عـذر أقبـح من ذنب

سيدخان حسن

أحيانآ أبحث عن موضوع ما في واقعنا الكوردي لأقوم بتسليط الضوء عليه لكني لا أجد.
وليس السبب هو قلة المشاكل، إذ من غير حسد ـ واللهم زد وبارك ـ مشاكلنا اليومية سواءٌ المزمنة منها أو الجديدة تضيق ساعات اليوم الأربع والعشرين عن إستيعاب ولو جزء يسير منها.
فتراكم المشكلات التي لم تلق حلآ  يدفع المرء الى الحيرة: هل ينبغي عليه أن يقول كلمته في كل منها ويسجل بها حضورآ ويمضي الى أخرى حتى وإن لم يترك أثرآ فيما سبقها، أم يبقى يراوح مع المشكلة ذاتها في ذات المكان بشكل يفـوت على نفسه ملاحقة الجديد.
ولست هنا في معرض تبرير تقاعس ـ أيآ كان ـ عن التصدي لمشاكل الواقع الكوردي وله القدرة على ذلك، فما أسهل العثـور على المبررات، لكنها ستكون ومهما كانت وجاهتها مبررات أقبـح من ذنب التهرب من المواجهة، ورغم أني حاولت من خلال ما كتبت أن أستولي على قليل من الضوء لأسلطه على واقعنا الكوردي السوري ليصل الى بعض الإهتمام الذي تلاقيه القضية الكوردية في كل من تركيا أو العراق أو أيران طالما أن لهؤلاء الأخوة وسائل إعلامهم أقلها فضائيات تتناول كل شاردة و واردة في واقعهم من الإبرة حتى الجمل مرورآ ببرجك لهذا اليوم..

دون أن نجد في وسائل الإعلام تلك أي إهتمام جدي بنا، ورغم أن هذا ليس مبررآ لتجاهل مشكلات كوردستان عمومآ لكنها دعوة للأخوة الكتاب الكورد السوريين على الأقل للانطلاق من واقعهم وتعريف الكورد الآخرين قبل أي أحد آخر بالقضية الكوردية في سوريا بدلآ من الإبتعاد وتخصيص كامل كتاباتهم ومن منطلق أممي  للحديث عن البشير أو نجاد أوالمالكي أو حتى لبنـان، فلقد آلمنـي ولا زال ما قرأته ذات مرة لأحد الكتاب الذين يعملون في كوردستان المحررة عندما قدم نفسه لسائق تاكسي على أنه كوردي من سوريا و رد فعل السائق: (وهل يوجد أكراد في سوريا؟)، وكذلك ما سمعته من أقارب لي في إحدى الدول الأوربية بعد تعرفهم على أكراد من تركيا وتساؤل هؤلاء الأخوة:(وهل يوجد أكراد في سوريا؟) ثم أردفوا رغم أن ـ جماعتنا ـ كانوا يتحدثون إليهم بالكوردية:(أولستم عربـآ؟)..

فعـلآ سـؤال وجيـه.
اليوم هناك دقيقة إشكالية في حياتنا، وكل حياتنا إشكال في إشكال، ورغم أننا أضعنا السنين الطويلة من أعمارنا على لا شئ فاننا أبرزنا اليوم ومرة أخرى وليست أخيرة عضلات الإختلاف على تلك الجزيئة من الزمن، هناك من قرر الوقوف اليوم عشرة دقائق إحتجاجآ على المرسوم التشريعي 49، قرار صائب ولكن..

لكن بدأ كالعادة المزاد، فد قرر فقهاء سياسيون تخفيض العشرة دقائق الى خمسة، ثم جاء من خفضها الى دقيقة، لو كان الإجراء الإحتجاجي مقررآ قبل مدة طويلة و كان هناك متسع من الوقت لدخلنا في التنزيلات على أجزاء الدقيقة لنصل الى أجزاء الثانية و من ثم..وشششـت طار الإحتجاج، وهنا فقط يتساوى فعل التلاعب بالتوقيت مع المبرر في هذا التلاعب، بالمناسبة هناك بعد أسبوعين من الآن 16/17 آذار الساعة 11 ظهرآ وقوف لمدة خمسة دقائق لتذكر شهداء حلبجة، و هو ما يتم منذ سنوات في كوردستان سوريا أيضآ والحركة الكوردية في سوريا مستعدة لدفع أكلاف هذا الوقوف الإحتجاجي..
أعذار أقبح من ذنوب:
ـ أبو نواس كما هو معروف هو الذي ضرب للخليفة هارون الرشيد مثلآ عن العذر الذي هو أقبح من ذنب عندما مد يده يلامس خلفية الخليفة الذي نهره فرد الشاعر معتذرآ بأنه ظنه زوجة الخليفة.


ـ الحكومة السورية ترتكب جرمآ بمنع المطاعم من تشغيل العمال الكورد وعذرها أنهم أجانب.
الحكومة السورية ترتكب جرائم قتل الشباب الكورد أثناء الخدمة العسكرية وعذرها أنهم أقدموا على الإنتحار أو قتلوا خطأً.
ـ الحكومة السورية أصدرت المرسوم التشريعي 49 وطبقته في المناطق الكوردية على المواطنين الكورد بإعتبار مناطقهم حدودية وعذرها هو منع شراء الأراضي الحدودية من قبل أجانب غير سوريين.
ـ لم تقم وسائل الإعلام الكوردستانية بتغطية الألـم والصراخ الكوردي السوري ولن تقوم بتغطيته ومنه إحتجاج برلين يوم 23 من هذا الشهر وما تبعه من إضراب عن الطعام مستمر حتى اللحظة، ولن تقوم بتغطية الوقوف الإحتجاجي ضد المرسوم التشريعي 49 ظهيرة هذا اليوم، ولكنها قامت وستقوم بتغطية كل صوت يهتف لصالحها.
لا عــذر لهـا.
 
28.02.09

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…