الحركة الكردية والحاجة إلى صياغة جديدة

  صوت الأكراد *

لم يعد خافياً على أحد واقع التشتت والتشرذم الذي تعانيه الحركة الكردية في سوريا ، هذا الواقع الذي لا يستطيع أحد الدفاع عنه أو حتى محاولة تبريره ، لأن هذا التشتت لايعكس واقع الشعب الكردي السياسي والفكري والاجتماعي ، وغير قادرعلى القيام بمهامه المفترضة بالشكل المقبول ، وهناك إجماع شبه كامل في جميع الأوساط السياسية والثقافية والشعبية بضرورة معالجة هذا الواقع وإيجاد البديل النضالي القادر على القيام بمهامه الوطنية والقومية ، وبمحاذاة هذه التوافقات المنادية بضرورة وحدة الحركة ، فإن التشرذم لايزال يفعل فعله ، والعلاقات بين الأطراف الكردية لا تسير بالاتجاه الصحيح في مجملها رغم الأجواء الإيجابية السائدة بين العديد من أطرافها ، إذن ثمة معضلة أو مشكلة يجب التصدي لها فمادام هناك رغبة شعبية من قبل مختلف شرائح الشعب الكردي ، ورغبة مفترضة من قبل الساسة الكرد بضرورة توحيد صفوف الحركة ، فما المانع ؟ ومن المانع ؟
إنه السؤال الجوهري الذي تبدو الإجابة عليه سهلة لكن الإحاطة به صعبة ، سهلة لأنه بكل بساطة ندرك تماماً أن الرغبة الشعبية صادقة كل الصدق لأن ليس لها أية مصلحة في التشتت ، وأن السياسيين من قادة الحركة هم وحدهم يتحملون مسؤولية هذا التشتت ومسؤولين عن استمراره بهذا الشكل أو ذاك ، وصعب الإحاطة به لأن لا أحد من السياسيين الكرد قادر على الإقرار باقترافه هذا الخطأ ، ونعتذر عن سرد تفاصيل حالات التشرذم والتشتت والانشقاقات غير المبررة لأن ذلك قد يفتح صراعاً جديداً أكثر حدة وشدة في الحركة نحن بغنى عنها .
إن هذا الواقع (التشتت والتشرذم) وضرورة توحيد نضال الحركة الكردية من أكثر المعادلات التي نسميها بالسهل الممتنع ، فهي سهلة لأن جميع الظروف الذاتية والموضوعية تتطلب بل تفرض ضرورة توحيد صفوف الحركة وهي ممتنعة لأنها بكل بساطة لا يزال التشرذم مستمراً وهو السائد في الساحة ، وإن ثمة تجارب متعددة في الحركة الكردية باتجاه توحيد صفوفها باءت معظمها بالفشل إن لم نقل جميعها ، ولابد من تذكر تلك الخطوات حتى يكون القارئ الكريم على بينة مما حصل ، كما  نتمنى أن لا يفهم أحد الموضوع بشكل خاطئ فغرض هذه المقالة وهذا الاستعراض ليس التهجم على شخص بعينه أو انتقاد فصيل بذاته ، وإنما هو عرض لواقع أليم ولأحداث حصلت في سيرورة الحركة الكردية في سوريا ومنها :
1- فشل التنسيق الثنائي بين حزبنا ؛ الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) والاتحاد الشعبي الكردي في بداية الثمانينات .
2- فشل التنسيق الثلاثي بين التقدمي – اليساري – والكردي السوري في نفس الفترة الزمنية
3- فشل التحالف الذي تم إنجازه بين حزبنا والاتحاد الشعبي واليساري ومن ثم الكردي السوري والذي أنجز في عام 1984 ثم فشل في عام 1988
4- فشل التحالف الذي أنجز بين حزبنا والاتحاد الشعبي والكردي السوري ، واليساري جناح السيد خير الدين مراد آنذاك والذي أنجز في بداية التسعينات وحل محله تحالف آخر لم يضم أياً من الفصائل المؤسسة له .
5- فشل التحالف الذي ضم كلاً من التقدمي – الوحدة – رفاق نصر الدين – اليساري (جناح محمد موسى) هذا التحالف الذي تم إنشاؤه بإبعاد جميع المؤسسين الحقيقيين له أوانسحابهم منه لهذا السبب أو ذاك ومن ثم انقسامه بعد ذلك إلى قسمين .
6- لجنة التنسيق الكردية : ورغم نشاطات أطرافها والتي تضم اليكيتي – آزادي – تيار المستقبل ، إلا أن العلاقة بين أطرافها لم تتوج حتى الان إلى إطار تنظيمي متكامل ، ونحن نتمنى أن لا يتعرض لانتكاسة بل تتطور العلاقة الداخلية بين أطرافها .
7- فشل الوحدة الاندماجية بين عدة أطراف في بداية التسعينات والتي تمخضت عن حزبين هما حزب الوحدة وحزب يكيتي .
8- فشل عملية الوحدة الاندماجية بين رفاق نصر الدين والسيد عبد الرحمن آلوجي.
9- انسحاب السيد عبد الرحمن آلوجي من حزبه الأم بعد عودته إليه بأيام قليلة وتشكيله حزباً مستقلاً.
10- انضمام الاشتراكي إلى التقدمي دون شروط ، هذه التجربة اتخذت منحى مختلفاً يجب احترامه ، فالسيد صالح كدو انسحب من هذه التجربة (الوحدة) دون مشاكل ودون الإقدام على تشكيل حزب جديد بل انضم إلى الحزب اليساري الكردي في سوريا.
ومن التجارب الناجحة حتى الآن :
1- الجبهة الديمقراطية الكردية والتي تشكل حتى الآن نموذجاً رائعاً للعلاقات التحالفية النضالية، وعلاقاتها الداخلية تتوطد وتترسخ باستمرار وإن كل المعطيات والمؤشرات تدل على أنها سوف تشكل نموذجاً ومركز استقطاب لوحدة النضال الكردي لأن العلاقات الداخلية بين أطرافها يسودها الاحترام والحوار الديمقراطي في اتخاذ القرارات .
2- حزب آزادي الكردي في سوريا : والذي تشكل من حزبين ( اليساري الكردي في سوريا جناح خير الدين ) والاتحاد الشعبي الكردي في سوريا .
مما سبق ذكره  أنه رغم المحاولات الحثيثة لتشكيل أطر نضالية أو وحدات اندماجية إلا أن معظمها لم تصمد ، فما السبب ؟ وما العمل ؟ أما عن السؤال الأول (السبب) فإننا لن أخوض في تفاصيله رغم أننا على اطلاع تام بمعظمها لأن ذلك وكما أسلفنا قد يكون السبب في خلق توتر جديد في الحركة نحن بغنى عنه رغم إدراكنا العميق وقناعاتنا التامة بأن عدم معرفة الأسباب وعدم تشخيصها بدقة لن يوفر لنا العلاج المناسب للحالة وبمعنى آخر فإن طرح الأسباب الحقيقية قد يكون واجباً علينا لكي نستطيع وضع الحلول لها ولكن ومع ذلك  نعتذرعن القيام بهذا الواجب ليس تهرباً منا للقيام بالواجب وإنما حرصاً منا على عدم فتح صراعات جديدة لأنني أحد مسؤولي الحركة وجزء من هذا الواقع وقد أتهم بعدم الحيادية ، أو قد لا أستطيع أن أكون محايداً بالفعل لذلك أترك موضوع تشخيص الأسباب وطرحها على الملأ للنخب المثقفة الأكثر قدرة على التحليل والبيان بسبب قدراتها ومؤهلاتها أولاً وحياديتها المفترضة ثانياً .
أما ما العمل ؟ فأعتقد أن الحاجة باتت ماسة لإيجاد صيغة جديدة للحركة الكردية ، وأعتقد أن الواقع الحالي يفرض نفسه للبحث عن صيغ بديلة أكثر ديناميكية وقدرة على التعامل مع المعطيات وأكثر تعبيراً عن الواقع وذلك من خلال :
1- الاتفاق على خطاب كردي موحد (الرؤية المشتركة للأحزاب الكردية) يتم الإعلان عنه رسمياً واعتبار هذا الخطاب هو الأساس في التعامل مع المعارضة الوطنية – السلطة – في كافة المحافل الوطنية والدولية مع احتفاظ كل فصيل بخصوصيته بشكل لا يتناقض مع الرؤية المشتركة .
2- إيجاد مرجعية سياسية تمثل الحركة الكردية في الحالة الراهنة وتمهيد الظروف والعوامل لعقد مؤتمر وطني بعد إنضاج عوامل نجاحه وديمومته بعيداً عن الشعاراتية والتسرع .
3- الإجابة عن السؤال الجوهري : لماذا ستستجيب السلطة للحالة الكردية والتي يتطلب منها تغيير الدستور السوري ؟ ما الذي يدفعها إلى ذلك ؟ إذن يجب البحث معاً عن الآليات والوسائل التي تدفع السلطة إلى الاستجابة لحقوقنا المشروعة والمتمثلة بالإقرار الدستوري بوجود الشعب الكردي كثاني قومية في البلاد ، وإلغاء كافة السياسات والمشاريع الشوفينية المطبقة بحقه ومعالجة آثارها وتداعياتها.
4- إن فشل معظم التحالفات والأطر السابقة بين الحركة الكردية ذاتها مرده إلى وجود تنظيمات أخرى فاعلة خارج تلك الأطر ، لذلك ومن أجل إنجاح المرجعية السياسية يجب بذل كل الجهود الممكنة لتكون شاملة ما أمكن .
5- رغم احترامنا الشديد لكل الفصائل والتنظيمات فإن البعض منها لم تنجح في إثبات ذاتها ودورها على الساحة بالشكل المطلوب وذلك ببقائها صغيرة رغم السنوات العديدة والمترافقة بالجهود الحثيثة التي بذلتها لتطوير ذاتها ، وهذا يتطلب – حسب اعتقادنا – من تلك التنظيمات مراجعة جدية وجريئة لذاتها والبحث عن اندماجات مع فصائل أخرى كبيرة أو اندماج عدة تنظيمات صغيرة مع بعضها ، وهنا يجب التأكيد على أن صغر حجم التنظيم لا يقلل من أهميته وعمقه الوطني ، ولكن معالجة الواقع المتشرذم وبالشكل المناسب يقتضي منهم البحث عن اندماجات قد تنجح في خلق واقع جديد ومؤثر على الساحة من جهة وتقلل من التشتت والتشرذم من جهة أخرى .
نعتقد أنه بهذه الخطوات والأفكار مع أفكار أخرى تنبثق من خلال الحوارات مع النخب المثقفة والفصائل الكردية ، نستطيع الوصول إلى أفضل الصيغ النضالية التي تستجيب لمتطلبات المرحلة ، كما أنها تكون قادرة على الديمومة والاستمرار .

* الجريدة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا ( البارتي )العدد (411) شباط 2009

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…