مداخلة في مؤتمر محامي الحسكة

المحامي إبراهيم حسين *

بسم الله الرحمن الرحيم **
إننا محكومون بالأمل ..

فالأمل دافعنا لأن نلتقي وإلا فلماذا نجتمع ..
لقاؤكم اليوم لقاء الأسرة الواحدة لقاء السقف المشترك ومن هنا فإن ما يجب أن نتدارسه معاً هو تلك القضايا التي تسمو بأسرتنا وتقوّي سقفنا أو تلك التي تشغل البال لأنها تنخر في جسد أسرتنا وتسعى لفتق السقف الجامع ..
فتعالوا نتسامى فوق أنانياتنا و فوق أخطائنا ولنفرد بصدق ومحبة بساطنا كي نتحدث ..

ونشير إلى الوهن الموجود من باب أن الخطوة الأولى نحو العلاج هي تكييف العلة ..
إننا جميعاً أيها الأخوة سوريون وعاصمتنا دمشق ومن لديه شك في ذلك فليعلم أني لا أوجه خطابي إليه ..

أما إن اتفقنا جميعاً على ذلك فكل شيء يصبح مستساغاً فقد نتفق في نظرتنا للأمور وقد نختلف وقد نتوزع شيعاً وأحزاباً لكننا نبقى سوريين تحكمنا محبة الوطن والرغبة في تطويره ..
من هذا المنطلق فإنني لن أبالغ إذا قلت أن من لا تهمه مسيرة التحديث لا يحب بلده بصدق فما بالكم بأولئك الذين يعرقلون هذه المسيرة ؟؟
وعرقلة المسيرة لا تكون فقط بالمجاهرة بالعداء بل قد تكون متلبسة بزي النفاق الظاهر ..
والمنافقون أولئك الذي يسعون لنيل الرضا فيشيرون بما قد يكسبهم كرسياً أو منصباً أو امتيازاً ولو جاءت المشورة على حساب الوطن وضد مسيرة تطويره ..
أجعل كل هذه المقدمة مدخلاً لعرض مختصر لما يجب أن نقف عنده وبقوة في مؤتمرنا هذا ودون أن نخرج عن أهدافه فالمحامون ملتزمون بلعب دور بالغ الدقة في دفع البلاد نحو التطور ويجب أن يكونوا بوصلة صادقة يتم التوجه إليها لقياس مدى التأثير الذي يمكن أن تتركه القرارات أو السياسات المتبعة ..

إنهم وفق رأيي وحسب إيماني بقدسية مهنة المحاماة خير مستشارين لأصحاب القرار وعليهم إن أحبوا بلادهم بصدق أن يدلوا بدلوهم فيناقشوا الواقع ويجدوا الحلول لما يرونه داخلاً في إطار المشكلات التي تعيق التطوير والتحديث ..
وانطلاقاً من هذا الدور ولأني أرفض أن أكون كالنعامة ..

فسأشير بإيجاز وعمومية إلى عدة نقاط أجدها تعرقل حلمنا برؤية سورية دولة عصرية تليق بشعبها الواعي ..
أول النقاط هو موضوع الوحدة الوطنية التي تأثرت بجملة قرارات قديمة تعود إلى عهود ظلامية فصار بيننا من لا يحمل جنسية هذا البلد وهو ابن هذه الأرض التي رواها أجداده إبراهيم هنانو ويوسف العظمة بعرقهم أو بدمائهم ..

مثل هذا يعاني ومعاناته باتت معروفة لكم والحل الذي اقترحه هو تشجيعنا لقيادتنا بأن تطبق الوعود التي سمعناها إن على لسان السيد رئيس الجمهورية أو في مقررات المؤتمر القطري لحزب البعث العربي الاشتراكي الأخير ..وهذا هو دور المحامي الذي يرفض الخطأ ويشجع الخطوات الصحيحة ونأمل أن يكون حل هذه المشكلة المزمنة مدخلاً لحل باقي الأمور التي يطالب بها الكردي السوري في إطار وطني لأن الأكراد في قطرنا الحبيب سوريون بامتياز وقضيتهم يجب أن تهم كل المحامين وأنا أناقشها لأني مواطن ومحامي سوري وليس فقط لأني كردي ..

وهنا لا بد وبكل فخر ومن باب إحقاق الحق أن أشير إلى أننا تخلصنا في محافظة الحسكة مما كنا نعانيه سابقاً من حرمان شريحة واسعة من المحامين من استلام مهمة تنظيم الوكالات أو تولي تمثيل شركات القطاع العام بسبب انتمائهم القومي وتم ذلك بفضل زملائي رئيس وأعضاء مجلس الفرع ومباركة القيادة السياسية والرضا العام من محامي المحافظة وهي خطوة أتت بلا شك نتيجة الإيمان الصادق بأننا جميعاً سوريون ..
ثاني النقاط هو الوضع السياسي والحريات العامة والحرية المسؤولة لوسائل الإعلام ..

إنني كمحام أتمنى أن يكون لدينا شرعة تنظم عمل الأحزاب وتخلق حالة من الحراك السياسي وتنهض بالإعلام الوطني النوعي القادر على مواجهة الهجمات الخارجية المغرضة التي تتعرض لها هويتنا وثقافتنا والهجمات الداخلية المتمثلة بفساد يقتطع من دخلنا القومي ومن أرزاقنا مبالغ لو جمعت لجعلتنا نعيش برفاهية لا يعيشها أبناء الخليج العربي نفسه ..

وهذا الحراك سيتيح لكل منا أن يجاهر برؤيته ونظرياته الهادفة لا أن يقبع خلف ستار السرية أو الحيادية السلبية وسيتيح للجميع أن يحاربوا الفساد الذي ينخر في مجتمعنا واقتصادنا ومعظم مؤسساتنا ..

أتمنى ذلك لأن الظروف التي فرضت يوماً ما أن يستأثر بالحكم حزب معين لم تعد موجودة أو على الأقل لم تعد تستدعي هذا الإنفراد بالعمل العام لأن الجميع مدعوون للعمل والجميع يرغب أن يقدم لبلاده ما يستطيع ومن لا يعمل أو لا يشير للخطأ هو شيطان أخرس أو شريك متآمر أو منافق متسلق ..

هذا رأيي فإن اختلفتم معي فأنا أحترم آراءكم وإن اتفقتم معي فمن سوانا أجدر أن يقولها بلغة المحبة لقيادة تعمل بجد وتنتظر منا أن ننقل لها أوجاع الشارع ..أليس علينا نحن المحامون أن نكون أعرف الناس بهذه الأوجاع وأقدرهم على الدفاع عنها ..

وإذا كان هناك من يظن أني اخترق المحرمات بكلامي فهو واهم لأن السيد الرئيس نفسه في لقاء صحفي  بالأمس أشار إلى خطوات في مجال التعددية السياسية والحريات العامة، حين قال “الرأي متاح تماما في سورية, إلا انه لدينا قوانين صارمة في هذا الموضوع, وهذه القوانين أتت في ظروف معينة”, مضيفا انه “تتم الآن مناقشة هذه القوانين حول إذا ما كانت صالحة أم لا” هكذا يقول رئيسنا فهل بعد كلامه في هذا المجال كلام ..
الأمر الآخر هو الموضوع الاقتصادي وما يهمنا فيه هو المرسوم 49 الذي بالغ في التشدد في مسألة العقارات مما ترك أثراً خطيراً على عملنا كمحامين بالدرجة الأولى وعلى الوضع الاقتصادي في محافظتنا بشكل عام ولن أدخل في تفاصيل تأثيراته لأنكم أعلم الناس بها..

هذا المرسوم وحسب قناعتي المتواضعة ومن خلال سماعي لآراء أغلبيتكم يجب أن يلغى ليعود الوضع لما كان عليه الحال تحت ظل القانون 41 على أقل تقدير فما الذي يمنعنا أن نقول وبصوت عال أن المرسوم أضر بنا ..

إن كنا بالفعل نحب السيد الرئيس فعلينا أن ننقل له الصورة الصادقة لأنه قال في أكثر من مناسبة أن القوانين تصدر فإذا تبين أنها بحاجة للتغيير أو التعديل فلن نتوانى عن القيام بذلك ..

مثل هذا الرئيس يستحق منا أن نكون صريحين معه ونخاطبه بلا حواجز وبلا خوف..

لا أن نكون كبطانة سوء مثل أولئك الذين رفضوا مناقشة المرسوم بحجة أنه مرسوم وكفى فجاء موقفهم متناقضاً مع موقف السيد الرئيس الذي أشرت إليه أعلاه ..
هذه النقاط التي تفرض نفسها علينا سواء أكانت الآراء متفقة أم مختلفة حولها إلا أنها موجودة ويجب أن نناقشها وكنت أتمنى لو أنها ذكرت في جسم تقريرنا السياسي لكن يبدو أن الخطوط الحمر الوهمية الناجمة عن خوفنا منعتنا من ذلك ..


أيها الأخوة :
أعتذر منكم لأني أطلت عليكم لكن يبقى لي رجاء وهو أن نتفهم بعضنا وأن نزرع الثقة بيننا وأن نحتكم في سلوكنا إلى ميزان المحبة وميزان مصلحة الوطن لأن الوطن أحوج ما يكون إلى طليعة تتفهم واجباتها وبحاجة إلى تشابك جهود المخلصين لتتم مواجهة التحديات وأنا أدرك أن زملائي الشرفاء الذين أفتخر بالانضواء تحت لواء نقابة تجمعني بهم هم أكثر من سيعي المقاصد من كلامي أما أولئك الذين سيتفننون في التأويلات وسيقولون كما قالوا سابقاً أني وضعت السم في الدسم فلا شأن لي بهم لأن رداء النفاق الذي يرتدونه لن يجعل منهم أبطالاً ولن يذكر التاريخ أنهم ساهموا في بناء هذا الوطن بنفاقهم ..

مع احترامي البالغ لكل من قد يختلف معي في طرحي لأن الاختلاف شيء والتصيد شيء آخر ..
وأنا على ثقة أن لغة المحبة التي خاطبتكم بها ستكون سلاحي الأمضى لكسب تأييدكم لما طرحته فالكلمة الطيبة مفتاح القلوب والعقول عكس الكلمة القاسية التي لا تنفع بل تضر بقائلها حتى لو كانت مطالبه محقة ..

والجملة الأخيرة برسم من سيليني في إلقاء المداخلات ..
تحية لكم أيها الأحبة وأتمنى لمؤتمرنا النجاح وآمل هذه المرة أن نخرج من المؤتمر وتكون مساحة المحبة بيننا أوسع وفسحة الأمل أكبر وأن نعود في المؤتمر القادم ونقول بكل عز وفخار أن سوريا تطورت والأخطاء عولجت لأن المحامين مارسوا دورهم المطلوب والسلام عليكم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*عضو مجلس فرع نقابة المحامين بالحسكة .
**مداخلة ألقيت في مؤتمر المحامين بالحسكة الذي انعقد بتاريخ 10 آذار 2009

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…