التقريـر السياسـي المقدم إلى المؤتمر السادس لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا – يكيتي –

أ- الأوضاع الداخلية للبلاد:

بدايةً وبهدف تناول الوضع الداخلي للبلاد والإحاطة بأبرز قضاياه ، لابد من تسليط الأضواء على عناوين رئيسية أبرزها :
أولاً : قضية الحريات الأساسية وحقوق الإنسان .
ثانياً : الوضع الاقتصادي وتردي الحالة المعيشية.

ثالثاً : المعارضة الوطنية ودور إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي السلمي.
* في مجال قضية الحريات وحقوق الإنسان لا نبالغ في القول بأن سوريا المعروفة بتعددية دينية وقومية لا تزال تعدّ من البلدان النادرة التي توصف بالمناطق المغلقة الرافضة للشفافية والتعددية في الرأي ، حيث لا وجود لقانون ينظم عمل الأحزاب ، ولا حرية في انتخاب النقابات وغيرها من المؤسسات التمثيلية ، ولا قانون عصري يفسح الطريق أمام إعلام مقروء أو مرئي ومسموع ، ..مثلها في ذلك مثل رومانيا شاوشيسكو السابق وغيره من بلدان شرق أوربا في زمن الحرب الباردة ، تلك التي كانت سياساتها وأنماط حكمها تتمحور حول مقولات (مواجهة الخطر الخارجي المتمثل بالإمبريالية العالمية وزعيمتها الولايات المتحدة ) من جهة ، و (حماية النظام الاشتراكي ومصالح العمال والفلاحين) من جهة ثانية ، ..وكل حديث عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان أو رأي مخالف لسياسة الحزب القائد – الحاكم هو خدمة لـ(الثورة المضادة والمخططات التآمرية) من جهة ثالثة .

ويبدو جلياً أن نظام الحكم في البلاد عاجزٌ تماماً عن الإقدام على إصلاحاتٍ جدية ملموسة تعكس إيجاباً على وضع الحريات الأساسية في حياة المجتمع ..

إن مراجعة فحوى جملة البيانات والتقارير الدورية الموثقة الصادرة عن منظمات محلية وعربية ودولية ذات مصداقية عالية كمنظمة العفو الدولية والفدرالية الدولية لحقوق الإنسان ، تلك المعنية بقضية الحريات وحقوق الإنسان في سوريا ، يبرز وبوضوح لا لبس فيه مدى التردي ومأساوية الحالة التي يعانيها السوريون جميعاً بصرف النظر عن إنتماءاتهم ولونياتهم السياسية والفكرية ، وكذلك الوضع المزري لإدارات معظم دوائر ومؤسسات الدولة بما فيها سلك القضاء الواقع عملياً في أسر حزب البعث وأجهزة السلطة الأمنية ، وكذلك مجلس الشعب الذي من المفترض أن يمثل السلطة التشريعية الواجب إجراء انتخاباتها الدورية بحرية ونزاهة ، كما وتبرز في جملة تلك التقارير الموثقة حقيقة استمرار وتصاعد وتيرة الاعتقال الكيفي بحق السياسيين وأصحاب الرأي الآخر ، وسوء معاملة وتعذيب بحقهم ، وأوضاع غير صحية للسجون والمعتقلات …كل ذلك في ظل استمرار مفاعيل العمل بموجب الأحكام العرفية وحالة الطوارئ المعمول بها منذ إنقلاب 8 آذار 1963 أي منذ 45 عاماً ، تحت يافطة (الدفاع عن منجزات الثورة)، وأن البلد (في حالة حرب مع إسرائيل) ، علماً أن ثمة معطيات كبيرة ومتغيرات بنيوية هائلة حصلت على أرض الواقع ، سواءً في مشهد وتركيبة لوحة الداخل السوري وملفاته ، أم في السياسة الخارجية للبلاد والخيار السلمي المعتمد لديها جراء العديد من المتغيرات الإقليمية والعربية والدولية لسنا بصددها في هذا السياق.
إن سياسة وآليات نظام الحزب الواحد وسلطته الشمولية تبقى تولد الاستبداد والفساد وتجددهما وتعيد إنتاجهما ، كما وترسل إشارات ورسائل ضبابية ومتناقضة للجميع ، إلا أنها تتوجس حيال إحداث أي انفراج أو انفتاح نحو الداخل ، حيث القلق والهواجس تلف عوالمها وتقف مترددةً وحائرة حتى إزاء تنفيذ وعودها الكثيرة والمتكررة كقضية وجود الرأي الآخر ووجوب احترامه والعهود والاتفاقات الدولية التي تحمل تواقيعها كقضية منع التعذيب وطرق معاملة السياسيين وسجناء الرأي وحقوقهم.
إن ضرورات تحسين سجل سوريا في مجال حقوق الإنسان والحريات الأساسية تقتضي فيما تقتضي تضافر جهود كل القوى السياسية والفعاليات المجتمعية وممارسة حق وواجب التواصل مع المنظمات الحقوقية الإقليمية والعالمية وكذلك الكتل البرلمانية ، كون المسألة تكتسي طابعاً إنسانياً يمس جوهر الحضارة البشرية وسمعة ومكانة سوريا .
* وفي مجال الوضع الاقتصادي والحالة المعيشية لا تبدو في الأفق مؤشرات أو دلائل تشير إلى ازدهار ورفاهية في مستوى حياة الشعب أو غالبيته ، هذا باستثناء فئة من كبار التجار والسماسرة المنتفعين المتشاركين مع أصحاب النفوذ وسلطة القرار ، وإن حصيلة الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني وكذلك الإنتاج الصناعي ومعظم الخطط والمشاريع المتصلة بهما لا توحي بالخير فحسب بل وتثير الكثير من القلق والمخاوف حيال المستقبل المنظور لكلٍ من الزراعة والصناعة في سوريا ، ليس فقط بسبب شحة الأمطار أو قلة الخبرة وضعف الكادر السوري والتقنيات ، بل وبسبب واقع التخبط وفشل إدارة الدولة وعقلها الاقتصادي ، واستشراء الفساد ونهب المال العام ، وسوء التخطيط، وصولاً إلى اللجوء إلى رفع الأسعار والضرائب وتحميل عموم قطاعات الشعب وبالأخص المنتجين منها أعباء وتبعات رفع الأسعار وخصوصاً قفزة سعر المازوت الجديد التي صدمت المنتجين وتسببت بحصول إشكالات كبيرة وإحباطات غير مسبوقة في مجال الإنتاج الزراعي ، وتزايد معدلات البطالة والفقر في عموم الريف السوري ناهيك عن التراجع الكبير والتدهور الخطير في مستوى التعليم والخدمات الصحية بحيث بات التحصيل العلمي والقبول الجامعي حكراً على أبناء شريحة ضيقة ، مما تسبب ولا يزال بتزايد الهجرة شبه اليومية من الريف إلى المدينة بحثاً عن فرصة عمل ولقمة عيش وخصوصاً من المحافظات الشمالية والشرقية وبشكل أخص من أرياف الجزيرة (الحسكة) ودير الزور والرقة وحلب ، هذا فضلاً عن انشغال الكثيرين ومن مختلف شرائح المجتمع السوري بالتفكير والبحث بشتى الطرق لهجرة أهلهم وبلدهم صوب أوربا وبلدان الخليج تحت ضغط الحاجة والمضايقات متعددة المصدر .
إن تزايد حجم معدلات البطالة والفقر في البلاد بشكل غير مسبوق ليس بالأمر المجرد ، بل يشكل محركاً لتوترات وشروخ وظواهر مرضية في بنية المجتمع وجملة المفاهيم والعلاقات ، سواءً على مستوى الفرد أو الأسرة والمجتمع، وخاصةً تعمق السلبية في نظرة وعلاقة المواطن بالدولة والوطن ناهيك عن التعاطي بالشأن العام السياسي والثقافي، ومعه تتشكل مناخات الانحراف والانتهازية ، وارتكاب الجرائم بمختلف أصنافها بما فيها مخالفة الأنظمة والقوانين وكذلك الأعراف والعلاقات الأسرية ، مما يهدد كيان المجتمع ، كون الأسرة تشكل الخلية الأساس لبنيانه…إن هذه المسؤولية والتبعات تتحملها أساساً مؤسسات الدولة ونظامها الحاكم بحزبه وجبهته وحكومته ومجلس شعبه .
وإن نزعات التطرف والتكفير والتفكير الغيبي في استصدار فتاوى التحريم والقتل ومختلف أشكال التعصب تجد مرتعها الخصب وأجوائها الملائمة في ثنايا وبطون اللوحة الداخلية آنفة الذكر .
* حول المعارضة الوطنية ودور إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي:
إنه لمن المنطق والأمر الطبيعي أن تتعارض سياسات الاستبداد والإفقار والإفساد مع مصالح وحرية وكرامة المواطن ولقمة عيشه ، فالعسف يطال الجميع وخصوصاً الشباب والنساء ، وبالتالي تنشأ معارضة واختلاف على مستوى الفرد والجماعة في مختلف شرائح المجتمع ، وتتبلور في أطر واصطفافات كلما كانت علنية وواضحة في مطالبها وبرامجها ، كلما حالفها الحظ في النجاح في كسب التأييد والتعاطف والإنغراس في وجدان الشعب ونخبه الثقافية والسياسية ، وهذا ما هو عليه الحال ائتلاف إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي السلمي التدرجي الذي كان لحزبنا دوره الملحوظ في المرحلة التأسيسية له والذي لم يمض على ولادته أكثر من ثلاثة أعوام تعرض خلاله رموزه وأعضائه إلى حملات ضغط واعتقال محمومة أهمها حملة الاعتقالات إثر انعقاد المجلس الوطني الموسع لإعلان دمشق تاريخ 1/12/2007 التي طالت رئاسة الإعلان وأعضاء أمانته العامة من بينهم الأستاذ رياض سيف والدكتورة فداء الحوراني وزملائهما من قياديي ونشطاء الإعلان الذين لا يزالون رهن الاعتقال ومحاكمات صورية ، حيث وجهت لهم تهم جنائية لا تمت إلى الواقع بصلة…فكان هدف السلطات ولا يزال شل حركة الإعلان وتفكيكه وإنهائه ، لئلا يأخذ دوره كاملاً في متابعة الجهد الوطني الديمقراطي النبيل ، ولتحبط آمال السوريين في إحداث إنفراج سياسي وإصلاح عميق في أوضاع البلد الداخلية وخصوصاً توفير ضمانات قانونية لحق إبداء الرأي وممارسته بحرية دون خوف ، وإصدار قانون عصري لعمل الأحزاب وآخر لانتخابات حرًة ونزيهة تنبثق عنها المؤسسات التمثيلية من برلمان ومجالس للمحافظات والبلديات وكذلك النقابات ، وذلك على طريق وضع حدٍ لسياسة وامتيازات الحزب الواحد المتجسدة بوضوح تام في المادة الثامنة من الدستور .
ب- قضية وأحوال الشعب الكردي في سوريا:
صحيح أن أوجه معاناة شعبنا الكردي في سوريا تشكل جزءاً من معاناة الشعب السوري ، ولوحة مصالحه وآفاق تطوره متداخلة ومترابطة ترابطاً مصيرياً مع مصالح وتطور المجتمع والدولة ، كونه يشكل جزءاً لا يتجزأ من النسيج الوطني السوري ، إلا أن ثمة أوجه معاناة إضافية مركبة ، لا يزال الشعب الكردي يقاسي منها ، بدءاً بسياسة التشكيك والإقصاء وإنكار الخطاب الرسمي لوجود ثاني أكبر قومية في البلاد – من حيث التعداد السكاني – والحظر المفروض على اللغة الكردية ، مروراً بمشاريع عنصرية وقوانين استثنائية تمييزية ضد الوجود الكردي ، عنوانها الفاضح استمرار العمل بقانون الإحصاء الخاص بمحافظة الحسكة لعام 1962 ومشروع الحزام العربي العنصري ، وصولاً إلى سياسات التعريب والتبعيث وأشكال التمييز بسبب الإنتماء القومي ، ناهيك عن الإهمال المتعمد في المناطق الكردية وخصوصاً في مجالات التنمية والرعاية ، وتكبيل عقود البيع والشراء ومختلف مشاريع البناء بموافقات أمنية مركزية في ضوء المرسوم /49/ تاريخ 10/9/2008 ، فضلاً عن حملات الاعتقال التي طالت رموز وقيادات سياسية كردية، واستدعاءات أمنية شبه مستمرة وحجم الصلاحيات الممنوحة للأجهزة الأمنية وكثافتها المتميزة وسلوكياتها القمعية واللامسؤولة التي وصلت في الأعوام القليلة الماضية إلى درجة إطلاق الرصاص الحي على المدنيين العزل ، وسقوط العديد من القتلى والجرحى ، شهداء وضحايا للسلوك المستهتر والمستخف بأرواح المواطنين، لا لذنب اقترفوه أو جريمةٍ ارتكبوها ، سوى قيامهم بتجمع سلمي ما أو حفل نوروز كما جرى في مساء يوم 20 آذار 2008 في مدينة القامشلي ومن قبلها أحداث 12 و 16 آذار 2004 المفتعلة في القامشلي وحلب وعفرين وكوباني وغيرها ، وكانت حصيلتها التوتر ومزيد من الاحتقان من جهة وتصاعد حدة الشوفينية ، والتشدد الأمني من جهةٍ ثانية .
* وبصدد واقع الحركة الكردية في سوريا ، فإن أبرز ما في مشهدها هو حالة التشتت والتعددية المفرطة في أسماء تنظيماتها بصرف النظر عن حجم انتشار ونفوذ كل منها ، ومدى مصداقية هذا وذاك في الطرح السياسي واقتران القول بالعمل ، وقس على ذلك الأطر الموجودة التي ظهرت وانبنت في ضوء ردود أفعال ودون اكتراث أو إيلاء أهمية لائقة لدراسات من شأنها تشخيص الحالة ومعطيات الواقع الكردي السوري ، ومن ثم تحديد الأجندة في ضوء برنامج الحد الأدنى بعيداً عن التفكير الحزبوي والمزاجية الفردية والخطاب الشعاراتي .

في هذا السياق لا نبالغ في القول بأن سياسة حزبنا وأدائه في عمل وقيادة التحالف الديمقراطي الكردي وكذلك في الإطار العام للحركة الكردية ، اتسمت بنبذ المهاترات والحرص الواعي على خصوصية واقع ونضال شعبنا الكردي في سوريا وضرورة إشراك الفعاليات الكردية المستقلة من وطنيين متنورين ومثقفين نشطاء على قاعدة توسيع دائرة الفعل النضالي ليأخذ بعده القومي الديمقراطي العام الذي يخص الجميع ، فالمسألة ليست شأناً حزبوياً وتفاهمات مناسباتية وقتية بين ممثلي قيادات أحزاب ، ومن هنا كانت مبادرة حزبنا في تقديم اقتراحه الواضح للتحالف ، والداعي إلى تمثيل إرادة المجلس العام للتحالف عبر طريقة الانتخاب الحرً لاختيار ممثل دائم للتحالف لدى الأمانة العامة لإعلان دمشق ، إلا أنه ومن المؤسف أن طرفين حزبيين من التحالف تسرعا كثيراً في رفض وممانعة دراسة المقترح هذا ، مما أثار استغراب معظم أعضاء المجلس العام للتحالف وكذلك أعضاء المجالس المحلية على مستوى البلاد ، ليس هذا فحسب بل وسارع الطرفان الممانعان على إصدار بيانات وقرارات باسم اللجنة العليا للتحالف دون وجه حق ، مما أثار الإمتعاض والبلبلة .

إلا أن المجلس العام بغالبية عظمى لأعضائه وممثلي الحزبين (الديمقراطي التقدمي والوحدة الديمقراطي) ومعهم كافة المجالس المحلية واصل عمله باتزان مجدداً أكثر من مرة توجيه الدعوة للحزبين الممانعين لحضور اجتماع المجلس العام ، إلا أنهما بقيا ممتنعان عن الحضور ، وواصلا كيل التهم والنعوت ضد المجلس العام الذي حافظ على حيويته وتحليه بروح المسؤولية ومنطق التشاور ، وليعيد النظر في البنية التنظيمية ووثيقة مبادئ أساسية ، وذلك بهدف التجديد والاستمرار في العمل في ضوء المتغيرات الكثيرة والكبيرة التي رافقت عمر التحالف منذ تأسيسه ، وبهدف عدم التلكؤ في أداء الواجب الوطني حيال عضويتنا في إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي ، ومواصلة الطرح الداعي إلى عقد مؤتمر وطني كردي في سوريا بمشاركة الفعاليات المستقلة الذي لطالما دعا إليه حزبنا ، حيث أن المجلس العام ومجموع المجالس المحلية تبقى تشكل خطوة ميدانية بمثابة مقدمة من مقدمات وأسس المؤتمر الوطني المنشود الذي يرمي لانبثاق ممثلية عنه بمثابة مرجعية كردية تتمتع بالمصداقية وقوة المنطق باعتماد خطاب سياسي متزن.
وفي هذا السياق تتجلى أهمية جملة التجارب والأعمال المشتركة في الإطار العام للحركة الوطنية الكردية في البلاد من بينها تجربة (الهيئة العامة للجبهة والتحالف) وإجماعهما على وثيقة رؤية مشتركة متكاملة اتسمت بالمصداقية ، وكذلك العديد من الأنشطة والوفود التي انبثقت عن الهيئة العامة في أكثر من مناسبة ، إضافةً إلى الجهود والمساعي التي بذلت مع (لجنة التنسيق) ومسودة مشروع رؤية مشتركة أخرى ، ترافقاً مع العديد من البيانات المناسباتية المشتركة بحيث شكلت ويجب أن تشكل عاملاً إيجابياً ومشجعاً لمشروع عقد مؤتمر وطني كردي في سوريا من شأنه تحقيق التلاقي ووحدة الصفوف على قاعدة أجندة محددة وخطابٍ سياسيٍ مسؤول وفق برنامج الحد الأدنى ، ليضع حداً للتخندقات الحزبوية ، ويفسح الطريق أمام مشاركة حقيقية للفعاليات المستقلة من وطنيين متنورين ومثقفين ومهنيين وأصحاب فكر وقلم.
ج- توجهات العمل:
في ضوء معطيات الوضع الداخلي للبلاد وواقع الشعب الكردي وحركته السياسية ، يمكن تلخيص أبرز المهام الملحة في المدى المنظور بما يلي:
أولاً – مواصلة كل الجهود لتعريف الرأي العام السوري بعدالة القضية الكردية ، كونها قضية وطنية وديمقراطية بامتياز، وذلك من خلال تفعيل وتوسيع الصلات والتواصل مع جميع القوى والفعاليات السياسية والثقافية على قاعدة التمسك الثابت بمبدأ وطريقة الحوار ، والاحترام المتبادل ، بصرف النظر عن اختلاف المواقع والآراء .
ثانياً – الاستمرار في الدعوة لعقد مؤتمر وطني كردي في سوريا للخروج بممثلية بمثابة مرجعية وطنية كردية ، وذلك على قاعدة برنامج الحد الأدنى بمشاركة فعلية للفعاليات المستقلة ونبذ المهاترات الحزبوية والخطاب الشعاراتي.
ثالثاً – حماية وتطوير ائتلاف إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي السلمي ، والإسهام النشط في تفعيل لجانه ، والدفاع عنه في وجه الحملات الظالمة التي لطالما يتعرض لها .
رابعاً – تطوير المجالس المحلية والإكثار منها في مختلف المدن والمناطق وذلك في ضوء مقررات المجلس العام للتحالف ووثائقه.
خامساً – تجديد ومواصلة الدعوة لفكرة عقد مؤتمر وطني سوري شامل ، يشارك فيه جميع القوى والفعاليات السياسية دون إقصاء لأحد أو استئثار من أحد ، وذلك بهدف الحوار والتباحث بأوضاع البلد ، وتوفير ضمانة قانونية لحماية حق إبداء الرأي وممارسته بحرية وشفافية .

الوضع الدولي والإقليمي
مع بداية الألفية الثالثة، كان قد بدا للجميع بأن الولايات المتحدة باتت المرشحة لقيادة النظام الدولي الجديد بلا منازع وذلك لما تملكه من تفوق عسكري واقتصادي وتكنولوجي، أقدمت إدارتها على استخدامه بعد أحداث 11 أيلول 2001 لتساهم في مكافحة الإرهاب، كحامل جديد من أجل دعم مكوّنات إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي التي استدعت إسقاط بعض الأنظمة الدكتاتورية التي انتعش في ظلها الإرهاب، لجملة عوامل من بينها غياب العدالة الاجتماعية، ومن أجل العمل على نشر الديمقراطية في إطار تجفيف منابعه، والقيام بحربين: في أفغانستان عام 2001 والعراق 2003 دون غطاء دولي في أغلب الأحيان ، مما دعا الحلفاء الأوربيين للمطالبة بعلاقات دولية أكثر إنصافاً تقوم على تعدد مراكز القوى وتقاسم النفوذ ، خاصة بعد أن تحررت أوربا الشرقية من هيمنة النفوذ السوفياتي السابق لتلتحق معظمها بالعالم الرأسمالي، وانتفت حاجة أوربا الغربية نفسها للدعم الأمريكي، وقد تجلى ذلك في طموح هذه الدول، وفي مقدمتها كل من فرنسا وألمانيا، بتشكيل كتلة أوربية تتمتع بالمزيد من الاستقلالية، مما رشح أوربا للتحول الى قطب آخـر، إضافة لروسيا الاتحادية والصين…
  لكن الولايات المتحدة سارعت لخلق ظروف دولية تحول دون ذلك، من خلال السعي للتحكم بالموارد الإستراتيجية، وفي مقدمتها النفط واحتياطه في العالم، وقطع الطريق أمام تنامي دور أوربا وغيرها الى مستويات تؤهلها لمنافسة الولايات المتحدة الأمريكية على الصعد الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وعملت من أجل ذلك على إسقاط نظامي صدام في العراق وطالبان في أفغانستان بالتفاهم مع إيران.

ودفعت حلف الأطلسي للتوسع باتجاه أوربا الشرقية لتنضم إليه الدول الواقعة على تخوم ما يسمى بالأمن القومي لروسيا، التي كانت قد رضخت بعد انهيار الإتحاد السوفياتي للسياسة الأمريكية, وذلك لأسباب عديدة منها ضعف وتفكك مؤسساتها الداخلية, وحاجتها للمساعدة المالية، وانشغالها ببناء الديمقراطية الوليدة ومعالجة اقتصادها المنهار، واهتمامها بتحسين أرقام الميزانية بدلاً من حجم ترسانتها الصاروخية..

لكن التطورات اللاحقة أدخلت عوامل عديدة على خط المنافسة الدولية، منها تعثّر السياسة الأمريكية في كل من العراق وأفغانستان والتكاليف الاقتصادية التي تكبّدتها في الحربين، وكذلك اصطدام شعار إشاعة الديمقراطية التي رفعتها الإدارة الأمريكية ، بعوائق جديدة سواءً في العراق الذي لا يزال يعيش تحديات ترسيخ النظام الديمقراطي البديل بسبب الفوضى التي ساهمت في خلقها الأنظمة الإقليمية ، وبالتالي تقدم أولويات الأمن والاستقرار على ضرورات الديمقراطية وحقوق الإنسان، أو في مناطق أخرى حيث لم يكن من شأن البديل السلمي عن طريق فرض الانتخابات تحقيق هذا الهدف..

ونتيجة لما تقدم بدت الولايات المتحدة غير معترضة في الفترة الأخيرة على القبول بشركاء جدد، بعد أن أدركت بأنها غير قادرة وحدها على فرض السيطرة العسكرية والأمنية على كل أنحاء العالم، ويتبين ذلك من تأهّب دول مثل ألمانيا واليابان للانضمام والمساعدة في مثل هذه المهمة، وكذلك من تزايد دور مجلس الأمن في حل النزاعات الدولية، كما هو الحال في دارفور التي تعرض فيها مئات الآلاف للقتل وعمليات التطهير العرقي والتهجير القسري على يد القوات غير النظامية(الجانجويد) التي تقف وراءها حكومة الخرطوم، مما دعا محكمة الجنايات الدولية إلى توجيه أصابع الاتهام للرئيس عمر حسن البشير بتشجيع وتوجيه تلك العمليات، وذلك سعياً لتطبيق العدالة الدولية التي طالت أيضاً زعيم صرب البوسنة رادوفان كارادوفتش الذي يحاكم الآن أمام محكمة لاهاي الدولية.
  ونتيجة لتعثر الدور الأمريكي، من جهة، واستفحال الأزمة المالية التي ألحقت به الضرر ، ودخول إدارة بوش الابن مرحلة نقص الفعالية بسبب اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية, وما تسبب عنه من فراغ، من جهة ثانية، فقد سعت العديد من القوى الدولية الأخرى لسد ذلك الفراغ ، مثل روسيا الاتحادية التي اختارت القفقاس لتؤكد من خلال الهجوم على جورجيا بأن الظروف باتت مناسبة لكي تستعيد مكانتها في السياسة الدولية، وأن هناك مرحلة جديدة قد بدأت، أو على غرار ما قام به الرئيس ساركوزي سواء في القفقاس أو في الشرق الأوسط، أو مثلما قام به رئيس الوزراء التركي فيهما أيضا من دور وسيط, نظراً لانعكاسات الأوضاع في المنطقتين على الوضع التركي، التي تتخوف من تحول جورجيا إلى قاعدة أطلسية متقدمة تقلل من أهمية الدور الإقليمي التركي، وكذلك ارتباط القفقاس بطموحاتها القومية في إتحاد الدول ذات النزعة التركية ، مثل آذربيجان وتركمانستان وأوزبكستان، وكونها ممراً حيوياً لخط أنابيب باكو- تبليسي– جيهان..

وتأتي المخاوف الروسية من مشروع الدرع الصاروخي في بولندا من كونها ترى فيه تهديداَ أمريكياً، ومحاولة لتوريط روسيا في سباق تسلح جديد قد يقودها إلى الإفلاس، وإلى تعطيل مشاريع التنمية فيها، ولذلك فهي، أي روسيا، تعمل ضمناً على استخدام إيران كورقة ضغط على الإدارة الأمريكية لحملها على التخلي عن هذا المشروع.
   أما منطقة الشرق الأوسط التي كانت تعتبر المسرح الرئيسي للتفاعلات الإستراتيجية والأمنية أثناء الحرب الباردة وبعدها، فإنها تحولت الآن إلى إحدى الساحات الرئيسية للحرب على الإرهاب، الذي تعددت مواقعه، من أفغانستان إلى العراق، ومن لبنان إلى الصومال والسودان مروراً بالساحة الفلسطينية، التي لا تزال تحتل دوراً هاماً في تحريك أحداث المنطقة، ومثلما كانت  هذه المنطقة تتعايش مع تطبيقات السياسة الدولية في مرحلة الحرب الباردة ، فإن بعض القوى والأنظمة فيها بدأت تعلق آمالاً على النهوض الروسي الذي يعني لها إعادة التوازن الدولي، ومن ضمن ما يعنينا من تلك القوى الموقف الرسمي السوري الذي وقف الى جانب روسيا في حربها على جورجيا، وذلك من منطلق عرض الخدمات والمراهنة على المحاور الدولية ، وكذلك لدعم الموقع التفاوضي للنظام في مساعي فك العزلة مع الغرب ومفاوضات السلام مع إسرائيل، التي تتعامل مع هذا الموضوع من باب الاشتراط على فك الارتباط مع إيران، وتعتبر التنازل عن الجولان رغم معارضة غالبية الاسرائيليين، أقل خسارة من إشعال حرب جديدة ضد حزب الله الذي تضاعفت قواته وقدراته عما كانت عليها في تموز 2006 ، ومن هنا فهي، أي إسرائيل، تسعى لقطع الدعم العسكري الإيراني، واللوجستي السوري عنه، من خلال اتفاقية سلام تخرج سوريا من الصراع، وتنهي دورها كممر للمساعدات الى حزب الله وحركة حماس، كما أن تحييد سوريا بنظرها سيكون ضرورياً إذا فكرت إسرائيل بتوجيه ضربة استباقية إلى المراكز النووية الإيرانية والمواقع الصاروخية..

أما الجانب السوري، فإن تلك المفاوضات لا تعني له مجرد استعادة الجولان، بل إنها قد تفتح أمامه الطريق الى الحوار مع الإدارة الأمريكية التي يعتبر مشاركتها شرطاً أساسياً للانتقال الى المفاوضات المباشرة وضماناً لنجاحها، إضافة الى أن النظام السوري يرمي من وراء ذلك للخروج من العزلة الدولية التي يعاني منها رغم ما تحقق له من انفتاح وإحياء للعلاقات مع فرنسا بعد الاستجابة لمبادرة الرئيس ساركوزي في تسهيل انتخاب رئيس جمهورية لبنان في اتفاق الدوحة الذي حصلت سوريا بموجبه على تأشيرة التواصل مع أوربا عبر فرنسا التي أراد رئيسها إنجاح المؤتمر الأورو- متوسطي – .

وتواصلت تلك العلاقات حتى توجّت مؤخراً بالقمة الرباعية السورية الفرنسية التركية القطرية في دمشق، التي سهّلت على الرئيس الفرنسي مهمة التحرك على المسارات الثلاثة المرسومة، وهي مفاوضات السلام والموضوع اللبناني والملف النووي الإيراني، الذي يسعى ساركوزي، بضوء أخضر من الإدارة الأمريكية لتحقق ما عجزت هذه الإدارة عن تحقيقه بأساليب أخرى، وتحويل النظام السوري من حليف داعم لإيران إلى وسيط ساع لإقناعها بالتخلي عن تخصيب اليورانيوم، كما يراهن على تباين الموقفين السوري والإيراني، فالجانب السوري، الذي تجمعه مع نظيره الإيراني أوراق إقليمية مشتركة عديدة، يسعى الى استثمار تلك الأوراق في المساومة مع الغرب لفك العزلة وتمييع المحكمة الخاصة باغتيال الحريري والضغط على إسرائيل للتفاوض معها من موقع أقوى، وإقناع أوربا بإحياء مفاوضات الشراكة الأوربية المتوسطية، وكذلك للعودة الى دائرة الاهتمام العربي الرسمي، أما الجانب الإيراني فإنه يتعامل مع تلك الأوراق من موقع البحث عن دور إقليمي وحسم الملفات الخلافية لصالحه وخاصة الملف النووي 0
  أما تركيا التي ترعى المفاوضات السورية الإسرائيلية غير المباشرة في استانبول، فإن ثقة الجانبين بها كوسيط تأتي من دورها كحلقة وصل بين الشرق والغرب، ومن محافظتها على عمق العلاقات مع الدول الأوربية وأمريكا، من جهة، باعتبارها عضو في حلف الأطلسي، مقابل تمتعها، من جهة ثانية، بعلاقات جيدة مع إيران، وارتباطها مع دول الخليج بمذكرة تفاهم، وكذلك من قدرتها على تذليل بعض العقبات، خاصة ما تتعلق منها بالمياه التي يمكن أن تعوضها تركيا من خلال مشروع أنابيب السلام العابرة من سوريا إلى الأردن وإسرائيل، ومنها قد تصل إلى الخليج، كما تأتي من عمق العلاقات السورية التركية التي تنمو باتجاهين: الأول إنعاش التجارة بين البلدين والتوصل الى العديد من الاتفاقات ومنها تشجيع الاستثمارات والتعاون الجمركي ومنع الازدواج الضريبي وتطبيق اتفاق التجارة الحرة والتوقيع على مذكرة تفاهم على قضايا سياسية واقتصادية وأمنية، وقضايا أخرى تتعلق بالطاقة والمياه.

أما الاتجاه الآخر فهو التحرك الإقليمي المشترك مع إيران لمواجهة أي تطور مفاجئ في كردستان العراق لإفشال التجربة الديمقراطية المنبثقة عن الإقرار الدستوري للنظام الفيدرالي في العراق والتي تتخوف تلك الدول من اسقاطاتها على الوضع الكردي في بقية أجزاء كردستان، وعلى هذا الأساس بدأت بإحياء محورها الثلاثي (السوري التركي الإيراني)، القائم على التعاون لمواجهة الحركة الكردية، خاصة في كردستان العراق، والتأثير على القرار السياسي الكردي والتدخل في الشأن الداخلي العراقي، وتحويل مسألة كركوك إلى منطلق لتصارع قومجي يحل محل الفتنة الطائفية التي قد تقترب من نهاياتها خاصة بعد التفاهمات التي جمعت  بعض الكتل السياسية مع النظامين الإيراني والتركي، والتي تجلت في إبقاء المادة 140 من الدستور العراقي قيد النظر والتي لم تجد طريقها للتطبيق حتى الآن.
   ومن الجدير بالذكر أن قضية كركوك، وكذلك المناطق الأخرى المستقطعة مثل خانقين وسنجار ومخمور وغيرها خلقت أجواء ملبّدة بعدم الثقة ستكون لها آثاراً سلبية على التحالفات القائمة، خاصة في هذه المرحلة التي، يواجه فيها العراق تحديات أخرى تتمثل في مناقشة الاتفاق الأمني مع الولايات المتحدة الأمريكية، والذي يسعى الجانبان لإقراره، وتجاوز الخلاف على بعض القضايا العالقة، ومنها وضع جدول زمني للانسحاب، وكذلك موضوع الحصانة المطلقة التي يفترض أن يتمتع بها الجنود الأمريكيون في العراق.

لكن ومهما تكن صيغة تلك الاتفاقية، فإن الجانب العراقي لا يخفي استمرار حاجته للدعم العسكري الأمريكي من أجل الحفاظ على الأمن غير المستقر في ظل المصالحة الوطنية الهشة في هذا البلد الذي يشكل استقراره وتجربته الديمقراطية هاجساً لدول الجوار الاقليمي، ومنها إيران التي تعارض تلك الاتفاقية مدّعية بأن الولايات المتحدة الأمريكية تحاول بها تثبيت تواجدها..

ورغم أن بعض المراقبين العراقيين يرون في الموقف الإيراني من الإتفاق تدخلاً في شأن سيادي داخلي يخص العراق، فقد صعّدت إيران معارضتها، ونجحت في فرض وجهة نظرها على الكثير من المسؤولين العراقيين الذين برّروا اعتراضاتهم عليها بأن التوقيع من شأنه أن يفاقم الصراع الأمريكي الإيراني حول تقاسم النفوذ في العراق الذي تتخذ إيران منه مسرحاً أساسياً لصراعها مع أمريكا وتستخدم حلفاءها فيه لتهديد الجيش الأمريكي في حال تعرضها لأي هجوم، مثلما تتعامل مع حزب الله في جنوب لبنان باعتباره قاعدة متقدمة للرد على إسرائيل بعد أن زوّدته بإمكانات كبيرة وسلاح متطور يشكل الآن نقطة خلافية رئيسية في طريق الحوار الوطني اللبناني الذي يمر بمرحلة اختبار عملي لمصداقية إتفاق الدوحة وشروطها.

ورغم إنجاز مهمة انتخاب رئيس الجمهورية والاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية وما يعنيه ذلك من التأسيس لمرحلة جديدة، فإن التحديات لا تزال قائمة، ومن بينها موضوع سلاح حزب الله الذي يدخل كعامل مؤثر في الصراع الداخلي، ويلغي مبدأ تكافؤ الفرص، خاصة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، ومن التحديات الأخرى التي تواجهها الحكومة الجديدة صياغة العلاقات السورية اللبنانية على أسس منصفة، ومدى قدرة رئيس الجمهورية على تصحيحها، وتنفيذ القرارات الدولية المنظّمة لها، وسد المنافذ أمام التدخلات الإقليمية.


لقد شهدت الساحة الفلسطينية ظروفاً صعبة ومعقدة، خاصة بعد أن شهدت خلال العام الماضي تطورات دراماتيكية ألقت بظلالها على مستقبل قضية الشعب الفلسطيني، ومنها سيطرة حماس على قطاع غزة في 14 حزيران 2007 ، ودخول القضية الفلسطينية منذ ذلك الوقت في دوامة مجهولة حيث أصبح للشعب الفلسطيني حكومتان إحداهما في غزة تقودها حماس، والأخرى في الضفة الغربية بقيادة فتح، واتخذت إسرائيل من هذا الانقسام فرصة لتعميقه بغية تكريسه، وأحكمت  حصارها على غزة التي اعتبرتها كياناً معادياً وصولاً إلى إغلاق المعابر وقطع الكهرباء والوقود، لكنها بالمقابل تعمل على عدم السماح لأحد الطرفين بحسم الصراع لصالحه في محاولة لاستمرار النزيف الفلسطيني.
  الوضع الكردستاني
  كان لإسقاط نظام البعث الدموي في العراق في نيسان 2003 تأثيراً كبيراً على المنطقة عموماً، وعلى الجوار الكردي بشكل خاص، ومن أجل ذلك كان همّ الأنظمة التي تقاسمت كردستان وتضطهد الشعب الكردي في كل من إيران وتركيا وسوريا، ولا يزال، هو الحيلولة دون استقرار العراق خوفاً من انتقال عدوى الديمقراطية إلى الجوار الإقليمي، كما كان همّها أيضاً التآمر على التجربة الفيدرالية.

ومن هنا جاءت الاعتداءات العسكرية التركية والإيرانية على كردستان وتدخلاتها السافرة في شؤونه الداخلية، في محاولة لإجهاض تلك التجربة، التي– رغم أهميتها – لا تزال تعاني العديد من التحديات والإشكالات ، منها ما هي داخلية تتعلق بالتعامل الديمقراطي في البيت الكردي الداخلي وعملية تقاسم السلطة بين الحزبين الرئيسيين PDK – YNK في كردستان على قاعدة الرجل المناسب في المكان المناسب ونبذ المحسوبيات، وأخرى تخص العلاقة مع الحكومة المركزية، حيث لا تزال العديد من المشاكل العالقة، ومنها مسألة المناطق المقتطعة، مثل سنجار وخانقين ومندلي ومخمور وغيرها، لكن تبقى أكثرها حساسية قضية كركوك التي من المفترض أن تخضع للمادة 140 من الدستور التي تتضمن تصحيح عمليات التعريب أي التطبيع ، ثم الإحصاء تمهيداً للاستفتاء ومن ثم اتخاذ القرار النهائي بخصوص مصير كركوك، لكن تطبيق هذه المادة وغيرها يلقى المعارضة من جانب بعض الكتل السياسية، التي تعمل بإيحاءات إيرانية وتركية، أو بوحي الفكر الشوفيني المترسب، والتنكر للدستور تحت غطاء إعادة صياغة بعض مواده من جديد، مثلما تنكرت للعهود التي قطعتها مع الكرد قبل سقوط النظام تحت غطاء خطر إقامة دولة كردية في حال ضم كركوك لإقليم كردستان.
  أما في كردستان تركيا، فقد كان لاعتقال السيد أوجلان عام 1999 وتطبيقات اتفاقية أضنه (السورية – التركية) أثراً كبيراً في تراجع الحركة المسلحة التي قادها حزب العمال الكردستاني، الذي اضطر لإعلان هدنة من جانب واحد نتيجة للضغوط السياسية والعسكرية والأمنية التي مارسها النظام التركي إثر سلسلة من التفاهمات والمساومات الإقليمية، واستمر وقف إطلاق النار حتى عام 2004 حيث تغيّرت الظروف السياسية بعد حرب العراق وانتشار حالة الفوضى فيه، مما جعل منه ملجأً سهلاً لبعض الحركات المسلحة ، ومنها PKK   الذي تمكن من زيادة عدد مقراته في الجبال الوعرة من الشريط الحدودي لكردستان العراق، وليتخذ الجيش التركي من هذا التواجد ذريعة لشن العديد من الحملات العسكرية البرية الفاشلة والغارات الجوية، التي أكدت بأن الحلول العسكرية وصلت إلى طريق مسدود، وأن الحوار الديمقراطي مع الممثلين المنتخبين للشعب الكردي في كردستان تركيا هو الكفيل بإيجاد حل عادل للقضية الكردية هناك.
  وعلى صعيد السياسة الرسمية ، وعلى الرغم من إلغاء الأحكام العرفية في كردستان تركيا ومنح الأكراد حق التعلم بلغتهم في المدارس الخاصة، وبث إحدى القنوات الفضائية التركية برامجها باللغة الكردية، وصدور بعض الصحف الكردية المرخصة تحت ضغط الاتحاد الأوربي الذي يعارض انضمامها للاتحاد بسبب سجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان والتعامل مع القضية القومية الكردية، فإنها تحاول الالتفاف على هذه القضية التي تعجز عن حلها بالتهرب من استحقاقاتها، وهي تمارس على أرض الواقع سياسة التتريك والغطرسة القومية التركية من خلال التقليل من شأن كل ما هو غير تركي، مما ينعكس سلباً على التطور الطبيعي للغة والثقافة الكردية وخطط التنمية في مناطق كردستان.
  أما بالنسبة للحراك السياسي الكردي، فقد نشط حزب المجتمع الديمقراطيDTP  بين أوساط المجتمع الكردي، وتمكن من إيصال ممثليه إلى رئاسة ومجالس العشرات من البلديات في المناطق الكردية وإلى البرلمان التركي، كما تنشط أحزاب كردية أخرى مثل الحزب الاشتراكي الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني(باكور) وHAK-PAR  ومستقلون نشطاء .
   من جانب آخر، بدأت بعض الجمعيات والمؤسسات الثقافية والشخصيات الكردية الوطنية الغيورة في الفترة الأخيرة، بالانتظام العلني في تنظيم سياسي كردي جديد يعتمد النضال السياسي الديمقراطي السلمي والأسلوب العلني، سمي بـTEV-KURD(حركة الكرد).

وعقدت هذه الحركة مؤتمرها الثالث مؤخراً في آمَد(ديار بكر) بشكل علني، وأكدت أن أسلوب النضال السلمي الديمقراطي هو الأمثل من أجل تحقيق أهدافها.

وأكدت ضرورة الحفاظ على المكاسب التي تحققت في إقليم كردستان العراق ودعمها بكل الإمكانات المتاحة.
  أما في كردستان إيران: فإن نظام الجمهورية الإسلامية المتخلف يعاني من أزمة سياسية اقتصادية اجتماعية خانقة، وتئنّ الشعوب الإيرانية بكافة شرائحها وأطيافها من وطأة الظلم والإجحاف اللاحق بها من جراء سيطرة نظام الملالي على زمام الأمور في إيران.
   ورغم أن الكرد كانوا قد تمكنوا من إنشاء بعض المؤسسات المدنية في عهد خاتمي مثل إصدار بعض الصحف وتشكيل مراكز ثقافية واتحاد الطلبة الكرد وإنشاء رابطة الجالية الكردية في طهران، وكذلك المعهد الثقافي الكردي فيها وجمعية حقوق الإنسان في كردستان، بالإضافة إلى تغاضي النظام عن تشكيل ما تسمى بـ(جبهة التحالف الكردي- جبهة متحد كرد)التي ضمت عدة جمعيات ومؤسسات مدنية وثقافية تعمل في طهران والمناطق الكردية ..

غير أن أجهزة النظام في عهد الرئيس أحمدي نجاد أغلقت العديد منها وأحالت الكثير من الصحفيين والناشطين الأكراد إلى محاكم غير نزيهة وأصدرت بحقهم أحكاماً جائرة تندى لها الجبين.
   واليوم فإن الجماهير الكردية هناك تقف خلف الحزب الديمقراطي الكردستاني- إيران الذي يقود النضال القومي التحرري لشعبنا في كردستان إيران بهدف انتزاع الحقوق القومية المشروعة في إطار إيران ديمقراطي فيدرالي، بالإضافة إلى تنظيمات كردية أخرى مثل كومله وحزب أزادي كردستان.

وتلتقي الحركة الكردية هناك مع القوى الديمقراطية في إيران والمنطقة في تقييم طبيعة نظام طهران الذي يمارس سياسة إرهاب الدولة وتصديرها ، وكذلك تعصبه الطائفي والقومي الشوفيني، ورغم التحذيرات المستمرة والعقوبات الاقتصادية المتكررة التي فرضت عليه بسبب برنامجه النووي من جانب مجلس الأمن ، والتي فشلت جميعها عن ردعه ، فإنه لا يبالي بما قد ينجم عن تمرده على قرارات الشرعية الدولية من تبعاتٍ، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن الحركة الكردية في إيران ترى أن هناك ضرورة تاريخية ومسؤولية أخلاقية لتأطير نضال جميع القوى الديمقراطية والتقدمية في إيران وكردستان لتشكيل جبهة نضالية مشتركة تضمّ كافة القوى الإيرانية الخيرة، لتوحيد طاقاتها النضالية من أجل إسقاط النظام الإسلامي الحاكم بالوسائل والطرق الديمقراطية، وتعمل يداً بيد من أجل بناء حكومة وطنية فيدرالية، تلتزم بالديمقراطية قولاً وعملاً وتصون حقوق المواطنة، وتتمتع فيها كافة القوميات الموجودة في إيران بحقوقها القومية ضمن إطار وحدة البلاد، خاصة بعد أن باتت جميع القوى السياسية في إيران على قناعة تامة اليوم بأنها لا تستطيع تحقيق أهدافها طالما بقي هذا النظام حاكماً للبلاد، لأنه لا يتنكر فحسب لحقوق الشعوب الإيرانية ، بل أنه يسعى جاهداً من أجل صهر هذه القوميات انطلاقاً من فهمه بأن الشعور القومي يضعف إيديولوجية الإسلام، وأنه يرى، وفقاً لمنظوره أحادي الجانب هذا، ضرورة التفاف جميع البشر حول هذه الإيديولوجية، بغضّ النظر عن قومياتهم، في حين يناضل فيه الحزب الديمقراطي الكردستاني- إيران من أجل تأمين الحقوق القومية الكردية في إطار إيران موحد، والشعار المعتمد لديه حالياً هو: (إقامة حكومة ديمقراطية فيدرالية تصون هوية الكرد وباقي الشعوب الإيرانية، وتحترم الديمقراطية والقانون وحقوق الإنسان)، ويدعو الحزب إلى تعزيز الوحدة الوطنية على أساس احترام حقوق الجميع ومبدأ الشراكة الوطنية والتساوي في الحقوق والواجبات.
   أواخر تشرين الثاني 2008 
      الهيئة القيادة

  لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا(يكيتي)

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…