يوم نوروز في الأسطورة والتاريخ

حسين عيسو

تشترك شعوب عديدة في الاحتفال بعيد “نوروز” ويعني اليوم الجديد أي يوم عودة الحياة الى الطبيعة والخلاص والحرية ,  ونوروز عند الكورد يجمع بين حدثين (( أسطوري – وتاريخي )) فالأسطوري يبدأ من سومر وهو عيد “ساغ ماغ” * ويعني الحياة الأبدية أو الأم الخالدة وهو يوم الانقلاب الربيعي والخلاص من الموات الشتوي وعليها تأسست أسطورة خلاص انانا الإلهة الأم من العالم السفلي “الموت” وعودة الخصوبة الى الطبيعة بعودتها في “الأسطورة السومرية”.

فالمجتمع السومري الزراعي اعتبر الأرض الأم الأولى التي انبثقت منها كل الأحياء من بشر وحيوان ونبات وأن خصوبة النساء ليست إلا قبسا من خصوبة الأرض الطبيعة والتي سميت ماما أو مامي من حيث انها رمز الإنجاب والعطاء وتمت عبادتها “عبادة التربة” بداية وذلك بتمريغ الوجه فيها كنوع من التعبد ثم تطورت الى عبادة إلهة تحمل روح هذه الخصوبة , إلهة أنثى باعتبارها مثالا للإخصاب والميلاد وسمّوها “ان آنا” أي سيدة السماء تشبيها لها بكوكب الزهرة الجميل ولتفسير دورة الطبيعة ما بين الجدب والخصب أي الموت والحياة حبكت أسطورة هبوط انانا إلى العالم السفلي- الموت- “كور”**المعروف بأفاعيه الرهيبة وكور نفسه كانوا ينظرون إليه كمكان وتنين واله للعالم السفلي يخطف البشر الى حيث لا عودة لهم, وبموت انانا يتوقف النسل وتختفي الحياة النباتية على الأرض لذا لابد لها أن تعود الى الحياة ليعود الخصب وتتجدد الطبيعة , فتقوم بتقديم عشيقها الإله “دوموزي –تيموزي”*** “قليل الأهمية مقارنة بها في المجتمع السومري الزراعي” فداء لها لأن الأنثى وحدها حسب معتقدهم آنذاك تمثل رمز الخصوبة والعطاء , الا أنها تعود لإنقاذه بعد سيطرة الأكاديين الساميين على سومر وظهور أهمية القوة البدنية للرجل لتخلد الى جانبه بداية ثم تنتقل الى الدور الثاني لتصبح خلفه فيما بعد , وهذه الآلهة موجودة في أساطير أغلب شعوب المنطقة وهي غالبا ما تموت في صراع ضد قوى ظلامية تنين أو وحش مثلا , فانانا ودوموزي يصارعان العالم السفلي ودوموزي هو نفسه ” أيزدان **** وهو أيضا خدر الياس أو خوجي خدر في الديانة الايزيدية “الديانة الكردية” التي ترجع الى العصر السومري , كذلك الإله الآري المخلّص ميثرا الذي يصارع آلهة الموت والظلام والذي يستشهد موتا على الصليب ليعود في الحادي والعشرين من آذار الى الحياة وأيضا السيد المسيح يستشهد على الصليب ليعود في نفس يوم قيامة ميثرا أو بعدها بيوم  وهو نفس قيامة باقي المخلصين مثل أدونيس وغيره.
أما كاوا الحداد الذي خلص شعبه من ظلم الطاغية ازدهاك في الأسطورة الكردية فانه في الأسطورة الفارسية ينزل الى مستوى مجرد تابع لأفريدون الفارسي يساعده بجهد متواضع في القضاء على ازدهاك وقيده بسلاسل في مغارة ليعذب هناك حتى يوم القيامة كما وردت في الشاهنامة للفردوسي.الا أنني أرى ان الاسم كاوى هو صفة المخلّص ومهنة الحدادة كانت دارجة لدى الشعوب والديانات التي تبحث عن الخلاص كما يقول الدكتور فيليب حتّي : ((كان للمسيح في القرنين الأولين منافسون عديدين فبالإضافة الى الإله ميثرا الأكثر شعبية بين الجنود الرومان كان هناك أيضا في سوريا “حدد- رمانو” الذي تحول في العصر الهلنستي الى جوبيتر وكانت رفيقته “أتارغاتس” منافسة للعذراء وايزيس  وقد عاش حيث يوجد الحديد  وكان أخلص أتباعه هم الحدادون في بادئ الأمر وهو نفس اله العاصفة الميتاني تيشوب وكانت عبادة تيشوب تقابل دوموزي- انانا , تموز- عشتار وفي الغرب أدونيس- فينوس …..

))!.


السبب في ذلك يعود الى أن مهنة الحدادة كانت تعني مهنة القوة وصناعة السلاح التي يمكن للمظلوم ان يدافع بها عن نفسه وشعبه ,ويربط ماجد عبد الله شمس بين شخصية كاوى والذي سمي أيضا “كابيا” وبين اله التعدين والنار السومري كايبيل والذي كان يحل النور مكان الظلمة , أما في الأسطورة الاغريقية فيسرق بروميثوس النار من الإله زيوس ليخبئه في ساق شجرة ليأتي بها الى الإنسان , ويعاقب على ذلك حتى يخلصه هيرقل من العذاب وعند الشعوب القديمة كانوا يعتبرونها موجودة في الخشب وتخرج عندما تتم عملية حك قطعة أخرى بداخلها فكانوا ينظرون الى أنها مكرسة داخل الشجرة قبل ان تخرج منها عن طريق الحك كما بذرة الإنجاب موجودة في المرأة قبل أن يحتك بها الرجل وهكذا نعود مرة أخرى الى الطبيعة والأنثى والخلاص.


 أما تاريخيا فأرى أن الخصوصية الكردية هو الانتفاضة التي بدأت يوم 21 آذار 673ق.م.ضد ظلم المحتل الآشوري لما يقارب الثلاثة قرون وأثناء احتفالاتهم بنوروز يوم الخلاص انتفضوا ضد الظلم واستطاعوا خلال فترة قصيرة من طرد المحتل من أرضهم  كما ينقل لنا المستشرق السوفييتي وخبير المخطوطات الأثرية المسمارية ا.م.دياكونوف وكذلك عن مؤرخي ذلك العصر من الاغريق أمثال كتسياس كنيدوس و”هيرودوتس” الملقب بأبي التاريخ والذي ولد عام 484 ق.م.

أي قريبا من تلك الفترة التاريخية فيقول ) : في آذار-نوروز من عام 673 ق.م.

انتفض الميديون بقيادة “كاشتريتي”صاحب القرية “كار-كاش” والذي أصبح قائدا للانتفاضة واستطاع الحصول على الدعم من المناطق الميدية الأخرى……بدأت الانتفاضة بسرعة ولم يمض وقت طويل حتى خرجت من نطاق المناطق الثلاثة الأولية-فنجد أن جيش كاشتريتي أصبح في منطقة “كيشو” في بداية شهر نيسان……ان حصار الميديين للقلاع الآشورية لم تكن على شاكلة المعارك بل يدل على انتفاضة وثورة…..بكل الأحوال فبين منتصف شهر نيسان وبداية أيار تمكن المنتفضون من تحرير جميع الأراضي الميدية الشاسعة من سيطرة الآشوريين).
وهنا أعتقد أن مناسبة اشعال النيران ليلة نوروز عند الكورد بدأت منذ ذلك التاريخ فإيقاد النيران والمشاعل ليلة نوروز يرمز الى تبديد ظلمة المعاناة من المحتل  ثم الخروج للاحتفال بعيد الطبيعة في صباح اليوم التالي .
اعتبرت الزرادشتية عيد نوروز من أعظم الأعياد ويبدأ من اليوم الأول من السنة أي في الحادي والعشرين من آذار, ففي ليلة نوروز توقد النيران على قمم الجبال والمرتفعات وفي صبيحة اليوم التالي يغتسلون بالمياه الجارية و يلعقون العسل ثلاث مرات “كتذوق لحلاوة الحرية” ثم يخرجون الى أحضان الطبيعة لقضاء اليوم في المرح والرقص والغناء وخاصة أغاني الربيع وتمجيد الأبطال المحررين .
وزرادشت الذي ولد بعد تحرير ميديا بفترة قصيرة أي عام 660 ق.م.

تقريبا اعتبر نوروز من أعظم الأعياد ويتم الاحتفال به على مرحلتين “إيقاد النيران ليلة نوروز ثم الخروج الى الطبيعة صبيحة اليوم التالي “, ولا يستبعد ان يكون تقديسه للنار أكثر من باقي عناصر الحياة الأربعة “النار والماء والهواء والتراب” .

لأنها تبدد الظلمة وتنشر النور وتعني الحرية والخلاص .


لذا أستطيع القول أن يوم حرية ميديا “كوردستان”كان في 21 آذار 673ق.م.

أي يوم انتفاضة كاشتريتي ضد آشور وتحرير شعبه من نير العبودية وليس 612 ق.م.

تاريخ القضاء على الإمبراطورية الآشورية على يد كيّا خسرو ابن “كاشتريتي !.


*  ساغ ماغ كلمة ساغ تعني حي=خلود وماغ  تعني الأم في اللغة الكوردية حتى اليوم
** كور كاف مخففة تعني بالكوردية لحد أو قبر
*** دوموزي أوتيمو زي ويعني الخالد أبدا بالكوردية
**** يشترك العديد من الآلهة المخلصين في الميلاد في الخامس والعشرين من كانون أول والموت ثم القيامة في الحادي والعشرين من آذار: انانا- دوموزي- ايزدان- ميثرا – المسيح وغيرهم ,وهي مرتبطة بدورة كوكب الزهرة ومراحله وهي تحتاج الى بحث آخر
المصادر:
–  ميديا- إي م دياكونوف
– تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين – د.

فيليب حتي
– مغامرة العقل الأولى – فراس سواح
– الأسطورة والتراث – د.سيد القمني
– دوموزي (طاووسي ملك) – مرشد اليوسف
– اليزيدية بقايا دين قديم – جورج حبيب
– زرادشت والديانة الزرادشتية – فارس عثمان
– الحضارة و الميثولوجيا في العراق القديم – ماجد عبدالله شمس
– أساطير في أصل النار – جيمس فريزر

– الشاهنامة – الفردوسي .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…