أمين عمر
ما توصل إليه داهية الكرد جلال طالباني بعد تجاوزه السبعين عاماً، قضى معظمها في الجبال الوعرة التي عجنته وصقلت شخصيته بتجارب كفاحية مريرة وأكسبته ربما النباهة وبعد النظر، يكفي لتحرير قارة بحد ذاتها، فيخرج ليدلي فجأة بشيء يكاد يعتبر من إحدى فكاهاته الكثيرة، ولكن سجلت وحسبت كتصريح من رئيس دولة وقائد حزب وهو ان «الدولة الكردية – كردستان – هي مجرد حلم».
ما توصل إليه داهية الكرد جلال طالباني بعد تجاوزه السبعين عاماً، قضى معظمها في الجبال الوعرة التي عجنته وصقلت شخصيته بتجارب كفاحية مريرة وأكسبته ربما النباهة وبعد النظر، يكفي لتحرير قارة بحد ذاتها، فيخرج ليدلي فجأة بشيء يكاد يعتبر من إحدى فكاهاته الكثيرة، ولكن سجلت وحسبت كتصريح من رئيس دولة وقائد حزب وهو ان «الدولة الكردية – كردستان – هي مجرد حلم».
التصريح أو المخاض الذي طال انتظاره، خرج كجنين مشوّه في غير وقته للصحف التركية، فقلصت تضحيات الرجل ونضاله، وكان ذلك بمثابة انتكاسة ومصدر استغراب لكل من سمع بحنكة هذا الرجل.
تصريح طالباني الخبير في التملص من المواقف كان شبيهاً بالذي جمع قطرات الحليب قطرة قطرة، وما إن امتلأ الوعاء حتى ضرب ما جمعه بقدمه وأهدر كل شيء.
ولكن، وكي لا نبخس «المام» الآخر «آبو» عبدالله أوجلان حقه فقد اكتشف هو الآخر ذلك قبلاً، ولكن في لحظة واحدة، لحظة اقتياده على متن طائرة الى جزيرة مرمره.
استطاع أوجلان وحزبه كسب عاطفة الشعب الكردي بمطلبه وشعاره الأغلى لدى كل كردي «كردستان الكبرى»، وبداية التحرير ستكون بالطبع من تركيا الأقوى عسكرياً والأكثر فتكاً، ولعل مجازر الإبادة التي ارتكبت ضد الأرمن ما زالت مطبوعة في الذاكرة بخط اسود عريض.
العمال الكردستاني رأى في شعار بارزاني الأب: «إما كردستان وإما الفناء» بعض اليأس، فقرر تعديل الشعار، ليثبت أنه دائماً يملك الجديد في جعبته، ويبرهن ان لا مجال عنده للفناء، فأصبح: «إما كردستان وإما كردستان».
البسطاء والأميون من الشعب الكردي الذين لم يعرفوا القراءة والكتابة بأي لغة، سواء كانت اللغة الأم (الكردية) ام لغة إحدى الدول الأربع التي أُلحق بها جزء من كردستان عقب اتفاقية «سايكس – بيكو» عام 1916، هؤلاء البسطاء من العمال الكرد كانوا مأخوذين بمقولات كبيرة يلاحظها أي مراقب عن قرب أو حتى عن بعد، بأنها عبارات مُلقّنة بحزم، منها ان للحزب أهدافاً إستراتيجية وأهدافاً تكتيكية، الهدف الاستراتيجي والذي هو المآل – كردستان – وعدا ذلك فكل ما يُقرر أو يُفعل، مهما كان خطأً، سواء من النوع الفادح أو اكبر منه، يعتبر هدفاً تكتيكياً بمثابة معبر يقود الى الهدف الاستراتيجي.
ما يبعث على الأسف، بعد سقوط الآلاف من خيرة شباب الكرد شهداء شعار التحرير، اكتشف العمال الكردستاني انه صعب المنال وهو أمر ملغى، أي انه حتى ليس مجرد حلم، كأحلام «المام» طالباني في الأساطير.
ما يسجل للطالباني، انه استطاع مع برزاني الفوز بإقليم فيديرالي للكرد يعتبر على أرض الواقع دولة فيها من مقومات الدولة ما يزيد عن دول قائمة منذ عقود عدة، وفيه – أي الإقليم – من الخدمات وتشييد للبناء ما يبهر، وتحسّن لمستوى دخل الفرد، يعادل أضعاف الدخل للمواطن الذي يسكن جارتهم سورية على سبيل المثال.
ولكن على رغم ذلك، يعلن «طالباني» ان الدولة الكردية مجرد حلم، وإن كان عملياً ما تحقق دولة من دون اعتراف.
الموقف – التصريح اثبت أيضاً ان حزب طالباني حتى وهو يمر بأكبر أزمة في تاريخه بخير، فلم نر رفاقه في القيادة يعلنون ويؤكدون ما أعلنه رئيسهم، رئيس دولتهم وحزبهم، من ان التصريح إبداع رائع في الفكر السياسي وعين الصواب كما يحدث في الأحزاب الشمولية، وأكدوا انه رأي شخصي لا وبل مخطئ ولا يمثل رؤية الحزب أو رغبة الجماهير.
أما «العمال الكردستاني» ذو الإيديولوجيات الغامضة فلا توجد فيـــه نقاشات كهذه، ويفتقـر الى الموضوعية في طروحات كثيرة، فما يقوله القائد هو عيـن الصواب، فإن قـال تحرير كردستان قالـوا إذاً التحرير ومن يطلـب غير ذلك خائن، رخيص ومتخاذل، وإن غيـّر القائد رأيه بعد لحظة واحـدة، الى الحقـوق القومية للكرد ضمن الدول التي يسكنون فيها مع بعض الفتات من الديموقراطية قالوا فليكن، الحقوق أيضاً شبيهة بالتحرير بل تعادله.
المهم ان الشعب الكردي يعرف طريقه بعيداً من أهواء القادة، وان مصير تاريخ وحضارة شعب تمتد لقرون لا يقررهما قادة.
تتطلب ظروفهم الآنية التصريح أو إلغاء ما يشاؤون.
ولكن، وكي لا نبخس «المام» الآخر «آبو» عبدالله أوجلان حقه فقد اكتشف هو الآخر ذلك قبلاً، ولكن في لحظة واحدة، لحظة اقتياده على متن طائرة الى جزيرة مرمره.
استطاع أوجلان وحزبه كسب عاطفة الشعب الكردي بمطلبه وشعاره الأغلى لدى كل كردي «كردستان الكبرى»، وبداية التحرير ستكون بالطبع من تركيا الأقوى عسكرياً والأكثر فتكاً، ولعل مجازر الإبادة التي ارتكبت ضد الأرمن ما زالت مطبوعة في الذاكرة بخط اسود عريض.
العمال الكردستاني رأى في شعار بارزاني الأب: «إما كردستان وإما الفناء» بعض اليأس، فقرر تعديل الشعار، ليثبت أنه دائماً يملك الجديد في جعبته، ويبرهن ان لا مجال عنده للفناء، فأصبح: «إما كردستان وإما كردستان».
البسطاء والأميون من الشعب الكردي الذين لم يعرفوا القراءة والكتابة بأي لغة، سواء كانت اللغة الأم (الكردية) ام لغة إحدى الدول الأربع التي أُلحق بها جزء من كردستان عقب اتفاقية «سايكس – بيكو» عام 1916، هؤلاء البسطاء من العمال الكرد كانوا مأخوذين بمقولات كبيرة يلاحظها أي مراقب عن قرب أو حتى عن بعد، بأنها عبارات مُلقّنة بحزم، منها ان للحزب أهدافاً إستراتيجية وأهدافاً تكتيكية، الهدف الاستراتيجي والذي هو المآل – كردستان – وعدا ذلك فكل ما يُقرر أو يُفعل، مهما كان خطأً، سواء من النوع الفادح أو اكبر منه، يعتبر هدفاً تكتيكياً بمثابة معبر يقود الى الهدف الاستراتيجي.
ما يبعث على الأسف، بعد سقوط الآلاف من خيرة شباب الكرد شهداء شعار التحرير، اكتشف العمال الكردستاني انه صعب المنال وهو أمر ملغى، أي انه حتى ليس مجرد حلم، كأحلام «المام» طالباني في الأساطير.
ما يسجل للطالباني، انه استطاع مع برزاني الفوز بإقليم فيديرالي للكرد يعتبر على أرض الواقع دولة فيها من مقومات الدولة ما يزيد عن دول قائمة منذ عقود عدة، وفيه – أي الإقليم – من الخدمات وتشييد للبناء ما يبهر، وتحسّن لمستوى دخل الفرد، يعادل أضعاف الدخل للمواطن الذي يسكن جارتهم سورية على سبيل المثال.
ولكن على رغم ذلك، يعلن «طالباني» ان الدولة الكردية مجرد حلم، وإن كان عملياً ما تحقق دولة من دون اعتراف.
الموقف – التصريح اثبت أيضاً ان حزب طالباني حتى وهو يمر بأكبر أزمة في تاريخه بخير، فلم نر رفاقه في القيادة يعلنون ويؤكدون ما أعلنه رئيسهم، رئيس دولتهم وحزبهم، من ان التصريح إبداع رائع في الفكر السياسي وعين الصواب كما يحدث في الأحزاب الشمولية، وأكدوا انه رأي شخصي لا وبل مخطئ ولا يمثل رؤية الحزب أو رغبة الجماهير.
أما «العمال الكردستاني» ذو الإيديولوجيات الغامضة فلا توجد فيـــه نقاشات كهذه، ويفتقـر الى الموضوعية في طروحات كثيرة، فما يقوله القائد هو عيـن الصواب، فإن قـال تحرير كردستان قالـوا إذاً التحرير ومن يطلـب غير ذلك خائن، رخيص ومتخاذل، وإن غيـّر القائد رأيه بعد لحظة واحـدة، الى الحقـوق القومية للكرد ضمن الدول التي يسكنون فيها مع بعض الفتات من الديموقراطية قالوا فليكن، الحقوق أيضاً شبيهة بالتحرير بل تعادله.
المهم ان الشعب الكردي يعرف طريقه بعيداً من أهواء القادة، وان مصير تاريخ وحضارة شعب تمتد لقرون لا يقررهما قادة.
تتطلب ظروفهم الآنية التصريح أو إلغاء ما يشاؤون.
الحياة 25/03/2009