشرق في سجن إيمرالي.
وما يمكن للمرء أن يستحلصه من هذه الإنتخابات أيضاً، هوالخط البياني التصاعدي والتقدم الكردي البطيء والإقتراب من نهاية النفق في طريقه لينل حقوقه المشروعة وبالطرق الحضارية.

فمن ضياع قومي وأتراك جبال والاغاني التتريكية …كمال والدنا… والضياع والترنح تحت سياسات الذوبان والصهرالقومي، إلى الجرأة في التكلم باللغة القومية، إلى الشعار القائل…لغتنا هي شرفنا…ثم تشكيل حزب (DTP) سياسي، ثم كلام رئيس الوزراء التركي بالكردية في ديار بكر باللغة الكردية في ديار بكر، ورغم أن ذلك كان للإستهلاك المحلي ولكسب الأصوات الإنتخابية، إلا أنها جاءت ضمن التطورات السريعة المتلاحقة ضمن المكاسب القومية للشعب الكردي، بالإضافة تكسير حاجزالخوف وسوف لن يكون آخرها الجرأة التي أبداها في البرلمان التركي السيد احمد ترك رئيس حزب (DTP).

الذي تكلم بالكردية وهو يعتلي منصة البرلمان التركي ويقول بملء الفم: (لقد عاهدت نفسي أن أتكلم يوماً هنا بلسان والدتي).

وقبله كانت ليلى زانا قد فعلت الشيء ذاته من على منصة البرلمان التركي ذاتها، وسجنت على إثرها مع رفاقها أكثر من عشر سنوات ونالت على إثرها أيضاً جائزة السلام العالمي.

ثم النزول مؤخراً إلى صناديق الإنتخابات التي  أظهرت مقدارالوعي السياسي الذي بات يتمتع به أتراك الجبال، وكانت فضاية (Trt6)، التي تتكلم الكردية الآن رغم أنها عمل دعائي مخادع لم تأت إلا لذر الرماد في العيون والتسكيت ليس إلا، ألا أنها لم تأت من فراغ وليست دون عمل دؤب ونضال سياسي وعسكري شاق ومرير، ثم اليوم إستحواذ (DTP) على رئاسة البلديات في كردستان، وكلها تباشير مستقبل زاهر قادم.

ولكن ليس بدون حذر لأن الأوضاع في المنطقة مقبلة على تقلبات كبيرة وقد تكون مفاجئة وغير متوقعة.


هكذا نرى أن حقوق الشعوب تؤخذ ولاتعطى، وفي استقلال الشعوب من الكولونيالية في العالم عبرة لمن اعتبر، فالإستعمار (الكولونيالي) لم يخرج من البلدان المستعمرة إلا بنضالات شعوبها وكفاحها المضني والشاق في سبيل الحرية والنصر، كما أن الرزق أيضاً لم يأتك وأنت جالس بين أربعة حيطان فالسماء لاتمطر ذهباً وفضة.

وعلينا أن نعلم جميعاً بأن لا أحد يحمل السلاح إلا وهومضطر إليه، ولا شعب مضطهد في هذا العالم يحمل السلاح إلا لرفع الحيف والغبن عن نفسه وشعبه ووطنه.

فلولا صمود الشعب الفلسطيني لما أقرت اسرائيل بخيار الدولتين مرغمة، ولولا صمود الشعب الكردي في كردستان الجنوبية لما حققت الفيدرالية، ولولا صموده في كردستان الشمالية لما تكلم أردوغان بالكردية في دياربكر، وصموده اعطت الجرأة للسيد احمد ترك أن يتكلم الكردية في البرلمان التركي دون خوف ولا وجل، لأنه استمد العزيمة من صمود شعبه ودماء شهداء وطنه  ووتمتعه بروح نضالية مضحية.

والآن يتوجب على تركية ومن يتحالف معها التخلي عن معاييرهم المزدوجة أوالتباكي على طيور الجنة في غزة وقتل طيورالجنة في كردستان.

واليوم هو الرابع من نيسان 2009م فيه تعلن تركية على لسان رئيس وزرائها أنها لا تقبل بدولة كردية في العراق لأن ذلك سيؤدي إلى تقسيم العراق! ولكن من قسم دولة قبرص الوادعة ياترى في 1974م إلى دولتين إحداها تركية والأخرى يونانية بالقوة والغصب.

ألأن هناك أبناء ست وهنا أبناء جارية؟….لا أدري..! فكفى إذاً دساً للرؤوس في الرمال والإعتراف بالحقيقة، بأن هناك في كردستان شعب يعيش على أرض آبائه وأجداده منذ آلاف السنسين، وآن الإعتراف بحقوقه المشروعة وتطلعاته التي عبر عنها في صناديق الإنتخابات بشكل سلمي حضاري وبكل جدارة واستحقاق، وهي تطلعات  تؤيدها جميع الشرائع والقوانين في العالم.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…