هل التصلب المزمن حيال القضية الكردية يخدم مصالح البلد؟

  «إنه ثمن باهظ لاشك، أن يشتري الإنسان حياته اليومية بموت يومي.»
       غسان كنفاني

افتتاحية نشرة يكيتي *

لاشك أن التجربة التاريخية للشعب الكردي عموماً، هي جملة المشاكل التي واجهها من إخفاقات وانتصارات، وهذه التجربة لا تتجلى على مستوى القادة السياسيين وحدهم مهما كانت تحليلاتهم وتوجيهاتهم، لكن هنا بالذات للشعوب دور تاريخي في مسرح الحياة، باعتبارها القطب الأساسي والفاعل في تحريك الأحداث، وبالتالي حسمها.

لذا فإن القمع المنهجي الذي يتعرض له الكرد باستمرار يهدف إلى جانب قتل اللغة والثقافة الكرديتين، وخلال فترات زمنية طويلة، إلى نسف وتدمير نمط الحياة الطبيعي لهذا الشعب المنكوب، وتحويل أغلبيتهم إلى مهاجرين ومشردين، وسلب حقهم في الحياة بحرية وكرامة.

فالتصلب المزمن حيال القضية الكردية في سوريا لا يخدم مصالح البلد، بل يؤدي إلى تدميره بطريقة دراماتيكية بعيدة عن روح المسؤولية، لأن لسوريا مشاغل أهم وأخطر بكثير من سياسات القمع، الاعتقالات، إصدار الفرمانات، واللجوء إلى الخطابات الإقصائية التي لا تعد في أحسن الأحوال سوى أنساق لإنتاج العنف ونسف للعلاقات الاجتماعية والسياسية.

ففي ظل هذه اللوحة القاتمة والأزمات الاقتصادية، وغياب الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، يصبح العنف الوسيلة الأسهل لتأمين لقمة العيش، وتصبح أوساط الجماهير عرضة لتضليل التيارات الرجعية في المنطقة.
وبسبب غياب النظرة الموضوعية إزاء الحقائق التاريخية «وإنه لشيء محزن» أن نجد لدى الكثيرين من أوساط السلطة حماساً عدائياً تجاه الكرد، لا يكنون مثله تجاه إسرائيل.

وعلى الرغم من سياسة الإنكار، وبشاعة الظلم وقسوته، فإن الشعب الكردي وحركته السياسية لم يدخروا جهداً –ضمن إمكاناتهم- في سبيل استقلال البلاد، والمساهمة في بناء الحضارة، وإن كانت بعض التصريحات تصدر أحياناً في اللحظات والمواقف الحرجة “كمن يتكلم تحت تأثير مصل الحقيقة” عن حقيقة دور الكرد كمكون أساسي في التأسيس والبناء، دون أن يتحول الموقف إلى رؤية سياسية واضحة، أو إرادة حقيقية في خوض تجربة جديدة، وإرساء سابقة، فضلاً عن القدرة على ابتداع صيغ تقبلها جميع الأطراف والمكونات المعنية لإنهاء حالة الإنكار والتجاهل والتخوين والمزاودات “الوطنية” الشعاراتية.
لأن التأكيد المفتعل على الجانب الوطني (الذي لا خلاف عليه) دون الجانب الديمقراطي في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ووضع الديمقراطية السياسية موضع المعارضة والتشكيك، هي لعبة سياسية مكشوفة يلعب عليها النظام لتبرير قمعه وتمرير سياساته التي تخدم مصالحه وأمنه.
فالمطلوب هو خلق مناخ ديمقراطي سلمي لحل القضية الكردية في سوريا، وأن يتخلى النظام –ومن يدور في فلكه من المنتفعين- عن التصورات المشبوهة والخاطئة التي رسخها خلال عهود طويلة من القهر والحرمان والتنكر للحقوق القومية للشعب الكردي الذي يعيش على أرضه التاريخية، ويعد ثاني أكبر قومية في البلاد يجب الاعتراف به دستورياً.
إن معاناة الشعب السوري عموماً والكردي خصوصاً، ومظاهر الفقر والبطالة، وصور التشرد التي نعايشها يومياً وحيثما اتجهنا، تتطلب منا جميعاً موقفاً موحداً يرقى إلى مستوى المسؤولية في مواجهة جملة من السياسات العنصرية والتمييزية المطبقة بحقنا، والتي تهدف إلى كم الأفواه، وتشتيت جهود القوى والفصائل الوطنية الديمقراطية في البلاد، والتلويح بالعصا الغليظة، وتلفيق التهم من أجل الترهيب، والقبول بما يخطط كأمر واقع، تحت حجج المواجهة، والتصدي للمؤامرات الخارجية المزعومة للقفز فوق الاستحقاقات الداخلية الملحّة على كافة الصعد، وتخويف المعارضين بتحويلهم إلى المحاكم الاستثنائية التي فرضتها حالة الطوارئ منذ استيلاء حزب البعث على مقاليد السلطة في البلاد.

كل ذلك يعدّ انتهاكاً سافراً لحقوق الإنسان على مرأى الجميع دون أن يرف لأحد جفن، بل ينبري البعض أحياناً لتبرير هذه السياسات بدل البحث عن سبل التصدي لها وإسقاطها دفاعاً عن جيوش المتضررين منها على اختلاف انتماءاتهم.

هذا الموقف “اللاموقف” يذكرنا بالقول المأثور للسياسي والشاعر الكبير ناظم حكمت: «إذا أردت أن تكون تافهاً فما عليك إلا أن تدير ظهرك لآلام البشرية..» ؟!؟!

* نشرة شهرية تصدرها اللجنة المركزية لحزب يكيتي الكردي في سوريا – العدد 165 كانون الثاني 2009 م

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في الوقت الذي تشهد فيه الساحة الكردية السورية جُهوداً متقدمةً لتوحيد الصفوف من خلال عقد “كونفراس ” كردي جامع يضم مختلف القوى السياسية والمنظمات المدنية والفعاليات المجتمعية، بالتوازي مع الاتفاق المبرم في العاشر من آذار بين قائد قوات سوريا الديمقراطية وحكومة أحمد الشرع الانتقالية، تفاجأ المواطنون في مناطق “الإدارة الذاتية” بقرارٍ غيرِ مدروس ، يقضي برفع…

عزالدين ملا بعد ما يقارب عقد ونصف من الحرب والتشظي والخذلان، وبعد أن استُنزفت الجغرافيا وتفتتت الروح، سقط بشار الأسد كأنّه خريفٌ تأخر كثيراً عن موعده، تاركاً وراءه بلاداً تبدو كأنها خرجت للتو من كابوس طويل، تحمل آثار القصف على جدرانها، وآثار الصمت على وجوه ناسها. لم يكن هذا الرحيل مجرّد انتقال في السلطة، بل لحظة نادرة في…

إبراهيم اليوسف ليس من اليسير فهم أولئك الذين اتخذوا من الولاء لأية سلطة قائمة مبدأً أسمى، يتبدل مع تبدل الرياح. لا تحكمهم قناعة فكرية، ولا تربطهم علاقة وجدانية بمنظومة قيم، بل يتكئون على سلطة ما، يستمدون منها شعورهم بالتفوق الزائف، ويتوسلون بها لإذلال المختلف، وتحصيل ما يتوهمونه امتيازاً أو مكانة. في لحظة ما، يبدون لك من أكثر الناس…

د. محمود عباس   في زمنٍ تشتد فيه الحاجة إلى الكلمة الحرة، والفكر المُلهم، نواجه ما يشبه الفقد الثقافي العميق، حين يغيب أحد الذين حملوا في يومٍ ما عبء الجمال والشعر، ومشقة النقد النزيه، إنها لحظة صامتة وموجعة، لا لأن أحدًا رحل بالجسد، بل لأن صوتًا كان يمكن له أن يثري حياتنا الفكرية انسحب إلى متاهات لا تشبهه. نخسر أحيانًا…