افتتاحية جريدة آزادي العدد 407 *
من المعلوم أن سوريا دولة متعددة القوميات والأعراق من عرب وكرد وسريان وأرمن وشركس وتركمان..الخ، تلك التي تضفي على البلاد معاني القوة والمنعة والجمال لا العكس، وقد ساهمت هذه التعددية بما هي مكونات المجتمع السوري بكل انتماءاتها في بناء الوطن والدفاع عنه على مر الزمن، إلا أن الأنظمة والحكومات السورية المتعاقبة وحتى الآن لم تعترف بشكل رسمي بهذه التعددية وتخشى هذا الاعتراف تهربا من استحقاقاتها، لا بل تجاهلتها وحاولت صهر بعضها أو طمس معالمها وفي المقدمة منها القومية الكردية رغم تعدادها السكاني الذي يربو على ثلاثة ملايين نسمة بما تشكل ثاني أكبر قومية بعد العربية في البلاد، وعمدت السلطات إلى اتباع أشد الإجراءات والسياسات الشوفينية تجاهها وتطبيق أقسى المشاريع العنصرية بحقها
من المعلوم أن سوريا دولة متعددة القوميات والأعراق من عرب وكرد وسريان وأرمن وشركس وتركمان..الخ، تلك التي تضفي على البلاد معاني القوة والمنعة والجمال لا العكس، وقد ساهمت هذه التعددية بما هي مكونات المجتمع السوري بكل انتماءاتها في بناء الوطن والدفاع عنه على مر الزمن، إلا أن الأنظمة والحكومات السورية المتعاقبة وحتى الآن لم تعترف بشكل رسمي بهذه التعددية وتخشى هذا الاعتراف تهربا من استحقاقاتها، لا بل تجاهلتها وحاولت صهر بعضها أو طمس معالمها وفي المقدمة منها القومية الكردية رغم تعدادها السكاني الذي يربو على ثلاثة ملايين نسمة بما تشكل ثاني أكبر قومية بعد العربية في البلاد، وعمدت السلطات إلى اتباع أشد الإجراءات والسياسات الشوفينية تجاهها وتطبيق أقسى المشاريع العنصرية بحقها
وكانت الدراسة العنصرية الشوفينية التي أعدها في كراس محمد طلب هلال الضابط الامني بمحافظة الحسكة في مطلع ستينيات القرن الماضي دليل عمل هذه الحكومات، وبدأت بناء على توصياته بتجريد عشرات الآلاف من الأسر والعوائل الكردية من جنسيتها السورية بموجب إحصاء استثنائي خاص بمحافظة الحسكة عام 1962 بما يتبع من تجريد الحقوق المدنية منها وحرمانها من قوانين الإصلاح الزراعي والانتفاع بالأراضي الزراعية مما اضطرت إلى الهجرة نحو الخارج أو خارج مناطقها أو مناطق سكناها لتكون عرضة للتشرد في العالم أوفي ضواحي المدن الكبيرة كدمشق وحلب وحمص واللاذقية وغيرها، وقد أتبعت السلطات بعد ذلك بتطبيق مشروع الحزام العربي مع مطلع سبعينيات القرن الماضي، حيث أفرغت مناطق شاسعة من الأراضي الزراعية الخصبة من أهاليها الكرد في محافظة الجزيرة وعلى طول الحدود السورية مع تركيا والعراق وبعمق يتراوح بين 15 و20 كم وملكتها لعرب جاءت بهم مع نقل سجلاتهم المدنية من محافظتي الرقة وحلب وعلى حساب حرمان الفلاحين الكرد وبهدف تغيير الطبيعة الديمغرافية للمنطقة وفصل الكرد عن بعضهم في جانبي الحدود مع الدولتين (تركيا والعراق) ذلك لحسابات مستقبلية، كما أتبعت السلطات فرض سياسة التعريب للمناطق والقرى والمحال التجارية الكردية (أي بوضع اسم عربي بدل الاسم الكردي على تلك الأماكن)..
ولم تقف السلطات عند هذا الحد ولم تكتف بالاضطهاد المباشر والاعتقال الكيفي لأبناء المجتمع السوري عامة والشعب الكردي خاصة، بل عمدت في أكثر من مرة إلى أسلوب الاغتيال والقتل المباشر لأبناء الشعب الكردي في سوريا وكأنها محاكم ميدانية تنفذ أحكامها مباشرة، كما في الشهيد سليمان محمد أمين آدي يوم 21 آذار عام 1986، وكذلك الاغتيالات التي طالت حوالي 30 شهيد من مختلف المناطق الكردية في 12 و13 و16 آذار 2004، واغتيال الشيخ الشهيد محمد معشوق الخزنوي في أيار 2005، واغتيال 3 شبان كرد سقطوا شهداء وهم يحتفلون بقدوم عيدهم نوروز في مدينة قامشلو ليلة 20/21 آذار 2008، هذا إضافة إلى أعداد آخرين ممن اغتيلوا في ظروف غامضة أو أثناء أدائهم لخدمة الجيش، ناهيك عن الاعتقالات الكيفية المتواصلة التي تطال بين الحين والآخر لشخصيات سياسية وثقافية واجتماعية بدءا من حملة اعتقالات عام 1966 التي شملت العشرات من أبناء الشعب الكردي، ومرورا باعتقالات عام 1973 التي احتجزت المناضلين في السجون والزنازين دون محاكمة استمرت لأكثر من ثمانية أعوام، وآخرين مع باقي الأوساط السورية لمدد أكثر وأقسى، وصولا إلى يومنا هذا حيث السجون السورية مليئة بأصحاب الرأي والموقف السياسي بينهم العشرات من أبناء الشعب الكردي أبرزهم السادة: مصطفى جمعة ومحمد سعيد عمر وسعدون محمود ومشعل التمو وغيرهم كثيرون..
هذا وفي الوقت الذي وعدت فيه السلطات مرارا وعلى لسان أكثر من مسؤول بالحد من بعض الإجراءات (كالإحصاء مثلا) راحت تدبر ضد الكرد مشاريع أخرى أشد وطأة حيث صدور المرسوم التشريعي رقم 49 تاريخ 10/9/2008 الذي شل الحركة الاقتصادية في المناطق المشمولة به وخصوصا الكردية منها، وقد عطل تجارة العقارات وأوقف الكثير من مجالات العمل أمام المقاولين والمهندسين بمختلف الاختصاصات والمحامين، وكذلك كافة المهنيين والعاملين في مجال البناء والتعمير، كما أن الحياة الاجتماعية ضاقت ذرعا بها وندرت فرص الحصول على السكن عند الضرورات مثل الزواج أو التوسع الأسري أو العائلي ..الخ.
كما لم تتوان السلطات على مر الزمن من التضييق على فرص العيش، وذلك بالحد من تشغيل أو توظيف أبناء الشعب الكردي في دوائر الدولة ومؤسساتها، وفصل الكثيرين ممن كانوا على رأس العمل تحت يافطة جاهزة (خطر على أمن الدولة)، واليوم يزداد هذا الأمر استفحالا ويزداد اهتمام السلطات بهذا الجانب، فابتدعت أساليب وفرمانات جديدة من شأنها تشديد المزيد من الخناق على المشردين الكرد (لاسيما المجردين من الجنسية الذين ضاقت أمامهم فرص العيش) وخصوصا المنتشرين في الضواحي والأحياء الفقيرة وفي المخيمات قرب دمشق وحلب وحمص واللاذقية، حيث منعت هذه الفرمانات تشغيل هؤلاء حتى كعمال في المطاعم والمقاهي والفنادق وأماكن السياحة، فقد عممت السلطات على تلك الجهات وهددتها بأقسى العقوبات في حال المخالفة واشترطت الهوية الشخصية وبطاقة العمل من الشؤون الاجتماعية والعمل التي يستحيل حصول المجرد من الجنسية عليها ” فهولا يحمل سوى البطاقة الحمراء ” المدونة عليها عبارة مسجل في سجلات الأجانب السوريين..
ولم تكتف السلطات، ولم يشف غليلها كل تلك المشاريع والسياسات العنصرية الجائرة التي ألحقتها بهذا الشعب الوديع المسالم في الداخل، فاستمرت في ملاحقة من فرّ من مظالمها إلى ما وراء الحدود والبحار بحثا عن قوته وعياله والعيش في أمان وسلام، وآخرها إبرام السلطات السورية اتفاقا مع دولة ألمانيا بإعادة ما يزيد عن سبعة آلاف مهجر كردي إلى سوريا بغية معاقبتهم، ذلك الاتفاق الذي قوبل وما زال بالرفض والاحتجاج من قبل المعنيين والمتضامنين معهم، وبالشجب والاستنكار من لدن القوى والمؤسسات الدولية غير الحكومية ومن منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني في العديد من بقاع العالم وخصوصا في كل من سوريا وألمانيا الدولتين المعنيتين..
من هنا، فإن تساؤلات تراود فكر كل متتبع لمثل هذه الإجراءات والسياسات الشوفينية الظالمة التي تفرضها السلطات على كاهل شعبنا الكردي إضافة لكل ما تفرضها السلطات على أبناء المجتمع السوري بكل مكوناته من التعسف والتنكيل ، ترى هل فعلا اتخذت قرارها بضرورة إنهاء هذا الشعب من الوجود؟ وهل ترى في هذه الممارسات سبيلا لتحقيق ذاك الهدف؟ ألم تتعظ حقا من حولها؟ ألم تتعظ من ممارسات الجونتا التركية منذ ثورة شيخ سعيد بيران عام 1925 وحتى الآن؟ ألم تتعظ من سياسة شاه إيران منذ ثورة قاضي محمد عام 1946 وحتى عهد دولة الملالي الحالية؟ ألم تتعظ من سياسة الجينوسايد التي مارسها النظام البائد في العراق منذ ثورة أيلول 1961 التي قادها البارزاني الخالد وحتى ثورة كلان وصولا إلى سقوط النظام وبناء العراق الديمقراطي الفيدرالي الجديد؟ ألم تعلم السلطات أن الشعوب لا يمكن إزالتها بالقوة والعنف؟ وأن قضية الشعب الكردي في سوريا لا يمكن إنهاؤها؟ ألم تعلم أن أساليبها وسياساتها تلك لا تزيد أبناء شعبنا ومناضليه إلا إصرارا وعزما على المضي في طريق النضال من أجل المساهمة في بناء سوريا دولة حرة ديمقراطية لكل السوريين، تتحقق فيها الأماني الوطنية لكل مكونات المجتمع السوري، ولشعبنا الكردي أمانيه وحقوقه القومية في إطار وحدة البلاد وبما يحقق تقدمها وازدهارها..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* جريدة شهرية يصدرها مكتب الثقافة والإعلام المركزي لحزب آزادي الكردي في سوريا
E – mail: azadiparti@yahoo.com
ولم تقف السلطات عند هذا الحد ولم تكتف بالاضطهاد المباشر والاعتقال الكيفي لأبناء المجتمع السوري عامة والشعب الكردي خاصة، بل عمدت في أكثر من مرة إلى أسلوب الاغتيال والقتل المباشر لأبناء الشعب الكردي في سوريا وكأنها محاكم ميدانية تنفذ أحكامها مباشرة، كما في الشهيد سليمان محمد أمين آدي يوم 21 آذار عام 1986، وكذلك الاغتيالات التي طالت حوالي 30 شهيد من مختلف المناطق الكردية في 12 و13 و16 آذار 2004، واغتيال الشيخ الشهيد محمد معشوق الخزنوي في أيار 2005، واغتيال 3 شبان كرد سقطوا شهداء وهم يحتفلون بقدوم عيدهم نوروز في مدينة قامشلو ليلة 20/21 آذار 2008، هذا إضافة إلى أعداد آخرين ممن اغتيلوا في ظروف غامضة أو أثناء أدائهم لخدمة الجيش، ناهيك عن الاعتقالات الكيفية المتواصلة التي تطال بين الحين والآخر لشخصيات سياسية وثقافية واجتماعية بدءا من حملة اعتقالات عام 1966 التي شملت العشرات من أبناء الشعب الكردي، ومرورا باعتقالات عام 1973 التي احتجزت المناضلين في السجون والزنازين دون محاكمة استمرت لأكثر من ثمانية أعوام، وآخرين مع باقي الأوساط السورية لمدد أكثر وأقسى، وصولا إلى يومنا هذا حيث السجون السورية مليئة بأصحاب الرأي والموقف السياسي بينهم العشرات من أبناء الشعب الكردي أبرزهم السادة: مصطفى جمعة ومحمد سعيد عمر وسعدون محمود ومشعل التمو وغيرهم كثيرون..
هذا وفي الوقت الذي وعدت فيه السلطات مرارا وعلى لسان أكثر من مسؤول بالحد من بعض الإجراءات (كالإحصاء مثلا) راحت تدبر ضد الكرد مشاريع أخرى أشد وطأة حيث صدور المرسوم التشريعي رقم 49 تاريخ 10/9/2008 الذي شل الحركة الاقتصادية في المناطق المشمولة به وخصوصا الكردية منها، وقد عطل تجارة العقارات وأوقف الكثير من مجالات العمل أمام المقاولين والمهندسين بمختلف الاختصاصات والمحامين، وكذلك كافة المهنيين والعاملين في مجال البناء والتعمير، كما أن الحياة الاجتماعية ضاقت ذرعا بها وندرت فرص الحصول على السكن عند الضرورات مثل الزواج أو التوسع الأسري أو العائلي ..الخ.
كما لم تتوان السلطات على مر الزمن من التضييق على فرص العيش، وذلك بالحد من تشغيل أو توظيف أبناء الشعب الكردي في دوائر الدولة ومؤسساتها، وفصل الكثيرين ممن كانوا على رأس العمل تحت يافطة جاهزة (خطر على أمن الدولة)، واليوم يزداد هذا الأمر استفحالا ويزداد اهتمام السلطات بهذا الجانب، فابتدعت أساليب وفرمانات جديدة من شأنها تشديد المزيد من الخناق على المشردين الكرد (لاسيما المجردين من الجنسية الذين ضاقت أمامهم فرص العيش) وخصوصا المنتشرين في الضواحي والأحياء الفقيرة وفي المخيمات قرب دمشق وحلب وحمص واللاذقية، حيث منعت هذه الفرمانات تشغيل هؤلاء حتى كعمال في المطاعم والمقاهي والفنادق وأماكن السياحة، فقد عممت السلطات على تلك الجهات وهددتها بأقسى العقوبات في حال المخالفة واشترطت الهوية الشخصية وبطاقة العمل من الشؤون الاجتماعية والعمل التي يستحيل حصول المجرد من الجنسية عليها ” فهولا يحمل سوى البطاقة الحمراء ” المدونة عليها عبارة مسجل في سجلات الأجانب السوريين..
ولم تكتف السلطات، ولم يشف غليلها كل تلك المشاريع والسياسات العنصرية الجائرة التي ألحقتها بهذا الشعب الوديع المسالم في الداخل، فاستمرت في ملاحقة من فرّ من مظالمها إلى ما وراء الحدود والبحار بحثا عن قوته وعياله والعيش في أمان وسلام، وآخرها إبرام السلطات السورية اتفاقا مع دولة ألمانيا بإعادة ما يزيد عن سبعة آلاف مهجر كردي إلى سوريا بغية معاقبتهم، ذلك الاتفاق الذي قوبل وما زال بالرفض والاحتجاج من قبل المعنيين والمتضامنين معهم، وبالشجب والاستنكار من لدن القوى والمؤسسات الدولية غير الحكومية ومن منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني في العديد من بقاع العالم وخصوصا في كل من سوريا وألمانيا الدولتين المعنيتين..
من هنا، فإن تساؤلات تراود فكر كل متتبع لمثل هذه الإجراءات والسياسات الشوفينية الظالمة التي تفرضها السلطات على كاهل شعبنا الكردي إضافة لكل ما تفرضها السلطات على أبناء المجتمع السوري بكل مكوناته من التعسف والتنكيل ، ترى هل فعلا اتخذت قرارها بضرورة إنهاء هذا الشعب من الوجود؟ وهل ترى في هذه الممارسات سبيلا لتحقيق ذاك الهدف؟ ألم تتعظ حقا من حولها؟ ألم تتعظ من ممارسات الجونتا التركية منذ ثورة شيخ سعيد بيران عام 1925 وحتى الآن؟ ألم تتعظ من سياسة شاه إيران منذ ثورة قاضي محمد عام 1946 وحتى عهد دولة الملالي الحالية؟ ألم تتعظ من سياسة الجينوسايد التي مارسها النظام البائد في العراق منذ ثورة أيلول 1961 التي قادها البارزاني الخالد وحتى ثورة كلان وصولا إلى سقوط النظام وبناء العراق الديمقراطي الفيدرالي الجديد؟ ألم تعلم السلطات أن الشعوب لا يمكن إزالتها بالقوة والعنف؟ وأن قضية الشعب الكردي في سوريا لا يمكن إنهاؤها؟ ألم تعلم أن أساليبها وسياساتها تلك لا تزيد أبناء شعبنا ومناضليه إلا إصرارا وعزما على المضي في طريق النضال من أجل المساهمة في بناء سوريا دولة حرة ديمقراطية لكل السوريين، تتحقق فيها الأماني الوطنية لكل مكونات المجتمع السوري، ولشعبنا الكردي أمانيه وحقوقه القومية في إطار وحدة البلاد وبما يحقق تقدمها وازدهارها..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* جريدة شهرية يصدرها مكتب الثقافة والإعلام المركزي لحزب آزادي الكردي في سوريا
E – mail: azadiparti@yahoo.com