جديد «نوروزنا» هذا العام (مطروح للمناقشة)

صلاح بدرالدين

     من أجل أن لا يشعر أي رعيل وجيل وتنظيم وجماعة وفرد في ما يعرف بالحركة القومية الكردية منذ بدايات ظهورها وحتى الآن بالغبن والاستبعاد ومن منطلق الموضوعية والقراءة العلمية للتاريخ فاننا لانجانب الحقيقة اذا اعتبرنا مشهد نوروز هذا العام بجديده وبعض مظاهره الايجابية حلقة من سلسلة طويله لايمكن فكاكها تربط الحاضر بالماضي بدء من الحلقة المركزية المفصلية الملتحمة بقاعدة حركة – خويبون – القومية التي أسسها الرعيل الأخير من المحاربين الشجعان من زعامات الكرد التقليدية على سجيتهم وعماديها المغروسين في – القامشلي – و- صوفر – عام 1927 ومرورا بحلقتها الأكثر حداثة والأغنى تنظيما والأكثر عطاء في ظل الدولة السورية مابعد الاستقلال المتجسدة في انبثاق – الحزب الديموقراطي الكردستاني – سوريا –  عام 1957 الذي قاد النضال الكردي في مرحلة مليئة بالتحديات
وصولا الى الحلقة التي لاتقل أهمية عن سابقاتها وتجسدت قي انعطافة الخامس من آب لعام 1965 التي دشنت مرحلة اعادة التموضع الاجتماعي والتنظيمي والتسلح بالبرنامج الاستراتيجي بعد قراءة ثقافية فكرية جديدة لتعريف القضية والشعب والأهداف والمرحلة والعلاقة مع الحركة الوطنية الديموقراطية السورية والكردستانية والعربية والأممية ومراجعة نقدية لطرق ووسائل النضال ومواجهة التحديات وخاصة مخطط التعريب (الاحصاء العنصري والحزام العربي) وانتهاء بالحلقة مابعد الأخيرة من السلسلة في المرحلة الراهنة التي تشهد تعددا واسعا فريدا لأسماء أحزاب وتنظيمات وجماعات قدمت بدورها خدمات للقضية القومية التي قد يختلف البعض في تقييم الجدوى والنتائج والمآل , أما الحلقة الأخيرة من هذه المرحلة فتعود الى الهبة الكردية الدفاعية عام 2004 المتعارف عليها بانتفاضة آذار التي شكلت تحولا جذريا في تاريخ الحركة القومية الكردية وأسست لفرز معطيات ونتائج جديدة مازالت قيد البلوغ وقد تطول أو تقصر مدة اكتمال شروطها وتقديماتها التي ينتظر أن تؤدي بالأخير الى ولادة حركة سياسية كردية قوامها الاتحاد والتلاقي والبرنامج الموحد والقيادة الكفوءة المتجددة والآلية التنظيمية المناسبة هذا الوليد المنتظركما ذكرنا آنفا سيكون الابن الشرعي لمجمل تاريخنا الممتد من عشرينات القرن الماضي وحتى اللحظة الراهنة ومن واجب الجميع المساهمة الايجابية في تحسين شروط هذا التطور التاريخي المرتقب.
    حسب قراءتي لمختلف جوانبه أرى أن نوروز هذا العام يعود في معطياته الجديدة بالاضافة الى الخلفية التاريخية الآنفة ذكرها لفعل هبة آذار قبل خمسة أعوام وماهي الا دفعة من نتائجها المتتالية بدون توقف فما هو هذا الجديد ياترى:
 مع انتشار واسع لقوى القمع المتنوعة وتواجد أمني وعسكري كثيف، حيث تم جلب كتيبة كاملة من قوات حفظ النظام من مدينة دير الزور بالإضافة الى الشرطة والجيش والأمن الذين تواجدوا بكثافة بغرض بث الرعب والإرهاب في نفوس المحتفلين في كافة مناطق التواجد الكردي في سوريا والتضييق عليهم ومصادرة الأجهزة الفنية وهدم المسارح المقامة في الهواء الطلق مع حدوث اعتقالات بالعشرات ووقوع عدة ضحايا بحوادث سير فان الجديد الأول هو عدم حصول حوادث امنية دامية أو قتل للمواطنين الكرد بسلاح السلطة كما كانت تحصل عادة في الأعوام السابقة ومرد ذلك حسب المراقبين خوف النظام من تكرار ماحصل قبل خمسة أعوام ومن تداعيات أي حدث وانعكاسها سلبا على ظروفه الدقيقة الحرجة عشية انتظار نتائج المحكمة الدولية بشأن جريمة اغتيال الحريري ورفاقه وهمه في اجتياز امتحان – الاختبار – الدولي لسلوكه في بداية الانفتاح المتبادل مع الغرب واسرائيل بغية انتشال سوريا من الحضن الايراني حسب زعم الدوائر الغربية خاصة بتواجد دبلوماسيين غربيين وبعثات اعلامية أجنبية.
الجديد الثاني حلول وفد دولي في مدينة القامشلي لمراقبة الاحتفالات هناك حيث قام بجولة في كافة مراكز احتفالات نوروز وتكون الوفد من دبلوماسيين غربيين من سفارات  الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وكندا والنرويج والسويد وفنلندا بالإضافة إلى ممثل عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وكذلك حضور صحفيين أجانب تابعوا الاحتفالات في منطقة الجزيرة.
الجديد الثالث هو بلوغ نسبة الكرد المشاركين في احتفالات نوروز هذا العام في مناطق الجزيرة وكوبانية – عين العرب – وحلب وجبل الأكراد ودمشق وضواحيها الأعلى في تاريخ الكرد السوريين وتعددت مراكز التجمعات وتوسعت لتستوعب الجموع الغفيرة التي اكتملت فيها طقوس المناسبة وفعالياتها القومية والوطنية والفنية الترفيهية.
الجديد الرابع هو ظهور العمق الشعبي المباشر لهذه المناسبة القومية من دون الوساطات الحزبية حتى الفعاليات الفنية بانت بمعظمها باستقلالية وقامت جماعات الفرق الفنية الكردية بادارة نفسها ذاتيا وبصورة منظمة ملفتة بما في ذلك الاتفاقات بينها والتي تمت بكل سهولة لتقديم الأعمال المشتركة دون المرور في تعقيدات كواليس – قيادات الأحزاب – التي يبدو أنها كانت تشغل نفسها بشغف في أمور ليست من مهامها الرئيسية بل من وظائف المؤسسات الثقافية وهذا تطور مهم في طريق تحرر ووحدة والتئام عناصر الفنون الكردية كدعامة قومية من موسيقى وفولكلور وشعر والمسرح – الطيار – ويفتح الطريق لاندماج تلك الفرق مستقبلا لتشكل مؤسسة واحدة ويساعد ايضا على اعادة الاعتبار لشخصية المدربين والمشرفين والناشطين الفنيين واطلاق طاقاتهم الخلاقة واحترام ابداعاتهم كي لاتضيع في زحمة الصراعات الجانبية كل ذلك شكل عاملا مستجدا هاما لنزع الصفة – الحزبية –  الضيقة عن نوروز الذي هو كمناسبة قومية أكبر وأوسع وأعظم من كل ما من حوله وهنا أيضا يمكن تسجيل أن الجماهير الشعبية الكردية السورية تجاوزت – الأحزاب – مرة أخرى وأحاطتها بأمواجها البشرية.
الجديد الخامس هو الصدقية التي تمتع بها اعلام المنابر الكردية المستقلة غير الحزبية في نقل وقائع نوروز من الوطن وبلاد الشتات واجراءات ومضايقات أجهزة القمع من مواقع ألكترونية وبيانات ونداءات ومتابعات سريعة بالاستناد الى عين المكان من جانب جنود مجهولين يستحقون كل التقدير.
الجديد السادس هو أن المشاركة الواسعة المميزة في جميع المناطق بالاحتفالات تعززت بالحراك الشبابي الطالبي النشط في جامعة حلب والتغير اللافت المتعاظم في نسق مشاركة بنات وأبناء – عامودا – و قبور البيض – ” تربسبي ” في نوروز هذا العام .
واذا لم يكن كل جديد مفيدا فالجديد السابع يتعلق بالوجه الآخر لنتائج زيارة وفد دبلوماسيي السفارات الأجنبية في دمشق الى منطقة الجزيرة الذي جاء بموافقة ومواكبة أمنية رسمية وستستثمرها السلطة لصالحها عندما يرفع أعضاء الوفد تقارير الى مرجعياتهم وتتضمن أن الكرد بخير وحريتهم مصانة ويتمتعون بحقوقهم ويمارسون الاحتفال بعيدهم القومي دون أي تدخل أو منع من السلطة وبتواجد قيادات أحزابهم  خاصة اذا غاب عن أذهان أعضاء الوفد بعض الحقائق مثل أن نوروز ليس معترفا به رسميا كعيد قومي كردي وتجري الاحتفالات بدون اذن السلطات ورعايتها وأن مجرد الاحتفال لايعني حصول الكرد على حقوقهم القومية أو أن القضية الكردية في سوريا على وشك الحل .
مهما تحدث من تطورات غير متوقعة ومن سيناريوهات مرسومة من جانب أوساط نظام الاستبداد بعضها بأثواب وألوان غير مألوفة دون تبدل في المضمون وقد تكون نتيجة التغييرات الوظيفية التي تمت في هرم المسؤولية في مكاتب الملف الكردي التابعة لأجهزة أمن الرئاسة والمؤسسات الأمنية الأخرى نقول مهما حصل هناك حقيقة يجب أن لاتغيب عن أذهان كل وطني كردي وهي عدم استعداد وعجز القيادات الحزبية الكردية الراهنة من مواجهة التحديات أو ادارة العملية السياسية بنجاح مما تعيدنا تلك الحقيقة المرة مرة أخرى الى المربع الأول في البحث عن خيار البديل النضالي الأنسب وهو مايجب تناوله والتركيز عليه من جانب النخبة الكردية الثقافية والسياسية في المرحلة الراهنة .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…